فاطمة الجبيع: كتبتُ “مسلك مغلق” لأعالج الرؤية القاصرة تجاه المرأة
4 December، 2023
حاورها: عبد الرحيم الشافعي
بدأت المخرجة المغربية فاطمة الجبيع مشوارها المهني كممثلة عندما كانت في سن الخامسة عشرة، فقد شاركت مبكرًا في العديد من الأعمال المسرحية، حيث انضمت إلى فرق المسرح “الشامل”، و”الصورة”، وقامت بتسجيل أول مشاركة لها في عمل تلفزيوني من إخراج مصطفى الخياط.
بدأت مسيرتها المهنية كمساعدة مخرج في مسلسل “الكواليس”، تأليف العربي باطما، وإخراج مصطفى الخياط. ثم أخرجت العديد من الأعمال الدرامية المهمة، مثل: “لا تبحثوا عني”، “الهاربان”، “أنا وخويا ومراتو”، “عائلة السي مربوح”، و”دار أمي اهنية”، و”لخواتات”، ورغم ممارستها لكتابة السيناريو والإخراج، إلا أنها تفضل أن تخرج سيناريوهات الآخرين، وترى أن المخرج الحقيقي هو الذي يختار عملِا يؤمن به وبفكرته، وأن التمثيل أفادها في الإحساس بشعور الممثل.
البداية
من التمثيل إلى الإخراج. هدف يسعى إليه الكثيرون في السينما المغربية. حدثينا عن هذه التجربة من الفكرة إلى التنفيذ؟
من التمثيل إلى الإخراج؛ بكلِّ صدق لم يكن يومًا الهدف الأساسي في مسيرتي. فقد بدأت مسيرتي المهنية بأدوار الكتابة والعمل كمساعدة مخرج. وقد عملت بجدٍّ واجتهاد في العديد من المشاريع التي تطلبت تقنيات الكتابة والإخراج.
ومع أني أحترم وأقدر دور الممثل والمخرج، إلا أن شغفي الحقيقي كان وما زال هو الكتابة والإخراج. ويمكنني أن أؤكد لك أن التمثيل أقرب إلى قلبي؛ لأنني أعتبر نفسي ممثلة، وعندما يتحول الممثل إلى مخرج، يتمتع بفهم عميق للأدوار، وقدرة على إدارة الممثلين ببراعة، حيث يستخدم خبرته ومشاعره الشخصية لتوجيه الأداء، وجعله يصل إلى أعماق الشخصية التي يُجسِّدها.
فالممثل الذي يصبح مخرجًا يتعامل بدقة وحساسية مفرطة مع أدق تفاصيل عمله؛ لأنه يحاول نقل رؤيته وإحساسه إلى المشاهدين. هذا هو الحال بالنسبة لي أيضًا، فعندما أعمل كمخرجة على أعمالي أسعى لأن يكون للفيلم أثر قوي على الجمهور، وأن أنقل القصة بكلِّ عاطفة وإبداع.
وبالرغم من أهمية التقنيات السينمائية ،مثل المونتاج والإضاءة، فإن شغفي الحقيقي بالإخراج يكمن في قدرتي على التعبير والتواصل مع المشاهدين من خلال السينما. أعتبر أن المخرج هو الذي يتحمل المسؤولية عن اختيار الموضوع، وطرحه بطريقة تلامس القلوب، وتصل إلى أكبر عدد من الجمهور.
إن رغبتي في أن أكون مخرجة لا تكمن في الحصول على لقب، بل في تحقيق حلمي، والتعبير عن أفكاري ومشاعري من خلال أعمالي السينمائية. وأعدك بأنني سأعمل بكلِّ حبٍّ وإخلاص لتحقيق هذا الحلم الذي لا يفارقني منذ البداية.
مع أني أحترم وأقدر دور الممثل والمخرج، إلا أن شغفي الحقيقي كان وما زال هو الكتابة والإخراج.
رغبتي في أن أكون مخرجة لا تكمن في الحصول على لقب، بل في تحقيق حلمي والتعبير عن أفكاري ومشاعري من خلال أعمالي.
ما عدد الأعمال التي قمتِ بإخراجها؟
لقد قدمت أعمالًا من أنواع مختلفة، وشاركت كمخرجة في العديد من المشاريع. من بين أعمالي، ست سلاسل، وثلاثة مسلسلات، وأربعة أفلام، وأفلام قصيرة، بالإضافة إلى فيلم وثائقي تم إنتاجه للمركز السينمائي، وسلسلة أفلام وثائقية للقناة الأمازيغية. وما زلت أعمل بجدٍّ لتقديم أحلام مختلفة بأشكال متنوعة. اختياري للتنوع في الأعمال يستمد قوته من إيماني الدائم بأن الفن هو مصدر متعة وفائدة. أسعى من خلال أعمالي لمناقشة فكرة معينة، وإيصالها بطريقة فنية تجعل المتلقين يرون الأشياء بعمق أكبر. ومن خلال اختلاف المواضيع والأنماط التي أقدمها، أجد نفسي أعبِّر عن جوانب متعددة من موهبتي الفنية، وأنقل رؤيتي الإبداعية بأساليب متنوعة. يعطيني هذا الاختلاف الفرصة للتعبير عن أفكاري وأحلامي، بأشكال متنوعة تستهدف شرائح مختلفة من الجمهور.
المسلك المغلق
من أين نشأت لديك فكرة أول فيلم قمتِ بإخراجه؟
عندما استوقفتني فكرة أول عمل، سرعان ما انطلقت في تدوينها، وتجسيدها في فيلم قصير يحمل اسم “المسلك المغلق”. ركزت خلال الفيلم على استكشاف النظرة الذكورية للمرأة، والاضطهاد النفسي الذي تعانيه بسبب كونها أنثى. صدِّقيني، كنت أشعر بالانزعاج الدائم تجاه بعض الرجال الذين ينظرون إلى المرأة على أنها مجرَّد جسد خاوٍ من الإنسانية والمعرفة والكفاءة. يبدو أنهم يرُكِّزون فقط على أنها امرأة، ولم تتجاوز عقولهم أن تكون المرأة أكثر من ذلك.
كانت تلك النظرة المـُجردة للمرأة تظل تثير استيائي في كل مكان، سواء في مكان العمل أو الشارع أو أي مكان آخر. حتى الرجل الذي أعمل جاهدة لأحميه وأسانده، أحيانًا لا يراها سوى جسد يمكنه أن يُلقى عليه النظرات الجارحة، بغض النظر عن موقفها. فكان ينظر إليها على أنها كيان يمكن رفضه أو قبوله بناءً على مظهره فقط، هذه الوضعية المـُـحبطة كانت مصدر إلهامي لهذا الفيلم.
فــ “المسلك المغلق” يأمل أن يسلط الضوء على الواقع المرير الذي تعيشه المرأة، ويُشجع على تغيير النظرة القاصرة في التعامل معها كشخص له قدرات ومواهب لا تقتصر على الجنس.
أغلبية الأفلام التي تحصد جوائز الأوسكار، يكون المخرج فيها هو نفسه السيناريست، فما سبب نجاحات هذه الأفلام؟ وهل تميلين إلى هذه الثنائية في أفلامك؟
عندما يكون المخرج هو السيناريست، فإن الفيلم يكون أكثر جاذبية للنجاح، طبعًا إذا كانت فكرته وطريقة طرحها تستحق ذلك. فالمخرج الحقيقي هو الشخص الذي يجب أن يختار عملًا يؤمن به ويحس بفكرته، حتى يستطيع تجسيدها بالصورة. إذا لم يكن للمخرج ارتباط عاطفي بالعمل الذي يقدمه، فسيظهر الفيلم جافًّا وخاليًا من الروح، حيث يمرُّ أمام المشاهد دون أن يحسُّ به أو يفهم معناه. لا يقتصر ذلك على المخرج فقط، بل ينطبق على جميع أفراد فريق العمل، وخاصة الممثل والمصور ومهندس الصوت. المصور عندما يلتقط لقطة، يجب أن يتأثر بالدور المقدم من الممثل، ويحس بكل تحركاته، حتى تظهر اللقطة حية ومشوقة، وليست مجرد صورة عادية.
من وجهة نظري الشخصية، أفضِّل العمل مع فريق آخر، ولا أفضِّل الثنائية في الإشتغال. أحب أن أتبنى سيناريوهات أشخاص آخرين؛ لأنني أؤمن بأفكارهم، وأرغب في تجسيد رؤاهم بطريقة مميزة. أو قد يكون لدي فكرة خاصة بي، لكنني أفضل مشاركتها مع سيناريست آخر، لإضافة نقاط نظر مختلفة، وجعل الفكرة أكثر تنوعًا وجاذبية.
أحب أن أتبنى سيناريوهات أشخاص آخرين؛ لأنني أؤمن بأفكارهم، وأرغب في تجسيد رؤاهم بطريقة مميزة.
منطق مختلف
ماذا يعني لك أن تكون صانع أفلام؟
بالنسبة لي يمتلك صانع الأفلام منطقًا آخر يختلف عن المنطق العادي. قد يكون هذا المنطق مختلفًا عن النهج التقليدي في سباق الحياة، ولكن هذا ما يُثير اهتمامي في صناعة الأفلام. إن صناعة فيلم بالنسبة لي ليست مجرَّد إنتاج لعمل سينمائي، بل هي فرصة للتعبير والتحليق في أفق أجمل، واكتشاف عوالم جديدة تُغذِّي الروح وتغري الأمل.
وبالطبع، لا يمكننا أن نقتصر على صنع أفلام فقط من أجل الإنتاج السينمائي، بل يجب أن تكون هناك رؤية ورسالة نرغب في توصيلها من خلال هذا العمل الفني. قد يجد البعض صعوبة في فهم هذا المنطق، وقد يتعارض مع وجهات نظرهم، ولكن بالنسبة لي، الفيلم هو مسؤولية وتجربة تحمَّلها كل صانع أو حالم يرغب في صنع الافلام.
تحديات المخرج
ما الصعوبات التي تواجه المخرج في المغرب؟
تواجه المخرج اليوم العديد من التحديات، بما في ذلك صعوبة التصوير بسبب ضغوط الإنتاج، والمطالبة بتقديم أعمال متميزة تلبي توقعات المتلقي، حتى وإن لم يكن ملمًّا بظروف العمل. وهذه المشكلة تُسبب تداعيات سلبية أخرى تتطلَّب التفكير الجاد، والتدبير الحكيم لتجاوزها بنجاح.
من وجهة نظركم كممثلة ومخرجة، كيف ترين الساحة السينمائية في المغرب؟
الساحة السينمائية تتطور وتنمو بشكل ملحوظ. ازدادت المساحة السينمائية المغربية تنوعًا وانفتاحًا على مختلف الأفكار والثقافات. كما شهدت تزايدًا في عدد الأفلام المنتجة محليًّا، ومشاركتها في المهرجانات الدولية، وهذا يعكس نموًّا وتطورًا إيجابيًّا.
ربما قد تواجه بعض التحديات التي قد تؤثر في التطور المستقبلي، مثل مشكلات التمويل والدعم المحدود، والتحديات القانونية والتنظيمية، وأيضًا التحديات التقنية والتدريبية. لكن على الرغم من ذلك، يمكن أن يبقى الإبداع والموهبة المغربية في السينما عاملًا محفِّزًا لنجاح هذه المهنة.
شهدت السينما المغربية تزايدًا في عدد الأفلام المنتجة محليًّا، والمشاركة في المهرجانات الدولية، مما يعكس نموًّا وتطورًا إيجابيًّا.
ما مشاريعكم السينمائية القادمة ؟
قمت بالعمل على بعض المشاريع التلفزيونية والأفلام السينمائية، وكذلك التدريب على عروض مسرحية، وذلك كجزء من طلبات العروض التي تلقيتها.
في كلمة، ما أزمة السينما المغربية؟
الدعم والتمويل.
ماذا تعني السينما بالنسبة إليك؛ هل هي فن أم ثقافة أم وسيلة لنقل المعرفة، أم مجرد أداة ربح؟
السينما فن وسبيل للتعبير الإبداعي، وهي أيضًا ثقافة، ووسيلة لنقل المعرفة.