• English
  • 15 فبراير، 2025
  • 6:54 ص

السينما اليمنية: تجارب شبابية بقدرات ذاتية

السينما اليمنية: تجارب شبابية بقدرات ذاتية

13 June، 2023

إعداد محمد الجرادي

تنشط في اليمن محاولات الوصول إلى صناعة سينمائية. وتقود مجموعات شبابية مستقلة، تتصدرها نساء، زمام المبادرة والمنافسة في المحافل الخارجية للسينما، متَّكِئة في مجموع تجاربها المنجزة، خلال العشر السنوات الماضية، على قدرات وإمكانيات ذاتية، ومعتمدة على تصوراتها الخاصة في الطرح والمقاربة والمعالجة سينمائيًّا.

شكلت دوافع وتداعيات الانتفاضة الشبابية والشعبية، التي شهدتها اليمن في فبراير 2011، ضمن أحداث الربيع العربي، ملامح البدايات لصناع وصانعات الأفلام الوثائقية والسينمائية من الشباب، ومرحلة رواج لإنتاجاتهم؛ حيث لم تكن السينما في اليمن، قبل ذلك، تعرف رواجًا كبيرًا في صناعة الأفلام، باستثناء الفيلم الروائي الطويل “يوم جديد في صنعاء القديمة”، لمخرجه البريطاني من أصل يمني بدر الحرسي، والذي صدر في العام 2005، وأصبح أول فيلم يمني يُعرض في مهرجان كان السينمائي.

شكلت الانتفاضة الشعبية التي شهدتها اليمن في فبراير 2011 ملامح البدايات لصناع الأفلام من الشباب ورواج إنتاجاتهم.

استلهام

وقد ألهمت انتفاضة فبراير، المخرجة خديجة السلامي، وهي أول مخرجة سينمائية يمنية، فكرة الفيلم الوثائقي القصير “قتلها تذكرة إلى الجنة”. وقالت عن الفيلم “إنه يحكي قصة مقال “سنة أولى ثورة”، وفتاوى التكفير التي استهدفت الناشطة السياسية بشرى المقطري، وعن ما رافق المقال من حملة تحريضية ضدَّ الكاتبة، بُعيد مشاركتها في “مسيرة الحياة” التي سار بها عشرات الآلاف من شباب الانتفاضة من تعز إلى صنعاء، قاطعين أكثر من 250 كيلومترًا سيرًا على الأقدام”.

وجاء فيلم “ليس للكرامة جدران”. الذي أنتجته المخرجة سارة إسحاق عام 2012، كأول فيلم يمني يصل إلى نهائيات مهرجان الـ “أوسكار” 2014. الدورة الـ 86، وفي فئة أفضل فيلم وثائقيّ قصير، لكنّ فيلمًا عن عازفةِ بيانو ناجية من الهولوكوست التقط الجائزة. وأفادت سارة بأن الفيلم يسلط الضوء على مجزرة “جمعة الكرامة”، ضد تظاهرة غير مسلّحة في شوارع العاصمة صنعاء في الأسابيع الأولى لاندلاع الانتفاضة.

وفي العام نفسه، حصل الفيلم القصير “صورة”، للمخرجة سوسن العريقي، على جائزة “أفضل فكرة” في مهرجان “طيبة للأفلام القصيرة” في القاهرة. كما نال الفيلم ذاته جائزة لجنة التحكيم في مهرجان “مكناس الدولي لسينما الشباب” بالمغرب، وتناول الفيلم، بحسب العريقي، قضية تهميش دور المرأة في المجتمع.

الزواج في زمن الحرب

وقد تصدرت قضية زواج القاصرات في اليمن واجهة المشهد العام خلال عام 2013، لتصبح القضية موضوعًا لفيلم “أنا نجوم، ابنة العاشرة ومطلقة”، والذي أخرجته خديجة السلامي في العام 2014. تقول السلامي “الفيلم يروي قصة الطفلة نجود محمد علي، أول طفلة يمنية تحصل على الطلاق، متحدّيةً التقاليد، بعدما زُوّجت قسرًا. وقد رُشح الفيلم لجائزة الأوسكار فئة أفضل فيلم مروي بلغة أجنبية”.

أيام قبل الزفة

وفي العام نفسه، تم إنتاج فيلم”10 أيام قبل الزفة” للمخرج عمرو جمال. والذي “يناقش صعوبة الزواج في زمن الحرب”. وقد رشح لجائزة الأوسكار فئة الأفلام القصيرة 2018، وهو العام الذي شهد صدور الفيلم الوثائقي القصير “مجرد ذكرى” للمخرجة مريم الذبحاني. والذي نال جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان أجيال السينمائي بقطر، ومهرجان “فورت مايرز بيتش” السينمائي الدولي بأمريكا. والفلم كما تقول الذبحاني “يشرح تجربتي الشخصية في ظل الحرب. وهو بمثابة تشافٍ من الفقدان عن طريق السينما”. وأضافت: “لم أكن أنوي عرض الفيلم أو تقديمه لأي جهة؛ لكونه تجربة شخصية، لكني، في وقت لاحق، قررت مشاركة الفيلم مع جمهور أكبر، وهو ما حدث خلال مهرجان أجيال للأفلام في الدوحة عام 2018، ولحظتها أدركت التأثير العجيب للسينما عبر ما وصلني من تفاعل كبير من الجمهور. لقد عزز يقيني هذا الموقف بأهمية السينما كأداة قوية للتواصل والتغيير”.

مريم الذبحاني

وفي نفس الفترة صدر فيلمَي “واجب وطني”، و”مُلغّم” للمخرج يوسف الصباحي. يقول الصباحي: “إنهما يمثلان بدايات تجربتي في إنتاج وإخراج الأفلام الروائية القصيرة”، وقد فاز الأول بجائزةِ أفضل فيلم طلابيّ في مهرجان نيفادا السينمائيّ الدوليّ، وعُرض الثاني في مهرجان كرامة لأفلام حقوق الإنسان في أمريكا”. كما صدر الفيلم الوثائقي القصير “الحرب الصامتة” من إخراج سفيان أبو لحوم. ويعد تجربة أولى بحسب تعبيره. والفيلم “يروي قصص اللاجئين اليمنيين الذين يعيشون في مراكز ومخيمات اللجوء داخليًّا وخارجيًّا”.

وفي مطلع العام 2019، كانت المخرجة مريم الذبحاني، قد أنتجت فيلمها الوثائقي الثاني “المنتصف”، والذي أعطاها لقب أفضل صانعة أفلام صاعدة في كندا، وتم عرضه في أمريكا اللاتينية وفي لبنان وتونس، ويمثل الفيلم، وفقًا للذبحاني” تجربة أعمق في سرد قصص الحرب في اليمن، دون إغفال شواهد قدرة الإنسان اليمني على التكيف مع واقعه المأساوي بروح مكابرة للألم والتعب”.

مشاركة في المهرجانات

واقترب الفيلم الوثائقي القصير “لا ترتاح كثيرًا” للمخرجة شيماء التميمي، من محاكاة الفكرة نفسها، لكنه يختلف عنه أسلوبيًّا. تقول التميمي “الفيلم يضم مقاطع أرشيفية ورسومات متحركة، مع تصميم صوتي تبوح فيه برسالة صوتية ومصورة. موجهة إلى جدها تخبره فيها بحكايات الهجرة والتنقل التي عاشتها أسرتها. بالإضافة إلى صور وقصص للعائلة”. وقد “شارك الفيلم في مهرجان فينسيا السينمائي الدولي. قبل نيله جائزة التانيت البرونزي في مهرجان أيام قرطاج السينمائية عام 2021”.

وتمكَّن المخرج الصباحي، في العام نفسه، من إنتاج وإخراج فيلمه الروائي الطويل “عبر الأزقة”، الذي يتخذ من مدينة “إب” القديمة، وسط اليمن، مسرحًا لأحداثه وشخوصه، يقول الصباحي: “الفيلم قد شارك في مهرجان سينتليوس السينمائي في نسخته ال31، والمهرجان العربي السينمائي في كاليفورنيا”.

فيلم 1941

وعلى صلة بهذا، جاء الفيلم التجريبي الأول في اليمن “1941” للمخرج عاصم عبدالعزيز، خلال العام 2020، ووفقًا لعبد العزيز فإن الفيلم “قصير، وتدور أحداثه في مدينة عدن جنوبي اليمن. وينقل ما تعيشه المدينة وسكانها من صعوبات في ظل الحرب. كما ينقل التأثيرات النفسية جراء ذلك”. ونال الفيلم خمس جوائز ، أبرزها جائزة مهرجان كرامة لأفلام حقوق الإنسان في اليمن 2021.

صورة نمطية

تتباين الأساليب والتصورات والإمكانيات الفنية، بالنسبة لمعظم تجارب صانعي وصانعات الأفلام من الشباب، إلا أن دوافعها تكاد تكون متطابقة؛ فالصور النمطية التي تنتجها وسائل الإعلام والفنون عمومًا، المحلية والخارجية، عن اليمن، هي ما تكافح هذه التجارب من أجل تصويبها. وبحسب المخرجة مريم الذبحاني فإن الصور النمطية عن اليمن في قنوات الإعلام والسينما الدولية صارت مؤذية بالنسبة للشباب الصاعد، وصار لديهم حلم في تغيير هذه الصور عبر الوسائل نفسها. فاليمن، في رسائل الإعلام والسينما في العالم، منغمسة في صور الحرب والمجاعة، ويجهل العالم الجوانب المشرقة حتى في ظل الحرب. يقول المخرج يوسف الصباحي “إننا نسعى بواسطة القصص التصويرية إلى رؤية أنفسنا وبلدنا، كما نحب أن يراها الآخرون”. و “نحاول التعبير عن المسائل التي يجهلها العالم عن واقعنا” بحسب المخرج عاصم عبد العزيز.

يوسف الصباحي

وتأتي التجارب الشبابية لصانعي وصانعات الأفلام في اليمن باعثة على التفاؤل. رغم الصعوبات التي يواجهها قطاع السينما، خصوصًا في فترة الاضطرابات والحرب. إذ نجحت في تجاوز إحباطات الواقع، وسعت لأن تكون صورة اليمن حاضرة في العالم، وكاشفة عن أجزاء مهمة ومؤثرة من يوميات المعاناة تحت وطأة الحرب. وفوق ذلك حققت هذه التجارب المشاركة والمنافسة في مهرجانات الأفلام الوثائقية والسينمائية على النطاقين العربي والدولي، وحصدت العديد من الجوائز.

لكن تبقى هذه التجارب الفردية بمثابة محاولات للوصول إلى سينما مستقلة. ومن غير الممكن التنبؤ باستمراريتها؛ نظرًا لغياب عامل الإمكانيات. وعدم التوجه الرسمي نحو صناعة سينمائية. المخرج والناقد الدكتور سمير العفيف، الأستاذ المساعد في قسم الإذاعة والتلفزيون بكلية الفنون الجميلة جامعة الحديدة يقول:”إن صناعة السينما تحتاج في المقام الأول إلى توجه حكومي يضمن لها الديمومة والنجاح، وإلى توافر المناخ السينمائي من إمكانيات فنية ومالية، وكليات فنون ورشات وندوات ومجلات”. مضيفًا: “أنه وبالرغم من ذلك يمكننا القول إن مساحة سينما الشباب بدأت تظهر وتتسع في اليمن. من خلال محاولات لإنتاج أفلام قصيرة وطويلة، بإمكانات ذاتية في الغالب. وبمستويات ملفتة. والمشاركة بها في مهرجانات عربية ودولية”.

حققت التجارب الشبابية لصانعي الأفلام المشاركة والمنافسة في مهرجانات الأفلام على النطاقين العربي والدولي، وحصدت العديد من الجوائز.

التجارب الفردية في السينما اليمنية بمثابة محاولات للوصول إلى سينما مستقلة، ومن الصعب التنبؤ باستمراريتها.

فاصل اعلاني