تامر حبيب: حين أعمل على سيناريو أُمثّل كل شخصية أكتبها وأُنصت لصوتي وأنا أدوّن الحوار
30 July، 2022
من يتذكر “سهر الليالي”، أو “جراند أوتيل”، أو “شربات لوز”، أو “لعبة الحب”، أو “واحد صحيح”، أو “لا تطفئ الشمس”، فإنه بالتأكيد يعرف السيناريست تامر حبيب، إذ يمكنه أن يرسم له صورة يتضح فيها صوته الهادئ، وجملته القصيرة، ووضوحه في ما يرغب في قوله. صورة تقف في عمقها شخصية رومانسية تؤمن بقيمة العلاقات الإنسانية، وتعشق تفاصيل الحياة البسيطة، وتوقن أن الحياة تتسع للجميع؛ لذا فأغلب أعماله يتعدد فيها الأبطال والأزمات والنهايات السعيدة دائما. هكذا فاجأ الجميع في عمله الأول “سهر الليل”، حتى إنه ما زال العمل الرومانسي الأهم خلال هذه الألفية، فضلا عن كونه واحدا من الأعمال التي غيّرت مؤشرات السوق من الكوميديا الرخيصة والآكشن الوهمي إلى الرومانسية الجميلة، والسعي لفهم الرغبات الداخلية للإنسان، ومواجهة الهزائم الصغيرة التي نحملها في صدورنا دائمًا.
تامر حبيب ليس مجرد كاتب سيناريو، لكنه ممثل ومنتج ومثقف وصاحب ورشة لتعليم الكتابة، وأخرى لمساعدته في كتابة أعماله، لا يُخفي ذلك عن أحد، ولا يعتبر الاقتباس عن أعمال أجنبية عيبًا، ويرى أن المتعة في العمل هي أهم شيء لديه، وأنه من الخيانة ألّا يكون في تاريخ السينما المصرية والعربية أعمال لكتاب كبار أمثال نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس وإبراهيم عبدالمجيد وغيرهم.
سهر الليالي كان أول عمل لك سواء في السينما أو الدراما، جاء على نقيض الأعمال الكوميدية التي كانت سائدة في بداية الألفية، فمن أين جاءتك الفكرة، ولمَ راهنت على أن الرومانسية يمكنها أن تغير المشهد السينمائي؟
لن أدّعي أنني كنت أعلم ما سيحدث، فقد كنت متخرجا حديثا من معهد السينما، وكنت أعيش حالة إحباط من عدم تنفيذ مشروعَين سابقين لم يكونا كوميديين تمامًا، ولكنْ “رومانتك كوميدي”، وكانا على وشك التنفيذ، لكن لأسباب مالية توقفا. و”سهر الليالي” جاءتني فكرته من خلال قصص حيوات أناس أعرفهم، والسبب الرئيس الذي دفعني لكتابته هو المخرج الكبير داوود عبدالسيد، الذي تعرفت عليه في تلك الفترة وتكلمت معه. كنت محبطا بالفعل فقال لي: “خليك عارف إننا بنستمتع بمهنتنا واحنا بنشتغلها، فأنت بتستمتع وأنت بتكتب، بغض النظر عن إن شغلك اتنفذ ولا لأ، كل يوم الصبح بتقوم تكتب، وكأنك بتمرن عضلة عندك على النشاط، وانت بتستمتع بتحريكها”. وقال لي أيضا إن أول فيلم له كان السيناريو رقم 10، وليس الأول ولا الثاني. ومن ثم استعدتُ قدرتي على العمل من جديد، وعملت على الفكرة التي لديَّ دون ضغوط. كنت أكتب الفيلم لمتعتي الشخصية، وحين انتهيت منه عرضته على الأستاذ داوود، فأُعجب به كثيرا، وهو الذي قدمه للشركة العربية.
قدمت أعمالا رومانسية أخرى للسينما مثل “حب البنات” الذي اعتمد على فكرة القصص المتجاورة المترابطة، فإلى أي مدى ترى أن هذه التقنية في الكتابة تُسهّل عليك العمل وتفيدك في تضفير الأحداث وتصعيد الدراما؟
الحقيقة أن التقنية لا تسهّل ولا تصعّب الكتابة، والحقيقة أيضا أنني غير منتبه إلى ذلك، وكل ما أعرفه أن ذوقي في الكتابة هو ما تسميه القصص المتجاورة المترابطة، وأنني أميل لرؤية العالم على هذا الشكل، ولا أفكر فيه من منطلق السهولة أو الصعوبة، لكنني أفكر فيه من منطلق المتعة. أنا أستمتع بهذه الطريقة في الكتابة، والحقيقة أيضا أنني لديَّ طموح أن أعمل في كل أنواع الدراما، لكنني أميل لرصد العلاقات والمشاعر الإنسانية بشكل أساسي، وقد أكون رومانسيًا في طبيعتي، وهذا ما ظهر في “سهر الليالي” و”لعبة الحب” و”جراند أوتيل” وغيرها.
“لا تطفئ الشمس” عمل درامي مأخوذ عن رواية للراحل إحسان عبدالقدوس، ولديك عمل سينمائي قادم عن رواية أيضا له بعنوان “أنف وثلاث عيون”، فلماذا إحسان عبدالقدوس؟
لأن له علاقة ببداياتي بالقراءة، أول رواية قرأتها وعمري 13 سنة كانت لإحسان عبدالقدوس، وهي رواية “لا تطفئ الشمس”، فانجذبت بشدة لعالمه وتشريحه للعلاقة بين الرجل والمرأة. حين انتهيت من قراءة أعماله أخذت في قراءة أعمال أدبية أخرى لكتّاب مصريين وعرب. ومن ثم فإحسان شغل أول عامين أو ثلاثة من حبي للقراءة، تعلمت الكثير منه، وارتبطت روحيا به، لذا كان “لا تطفئ الشمس” أول عمل لديَّ مأخوذ عن نص أدبي، ومن يدقق سيجدني خضت كثيرا من خلاله في عوالم إحسان، فقد ضمّنته لقطات ومشاهد من روايات أخرى له، كأن تكون هناك نبذة من رواية “لا أنام”، ظهور ريهام عبدالغفور في المسلسل، بتركيبة بطلة رواية “النظارة السوداء”.
ما الجديد الذي يمكن أن يطرحه تامر حبيب في عمل تم تقديمه في السينما من قبل؟
مجرد أن تنتقل بالعمل من زمن إلى زمن أخر فإنك بالتأكيد ستقدم جديدا على مستوى كل شيء، الشخوص والملابس والأفكار وتطور العلاقات وتعقدها. والأدب في تناوله كل مرة يقدم إضافة جديدة، وقبل أن يُعرَض مسلسل “لا تطفئ الشمس” كانوا يسألونني هذا السؤال، ولكن كل هذا تغير مع عرض المسلسل. هناك أيضا أجيال أحدث توقفت عن القراءة، أجيال لا تعرف إحسان ولا غيره، ولهؤلاء يجب أن نقدم أعمالًا تقوم على نصوص أدبية وأعمال لكتاب كبار.
لمَ لمْ نعد نرى إقبالا من كتاب السيناريو على تحويل أعمال أدبية إلى الدراما أو السينما؟
لأن الناس توقفت عن القراءة. حين أعقد ورشة لتعليم الكتابة أجد من يقول لي: “أنا باحب الكتابة بس مش باحب اقرا”. مثل هذا المتدرب أطلب منه ألّا يأتي مرة أخرى، لأنه لا يمكن أن تحب الكتابة دون أن يكون لديك شغف حقيقي بالقراءة، لكني أيضا يمكنني أن أختلف معك في سؤالك، ففي السنوات الأربع أو الخمس الأخيرة بدأنا نعود مرة أخرى إلى الأفلام المأخوذة عن أعمال أدبية؛ أحمد مراد كتب سيناريوهات أعماله، وهناك رواية “هيبتا” التي تحولت إلى فيلم، وهناك أعمال لأحمد خالد توفيق وإبراهيم عبدالمجيد وغيرهما تم تحويلها. بالفعل كانت السينما والدراما قد ابتعدت لفترة عن الأدب، لكنها بدأت تعود. وعن نفسي أعتبر أن من الخيانة ألّا نجد في تاريخ السينما المصرية أعمالا لنجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس وغيرهما، على كل فالعمل الأدبي عمل مكتمل بذاته، أما السيناريو فهو عمل غير مكتمل، لأن هناك آخرين سيعملون عليه، فالكاتب يضع البذرة، وباقي فريق العمل يشارك بجهده، وأنا فخور بمهنتي، وسعيد بها.
أثارت أعمالك الدرامية حضورا عظيما لدى الجمهور والنقاد والمهتمين بالسينما، لكنها في أغلبها جاءت مقتبسة عن أعمال غربية، فلماذا الاقتباس؟
باستثناء أول ثلاث مسلسلات لدي فبقية أعمالي غير مقتبسة، فأعمال “لا تطفئ الشمس” و”شربات لوز” غير مأخوذة عن فورمات، والمسلسل القادم قصته لي أيضًا، وغير مأخوذة عن فورمات ولا عن أعمال أدبية، والحقيقة أنني حين عُرض عليَّ أن أشتغل على فورمات، أو ما يُعرف بالمسلسل المعد مسبقا في دولة أخرى، لم أتحمس، قالوا لي إن هناك مسلسلًا أسبانيًا اسمه “طريقي” نريدك أن تكتب له النسخة العربية. وبعد تفكير قلت لنفسي أن أجرب، وفي مهرجان M.I.B الذي يتم فيه التسويق لفورمات متعددة في البرامج والأفلام والمسلسلات وغيره، اكتشفت أن مسلسل “طريقي” تم تنفيذه في أكثر من 40 دولة، و”جراند أوتيل” صدرت منه أكثر من 70 نسخة في العالم، والنسخة الأمريكية جاءت بعد نسختنا بعامين، والناس قامت بالمقارنة بين النسختين، وبدرجة كبيرة كان الفارق لصالحنا. وفي النهاية نحن نعيد صياغة الفورمات بإحساسنا نحن، فضلا عن أننا نغيّر الشخصيات والعالم والزمن والمفردات وكل شيء. عن نفسي أنا أخلق عالما آخر تمامًا، بالتأكيد الفورمات الأساسي هو الأصل، لكنه مثله مثل أي عمل أدبي تعمل عليه.
هل يمكن اعتبار الاقتباس حلا لجزء من أزمة السينما في الأفكار والورق؟
حين عملت على “الفورمات” الأجنبي لم يكن ذلك إفلاسا مني، لكن الفكرة استهوتني، فقد قلت لنفسي إنني لو وضعت يدي في هذه الأعمال فسأحوّلها إلى شكل أفضل، والفكرة القادمة هي عمل مأخوذ عن فيلم أسباني أُعجبتُ به وأنا طالب في معهد السينما، ومن ثم فالتعامل مع الفورمات لديَّ ليس نوعا من الاستسهال، لكنه رغبة في الإضافة والتطوير.
العمل على “الفورمات” الأجنبي لم يكن إفلاسا، لكن الفكرة استهوتني، فقد قلت لنفسي إنني لو وضعت يدي في هذه الأعمال سأحولها إلى شكل أفضل.
دائمًا ما يُرجع المنتجون أزمة السينما إلى أنها “أزمة ورق”، فلماذا؟
الورق الجيد ليس كثيرًا، وأحيانا يكون متاحا لكنَّ المنتج لا يرغب في الرهان ما لم يتم تجريبه والتأكد من نجاحه؛ فرأس المال جبان، ولكن علينا أن نتذكر أنه في عز مجد السينما المصرية، حينما كانت تُنتج من 80 إلى 90 عملًا في العام، كانت نسبة الجيد فيها أيضا قليلة.
قدمت دورين صغيرين في أعمالك، وكنت تحلم أن تكون ممثلًا، فأين تجد نفسك أكثر، التمثيل أم الكتابة؟
لم أختر دورا كي أقوم بتمثيله، الدوران رُشّح لهما ممثلون آخرون، في اللحظة الأخيرة يحدث ظرف ما للمثل، فأجد المخرج يطلب مني أن أقوم بتمثيله، من ذلك دور صلاح جاهين في مسلسل “السندريلا”. التمثيل بالنسبة لي لعبة ممتعة، لكنه ليس مهنتي، ولا أستطيع أن أُجيده تمامًا، لأنني لا أمتلك المرونة الكاملة في التعبير بالجسد عمّا في داخلي، وإن كنت وأنا أكتب السيناريو أمثّل كل شخصية أكتبها، فأنا أتقمص كل الأدوار، وأُنصت لصوتي وأنا أدون الحوار. التمثيل عمل جيد، لكنني في السيناريو أسيطر على اللعبة ككل.
ما هي حدود العلاقة بين الكاتب والمخرج؟ متى تبدأ ومتى تنتهي؟ ولمن يُنسَب العمل؟
العلاقة بينهما بمثابة زواج كاثوليكي، فهذه هي أهم علاقة في العمل، فهي أساس ثقل الفيلم وأهميته، وكلما كانت قوية كان العمل مهمًا، لكن المخرج هو الذي ينفذ الورق، ويضع روحه في كل جزء منه، ولابد أن يضع المخرج والكاتب دماغهما في خلاط واحد كي ينتجا فيلما جيدًا، لكن الفيلم يُنسَب إلى المخرج، وهو بالفعل عمل المخرج، ويُكتَب باسمه، فدائما نقول فيلم من إخراج يوسف شاهين، أو صلاح أبو سيف أو عاطف الطيب، ولا نقول من كتابة وحيد حامد أو غيره. فالمخرج هو المسؤول عن السيناريو الذي يظهر للناس، مسؤول عن الموسيقى التصورية والمونتاج والتصوير والحوار وكل شيء في العمل.
العلاقة بين السيناريست والمخرج بمثابة زواج كاثوليكي، فهذه هي أهم علاقة في العمل، فهي أساس ثقل الفيلم وأهميته، وكلما كانت قوية كان العمل مهمًا.
انتشرت في الفترة الأخيرة ورش السيناريو، وأصبح لدى السيناريست الكبير تلاميذ يعملون معه على كتابة العمل، وفي النهاية يوضع اسمه عليه، فهل هذه ظاهرة مصرية فقط؟ وإلى أي مدى هي مفيدة للواقع الفني، وغير ظالمة للكتاب الجدد؟
تحديد إفادتها أو ضررها يرجع إلى كيف تتعامل مع الورشة؛ أدبيا يجب ألا نبخس حق من عمل في الورشة، ولابد أن يُكتَب اسمه على التتر، ومن تعاملوا معي في ورشتي أنا أعرف قيمة كل منهم، وأقول إنني كنت محظوظا بمن عملوا معي، وهناك أناس عملوا معي مثل سناء عبدالخالق، أنجي القاسم، كتبتا وحدهما في ما بعد مسلسل “حلاوة الدنيا”، و”أوجيني”. وفي “لعبة النسيان” عمل معي محمد مصري، وهو الذي كتب بالشراكة مع مريم نعوم مسلسل “أبو عمر المصري”.
في الورشة أجلس معهم جلسة طويلة، نحدد فيها الأحداث التي ستقوم عليها الحلقة، وكل منهم يكتب حلقة، وأنا أعيد صياغة الحلقات بحيث تصبح بروح واحدة، ولا يشعر المشاهد بالفروق بينها، لأن المسلسل سيوضع عليه اسمك في النهاية وليس اسم أحد آخر، ولا بد أن تكون هناك أمانة أدبية مع الناس الذين عملتَ معهم في الورشة. وهذا ما تعلمته من الأجانب؛ فحين فكرت في تنظيم ورشة كتابة أخذت أبحث في كيف نظمها الخواجة في بلاده، وكيف حافظ على الشكل الصحي الذي يفيد العمل والمشاركين فيه، والورشة أصبحت أمرا ضروريا الآن، لأن قرار العمل على المسلسل يأتي قبل رمضان بوقت قليل، ومن الصعب أن يقوم سيناريست وحده بالعمل على مسلسل مطلوب بعد شهرين أو ثلاثة.
من أهم المخرجين الذين ارتبطت نفسيًا بهم، وتسعى لإعادة التجربة معهم في عمل جديد؟ ومن الذين لم تجمعك بهم تجربة بعد، وتتمنى أن تشاركهم العمل؟
أنا محظوظ مع أغلب من عملت معهم، في مقدمتهم هاني خليفة مخرج “سهر الليالي”، وأحب أن أعمل معه مرة أخرى، لأننا متوافقان في الذوق والوعي إلى درجة عالية جدا. وأحب أن أعمل أيضا مع كاملة أبو ذكري، لأنها تحترم الورق أكثر من صاحبه. وكذلك أحب تجربتي مع محمد شاكر خضير. أما من لم أتعامل معهم بعد وأتمنى أن أعمل معهم فهم كثيرون من بينهم مروان حامد، وكريم الشناوي، وطارق العريان، وسوف أكون سعيدًا جدًا لو تمكنت من العمل مع داوود عبدالسيد.