• English
  • 20 يناير، 2025
  • 4:53 ص

سنية الشامخي مديرة “أيام قرطاج السينمائية”: الأهمّ من تنظيم مهرجان للأفلام أن يحمل رؤية للثقافة وللمجتمع

سنية الشامخي مديرة “أيام قرطاج السينمائية”: الأهمّ من تنظيم مهرجان للأفلام أن يحمل رؤية للثقافة وللمجتمع

4 January، 2023

حوار – بثينة عبد العزيز غريبي

من شروط محاورة الكاتبة والمخرجة والباحثة التونسية د.سنية الشامخي، مديرة “أيام قرطاج السينمائية”، القطع الجذري مع الخطابات السابقة لأيّ مدير مهرجان في بلدٍ نامٍ. فقد كانت تلك الخطابات تكاد تحصر نجاح المهرجان في إمكاناته الماليّة، ولا تفقه الإمكانات النوعية أو الظروف التي تحدث عنها الفليسوف الفرنسي “فوكو”. هي ترفض الحديث عن أيام قرطاج السينمائية كسوق مثلما تمّ الترويح لها في بعض الدّورات، لتقرنها بالحلم والحياة، والسعي إلى تغيير هذه الحياة. فالسينما تقدّم مقترحًا رمزيًّا، ولهذا تنطلق في الإعداد للدّورة الـ33 من السّؤال التالي: “أيّ خطاب سينمائي تشتغل عليه من خلال الأفلام التي سيتمّ انتقاؤها؟”.

مهرجان الفيلم الطاهر احمد واحمد الملا

ورغم  أنّها تقول دائمًا إنها لا تحبّذ الكلام في هذه المرحلة من التحضير للمهرجان، فما تبقّى فيها من أثر السينما السعودية، وما لامس وجدانها من أعمال في مهرجان الفيلم بالسعودية، جعلها تخصّ “كراسات سينمائية” بهذه المقابلة، كاستثناء، تحيّة منها لهذه السينما، وللمبادرات الأخيرة للانفتاح على الفن السابع، انطلاقًا من مهرجان البحر الأحمر، وامتدادًا مع التجارب الأخرى، التي ربما ستتوّج بشراكات مهمّة بين السينما السعودية والتونسية.

استقبلتنا سنية الشامخي في مكتبها بمدينة الثقافة، كانت مثقلة بالمهامّ ومنشغلة، لكنّها إذا تكلّمت عن السينما تحمّست وجدانيًّا وفكريًّا، فأي خطاب سينمائي تدافع عنه؟ وكيف تتمثّل دور السينما العربية، وتأثيرها على المجتمع؟

هل تلقّيتِ خبر توليكِ إدارة “أيام قرطاج السينمائية” بشغف السينمائية أم الأكاديمية الباحثة في السينما أم الكاتبة والروائية أم المديرة المكلفة بمهمة؟

تلقّيتُ الخبر بفرحة كبيرة. فرحتُ بتزكيتي من قبل المجتمع، بكلّ مكوّناته الثّقافية والفكريّة في تونس. حمّسني ذلك، وفي الآن ذاته حمّلني المسؤولية. أنا لست فقط السينمائية التي قدّمت ثمانية أفلام، بل أيضًا الروائية والباحثة، ويضاف إلى هذا كله “غرامي” بالسينما، وأنني أعتبر نفسي قريبة من الفنانين. أعرف السينما منذ كان عمري خمس سنوات، أي قبل دخولي المدرسة الابتدائية. كنت أنشط في نادي السينما في قرطاج منذ كنت في هذه السن، وهذا بفضل جامعة نوادي السينما.

رؤية ثقافية ومجتمعية

أيام قرطاج السينمائية

ما أبرز ملامح المشروع الثّقافي لمهرجان قرطاج؟

ليس المهمّ تنظيم مهرجان ودعوة ضيوف وعرض أفلام فقط، بل الأهمّ من ذلك كله بالنسبة لي، أن يندرج المهرجان ضمن رؤية للثقافة وللمجتمع. نريد أن نخبر الجمهور بأنه يمكنه أن يستمتع أيضًا بمشاهدة أفلام راقية، وأنه توجد بالضرورة أفلام ذات جودة عالية وقادرة على أن تشعره بالنشوة واللّذة. بل إن هذا الإحساس بالمتعة سيختلف عن أيّ إحساس آخر، لأن الأفلام تقدّم له في الآن ذاته مقترحًا رمزيًّا يحتمل البديل. طبعًا هذا المشروع ممكن. يمكن لهذا الجمهور أن يشاهد أفلامًا تحترمه وتحترم انتماءه الحضاري. وحتى لمّا نقترح عليه سينما من العالـم، فالمؤكد أنها ستكون سينما تحمل قضايا وهمومًا إنسانيّة مشتركة.

أي دور يمكن أن تضطلع به السينما داخل المجتمع؟

فيلم مناضلات

السينما هي المقترح الرّمزي للمجتمعات، قيمتها في الرمز الذي تقدّمه وقد تفسّر من خلاله الخير والشر، وعلاقتنا بالمادي واللّامادي الروحاني، وبالوجود والموت. هي لغة موظفة رمزيًّا، وعلاقتها بالمجتمع علاقة جدليّة، فهي لا تنطلق فقط منه، بل تقترح الرمزي، لأنها تخاطب المتلقّي العادي والمتميز، وتفجر القضايا المهمة، كأن تذكّرنا مثلًا بأنه ليس علينا أن نقبل الظلم، ولا يمكننا إقامة العدل دون تحقيق العدالة الاقتصاديّة.

كنت تتابعين أيام قرطاج السينمائية بعيون الناقدة والآن أنت المديرة.. كيف استفادت المديرة من قراءاتك النقدية للدورات السابقة؟

هناك نقطتان أساسيّتان سأشتغل عليهما، أوّلًا: على مستوى التراكمات، بمعنى أنّ الدورات السابقة حقّقت العديد من المكتسبات التي لم تحافظ عليها. لا يمكن إنجاح دورة جديدة دون المحافظة على مكتسبات الدّورات السابقة والبناء عليها. ثانيًا: لا يمكن برمجة أفلام تقترح نقيضًا فكريًّا للمبادئ والقيم التي يدافع عنها المهرجان. فكيف ندافع عن العدالة مثلًا ونعرض أفلامًا متناقضة مع هذا المبدأ؟

نحن شاهدنا أفلامًا في دورات سابقة للمهرجان، تنتصر للعنصرية ضد العرب والمسلمين، وهذا غير مسموح به الآن. يجب أن تكون الأفلام المنتقاة في خدمة القضيّة أو القضايا التي يدافع عنها المهرجان كمشروع ثقافي.

لن نقبل في المهرجان التونسي أفلامًا تنتصر للعنصرية ضد العرب والمسلمين.

خلط في المفاهيم والمسؤوليات

الكاتبة والمخرجة والباحثة سنية الشامخي

طغى مفهوم “السّوق” على الدّورات السّابقة من أيام قرطاج السينمائية، ما الجديد في هذا المشروع في الدورة 33؟

مهرجان قرطاج ليس سوقًا، ولا يمكنه أن يكون كذلك. هذا خلط في المفاهيم وخلط في المسؤوليّات. هو مشروع ثقافي للمجتمع، ومنصة تحفيزية لإنعاش السوق وخلق فرص جديدة من خلال لقاءات بين المحترفين والمنتجين والممثلين وكل مهنييّ القطاع. “قرطاج” يؤسس للتواصل بين هؤلاء كلهم، وهذه الوظيفة تأخذ مساحة صغيرة جدًّا مقارنة بالوظيفة الأساسية والرمزية للمهرجان، وهي الدفاع عن الفن والخطاب الذي يقترحه للمجتمع ويناقشه معه.

أيام قرطاج السينمائية ليست سوقًا.. لكنها الحلم من أجل تغيير هذه الحياة.

السينما فن الحياة وفن قول الإنسان. إلى أيّ مدى نجحت السينما العربية في التحدث عن هموم المواطن العربي وقضاياه؟

يمكن فهم هذه النقطة من خلال بسط تطوّر علاقة المتفرج بالسينما العربية. لقد مررنا بفترة ذهبية، حيث كانت للسينما علاقة عضويّة بالمتفرّج. لكن بعد ذلك اضمحلّت هذه العلاقة لأسباب موضوعية، إنتاجيّة اقتصاديّة، ومتعلّقة أيضًا بالسّياسات الثقافيّة في الأوطان العربيّة وبالظروف التي تمرّ بها البلدان العربيّة. فلم يعد هناك إنتاج في سورية، وتقلّص الإنتاج في العراق والجزائر، ما يعني أن المسألة مرتبطة بالظروف العامة لكلّ بلد.

الروايات والسينما

نتحدث دائمًا عن أزمة في السينما على مستوى السيناريو، في حين أنّنا نواكب سنويًّا صدور أعمال روائيّة ضخمة وظهور كتاب مهمين. فبم تفسرين هذه القطيعة “المفتعلة” اليوم بين السينما والأدب؟

السينما العربيّة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، كانت ذهبية لانّها كانت ذات علاقة وطيدة مع الأدب ومع الاقتباس. إن مؤسسة الافلام المصرية كانت تقدم أفلامًا مقتبسة من الأدب وترأسها نجيب محفوظ نفسه. وبدأ التباعد بين السينما والأدب، لما تحوّل الإنتاج السينمائي من العمومي إلى الخاصّ. فالمشروع الثقافي الذي تحمله المؤسسات والحكومات العمومية تقلّصت أهميّته ضمن قانون السوق (السوق.. الكلمة التي لا أحبها)، فأصبحت الإنتاجات بالأساس إنتاجات ترفيهية  لا تحتاج إلى الأدب أصلًا. وبالتالي أصبح اقتراح أفلام خارج إطار الإنتاجات الترفيهية في حدّ ذاته نوعًا من المقاومة الأدبية والفنية والنضال من أجل أن يكون الاقتباس موجودًا.

ومثلًا في تونس، المشكلة أنّ المصنّع لا يعطي اعتبارًا للرواية والفكر والفن والعلاقة بالمجتمع، ولا تهمّه اقتراحات رمزية للمجتمع أو حتى أن تخرج المجتمعات من أزماتها. هذا المستثمر ليست غايته فكرية تغييرية، فتكون مفقودة هذه الحلقة. وتبقى المسؤولية ملقاة على عاتق الفنان المفكر، الذي ينعزل في ركن لثلاث سنوات لكتابة سيناريو يسلّمه أحيانًا لمن سينجزه مجانًا، وعليه أن ينتظر أحيانًا بين أربع أو خمس سنوات حتى يحصل على تمويل. ولا أحدثكم هنا عن صغار الفنانين والمخرجين، وإنما عن كبارهم. فاليوم في تونس، الفنان الكبير صاحب التجربة والأعمال المهمة قد يعجز أحيانًا بسبب صعوبات تمويلية. إن الفن تحول إلى صناعة، والصناعة لها شروطها الإنتاجية التي لا يقدر عليها الفنان المفكر، وانما يقدر عليها المستثمر الذي همه الأول ربحي تجاري ترفيهي وليس فكريًّا.

نسعى جاهدين إلى استعادة الرّواية والأدب في السينما العربيّة.

المشروع السعودي

مهرجان أفلام السعودية ولاحقا مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، في السعودية كانا الحدث الفني الذي فاجأ الجميع. كيف تعلقين؟

بالفعل، أبارك للسعودية هذا الانفتاح على السينما، وهذا التغيير، حيث نرى تحولات مهمة. والآن، يجب التفكير جيّدًا في الآليات. لقد اطلعت على المشروع الكامل لتغيير المجتمع في المملكة، وأعتقد أنه مشروع مهم وضخم، ويجب أن ينجز برصانة وحذر، وليس في عجالة، بل على مراحل. لأنّ أي تغيير لأي مجتمع لابد أن يمر بعدة قطاعات، من المستوى العقلي إلى التعليم إلى الثقافة.

سبقت لك متابعة الأعمال السينمائية السعودية في المهرجانات العربية والعالمية.. فما الذي جذبك إلى هذه السينما؟

حينما شاهدتُ الأعمال السينمائية السعودية، فهمتُ حقّا “مَن هو السعوديّ”. عرفته جيّدًا، على عكس ما كنت أراه عبر الشاشة الصغيرة في بعض الأعمال الدرامية، وكنت حينها أعتقد أنني أعرف السعودي. هذا ما راق لي، أقصد قدرة السينما على أن تتحدث بدقة وحرفيّة عن الإنسان السعودي، وتنقل شواغله. لقد صرت على يقين بأنّ السينما السعودية لها علاقة عضوية بمجتمعها، والجمهور الذي يتلقّاها من شعوب عربيّة مختلفة. شعرتُ بالحميميّة مع هذه السينما، وأنها تشبهني كمواطنة عربية، وتلتقي مع عواطفي وانتمائي.

شعرتُ بالحميميّة مع السينما السعودية.. وأنها تشبهني كمواطنة عربية.

فاصل اعلاني