مقالات
الإعلان الضمني في الأفلام السينمائية
عمر بركات5 December، 2023
عمر بركات
لطالما كانت الإعلانات مرافقة للشاشة الكبيرة والصغيرة منذ اختراع الكاميرا والصور المتحركة. حيث التقت مصالح المنتجين الذين يرغبون في تخفيض تكاليف الإنتاج مع أصحاب العلامات التجارية الذين يرغبون في زيادة مبيعاتهم. فكان أن تنوعت سبل الإعلان، بين إعلانات مباشرة وإعلانات غير مباشرة. ومن الطريف ذكره في هذا الشأن أن سبب تسمية مسلسلات الدراما النهارية باسم Soap Opera هو أن أغلب المعلنين خلال فترة عرضها هم شركات الصابون والمنظفات.
ينتمي الإعلان الضمني Product Placement إلى التسويق غير المباشر Implicit Marketing، ويعرف بأنه ظهور أي منتج تجاري أو علامة تجارية، لفظيًّا أو بصريًّا، ضمن عمل فني مثل الأفلام أو البرامج التلفزيونية، سواء كان مدفوعًا أم مجانيًّا.
ومنذ ظهور السينما وزيادة شعبيتها بين الجماهير انتبه أصحاب العلامات التجارية إلى قوة الأفلام، ومدى تأثيرها في المستهلكين. ويعود تاريخ أول ظهور لإعلان ضمني مدفوع في الفلم الأمريكي الصامت The Garage عام 1919 لشركة محطات Red Crown Gasoline. وكان أيضًا أول ظهور لإعلان ضمني في فيلم فاز بجائزة أوسكار كان Wings عام 1927. حيث ظهر أحد منتجات الشوكولا من شركة هيرشي.
استمرَّ ظهور الإعلانات الضمنيَّة في الأفلام السينمائية بشكل خجول حتى بداية الخمسينيات. وذلك عندما دفع أصحاب العلامة التجارية Gordon’s Gin من أجل الظهور في الفيلم الكبير The African Queen. بطولة النجمين كاثرين هيبورن وهمفري بوجارت.
التحوُّل
إلا أن التحوُّل الملحوظ في أهمية الإعلان الضمني كان مع اكثر أفلام الثمانينيات شعبية E.T. the Extra-Terrestrial عام 1982، للمخرج ستيفن سبيلبيرغ. حيث ظهرت حلوى Reese’s pieces من شركة هيرشي. والتي دفعت ما يقارب مليون دولار لمنتجي الفلم. من أجل الاستفادة من ظهور الشوكولا مع بطلي الفيلم، وهو الأمر الذي أدى إلى نجاح تجاري كبير. حيث تضاعفت المبيعات في فترة عرض الفيلم. وقد قدرت قيمة العائد من الاستثمار ب 15 إلى 20 مليون دولار. وكان هذا النجاح الباهر دافعًا لكثير من الشركات الكبيرة للإعلان عن منتجاتها وعلاماتها داخل الأفلام.
في عام 1983 اشترت شركة كوكا كولا أستوديوهات كولومبيا العالمية. وبالرغم من أنها لم تبالغ في ترويج منتجاتها في الأفلام التي أنتجتها كولومبيا؛ إلا أن الغيرة دفعت شركة بيبسي لإطلاق حملة إعلاناتها الضمنية في الأفلام، لتحصد النجاح الباهر مع فيلم Back to Future 2 . والذي يعد من أهم أفلام الخيال العلمي الناجحة. وقد شاركت شركة نايكي أيضًا هذا النجاح بالظهور الأيقوني لحذاء نايكي الخيالي.
ومع انفتاح باب الإعلان الضمني على مصراعيه، ظهر ما يسمى Brand integration أي تكامل العلامة التجارية مع الفيلم. وهو عندما تدفع شركة مبالغ كبيرة لتظهر علامتها التجارية أو منتجاتها بشكل متعمَّد ومكتوب في السيناريو. بحيث يتكامل مع أحداث الفيلم وأبطاله، كما فعلت ماكدونالدز في فبلم Mac & Me عام 1988. وشركة الألعاب نينتيندو في فيلم The Wizard، وأيضا فيلم Career Opportunities عام 1991، الذي تدور قصته في معارض شركة Target. ولا ننسى النجاح الباهر لسيارات BMW في أفلام جيمس بوند. وأيضًا نجاح حملة أبل الإعلانية في أفلام النجم توم كروز Mission Impossible بجزئيه الأول والثاني.
التحوُّل الملحوظ في أهمية الإعلان الضمني كان مع اكثر أفلام الثمانينيات شعبية E.T. the عام 1982، للمخرج ستيفن سبيلبيرغ.
زيادة الطلب
ومع زيادة تكاليف الإنتاج في نهاية التسعينيات وبحث المعلنين عن سبل إعلانية أقل تكلفة وأكثر نجاعة، ازداد الطلب على الإعلانات الضمنية. وتحولت تدريجيًّا إلى صناعة مهمة بلغ حجمها 8 مليار دولار. واستمرت في النمو سنويًّا. وتقدر قيمتها عام 2021 بحوالي 23 مليار دولار، بزيادة تقدر 14% عن سنة 2020. ويتوقع خبراء التسويق أن يتوالى الارتفاع في سوق الإعلانات الضمنية على حساب الإعلانات التقليدية. والتي تضاءل تأثيرها بسبب عزوف المشاهدين عن التلفزيون. وعدم رغبتهم في مشاهدة الإعلانات التقليدية، حيث إن90% من مستخدمي اليوتيوب يتجاهلون الإعلان في بداية الفيديو. وأيضًا بسبب انتشار خدمات بث المحتوى، مثل نتفليكس وأبل تي في وغيرهما.
الإعلان الضمني إما أن يكون لفظيًّا أو مرئيًّا أو كليهما معًا. وليس للإعلان الضمني ميزانية محددة، فهو يتفاوت بسبب عوامل عديدة، مثل حجم الإنتاج والنجوم المشاركين، والشركة المنتجة، ومدة الظهور، وغيرها. هناك الكثير من الشركات التي تدفع مبالغ ضخمة، للإعلان الضمني في الأفلام المشهورة، مثل سلسلة جيمس بوند. على سبيل المثال دفعت شركة Heineken الهولندية 45 مليون دولار للظهور في فلم جيمس بوند، والاستفادة من شخصية البطل في إعلاناتها. وأيضًا دفعت BMW للظهور في 3 أفلام في التسعينيات ما يعادل 110 ملايين دولار. وتلتها شركة السيارات الرياضية Aston Martin التي استثمرت أكثر من 140 مليون دولار للظهور في الأفلام التالية مع بداية الألفية.
كذلك لا يمكننا الحديث عن الاستثمار العالي والناجح في الإعلانات الضمنية بدون ذكر سيارة كورفيت الصفراء، والتي كانت أحد أبطال سلسة Transformers، بإدارة المخرج مايكل باي. وكان تأثير حملة كورفيت الإعلانية الضمنية كبيرًا. حيث كانت شركة GM تعاني اقتصاديًّا. وكانت زيادة مبيعاتها واضحة، حيث باعت 80 ألف سيارة في سنة 2008، و100 ألف سيارة في السنة التي تليها. وأيضًا لا يمكن نسيان مشاركة سياراتMini Cooper ، العلامة البريطانية الشهيرة في فيلم المطاردات The Italian Job، والذي تسبب في زيادة مبيعات الشركة 20% في سنة 2001، وكلَّف الشركة 25 سيارة تم استخدامها في الفيلم.
وهناك العديد من الأمثلة عن إعلانات ضمنية ناجحة لم تكلِّف الشركات شيئًا. مثل ظهور الكرة من شركة Wilson في فيلم Cast Away، مع الممثل الشهير توم هانكس. وأيضًا النجاح الباهر لنظارات Ray Ban مع الممثل توم كروز في فلميهRisky Business عام 1983. وفيلم Top Gun عام 1986. والذي كان سببًا في رفع مبيعات الشركة عدة أضعاف، وجعلها علامة متميزة في الثقافة الشعبية.
دفعت شركة Heineken الهولندية 45 مليون دولار للظهور في فيلم جيمس بوند، والاستفادة من شخصية البطل في إعلاناتها.
الأسباب
هناك الكثير من الأسباب التي تدعو الشركات للجوء إلى الإعلانات الضمنية، مثل زيادة المبيعات، والوعي بالعلامة التجارية. وأيضًا تكلفتها أقل من الإعلانات التقليدية. بالإضافة إلى الانتشار عالميًّا، والاستمرارية على المدى الطويل. لأن عرض الفيلم سيستمر على شبكة الإنترنت بعد خروجه من السينما. وارتباط المنتَج بالنجم المشهور، واستهداف جمهور فيلم معين يزيد من تأثيرها في المشاهدين.
أما المنتج فأحد أهم الأسباب التي تدفعه للبحث عن الإعلانات الضمنية في أفلامه؛ هو تخفيف تكاليف الإنتاج. وإمكانية استثمارها في الصوت والصورة لرفع جودة الفيلم. وأيضًا جذب جمهور العلامة التجارية لمشاهدة الفيلم. وفي كثير من الأحيان يساعد ظهور العلامات التجارية في جعل الفيلم أكثر واقعية.
لا يمكن إنكار قوة الإعلانات الضمنية، وأنها أصبحت خيارًا تسويقيًّا لا يستهان به في ظلِّ تراجع سطوة الإعلانات التقليدية. إلا أنها سلاح ذو حدين يمكنه التأثير سلبيًّا في العلامة التجارية. بسبب صعوبة التحكم بكيفية ظهور المنتج أو العلامة. كما حصل مع حملة Reebok التي ظهرت بشكل سيئ، نوعًا ما، في فيلم توم كروز الكوميدي الناجح Jerry Maguire. وأيضًا إمكانية تأثيرها سلبًا في جودة الفيلم حال كانت واضحة كثيرًا، أو تم استخدامها بشكل مبالغ فيه. وهذا بالضبط ما عبر عنه خبير التسويق الأمريكي، بما أسماه معضلة الإعلان الضمني، قائلًا “إن لاحظت الإعلان فهو سيئ، وإن لم تلاحظه فلا قيمة له”.
أسباب كثيرة تدعو الشركات للجوء إلى الإعلانات الضمنية، كزيادة المبيعات، والوعي بالعلامة التجارية، إضافة إلى الانتشار عالميًّا.