السينما البحرينية غائبة ومخرجون يؤكدون: نحن نتأنى ولم نبتعد عن السينما
4 January، 2023
بقلم منصورة الجمري
قبل حوالي عشرة أعوام، خلال الفترة التي شهدت انعقاد دورات مهرجان الخليج السينمائي، ومهرجان دبي السينمائي الدولي، برزت أسماء مجموعة من المخرجين الخليجيين، الذين تألقوا كصناع أفلام، وتنبأ لهم الكثيرون بمستقبل واعد. وقد كان للبحرين حظها في قائمة أولئك المخرجين، إذ ظهرت أسماء عرفها مرتادو مهرجانات السينما الخليجية، لكنها سرعان ما غابت عن الساحة، وبدا كما لو أن غيابها تزامن مع توقف مهرجان الخليج السينمائي في عام 2013.
عبر هذه السطور، نلتقي ثلاثة مخرجين ممن توهجوا في القائمة البحرينية وهم: محمد راشد بوعلي، محمد إبراهيم، عمار الكوهجي. للأول، يرجع الفضل في تقديم فيلم روائي طويل بعد غياب بحريني طويل عن الساحة. كان ذلك فيلم “الشجرة النائمة” الذي أنجزه عام 2014، وحصل عنه على عدة جوائز وإشادات نقدية، وقبلها قدم عدة أفلام قصيرة ميزته كواحد من المخرجين الخليجيين الشباب الذين تسلط عليهم الأضواء.
محمد إبراهيم، هو الآخر مخرج من قائمة البحرينيين حاصدي الجوائز. أهم جوائزه جاءت من مهرجان أبو ظبي السينمائي، ومهرجان الخليج السينمائي. أما عمار الكوهجي، فجاءت نجاحات أفلامه القصيرة من عدة مهرجانات أهمها مهرجان الخليج السينمائي، والمهرجان السينمائي لمجلس التعاون الخليجي، ومهرجان الإسماعيلية للأفلام الروائية القصيرة والتسجيلية. وقد كان آخر عهد المخرجين الثلاثة بالصحافة في عام 2014 لراشد بوعلي، وقبلها بعدة أعوام لكل من إبراهيم والكوهجي.
غياب الثلاثة كان محل تساؤل واستفسار من قبل متابعي أعمالهم والمراهنين على أسمائهم. هنا، نحاورهم حول أسباب الغياب، وعلاقة مهرجانات السينما في دبي بنجاحاتهم. وقد أفاد المخرجون الثلاثة بأنهم لم يتغيبوا عن الساحة السينمائية الخليجية، وأكد كل منهم انشغاله بعدة مشاريع ذات صلة بالسينما.
الكوهجي: أبطأتُ سرعتي فقط
عمار الكوهجي، أنجز آخر أفلامه القصيرة “سكون” عام 2012، وحصد عنه ثماني جوائز من مهرجانات مختلفة، لكنه منذ ذلك الوقت لم يحقق أي فيلم آخر. سألته عن غيابه، فيما الساحة السينمائية الخليجية تزدهر بفعل حراك سينمائي قوي ينطلق من المملكة العربية السعودية. اعترض على سؤالي قائلا “سرعتي أصبحت أبطأ، هذا كل ما في الأمر”، مشيرا إلى أن آخر أعماله هو فيلم “ساير الجنة” الذي عمل فيه مساعدًا للمخرج الإماراتي سعيد سالمين في العام 2015، مضيفًا أنه يعد حاليًا لفيلمين جديدين، روائي طويل وآخر قصير، حالت ظروف جائحة كوفيد-19 دون إتمامهما، معللا “يمكنني أن أقدم فيلمًا كل عام، لكن ما يهمني هو النوع وليس الكم، كما أني أفضل التأني في اختيار حكاية فيلمي وفكرته، العملية ليست سهلة. وفي الواقع تعثر فيلمي الطويل بسبب عدم وجود جهة إنتاج وتمويل، إلى جانب عدم وجود بيئة سينمائية مناسبة للعمل”.
عمار الكوهجي: أفضّل التأني لأنني يهمني النوع وليس الكم.
إبراهيم: اشتغال وليس غيابًا
محمد إبراهيم الذي قدم آخر فيلم قصير له “بيت العصافير” عام 2017، أكد هو الآخر أنه لم يبتعد ولم تتوقف مسيرته، وأفاد بأنه يعيش “حالة من التأني” ليقدم “عملًا مميزًا ومتكاملًا يليق بطموحه”.
وأوضح “مسئوليتي كمخرج اختلفت اليوم عن أي وقت آخر. أنا الآن مطالب بتقديم تجربة مختلفة، كما أن أفكاري عن السينما والتعاطي الشخصي معها تغيرت كثيرًا. حتى التحديات التي أواجهها أصبحت مختلفة، فأنا لا أستطيع اليوم أن أقدم عملًا بإنتاج سريع وبسيط، فقد وصلت إلى مرحلة قدمت فيها أفلاما قصيرة متنوعة حققت الجوائز والقبول. أريد أن أقدم عملًا فيه جدة ومواكبة للمتغيرات”.
وعن حالة التأني يقول “أتأنى أكثر في اختيار المحتوى والأفكار التي أريد أن أطرحها. هذا ليس جمودًا، لكنها حالة مهمة وضرورية في الاشتغال السينمائي. صناعة السينما بشكل عام تحتاج إلى الكثير من التأني. والاشتغال يحتاج إلى بيئة مناسبة لصناعة السينما”.
محمد إبراهيم: لا أستطيع اليوم أن أقدم عملًا بإنتاج سريع وبسيط.
بوعلي: لم أتوقف.. وهذه إنجازاتي
من جانبه، أكد محمد راشد بوعلي أنه لم يتوقف أبدًا، موضحًا أن الأعوام الثمانية التي مرت منذ عرض فيلمه الروائي الطويل لم تخل من الإنجاز “لم أبتعد عن السينما أبدًا. عُرض فيلمي عام 2014 وانشغلت في 2015 بمشاركاته في المهرجانات، وفي عام 2016 سافرت لدراسة السينما في الولايات المتحدة، ثم عكفت على كتابة سيناريو لفيلم روائي طويل تحت عنوان “كومبارس” في عام 2017. قضيت ما يزيد على العامين في كتابته وتطويره، بعدها بدأت رحلة البحث عن جهات داعمة للفيلم. في عام 2018 بدأت مشروع فيلم وثائقي أخذني في رحلة تصوير إلى أكثر من 16 مدينة حول العالم، وانشغلت به حتى عام 2020، وفي الوقت ذاته كنت أعمل على تأسيس خطة عمل للمستقبل منها البحث عن منتجين لفيلم “كومبارس”. ومع تأثر العالم بجائحة كوفيد-19، استثمرت وقتي في تأسيس سبعة مشاريع لأفلام روائية طويلة، كما أني أعمل حاليًا على الحصول على دعم يساند الفيلم الوثائقي للدخول إلى مرحلة المونتاج، بالإضافة إلى تعاوني مع عدد من الأصدقاء على مشاريع فيلمية مختلفة”.
محمد راشد بوعلي: لديّ سبعة مشاريع لأفلام روائية طويلة.
بيئة فقيرة وحراك مشلول
أعود لأسال الكوهجي وإبراهيم عن البيئة السينمائية التي تحدثا عنها، وكيف أخرت مشاريعهما؟ يقول الكوهجي “ليس لدينا نظام للإنتاج السينمائي، والظروف الإنتاجية غير مهيأة، ما يضطرنا للبحث عن جهة إنتاجية خارج البحرين. وهذا أمر صعب، لأن الأفلام التي نعمل عليها نخبوية، ولا تجذب رأس المال في الخارج. في السابق، كان هذا النوع من الدعم يوفر لنا عبر مهرجان دبي السينمائي. كذلك ليس لدينا كتاب سيناريو، ولا مصورون سينمائيون”.
ويوافقه إبراهيم الرأي، لكنه يوضح “لا أقصد أنه يجب أن تكون هناك صناعة سينمائية كطموح في منتهاه، لكنني أتحدث عن حراك فني سينمائي يخلق بيئة مناسبة لصناعة أفلام تعبر عن هويتنا، ونحن غير مطالبين بتقديم أفلام ذات بعد تجاري”.
ويرى أن “عدم وجود جهات داعمة بشكل واضح قد يعرقل العملية الإنتاجية، لكنه لا يشكل عائقًا أمام السيناريوهات والأفكار الجادة. المنتج السينمائي يحتاج لإنتاج متكامل، وأنا شخصيًّا كل أعمالي التي قدمتها كانت مدعومة”. لكنه يؤكد “الدعم ليس عائقًا حقيقيًّا، ففي اللحظة المناسبة سأعود ولا شيء سيقف في طريقي”، ويضيف “هناك نقطة مهمة هي قلة كتاب السيناريو. وجود السيناريو القوي يجعل المخرج ينطلق باستمرار لكون السيناريو هو الخطوة الأولى في هذه العملية”.
أستفسر من إبراهيم عما إذا كانت صناعة الحراك السينمائي جزءًا من المسؤولية التي يتحملها المخرج المبدع، فيرد “هذه ليست مسؤولية فردية، الحراك جماعي والجميع يجب أن يكون مسؤولًا عنه، المنتجون، والكتاب، والمخرجون، ثم إن المسؤولية الأكبر تقع على الجهات المعنية بالمجال نفسه”.
شرك الفيلم الطويل
سألت الكوهجي، وبوعلي، عما منعهما من إنجاز مشاريع أفلام قصيرة، ما دامت صناعة الفيلم الطويل متعذرة، وما داما قد حققا نجاحات سابقة في مجال الفيلم القصير. يوافقني الكوهجي ويرد “أعترف بأننا بدلا من التركيز على صناعة أفلام قصيرة جيدة ذهبنا إلى الطويل فوقعنا في دوامته وشركه، وأظن أننا لم نتمكن من الخروج. لكننا وصلنا إلى مرحلة من الفهم والنضج السينمائيين جعلتنا نقرر الانتقال إليه”.
ولا يوافقه بوعلي، مؤكدًا عدم وجود خطة لديه لصناعة فيلم قصير، موضحًا “في أثناء رحلة تصوير الفيلم الوثائقي قمت بتصوير العديد من القصص التي بالإمكان تحويلها إلى فيلم قصير أو إلى مجموعة أفلام قصيرة. لكن الفيلم القصير في رأيي هو حالة هدفها الوصول إلى المهرجانات، وهي فرصة للسفر والتعلم والتواصل مع صناع السينما، بالإضافة إلى مردودها المعنوي المتمثل في الجوائز. لكنني حاليًا وصلت إلى مرحلة من الاكتفاء من هذا الجانب وأصبحت أرى السينما من منظور آخر. صناعة الأفلام أصبحت مصدر رزق بالنسبة لي، كما أن مصادر دعم الفيلم القصير محدودة، بالإضافة إلى أن رحلتي الفكرية الخاصة تقودني إلى جوانب مختلفة من الاستكشاف في عالم صناعة الفيلم قد تتقاطع مع صناعة الفيلم القصير مستقبلًا”.
حماس المهرجانات
ألتقط الخيط من بوعلي لأسأل الكوهجي وإبراهيم عن حماس المبدعين الأوائل، وهل انتهى بتوقف مهرجانات السينما في الخليج؟ يرفض إبراهيم فكرة ربط حماسه لتقديم منجز سينمائي بالمهرجانات، معتبرًا ذلك اتهامًا، ويقول “لست منبهرًا بأضواء المهرجانات بقدر اعتزازي بما حققته لبلدي ولي شخصيًّا. الجوائز جاءت بنفسها في لحظة السعي والمثابرة، وأنا الآن في مرحلة الاستمرارية والمواصلة. أي منجز لدي اليوم يحتاج إلى ولادة جديدة وليس إلى مجرد جائزة”. لكنه يؤكد قرب المهرجانات الخليجية من المخرج الخليجي، فهي تمثله وتعبر عن هويته، وهي الحاضن الأول لأفلامه “مهرجان الخليج كان يشكل واجهة حقيقية لصناع الأفلام الخليجيين، وكان مشجعًا وحافزًا لهم للوجود فيه وتمثيل بلدانهم، والاحتكاك مع الآخرين، كما شكل منصة انطلاق للمهرجانات العربية والعالمية”.
أما بوعلي فيرى أن “توقف مهرجاني دبي والخليج أغلق عدة أبواب ومصادر لتمويل أفلام المخرجين، بالإضافة إلى انقطاع فرص اللقاء مع المنتجين والداعمين المهتمين بصناعة الأفلام في المنطقة، لكن الآمال حاليًا تنتعش مع تأسيس صناعة السينما في مهرجان أفلام السعودية ومهرجان البحر الأحمر السينمائي”.
أما الكوهجي فيرى أن “مهرجاني الخليج ودبي السينمائيين كانا حاضنين لنا، شخصيًّا ساهم حضوري المهرجانين في تطوير مستواي بشكل كبير”. لكنه يؤكد أن الحماس لا يزال موجودًا، وأن الاشكالية تكمن في أن الشباب الذين صنعوا أفلامًا في تلك الفترة يريدون أن يقدموا تجارب أفضل، ويقول “خبرتنا اليوم أكبر ورؤانا السينمائية اختلفت. ثم ما فائدة صناعة أفلام قصيرة اليوم ولا توجد لدينا مهرجانات في الخليج، أين سنشارك بها؟”.
المهرجانات العربية
وأسأل الكوهجي عن سبب عزوفه عن المشاركة في مهرجانات السينما العربية في فترة غياب المهرجانات الخليجية فيقول “لا تمكن مقارنة المشاركة في مهرجان خليجي بالمشاركة في مهرجان عربي يضيع فيه فيلمي وسط أفلام كثيرة ولا يحصل على الضجة الإعلامية التي سيحصل عليها ضمن مهرجان خليجي”. ويتداخل بوعلي “وجود مهرجان الخليج دفع الكثير من الشباب لصناعة الأفلام، كان بعضها جيدًا وقادرًا على المشاركة في المهرجانات العربية وتحقيق الجوائز، لكن توقف المهرجان أوقف عجلة الإنتاج من قبل صناع السينما الذين كانوا يعتمدون عليه بشكل أساسي لعرض أفلامهم. بغيابه أصبح صانع الفيلم الخليجي أمام منافسة صعبة مع صناع السينما في المهرجانات العربية و العالمية”.
هل من عودة؟
يشعر بوعلي بحماس كبير للعودة مع “انفتاح سوق للسينما في السعودية، حيث تغيرت الخارطة السينمائية، ثم جاء التعافي الذي تلا أزمة الكورونا، الذي أثر بشكل كبير على كافة القطاعات بخاصة صناعة الثقافة والأفلام والمهرجانات”. وعن مشاريعه للعودة يقول “أنا أخرج نفسي من فكرة المخرج، وأعمل على مشاركة خبرتي ككاتب ومنتج. خصوصًا مع انفتاح سوق صناعة السينما في المنطقة وافتتاح صالات العرض في السعودية ووجود مساحة في شباك التذاكر ومنصات العرض. كما أعمل كمستشار قانوني وثقافي لعدة شركات ومؤسسات ثقافية وأقدم دورات في كتابة السيناريو”.
إبراهيم أيضًا وعد بعودة قريبة مؤكدًا أن لديه مجموعة أفكار سيحولها في القريب العاجل إلى أفلام، مؤكدًا “يجب أن نحارب من أجل تجربتنا. لم نصل إلى هذه المرحلة لنتوقف، نحن نلتقط أنفاسنا لكي نعود مرة أخرى”.
أما الكوهجي، فقد وعد بعودة قريبة تصبح خطواته فيها أسرع، فهو منشغل حاليًا بالعمل ضمن فريق مهرجان الأمل السينمائي في السويد، في منصب نائب رئيس المهرجان. وعلى الرغم من أن ذلك قد يبعده عن التركيز على مشروعاته السينمائية، فإنه يرى في المهرجان “تجربة جيدة ستسهم في إعطاء وزن للسينما الخليجية خارج منطقة الخليج”.