• English
  • 20 يناير، 2025
  • 5:40 ص

هل ستمتثل السنيما المصرية لمزاج الجمهور السعودي؟

هل ستمتثل السنيما المصرية لمزاج الجمهور السعودي؟

13 June، 2023

ناهد صلاح

ما الذي قد تغيره السعودية في صناعة السينما المصرية؟ أو بأسلوب آخر: إلى أي مدى يمكن أن يؤثر حراك المشهد السينمائي السعودي في الأفلام المصرية، هل سيحقِّق التدفق الإبداعي السعودي الحالي، سواءً بازدياد عدد صالات العرض، أو بظهور أسماء جديدة، جريئة ونشطة بشكل لافت؛ نقلة نوعية في الإنتاج السينمائي المصري؟

فيلم وقفة رجاله

السؤال مشروع وضروري في هذه المرحلة الحاسمة، خصوصًا بعد أن حقَّقت أفلام مصرية إيرادات عالية، متجاوزة التوقعات في الصالات السعودية، ربما يبدو الأمر كمفاجأة كبيرة فجرها فيلم كوميدي متوسط الإنتاج هو “وقفة رجالة” للمخرج أحمد الجندي، إذ أحرز أكثر من 15 مليون دولار، حسب إحصائية شركة كومسكور للاستشارات وتحليل البيانات التي نشرتها مجلة فارايتي، وهي ما صادفت تفسيرًا على أنها نتيجة طبيعية؛ أولًا لارتفاع سعر التذكرة، وثانيًا لظرف عرضه الاستثنائي، عقب عودة السينما بعد جائحة “كوفيد 19″، وهو تفسير يبدو منطقيًا إلى حدٍّ ما، ويشير لتعطش الجمهور للخروج والتهيؤ النفسي للحياة الطبيعية مرة أخرى، لكن يجب الانتباه إلى أنه لم يكن الفيلم الوحيد المعروض، بل كان ثمة أفلام أخرى، مثل الهوليوودي ضخم الإنتاج Spider-Man: No Way Home””، الذي حقق إيرادات أقل من المصري، كما لا يمكن أن نتجاهل مجموعة من العوامل الأخرى التي واكبت جموح إيرادات هذا الفيلم، وهي عوامل قد تبدو للبعض أنها بعيدة عن فنِّ صناعة السينما، مثل الانفتاح في المجتمع السعودي، وتغير مساره الثقافي والاقتصادي، وما تلاه من تغيرات اجتماعية ومزاجية واضحة.

السؤال عن استجابة السينما المصرية لمزاج المشاهد السعودي أصبح ضروريًّا، بعدما تجاوزت إيرادات الأفلام توقعاتها في الصالات السعودية.

بداية موجة

فيلم عمهم

هذا يقودنا إلى علامات التأثير السعودي الجديد في صناعة السينما المصرية، وأهمية السوق السعودية للأفلام المصرية؛ لأن “وقفة رجالة” كان إشارة انطلاق موجة الأفلام المصرية التي حققت أعلى الإيرادات سعوديًّا، منها: “مش أنا” تأليف وبطولة تامر حسني، وإخراج سارة توفيق، “ماما حامل” إخراج محمود كريم، ثم تلاها “من أجل زيكو” إخراج بيتر ميمي، و”عمهم” إخراج حسين المنباوي في موسم 2022.

الملحوظ أنها جميعًا أفلام كوميدية، وهذا مؤشر آخر لطبيعة الموضوعات التي يطلبها الجمهور، وكذلك لنوعية النجوم الذين يتعلقون بهم، بما يعني حكايات خفيفة ومضحكة، وممثلون يأتلف معهم جمهور بفئاته العمرية والثقافية المتجددة، والمستندة في ذات الوقت على أسس نسبية من الأمان، هذه الأسس التي دعمت الكوميديا المصرية في مقابل الأكشن، سواء الأمريكي “Spider-Man: No Way Home”، أو المصري “العارف” إخراج أحمد علاء الديب، وإن كان هذا لا يعني اتفاقًا نهائيًّا حول هذا المؤشر؛ فما زالت الأمور في بدايتها، وتحتاج الكثير من التأمل والتريث.

حضور الموزع

على هذه الخلفية نعود لسؤالنا الاستهلالي، ويمكن أن نضيف إليه استفهامًا آخر: هل ستتجدد الدعوة إلى موجة السينما النظيفة، كما حدث في  سنوات البرزخ ما بين نهاية التسعينيات وبداية الألفية الجديدة؟ لكن قبل الإجابة لا بدَّ أن نتوقَّف عند عدة نقاط، أولها: أن السينما المصرية كصناعة تعتمد بشكل كبير على العائد الخارجي، شأنها شأن الأمريكية، مثلًا (نحو60% من الداخل، و40% من الخارج)، وعلى هذا الأساس تتحدد قوة الموزعين، فعلى سبيل المثال كان الموزع اللبناني منذ البدايات وحتى السبعينيات تقريبًا، له حضور قوي في السينما المصرية، بل إنه شكل ملمحًا مهمًّا من ملامحها، بدءًا من اختيار نجومه اللبنانيين والشوام إجمالًا، خصوصًا المطربين: فريد الأطرش، أسمهان، صباح، نور الهدى، نجاح سلَّام، و.. غيرهم من رموز الكلاسيكيات الرومانسية والغنائية، مرورًا بظهور الشام إجمالًا، كجغرافيا ومجتمع برونق جميل وجذاب، وصولًا إلى تقديم الشخصية الشامية عمومًا، بصورة ترسخت في المخيلة كشخصية أخاذة أنيقة، حتى لو كانت فقيرة، حلوة بلهجة منغمة لطيفة، طيبة لا تعرف اللؤم.

أما الموزع السعودي فقد برز حضوره كلاعب أساسي في السوق المصرية منذ نهاية السبعينيات، كما برز دوره الفاعل على خارطة التوزيع في الثمانينيات والتسعينيات، وها هو يتجدد دوره المتجذر مرة أخرى حاليًّا، لتصبح السوق السعودية نافذة مشرعة للأفلام المصرية كتوزيع أو إنتاج، ويرسم الموزع السعودي الإطار الأساسي للفيلم المصري كقصة وكنجم، وهو الدور المتفق عليه للموزع الذي يشتري حقوق العرض السينمائي خارج مصر، بما فيها- غالبًا- حقوق العرض التليفزيوني والمنصات، وكل وسائل العرض المتاحة، وبهذه الطريقة يصبح الموزع الخارجي شريكًا في إنتاج الفيلم.

من هذه الزاوية ندلف إلى النقطة الثانية، والتي تتعلق بصالات العرض، وتزايدها لنحو  430 شاشة، حيث يتحتَّم أن ندرك التوازي بين الإنتاج والاستهلاك، فهذه الصالات تحتاج أفلامًا تتوافق مع ذائقة الجمهور السعودي، وهو جمهور بدوره يميل إلى الأعمال المصرية، وبالتالي فإن هذا من البدهي أن ييسر الإنتاج في المرحلة المقبلة، بما يثري الصناعة، ويتطلب جهدًا لمعرفة نوعية الأفلام التي تحتاجها السوق الجديدة.

لموزع السعودي برز كلاعب أساس في السوق المصري مع نهاية السبعينيات، وتجذَّر دوره مع الثمانينيات والتسعينيات، وها هو الآن يعود.

عقل المال

يُحيلنا ذلك إلى (ثالثًا) حيث لا بدَّ من فهم أنه بالضرورة رأس المال له عقل، وبالتالي فإن الحضور القوي للسعودية في ساحة السينما، يعني أنه سيضيف لعمق الصناعة، وأنه مرتبط بالمسار العام للذهنية السعودية والتغييرات الحديثة، التوجه الجديد للسعودية مع التنوير والعلم والثقافة والفنون، وربما على أساس هذا قد نشاهد نسخًا مجددة لأفلام قديمة، من نوعية “أين عمري”، أو “أنا حرة”، أفلام اجتماعية أو تاريخية أو كوميدية، لكنها بالتأكيد لن تقدم الصورة النمطية القديمة لشخصية السعودي أو الخليجي في السينما المصرية؛ لسبب معروف جدًّا، وهو أن الواقع نفسه تغير، سواءً في مصر أو السعودية، وأن الجميع يتلمس طريقًا إلى المستقبل، يناسب الأوضاع الجديدة.

فإن تتبعنا ملامح الشخصية السعودية في الأفلام المصرية، لوجدنا أنها جزء من الصورة الكليشيه للخليجي بشكل عام، في بداية السينما كانت هذه الشخصية غائبة عن الشاشة المصرية، ثم بدأت في الظهور التدريجي منذ أواخر السبعينيات، وبرزت في التسعينيات كشخصية نمطية، محملة بدلالات عدة، تتعلق بالنسق الاقتصادي وتحولاته في مصر والسعودية والخليج.. رجل ثري، شهواني، عابث، يسعى وراء نزواته في كباريه أو فندق، المرأة مجرد جسد يستهدفه كما في فيلم مثل “لحم رخيص” (1995) إخراج إيناس الدغيدي، يختلف عن المصري البسيط، المفلس، ولعلَّ فيلم كوميدي مثل “عندليب الدقي” (2007) إخراج وائل إحسان، ينقل صورة متباينة للمصري والخليجي كرجلين مختلفين، وإن تشابه جسدهما وملامحهما، وفي تقديري أن هذه الصورة يصعب تكرارها ثانية بنفس النمطية؛ لأن السينما تتفاعل مع مجمل العوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية المحيطة، لتصوغ نفسها في لحظة التشكل والتغير.

الانفتاح الثقافي

نستخلص من كل ذلك أن ما حدث في السعودية مؤخرًا من انفتاح ثقافي، سيبدل أشياء كثيرة بدأت تتجلى في شراكة سينمائية مصرية/ سعودية، مثلما فعل السيناريست والمنتج المصري محمد حفظي الذي عقد تعاون فـني- تجاري مع إحدى الشركات السعودية لتوزيع الأعمال الفنية العربية في السوق السعودية، وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هذا غير إعداده لفيلم “بحر الرمال” من إنتاج مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء)، تدور أحداث الفيلم حول قصة بلوغ يتيم بدوي يافع لسن الرشد، والذي تربطه صلة قوية بالجمل، حيث ينطلقان معًا في رحلة عبر المملكة العربية السعودية.

وعلى صعيد موازٍ أنتج محمد حفظي الفيلم الكوميدي “حامل اللقب” إخراج هشام فتحي، وفيه يظهر الفنان السعودي علي الحميدي في دور أبو نواف- رئيس النادي السعودي، و”القاهرة – مكة” إخراج هاني خليفة، كما ينتج أفلامًا سعودية في مصر مثل “الشاهد الوحيد” إخراج أكرم فريد، و”السجين” إخراج محمود كامل.

لا تعني الحماسة صوب إنتاج هذه الأعمال، باعتبارها إنجازًا لأفلام سينمائية ذات قيم فنية ودرامية وجمالية وإبداعية رفيعة المستوى، إنما قد نجد فيها إجابة عن سؤالنا الافتتاحي، فعلى الأقل وكما يبدو حتى الآن؛ لأن التجربة مهمة، وترسخ لتغييرات على مستويات عدة، تنعكس على الصناعة البصرية في مصر والسعودية، وتؤسس لمساحة جديدة وضرورية للتعبير الفني في عالمنا العربي كله.

فاصل اعلاني