• English
  • 8 ديسمبر، 2024
  • 3:35 ص

رئيس الرقابة المصرية خالد عبدالجليل: منعت عبارة “للكبار فقط” والرقيب ليس “مخبرًا”!

رئيس الرقابة المصرية خالد عبدالجليل: منعت عبارة “للكبار فقط” والرقيب ليس “مخبرًا”!

30 July، 2022

حاوره سيد محمود سلام

تُعَدّ الرقابة على المصنفات الفنية هي مفتاح الخروج الآمن للفيلم السينمائي في مصر، وفي كثير من الدول العربية، فإما أن تسمح بعرضه، أو يصبح الفيلم تحت رحمة مقص الرقيب.

 الدكتور خالد عبدالجليل، رئيس الرقابة على المصنفات الفنية، هو أحد أهم الشخصيات الفاعلة في المشهد الثقافي والسينمائي المصري، ليس فقط من خلال دوره كرقيب، ولكن للمهام المتعددة التي أوكلت له، كمستشار لوزير الثقاقة، ومشرفا على نشاط الشركة القابضة للسينما، وعضوا في لجنة المهرجانات، ومهرجان القاهرة السينمائي، وغيرها من المهام التي وَضَعت على كاهلة مسؤولية كبرى، لكنه ومع كل هذه المهام يرى في منصبه كرئيس للرقابة مسؤولية أكثر حساسية وصعوبة..

عن الرقابة بمفهومها السابق والحالي، ودوره في تغيير المفاهيم الخاطئة عن “مقص الرقيب” وتفعيله لما عُرف بـ “التصنيف العمري” وعن رأيه في الانفتاح السينمائي السعودي، وعلاقته بمهرجان البحر الاحمر السينمائي، وأشياء أخرى تحدث عنها في هذا الحوار:

بداية، ما الفرق بين آليات عمل الرقابة في السابق، وعملها حاليا؟

أولا: الرقابة في السابق كانت تعتمد مفهوما أراه قاصرا هدفه المنع أو الحذف، وفي رأيي قد حدث تغير نوعي كبير، إذ كانت هناك عبارة شهيرة يتم ترديدها، وتُكتب في وسائل الإعلام، وهي “مقص الرقيب”، وعندما عُينتُ رئيسا للرقابة على المصنفات الفنية كان لدي مشروع وما زال مفعلا، هدفه محاولة مسايرة التطور الحضاري، وما يحدث في العالم، وألّا نظل قاصرين نردد العبارات القديمة، ونعمل بالآليات نفسها التي كان لا بد أن تتغير مع تغير الأجيال وتعاقبها، وظهور مفردات جديدة، بل ووصول الميديا إلى متناول الجميع، فبدأت في تطبيق ما يسمى “التصنيف العمري”، وهو أن نحدد الفئات التي من حقها مشاهدة فيلم ما بضوابط عمرية تحكم المشاهدة، فما يجب أن يشاهده رجل في سن الأربعين، قد لا يجوز أن يشاهده طفل في سن 12 عامًا.

فقبل أن أُعيّن في الرقابة كنت أندهش مما يحدث من منع، أو كتابة عبارة “للكبار فقط”. هذه العبارة تحولت مع الوقت إلى نغمة تجارية، يستغلها المنتجون للترويج إلى أفلامهم، فيسعى إليها المنتج لتُكتَب على فيلمه كي يحصد أكثر نسب مشاهدة وجماهيرية، ومن ثم إيرادات.

وكانت كلمةً عامةً تعني في العقلية الشعبية “جنس” أو “سياسة” فيحقق الفيلم بها أعلى الإيرادات، من دون الأخذ في الاعتبار أن هناك أطفالا أو نشئًا، أو مراهقين، وأن كل فئة عمرية لها قدرة على التلقي والاحتواء، ومن ثم كان ضروريا أن أجد حلا لهذا اللغط، فكانت فكرة التصنيف العمري الذي نَقَلَ الرقيب من مخبرٍ إلى شرطي مرور، أو من شخص يتربص بالأشياء، إلى شخص يرى ماذا يعرض ولمن.

هل ترى أنك نجحت في تفعيل هذا المسمى؟

القدرة على التفعيل ليس لها علاقة فقط بالرقابة؛ فالتصنيف العمري في الأساس ثقافة مجتمع، وهي غير موجودة في مصر. السينما فسحة، مثل أي فضاء للراحة، والسينما لها بعد ثقافي وبعد فكري. وعدم مراعاة هذا من الأسر يحتاج إلى وقت، وقد حدثت لدينا موجة صراخ بين صناع السينما في فترة من الفترات، وعلت الصيحات تنادي: “امنعوا.. امنعوا” وأنا ضد فكرة المنع من الأساس، لأنني أرى أنه ليس من حقك أن تمنع عملا عن كل فئات البشر، فهذا من وجهة نظري ضد حقوق الإنسان، إلا إذا كان يمس مصالح الدولة العليا، أو الأمن القومي أو الأديان، هذه هي الخطوط الحمراء، وهي ليست تابوهات كما يراها البعض ويكتبونها في مقالاتهم، فأنا لا أحب كلمة تابوهات، لأن الدول تختلف طبائعها، وعاداتها وتقاليدها، والسنوات التي طُلب مني فيها المنع، اكتشفت فيها أن هناك سينما شعبية رخيصة تُطرَح للعامة لأنه ليس بها ما يمس الأمن العام، أو مصالح الدولة العليا، لكن بها ما هو أخطر، ما يؤثر على مستقبل الأجيال، وما يسمى في التصنيف العمري السلوك المحاكي.

تقصد أفلام المقاولات؟

 المقاولات وغيرها من الأفلام التي تستهدف صغار السنِّ والمراهقين، وعناصرها راقصة ومغنٍ وبعض الإفّيهات، والعبارات الخادشة للحياء، وليس بها موضوع.

كثيرون يرون أن التصنيف العمري ما زال “حبرًا على ورق”.

أرد وأقول: إنه عندما تشاهد أي مسلسل تليفزيوني، وتجد كلمة هذا المصنف لفئة عمرية من حقك أن تشعر بالأمان، وتنتابك حال من السعادة، لأن المنتج الذي يدخل بيتك محدد بفئة عمرية، وهنا يقف دوري أن انبهك. أما بالنسبة للسينما فأعتقد أنني نجحت بدرجة كبيرة، وعلينا أن نعود إلى ما قبل عام 2015، ففي هذة الفترة كان عدد الأفلام الشعبية كبيرا جدا، وسيطرت على دور العرض، وأصبح لها نجومها، وحاليا العدد محدود وأعتقد أيضا أن السبب هو ما فرضناه من قيود من خلال “التصنيف العمري”.

في الأعياد تذهب الأسر بأطفالها ولا رقيب، وتسمح دور العرض لهم بالدخول من منطلق أنها أعياد.

وضعتُ شروطًا، وحررتُ محاضر، ولا يمكن تجاوز القرارات. أذهب إلى دور العرض وأتابع بنفسي، وتوجد محاضر مسجلة.

دكتور خالد عبد الجليل

أنت متهم بالتعنت في منع بعض الأفلام من العرض لأسباب غير معروفة؟

إن كنت تقصد فيلم “راس السنة” للمنتج محمد حفظي، وبطولة شيرين رضا، وإياد نصار، فلم أمنع عرضه، فقط قمت بتأجيل عرضه لأن الرقابة تعمل في إطار علاقة مهمة أطرافها مبدع ودولة ومجتمع. أعمل من خلال هذه العناصر مجتمعة، فبالتالي هناك بعض الأعمال قد يكون الظرف السياسي، أو الاقتصادي، أو الاجتماعي، غير مؤهل لمثل هذه النوعية من الأفلام، ولا يتحمل الظرف الذي أنتجت فيه عرضها. فيلم له طبيعة خاصة عن احتفالات خاصة بليلة رأس السنة، وبه ما دفعني لتأجيله إلى حين يصبح فيها المجتمع مهيأً لاستقباله. رؤيتي هنا أنني أجلس على مقعد يحمّلني مسؤولية كل المنتج البصري في بلد مثل مصر، بحجمها الثقافي والعقائدي، وقراري لا بد أن يكون مبنيا على رؤية وتصور كاملين لكل الأشياء، اقتصادية وسياسية واجتماعية. والدليل أنني لم أتردد في عرض أفلام شائكة ومهمة مثل “اشتباك”، و”مولانا”، في حين أن كل العيون كانت زائغة. وفي فيلم مثل “مولانا”، تحملت وبقرار شخصي، وبالمثل مع فيلم “الضيف” لخالد الصاوي عن رواية إبراهيم عيسى، كان الكل يراقبني وبعقل بارد وافقت، وتحملت المسؤولية. وبالمقياس نفسه أنا من أجلت عرض فيلم “رأس السنة” ووافقت على أفلام أخرى، إذن هناك معايير من خلالها أتعامل مع الرقابة.

تقوم بإرسال بعض السيناريوهات إلى سلطات عليا، وهذا يراه البعض غير منصف لهم.

هذا صحيح، فأي شيء له علاقة بالأمن القومي لابد أن أرسله للأمن القومي لأنه حساس جدا، ودوري هنا أن أقول رأيي النهائي.

ماذا عن أن الإنترنت عصف بدور الرقيب؟

ما زالت الرقابة تعمل بكامل قوتها وتاثيرها وهي تشاهد وتقرأ وتجيز؛ فالرقابة ليست ضد الإبداع ولا هي مرادفة للمنع، دورها تهذيب الأشياء التي تؤثر سلبا على المجتمع من فتنة طائفية، أو خطر على المشاهدين. هناك 9 مؤشرات نعمل في ظلها، منها: المخدرات، العنف، المعتقدات، الجنس، السلوك المحاكي وغيرها. وما يُعرَض على الإنترنت رقابته ليست عندنا.

درستَ الإخراج والسيناريو، وقدّمتَ مشروع تخرج مهم. هل تعتقد أن العمل الإداري أخذك من الإبداع؟

هذا حقيقي، ولكن دراساتي كانت عن التلقي وعن الرقابة، وعلاقتها بالمجتمع، ودائما أنظر للفيلم من ناحية كيف سيتم تلقيه في ظل كل ما يحيط به من مناخ سياسي واجتماعي واقتصادي. وكنت أتمنى أن اقدم أعمالا للسينما من تأليفي.

السينما السعودية ستلعب دورا في المنطقة ومهرجان البحر الأحمر عالمي

لننتقل إلى أحوال السينما في الوطن العربي، إلا أن تلك الأحوال تبدو على غير جديد لافت، ربما اللافت ما يحدث في السعودية، ترى ما رأيك في الانفتاح السينمائي السعودي على العالم؟

 هذا الانفتاح مهم جدا، وفي رأيي تأخر طويلا، لأن هناك طاقات كثيرة مبدعة، وكنت لسنوات مستشارا فنيا لإحدى القنوات العربية الخليجية، والتقيت بكفاءات من شباب سعوديين في هذه الفترة، وعمل بعضهم معي. وما حدث من انفتاح فتح لهؤلاء الشباب الموهوبين جدا والمثقفين جدا نوافذ إبداعية كثيرة، لأنني تعاملت معهم منذ سنوات وكانت هناك أشياء كثيرة تحد من انطلاقتهم. وأتنبأ خلال سنوات قليلة أن السينمائي السعودي وصناعة السينما هناك، ستلعب دورا مهمًا في المنطقة، وستكون من اللاعبين الأساسيين في المنطقة العربية كلها.

كنت قريبا من تجربة مهرجان البحر الأحمر السينمائي الذي تأجل في اللحظات الأخيرة بسبب فيروس كورونا وسيعود العام المقبل.. مارأيك؟

كنت بالفعل قريبًا من فريق العمل، واختيار القائمين عليه، هياكله التنظيمية هائلة وآليات العمل على أعلى مستوى. ومنذ أول اتصال بي أدركت أنني أمام هيكل تنظيمي على مستوى عال. وفي أول اتصال أخبروني أنهم بصدد تكريم المخرج الكبير خيري بشارة، وأنهم سيرممون ستة أفلام مصرية، وسيتم عرضها في أول دورة بالمهرجان.

هنا بدأت التفكير؛ فالمبدع مصري هو خيري بشارة، والاختيار من بلد تربطنا به علاقة الشقيقين، والسعوديون أول ما يفكرون في التكريم سينظرون إلى مصر، لأنهم يعلمون مكانتنا عندهم، ويعلمون أيضا مكانتهم عندنا، ونحن نعرف قيمة وأهمية هذا البلد، وكنت سعيدا جدا بمشاركتي في هذا الحدث، وتم إنتاج فيلم قصير عن سينما خيري بشارة. ورغم حزني على تاجيل المهرجان إلا أنني متفائل بإقامته في العام الجديد 2021 وسيكون حدثا عالميا.

فاصل اعلاني