عمر الزهيري، تامر عزت وعلي العربي مخرجون شباب يسردون تجاربهم الأولى: السينما هي الحياة!
4 January، 2023
بقلم رانيا يوسف
أثبت المخرجون المصريون الشباب تامر عزت، وعمر الزهيري، وعلي العربي، حضورهم في المشهد السينمائي بتجارب لافتة واعدة، تنوعت بين الأفلام التسجيلية والروائية القصيرة والطويلة. ولا يزال المشوار أمامهم طويلًا لمواصلة نجاحاتهم التي تجسدت في تجاربهم الأولى، وهي نجاحات تخطت حدود المحلية إلى الصعيدين؛ العربي والدولي، سواء من خلال دور العرض والمنصات، أو المهرجانات العالمية.
وعلى الرغم من تنوع أصواتهم، وامتلاك كل منهم رؤى وأبجديات وأدوات ومذاقات مغايرة، فإنهم يكادون يلتقون على نحو ما، ولو بشكل ضمني، في استلهام “قماشة الحياة”، والاشتغال عليها فنيًّا، لتكون كاميراتهم قريبة دائمًا من الواقع والناس. وقد التقت “كراسات سينمائية” المخرجين الثلاثة ليسردوا تفاصيل تجاربهم عبر هذه السطور..
عمر الزهيري.. أن تكون مثل شادي عبد السلام
نال المخرج عمر الزهيري عن فيلمه القصير الأول “زفير” تنويهًا في مسابقة “المهر العربي” للأفلام القصيرة في الدورة الثامنة لمهرجان دبي السينمائي الدولي. وحصل فيلمه الروائي الأول “ريش” على جائزة النقاد في مسابقة “أسبوع النقاد” بمهرجان كان السينمائي، ثم عرض في مهرجان الجونة بمصر، وأثار جدلًا كبيرًا.
يقول عمر في حديثه إنه عاش أيامًا صعبة بعد الهجوم الذي أثير ضده عند عرض فيلم “ريش”، ويوضح أنه بدأ عشقه الإخراج عن طريق برنامج تليفزيوني عن المخرج شادي عبد السلام، حيث أراد أن يصبح مثل هذا الرجل الذي يرسم لوحاته بناء على قصص، ويصورها أفلامًا بعد ذلك.
قدم عمر فيلمه الأول “زفير” عام 2010، ولم يكن به حوار أو تمثيل أو كاميرا تتحرك، فهي مجرد لحظات حياتية لشخصين. وهو يرى أن هذا الأسلوب يناسب عالمه الشخصي، كمحاولة لأن يثبت لنفسه أنه يستطيع صنع شيء خاص به، ولا يشبه أحدًا.
يتناول الزهيري في فيلمه التسجيلي الأول قصة “موت موظف” لتشيكوف، وعنه يقول: “رأيت الفيلم في ذهني بشكل مغاير تمامًا لما كنت أحضر له أوّلًا في مشروع تخرجي، رأيته يشبه أفلام إيليا سليمان وروي أندرسون وجاك تاتي، وقررت صنع قالب يمزج أساليب هؤلاء المخرجين. غيرت شكل الفيلم، لم أثق في قدراتي وقتها كمخرج حتى شاهدت المونتاج، وفي خلال يومين انتهت نسخة الفيلم وتم عرضها على لجنة تحكيم مشاريع تخرج معهد السينما، التي كان يرأسها الكاتب وحيد حامد ومعه المخرج سمير سيف. أشاد الجميع بالفيلم، وشاركت به في مسابقة أفلام الطلبة (سيني فونداسيون)، وكان المخرج الإيراني عباس كياروستامي رئيس لجنة التحكيم، ونصحني بالعمل بجرأة فنية أكثر”.
ويشير عمر إلى أنه بعد الإشادة التي حصل عليها بعرض فيلمه التسجيلي، وجهه رئيس مهرجان كان إلى تقديم فيلمه الروائي الطويل، والإقامة في باريس للتفرغ للكتابة، من خلال برامج دعم المخرجين. وهذا البرنامج لا يشترط إنتاج الفيلم أو الاشتراك في المهرجان، لكن يساعد السينمائيين على تطوير أفلامهم، ومنه خرج العديد من المخرجين الكبار. ويستطرد عمر: “لم أكن جاهزًا لصنع فيلم طويل، فقررت المغامرة، وتشكلت فكرة فيلم “ريش”، عندما رأيت في مخيلتي سيدة تعاني بسبب دجاجة. هي قصة تبدو نكتة، لكنها مأساة إنسانية تعبر عني. وتم قبول الفيلم في برنامج الكتابة، ومن خلاله قابلت المنتجة الفرنسية چوليت لي بوتر، وبدأت الرحلة”.
يتميز الأسلوب السينمائي للزهيري بالصورة السينمائية، التي تطغى على الحوار، ويصفها عمر بقوله: “أرى السينما التي أصنعها هي لحظات من الحياة، لا نراها ولا نقف عندها في الحياة العادية، لحظات ساحرة ومؤلمة في الوقت نفسه. شخصيات غير مميزة وضعيفة. قصص أفلامي عن أشخاص ليسوا أبطالًا، ولا حتى بهم شيء مميز سوى أنهم يعيشون”.
لذلك “فالسينما التي أصنعها قد تجبر المتفرج على التقرب من شخصياتي وعالمهم غير المثير للوهلة الأولى. أستخدم الصمت والصورة والأصوات، وأتجنب الحوار، كي أجذب المتفرج إلى خلق علاقة بينه وبين الفيلم، تجعله يكتشف أنه أمام شخصيات شديدة التعقيد”. في فيلم ريش “الزوجة تبدو سلبية وخاملة في بداية القصة، لكننا نكتشف بمشاهدة الحياة من وجهة نظرها أنها قوية. الحوار في أفلامي قليل، وليس حوارًا سينمائيًّا، بل هي جمل تشبه أبيات الشعر، تجعل المشاهد يفكر ويتأمل”.
وحول اختيار ممثلين غير محترفين في أعماله يقول عمر:” تتكون المشاهد في خيالي بأشكال البشر الذين يمارسون حياة ولا يؤدون أو يحاولون التعبير عن أنفسهم. أحكي عن شخصيات لا تشعر بوجودها وحبيسة مخاوفها. لا يمكن من وجهة نظري تحقيق ذلك بتقنيات التمثيل المعتادة عن طريق ممثل موهوب يعبر بمشاعره ووجدانه عنما تمر به الشخصية. أرى اختيارًا آخر مبنيًّا على الاكتشاف. الأشخاص أمام الكاميرا لا يمثلون وليس مطلوبًا منهم التمثيل. هم وجوه وأجساد تعبر بقوة عن مشاعر داخلية، ونكتشف هذا بالتأمل في أعينهم”.
عمر الزهيري: عباس كياروستامي نصحني بالعمل بجرأة فنية أكثر .. وأفلامي عن شخصيات لا تشعر بوجودها وحبيسة مخاوفها.
تامر عزت.. الفرق بين “المصنوع” و”الطبيعي”
ينتمي المخرج تامر عزت إلى ما عُرف منذ سنوات بتيار السينما المستقلة، حيث الأفلام قليلة التكلفة عادة، فهو قدم في بداية مشواره عددًا من الأفلام التسجيلية، منها “مكان اسمه الوطن”، وشارك في إخراج فيلم “الطيب والشرس والسياسي”. وفي عام 2010، قدم أول أفلامه الروائية “الطريق الدائري”، الذي عرض للمرة الأولى في مهرجان القاهرة السينمائي. وبعد تسع سنوات، أخرج فيلمه الروائي الثاني “لما بنتولد”، وعرض في مهرجان الجونة.
يقول المخرج تامر عزت إن بداية عمله في المونتاج رسمت طريقه كمخرج تأثر بشكل كبير بالمدرسة الطبيعية، والأفلام التسجيلية جعلت عينه ترى الفرق بين “المصنوع”، و”الطبيعي” الذي يعكس الحياة. وعندما بدأ إخراج الأفلام الروائية، حاول نقل هذا الأسلوب إلى الفيلم الروائي. كما أسهم إعجابه بأفلام المخرجين عاطف الطيب ومحمد خان وداود عبد السيد وخيري بشارة في تشكيل وعيه تجاه هذا التيار.
وعندما بدأ ممارسة الإخراج كمحترف، تعرف على أعمال مخرجين بدأوا حياتهم أيضًا كمخرجي أفلام تسجيلية، مع فرق البيئة وظروف الصناعة، مثل “الأخوين داردين” اللذين نرى انعكاس أسلوب الفيلم التسجيلي على أفلامهما الروائية، والمخرج الأيرلندي “فون جرين راست”، الذي بدأ كمخرج تسجيلي، ثم قدم سلسلة أفلام أكشن للممثل الأميركي “مات ديمون”.
ويضيف تامر أن دراسته للسينما في أميركا أثرت في تكوين أسلوبه الفني، حيث توفرت له الفرصة لمشاهدة أفلام كل المدارس السينمائية في مكتبة الجامعة، من بينها أعمال الواقعية الجديدة التي سادت أوروبا، والمدرسة الآسيوية، وأعمال المخرج الياباني “كيروساوا”. ويوضح أن الإنتاج الذي ساد في أميركا وقتها هو الإنتاج المستقل، الذي يجعل المخرج يصنع كل شيء بنفسه. ويوضح تامر أن هذا التيار جعله شغوفًا أكثر بتجربة صناعة الفيلم المستقل، حيث يشارك المخرج في كل عناصر الفيلم إلى جانب الإخراج، قائلًا “تدربتُ على الكتابة والتصوير وتنفيذ أفكاري، حتى لو لم أمتلك ميزانية كبيرة”.
وعن الاختلاف بين عمله الأول “الطريق الدائري” وفيلمه الثاني “لما بنتولد”، من حيث الأسلوب، يشير تامر إلى أنه قدم أفلامًا تسجيلية كثيرة وطوّر مشاريع أخرى، ما غيّر ذائقته ونمّاها. وفي فيلم “لما بنتولد”، حاول تقديم تجربة غنائية متفردة تعبر عن ذوق مغاير للتنميط الذي اجتاح السينما في مصر. ويصف الفيلم بأنه “خليط من ميراثنا الغنائي وموسيقى الأندرجراوند وذوقه الشخصي”، لذلك فهو تجربة يعتز بها استوحي شخصياتها من فيلمه التسجيلي “مكان اسمه الوطن”.
تامر عزت: في “لما بنتولد”، حاولت تقديم تجربة غنائية متفردة تعبر عن ذوق مغاير للتنميط الذي اجتاح السينما في مصر.
علي العربي.. ومعايشة اللاجئين
بدأ المخرج علي العربي حياته مصورًا للحروب، قبل أن يقدم فيلمه التسجيلي الأول “كباتن الزعتري” الذي تتبع فيه قصة حياة شابين سوريين يعيشان داخل مخيم الزعتري للاجئين في الأردن، على مدار ست سنوات. يوضح العربي أن عمله كمصور حروب أثر في لغته السينمائية، بخاصة في اختياره موضوعات أفلامه، إضافة إلى تكنيك التصوير السريع الذي استلهمه من عمله تحت خط النار. وقد استلهم تقنيات التصوير في الأماكن الحقيقية، وكيفية توظيفها في الفيلم، من خلال عمله السابق كمصور إخباري.
ويلفت العربي إلى أن القصص الحقيقية الحياتية قد تتجاوز الخيال، والفيلم الوثائقي جعله يقترب أكثر من أعماق الشخصيات، على عكس التصوير الإخباري السريع، الذي لا يسعى سوى إلى نقل الخبر فقط. ويرى أن فيلمه “كباتن الزعتري” كان أشبه بتجربة حياة، حيث معايشة أبطال الفيلم لأكثر من ست سنوات داخل مخيم الزعتري، ومقاسمتهم كل أنواع المشاعر الحقيقية. ويقول: “عندما قابلت شخصيات الفيلم، شعرت بأن اللاجئين هم جزء من العالم. كنت أسعى إلى معايشة تجربتهم كي أنقلها إلى العالم. حتى السيناريو والتصوير، كنا نقوم أحيانًا بالارتجال، وكان تغير الأوضاع داخل المخيم والتقلبات التي تصادف حياة الشخصيات خلال تلك السنوات هو الذي يقود تدفق الأحداث”.
علي العربي يرى أن الفيلم التسجيلي يصلح لشباك التذاكر إذا كان هناك موزع يؤمن بالتجربة، قائلًا “السينما العربية حاليًا في صعود لافت، خصوصًا الأفلام التي تصنع بجهود فردية من صانعيها. وإن عرض فيلم “كباتن الزعتري” حاليًا على ثلاث منصات تتيح لأي شخص حول العالم مشاهدته بسهولة”.
علي العربي: تصوير الحروب وجه لغتي السينمائية إلى الواقع. و”كباتن الزعتري” كان أشبه بتجربة حياة.