• English
  • 14 يناير، 2025
  • 6:09 ص

السينما الفلسطينية.. حضور عالمي يتواصل منذ عقود

السينما الفلسطينية.. حضور عالمي يتواصل منذ عقود

4 January، 2023

بقلم يوسف الشايب

في عام 2005، سجّل المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد بمنافسة فيلمه “الجنة الآن” على جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي (وإن لم يفز بالجائزة) نقطة مضيئة في تاريخ تثبيت حضور لافت للسينما الفلسطينية، وبالتالي لقضية الشعب الفلسطيني، الذي يعاني الاحتلال. ولم يخفت حضور الفيلم، فأثار جدلًا محليًّا في فلسطين، لدرجة تعرض هاني أبو أسعد وفريق العمل لإطلاق النار من فلسطينيين خلال تصوير مشاهد منه في نابلس. كما أثار جدلًا دوليًّا بحملة صهيونية ضدّه، طالبت بسحب ترشيحه للأوسكار، بوصفه “معاديًا للساميّة”.

المخرج هاني أبو أسعد

الفيلم، الذي بحث في مناطق مسكوت عنها مرتبطة بظاهرة “الاستشهاديين” أو “الفدائيين” أو “الانتحارين”، بغض النظر عن التسميات، انتقده البعض بوصفه يقدم فلسطينيًّا بشكل حيادي أو سلبي تجاه قضية وطنية، وهو ما استهجنه أبو أسعد، في حوار سابق مع كاتب المقال (بصحيفة “الغد” الأردنية)، حيث قال أبو أسعد: “أستغرب الحديث عن حيادية الفيلم، بينما هوجم في الخارج بسبب عدم حياديته، كما ادعوا. هذه معادلة غريبة”. إن موضوعية الفيلم، وفق ما قاله أبو أسعد “تأتي من كونه يعبر عن وجهتي نظر فلسطينيتين حول هذه العمليات، ولا يوجد أي انعكاس لأية وجهة نظر أخرى من خارج المجتمع الفلسطيني. الفيلم يعكس حالة الجدل الدائرة في الشارع الفلسطيني”.

واللافت أن فيلم “الجنة الآن” كان أول فيلم لمخرج عربي يتناول حكاية من البيئة المحلية ينافس على جائزة الأوسكار عن هذه الفئة تحديدًا، وسبق أن حصل على جائزة “الغولدن غلوب” عن الفيلم نفسه، وقبلها جائزة لجنة التحكيم في مهرجان برلين السينمائي.

فيلم الجنة الآن

وقبل “الجنة الآن”، كانت الجزائر حصدت الجائزة في العام 1969 عن فيلم “زد” (Z) للمخرج الفرنسي كوستا غرافراس، من إنتاج جزائري فرنسي مشترك. وكذلك حدثت المنافسة على الجائزة بوصول الفيلم الجزائري الفرنسي “غبار الحياة” إلى القائمة القصيرة في عام 1995، وهو فيلم للمخرج رشيد بو شارب، عن رواية مأخوذة عن قصّة حقيقية. وتدور أحداث الفيلم بعد نهاية حرب فيتنام، ويروي قصّة فتى فيتنامي وُلد لأمٍ فيتنامية وأب أميركي من أصل إفريقي كان يُقاتل في الحرب، لكنه عاد منذ ذلك الحين إلى الولايات المتحدة.

“الجنة الآن” للفلسطيني هاني أبو أسعد هو أول فيلم لمخرج عربي يتناول حكاية من البيئة المحلية وينافس على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي.

“أبو أسعد”.. للمرة الثانية

فيلم عمر

وغابت الأفلام العربية عن المنافسة في القائمة القصيرة لأوسكار عن فئة الأفلام غير الناطقة باللغة الإنجليزية، قبل أن يعود المخرج نفسه هاني أبو أسعد، وباسم فلسطين، مرة أخرى، وبعد ثمانية أعوام، عبر فيلمه “عمر”، لينافس بين قائمة من الأفلام من بلجيكا والدنمارك وإيطاليا، وفازت الأخيرة بالجائزة عن فيلم “الجمال العظيم” للمخرج الإيطالي باولو سورنتينو.

وما بعد “عمر”، توالت المنافسات العربية على جائزة الأوسكار، عن فئة أفضل فيلم أجنبي، التي باتت تحمل اسم “أفضل فيلم دولي”. فجاء “ذيب” الأردني، و”القضية رقم 23″، و”كفار ناحوم” اللبنانيّان، و”الرجل الذي باع ظهره” التونسي، وغيرها.

فيلم الرجل الذي باع ظهره

ولم تكن بداية انتشار السينما الفلسطينية في المهرجانات العالمية مع “الجنة الآن” وأفلام هاني أبو أسعد، فالسبق في هذا المجال يعود للمخرج الفلسطيني ميشيل خليفي المقيم في أوروبا، وتحديدًا في بلجيكا، والذي يُعتبر أبًا للسينما الفلسطينية الحديثة.

وكان قد انطلق من بوابة السينما التوثيقية والتسجيلية قبل الإبحار في عالم السينما الروائية، وعن ذلك قال ذات حوار: “في أواخر سبعينيّات القرن الماضي وأوائل الثمانينيّات منه، كان المجتمع الفلسطيني فقيرًا من الناحية الفنية، بحيث لا مسارح كثيرة، ولا ممثلون، ولا تقنيّون، وعليه لا تمكن صناعة سينما في إطار مجتمع لا يملك إمكانيات هذه السينما. لذا تمثَّلَ التحدي في صناعة سينما من عيون الواقع، أو عبر لقائك مع هذا الواقع، والخروج بما هو مكثف تاريخيًّا وإنسانيًّا وفنيًّا، كما أن السينما الوثائقية أقلّ تكلفة بكثيرٍ من السينما الروائية”.

وبدأت السينما الفلسطينية اقتحام المهرجان العالمية، عبر “الذاكرة الخصبة”، عن سيناريو خليفي نفسه. وكان قد فاز بالجائزة الأولى في مهرجان قرطاج السينمائي لعام 1980. ويتحدّث عن سيّدتين فلسطينيّتين ضحيَّتين لشكلَين من القمع، القمع الاجتماعي والقمع العسكري الإسرائيلي. السيدة الأولى هي الروائية المعروفة سحر خليفة، والسيدة الثانية هي رومية فرح حاطوم التي يقول عنها المخرج إنها “أرملة فلسطينية في الخمسينيّات من عمرها من قرية يافا الناصرة، التي اتخذت حياتها مجرىً موازيًا لتاريخ شعبها”. ويرسم المخرج كخلفيةٍ لهاتَين الشخصيتين؛ مقاومة المواطنين العاديين للاحتلال، تلك المقاومة التي أصبَحَتْ فعلًا يوميًّا.

وكان المفكر الفلسطيني البروفيسور إدوارد سعيد قال عن الفيلم “ما نراه على الشاشة، أو في أيّة صورةٍ تُمَثِّل صلابة الفلسطينيين في الداخل، هو مجرد صورة طوباوية تجعل الاتصال ممكنًا بين الأفراد الفلسطينيين والأرض الفلسطينية”، وفق ما نقل موقع مهرجان “كورتيسان” السينمائي في بلجيكا، في مارس 2016.

بدأت السينما الفلسطينية اقتحام المهرجان العالمية عبر “الذاكرة الخصبة” عن سيناريو ميشيل خليفي.

صناعة ينقصها التبلور

ومنذ “الذاكرة الخصبة”، وبعدها “عرس الجليل” لميشيل خليفي، وإلى يومنا هذا، يتواصل الحضور العالمي للفيلم الفلسطيني في أبرز المهرجانات العالمية، ومؤخرًا، عبر منصات البث الرقمي، إلى جانب تحصّلها على جوائز عدّة، وسطوع أسماء من أجيال مختلفة كإيليا سليمان، وآن ماري جاسر، ونجوى النجار، وغيرهم، وصولاً إلى عرب وطرزان في فيلميها “ديجراديه” و”غزة مونامور”، وأمين نايفة في فيلمه “200 متر”، وغيرهم على مستوى الفيلم الروائي.

كما برزت أسماء على مستوى عالمي في ما يتعلق بالفيلم الوثائقي كمي المصري، ورشيد مشهراوي، وعزة الحسن، ونصري حجاج، والقائمة تطول. مرورًا بالتجارب الإبداعية لسوسن قاعود ومجايلاتها ومجايليها، ورائد دزدار في ثلاثيته “هنا القدس” و”الأخوين لاما” و”يافا أم الغريب”، وليس انتهاء بالتجارب الإبداعية في هذا المجال لرائد أنضوني في “اصطياد الأشباح”، حيث حاز على جائزة مهرجان برلين السينمائي الدولي كأفضل فيلم وثائقي (الدب  الفضي)، وعامر الشوملي في “المطلوبون الـ18″، الذي حاز العديد الجوائز العالمية، وغيرها من  الأفلام والتجارب الجديدة لمخرجات ومخرجين عشرينيّين.

وتجدر الإشارة إلى أنه رغم الحضور اللافت عالميًّا للأفلام الفلسطينية، ورغم أن الفيلم الفلسطيني الأول يعود إلى مطلع ثلاثينيات القرن الماضي، فإنه، حتى اليوم، لم تتبلور صناعة سينما فلسطينية، لأسباب عدة. على رأسها، الاحتلال الإسرائيلي وسياساته، وقلة الاهتمام الرسمي الفلسطيني بتأسيس بنية تحتية لإقامة صناعة كهذه، فتبقى سينما مستقلة في جلها، يصنعها أفراد، وتقوم على ما يمكن تسميته بـ”سينما الرجل الواحد”. فالمخرج في أغلب الأحيان هو الكاتب والسيناريست، وأحيانًا يكون هو مدير التصوير أو المصوّر، بل ويشارك في التمثيل. ومع ذلك، لا تزال الأفلام الفلسطينية، على قلة عدد المنتج منها سنويًّا تحقق نجاحات عالمية تتواصل، بانتظار منافسة جديدة لها تترجم هذه المرة بالفوز بأوسكار أفضل فيلم دولي في السنوات المقبلة.

لم تتبلور صناعة سينما فلسطينية لأسباب عدة.. على رأسها الاحتلال الإسرائيلي وسياساته.. وقلة الاهتمام الرسمي.

فاصل اعلاني