تحديات تواجه السينما العربية
4 January، 2023
بقلم أمير العمري
ما زال تعبير “السينما العربية” مصطلحًا فضفاضًا، يوحي بأكثر مما هو قائم، فالوصول إلى واقع حقيقي ثابت لـ”السينما العربية” مازال طموحًا يراود المشتغلين بالسينما والنقاد والجمهور في كل أرجاء العالم العربي بالطبع. لكن الحقيقة هي أن هناك “سينمات عربية”، أو إنتاجًا للأفلام يحدث، في بلدان كثيرة في المنطقة، وإنْ تباينَ حجم هذا الإنتاج، أو نوعه، أو اختلف توجهه.
مع ذلك، يمكن القول إن الهاجس الأول الذي يشغل بال السينمائيين الجدد في العالم العربي، الطامحين لصنع سينما حديثة والمنافسة بأفلامهم، سواء في سوق التوزيع أو في المهرجانات السينمائية، هو هاجس العثور على التمويل، والدعم. وهو تمويل يصعب الحصول عليه، لأن الأغلبية العظمى من الحكومات العربية لا تولي السينما الأهمية التي تستحقها، وتتقاعس بالتالي عن دعم صناعة السينما. كما أن المهرجانات السينمائية، التي تقدم دعمًا للتجارب الجديدة، لا تكفي منح الإنتاج التي تقدمها لتمويل إنتاج فيلم حديث بإمكانيات حقيقية تليق بمنتج يمكنه المنافسة. لذلك أصبح اللجوء إلى جهات التمويل الأوروبية تحديدًا، هو العامل المشترك، الذي يجمع السينمائيين العرب الراغبين في صنع سينما جديدة.
إنتاج أفلام سريعة
التحدي الثاني يكمن في الاستسلام السهل للتقنيات الحديثة في التصوير تحديدًا، ما يؤدي إلى إنتاج أفلام سريعة، لم تتم دراستها بشكل جيد من ناحية لغة الصورة ومكوناتها، مع غلبة الطابع التجريبي والالتقاط المباشر السريع للقطات على نحو ما نراه في السينما التسجيلية. وبالتالي يأتي المنتج النهائي رديئًا من ناحية الصوت والصورة، وهما أساس فن السينما.
ولعل من ضمن المشاكل العميقة التي برزت في سينما المغرب العربي بوجه خاص (تونس والجزائر والمغرب) نتيجة تأثر مخرجيها كثيرًا بمخرجي السينما الفرنسية، وبجيل الموجة الجديدة تحديدًا، خضوع معظم السينمائيين المغاربيين، لفكرة أن “المخرج- المؤلف” أفضل من المخرج المنفذ، وهي مقولة من الممكن أن تكون صحيحة نظريًّا. أي أن فكرة المخرج صاحب الرؤية السينمائية الذي يكتب موضوع فيلمه بنفسه لكي يعبر من خلاله عن نظرته للعالم وفق تأمل اجتماعي أو فكري أو فلسفي، وتجسيد بالصورة والصوت من خلال أداء مبتكر وخلاق، أفضل من تلك الأفلام التي تصنع طبقًا لحبكة مقررة سلفًا، مضمونة النجاح، يجب أن تحتوي على عناصر عدة تتصف عادة بالإثارة وتعتمد على النجوم من الممثلين والممثلات.
وقد أدى الولع بأن يكتب المخرج سيناريوهات أفلامه أيضًا، إلى غياب العلاقة مع الأدب، ومع الرواية العربية تحديدًا، وهي علاقة كانت دائمًا وما زالت، تثري السينما وترفدها بروافد عديدة فكرية، بل وتخلق أمامها تحديات جمالية أيضًا، وتجعل صناع الأفلام يقتحمون مناطق جديدة في صياغة الأفكار والتجريب في مجال السرد وابتكار طرق جديدة قد تختلف عن طريقة الروائي في سرد ملامح عالمه الروائي، لكنها تستمد منه ثراء الشخصيات والأماكن، وقوة الموضوع.
المنافسة مع الفيلم الأجنبي
التحدي الآخر الذي يواجهه السينمائيون العرب حاليًا، يكمن في تلك المنافسة الشرسة مع الفيلم الأجنبي، الذي يجد مجالًا عريضًا له من خلال منصات البث المتعددة التي ظهرت وأصبحت تستولي على اهتمام ملايين المشاهدين.
لكن ربما يكون هناك جانب إيجابي، يتمثل في أن هذه المنصات تقدم الدعم لإنتاج بعض الأفلام العربية أو تدعم إنتاجها وتبثها كذلك، وهو ما يساهم في خلق وعي جديد وفرص جديدة للفيلم العربي عبر العالم. لكن الخطورة تكمن في أن الاستسلام للمقاييس المسبقة والشروط التي تفرضها مثل هذه المنصات على صانعي الأفلام العرب، تجعل نظرتهم مقيدة داخل إطار مواضيع محددة سلفًا، أو تدفعهم إلى اللجوء إلى محاكاة الفيلم الأجنبي، الأمريكي بوجه خاص، في إيقاعه وشخصياته. وهنا تصبح المسألة أقرب إلى “تعريب” الأفلام الأمريكية، وهو ما يفقد الفيلم العربي هويته الخاصة التي يجب أن يكشف عنها، ويتميز بها، ولا يعتبرها عيبًا أو انتقاصًا أو نكوصًا عن “الحداثة”.
وفي ذهني الكثير من التجارب السينمائية العربية الجديدة، التي سارت في هذا الاتجاه، وقدمت سينما حديثة دون تنازلات، لكن الإغراء ماثل باستمرار!
من التحديات الولع بأن يكتب المخرج سيناريوهات أفلامه، والاشتراطات التي تفرضها المنصات، وكذلك غياب التمويل.