مقالات

الظلال القاتمة لكورونا على المهرجانات السينمائية عربيًّا وعالميًّا
حسن بحراوي4 January، 2023
عندما ألقت كورونا بظلالها القاتمة على العالم في ربيع 2020، لم تترك مجالًا ولا قطاعًا اجتماعيًّا أو ثقافيًّا أو اقتصاديًّا إلا وأربكت مسيرته، وشوّشت عليه انتظامه، وقلصت من إنتاجيته، هذا إذا لم توقف نشاطه على نحو مطلق. تستوي في ذلك البلاد المتقدمة والأقل تقدمًا، لأن الجميع قد صار سواسية مع كورونا التي شملت بلعنتها الجميع دون استثناء.
وطبعًا، نالت المهرجانات السينمائية حظها من هذا الوباء اللعين، فألغيت دورات كانت تُنتظر على أحر من الجمر من طرف منتجي الأفلام والمغرمين بالفن السابع، وتأجلت أخريات إلى مواعيد مُسمّاة أو غير مسماة، وغامر بعض المنظمين مدفوعين بالضغوطات والإكراهات فتسبّبوا في مئات الإصابات بالوباء وتعرّضوا للانتقاد والشجب، وعاش الجميع على أمل أن تكون النازلة عابرة ومؤقتة يأتي بعدها الفرج وترجع المياه إلى مجاريها. لكن بأي ثمن وبكم من التّبعات والعواقب؟
تأثير كاسح
لقد كان تأثير الفيروس التاجي المسمّى كوفيد19 كاسحًا على صناعة السينما في جميع بقاع العالم، وعلى صعيد الإنتاج السينمائي حصل تراجع غير مسبوق، شمل مجال الاستثمار والتمويل. وأغلقت جزئيًّا أو كليًّا مختبرات الإعداد والمونتاج، وتوقفت معظم مشاريع التصوير التي جرى تعليقها في الموجة الأولى للوباء لمدة 162 يومًا. وتضاءلت مؤقتًا ثم تلاشت تقريبًا أنشطة قاعات العرض لعدة أشهر، وعَرقلت حركة التنقل إلى الخارج إمكانيات الإنتاج المشترك بمقدار الربع، وتبع ذلك كله تأجيل أو إلغاء مواعيد الكثير من المهرجانات السينمائية الوطنية والدولية.
ومن الناحية المادية الصرفة، تسبب الوباء في فقدان الصناعة السينمائية الأميركية خمسة مليارات دولار بين 2019 و2020، ونصف هذا المبلغ خسرته السينما الصينية، وأقل من ذلك قليلًا كان ثمن تفشّي الوباء الذي طال هذه الصناعة في إيطاليا وفرنسا. وفي هذه الأخيرة وحدها صرفت الدولة وشركاؤها من هيئات التأمين على الكوارث إعانات برسم التعويض فاقت المائة مليون يورو، كما ضخت خلال فترة الحظر الثاني ما يفوق 24 مليون يورو على سبيل الدعم والمساعدة على انطلاق مشاريع الإنتاج السينمائي، وهي تُعتبر بذلك أكثر دولة في العالم وقفت إلى جانب العاملين في القطاع السينمائي المتضرر.
وكانت الصين أول من عانى من هذه الإشكالية بسبب سبقها إلى تفشي الفيروس على أراضيها ودرجة انتشاره القصوى في أوساط ساكنيها، حتى قيل إنها اضطرت إلى إغلاق سبعين ألف قاعة سينمائية فوق ترابها. وقد تبعتها أو اقتربت منها في هذا الوضع بلدان آسيوية مثل اليابان وكوريا الجنوبية والهند، وأوروبية مثل إيطاليا وفرنسا وألمانيا. وطبعًا عانت السينما العربية الناشئة الشيء الكثير من هذه الجائحة، وإن كنا لا نتوفر على نسب أو أرقام دقيقة.
تسببت جائحة كورونا في فقدان الصناعة السينمائية الأميركية خمسة مليارات دولار بين 2019 و2020.
فرنسا هي أكثر دولة في العالم وقفت إلى جانب العاملين في القطاع السينمائي المتضرر.
مغامرون ومجازفون
جازف الفرنسيون في إقامة الاحتفال بتوزيع جوائز السيزار في دورتها الخامسة والأربعين في مسرح الشاتلي بباريس (فبراير 2020) بدعوى أن فرنسا لم تُعلن رسميًّا عن وصول فيروس كورونا إليها. وباشر اليابانيون إعلان جوائز الأكاديمية الثالثة والأربعين للأفلام دون اعتبار استثنائي لظروف الجائحة، وغامر الأميركيون بتقديم جائزة التوتة الذهبية الأربعين وهي نقيض الأوسكار تُمنح لأسوأ فيلم وأقبح أداء.
وتراجع الهنود في آخر لحظة عن إقامة حفل جوائز الأكاديمية الهندية الدولية للأفلام (آخر مارس 2020)، وتأجل إلى أجل غير معلن مهرجان بكين السينمائي الدولي (إبريل 2020)، ومثله حصل مع مهرجان براغ السينمائي الدولي (مارس 2020)، وانتقل مهرجان إسطنبول السينمائي الدولي (إبريل 2020) إلى موعد غير محدد، والمصير نفسه لاقته الدورة العشرون لمهرجان بيفرلي هيلز، وتمّ التراجع عن تدشين الدورة الأولى لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في السعودية (2020) إلى وقت آخر تماشيًا مع الإجراءات الاحترازية الوقائية، وحرصًا من المهرجان على صحة وسلامة المشاركين والضيوف، مع تأكيد الالتزام إزاء صناع الأفلام والمنتجين والجمهور.
وكان فيلم جيمس بوند الجديد (لا وقت للموت، 2020) وبطله الممثل دانيال كريغ أول إنتاج كبير يتأثر بتفشي وباء كورونا عندما تقرر تأجيل عرضه ثلاث مرات لفترة قاربت السنة مع تزايد المخاوف الصحية لدى المنظمين والمهتمين في شتى أرجاء العالم، غير أن الشركة المنتجة (مترو غولدن ماير) لم تشأ أن تهوّل الأمر وادعت أنها قامت بتأجيل العرض (في أعقاب دراسة متأنية وتقييم شامل للسوق الفني العالمي).
بينما غامر منظمو مهرجانات أخرى في صيف السنة نفسها بالتنظيم المباشر لفعالياتها مثلما حصل مع الدورة 44 لمهرجان هونغ كونغ، والدورة الخامسة لمهرجان ماكاو، وذلك بالرغم من الوضع الوبائي المستفحل في المنطقة الآسيوية ذات الجوار القريب مع الصين.
غير أنهم جميعًا قد فعلوا ذلك بدون حضور الضيوف أو الصحفيين، أي بالاقتصار على المرشحين وممثلي شركات الإنتاج دون غيرهم تجنبًا لعواقب خرق قواعد الحظر الصحي.
اختيارات حاسمة
وقد وجدت المهرجانات السنيمائية نفسها أمام اختيارات حاسمة وضعها أمامها الوباء، من بينها ما هو شكلي كالتنازل عن بعض المواد مثل المسابقات غير الرسمية والمعارض الفنية والطقوس الاحتفالية غير الضرورية، ما كان يعني الاقتصار على الأساسي والمهم في البرمجة الاعتيادية، مع التركيز على سلامة الجمهور والمنظمين في المقام الأول. كل ذلك في إطار تواصل وتفاعل مدروس ومحاط بإجراءات وقائية جذرية: من أهمها الحث على التزام تدابير النظافة القصوى، والعمل على توزيع مطهّرات الأيدي، وإجراء فحوص درجة الحرارة عند المتفرجين، وأخيرًا فرض إجبارية وضع الكمامة.
وكما كان متوقعًا، لم يمر ذلك كله مرور الكرام، بل كانت له تبعات وعواقب لعل أبرزها تراجع ارتياد القاعات من طرف الجمهور، أحيانًا إلى حدود دنيا غير مسبوقة، وبالتالي اضطرار أصحاب مشاريع الأفلام إلى التقليص من توزيع إنتاجاتهم مخافة الوقوع في الإفلاس الذي يتهدّدهم بانصراف الجمهور إلى تلقي الأفلام عبر الوسائط الإلكترونية وفي مقدمتها الإنترنت.
وبسبب هذا الوضع غير المريح، صار المنتجون والموزّعون أكثر تحسّبا لأي تغيير يمكن أن يصيب المشهد الصحي في العالم ويؤثر بالتالي على ديناميتهم الاقتصادية والترويجية، تستوي في ذلك لديهم أفلام المؤلفين وأفلام المغامرات بل حتى أفلام الرسوم المتحركة نفسها.
ولإعطاء صورة تقريبية عن الوضعية الإشكالية التي وجدت فيها المهرجانات السينمائية العالمية نفسها، سنحاول تقديم نوع من المسح السريع لما عاشته خلال مرحلة الجائحة مراعين في ذلك مبدأ الرسوخ التاريخي للمهرجان من حيث عدد دوراته ومقدار إشعاعه الحضاري، فنيًّا وثقافيًّا، على أن نبدأ بالمهرجانات الدولية، متبوعة بالمهرجانات العربية، وصولًا إلى بيان الحلول المقترحة التي استعملت لتجاوز الأزمة وتقديم البديل.
جائزة الأوسكار الأميركية (1929)
كان الوباء قد تسبب في إلغاء مهرجانات سينمائية دولية، وفي أحسن الأحوال أدى إلى تأجيلها مثل ما حصل مع مهرجان الأوسكار الذي تنظمه الأكاديمية الأميركية لفنون وعلوم الصور المتحركة في دورته الثالثة والتسعين التي كان مقررا لها الانعقاد أواخر شهر إبريل 2021. وهكذا حال المتحور أوميكرون دون تنظيم مراسم حفل توزيع جوائز الأوسكار الشرفية، بينما كانت الاحتفالات بالنسخة السابقة (2020) قد ألغيت بسبب جائحة كورونا. كما أجلت أكاديمية الأوسكار الأميركية حفل توزيع جوائزها لعام 2021 من فبراير إلى إبريل بسبب انتشار وباء فيروس كورونا وذلك لكون العديد من الأفلام المفترض ترشيحها للمسابقة لم ينته العمل فيها للسبب نفسه.
وبحثا عن مكان للعرض أكثر أمنًا اختار المنظمون إقامة حفل توزيع الجوائز في محطة القطار التاريخية المسماة (يونيون) المتميزة بهندستها الإيبيرية، حيث يمكن للنجوم والمشاركين الاستفادة من قواعد التباعد الاجتماعي التي فرضتها الجائحة، مع اتخاذ تدابير في المكان لإجراء فحوص لفيروس كورونا والحصول على نتائجها فوريًّا.
ومعلوم أنه لم يحدث أن تأجلت احتفالات الأوسكار سوى ثلاث مرات صادفت الأولى فيضان لوس أنجلوس (1938)، والثانية اغتيال الزعيم مارتن لوثر كينغ (1968)، والثالثة محاولة اغتيال الرئيس الأميركي رونالد ريغان (1981).
ويدلنا هذا الانتظام الذي استمر منذ ثلاثينات القرن الماضي على الأهمية الاستثنائية التي يكتسيها هذا التقليد الفني الذي أقرته أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية بالولايات المتحدة الأميركية، وجعلت منه موعدًا لا بديل عنه. غير أن حلول الوباء حمل الأكاديمية على تغيير قواعدها لتتلاءم مع الظروف الصعبة التي يجتازها القطاع السينمائي أسوة ببقية القطاعات. ومن جملة ذلك عدم إجازة الأفلام إلا بعد عرضها عبر البث على الإنترنت أو مرورها في خدمات الفيديو تحت الطلب، وربط إمكانية دخول المنافسة بعرض الفيلم على شاشات القاعات في لوس أنجلوس لمدة أسبوع على الأقل. غير أن هذا الشرط الأخير وقفت في وجهه وضعية إغلاق دور السينما خلال أزمة وباء كورونا.
وفي السياق نفسه، جرى تأجيل حفل جائزة الغولدن غلوب في دورته الثامنة والسبعين المنظم من طرف رابطة هوليوود للصحافة الأجنبية بعد شهرين من موعده المعتاد أي أواخر فبراير 2021. وقد عاش هذا الحفل ظروفًا تقشفية لا نظير لها، بغير حضور النجوم وعدم وجود سجادة حمراء ومن دون نقل تليفزيوني مباشر تحت ذريعة انتشار الوباء.
لم يحدث قبل كورونا أن تأجلت احتفالات الأوسكار سوى ثلاث مرات.
مهرجان البندقية السينمائي الدولي (1932)
يقام هذا المهرجان في مدينة البندقية الإيطالية على مدى أحد عشر يومًا الأولى من شهر سبتمبر من كل سنة، وتقدم فيه جائزة الأسد الذهبي. وقد عاد هذا المهرجان العتيد في دورته الثامنة والسبعين (2021) وسط إجراءات احترازية أقل صرامة من الدورة السابقة (2020) التي تميزت بفتورها وغياباتها، إذ لم تتمكن مخرجة الفيلم الأميركي الفائز بجائزة الأسد الذهبي ولا بطلة فيلم (نومادلاند) من حضور الاحتفالية.
ومعلوم أن التتويج بالأسد الذهبي في مهرجان البندقية يعتبر الطريق السالك إلى جوائز الأوسكار، حصل ذلك مع فيلم (جوكر) وفيلم (نومادلاند). كما عُرف باستضافة أساطير السينما العالمية أمثال روبير دونيرو ومارتن سكورسوزي ومارلون براندو. وإمعانًا في الحرص، سعت هذه الدورة إلى فرض اللقاحات وتطبيق الإجراءات الوقائية وإلزامية الشهادة الصحية.
المهرجان الدولي للفيلم بموسكو (1935)
تأجل هذا المهرجان سنة 2020 من شهر إبريل إلى أكتوبر من السنة نفسها، حيث أقيم بحضور عدد محدود من الجمهور (25 في المائة) وذلك على الرغم من انتشار وباء الكورونا في العالم. وفي السنة التالية (2021) تمّ افتتاحه في تاريخه المعروف بمراعاة الإجراءات الاحترازية، مع مطالبة السلطات المشاركينَ بالتزام التباعد الاجتماعي في جميع العروض مع الإلحاح على ألا يتجاوز عدد المشاهدين 50 في المائة.
وخلال سنة 2022 جرى مرة أخرى تأجيل موعد المهرجان في دورته الرابعة والأربعين إلى النصف الثاني من السنة، وهذه المرة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية مع التأكيد على أن هذا القرار قد اتخذ بطلب من (صانعي الأفلام) بسبب الأحداث الجارية في المنطقة التي ربما منعت المنتجين من إرسال أفلامهم في الأوقات المحددة.
مهرجان كان السينمائي الدولي (1939)
يقام خلال الاثني عشر يومًا الأخيرة من شهر مايو من كل سنة، ويقدم جائزة السعفة الذهبية. وكان قد انطلق في دورته الأولى في مدينة كان الفرنسية في مستهل شهر سبتمبر 1939، غير أن نشوب الحرب العالمية الثانية أدى إلى وقفه إلى أجل غير مسمى. ولم يعد التفكير في عقده إلا بعد أن وضعت الحرب أوزارها نهاية العام 1945. وهكذا شهد انطلاقته الحقيقية منتصف 1946 وتوقفَ بعدها سنة 1948، ثم سنة 1950، وهذه المرة بسبب ظروف تمويلية مادية، قبل أن يُعاود الانطلاق من جديد بصورة منتظمة لم تعقها سوى الأحداث الطلابية في مايو 1968. أما توقفه الأخير فكان بسبب التفشي العالمي لفيروس كورونا ومصاعب الإجراءات الوقائية ذات الصلة.
وقد اختارت إدارة المهرجان صيغة أطلقت عليها اسم (كان 2020) وتقضي بإلغاء لجنة التحكيم ونظام الجوائز والإبقاء فقط على عروض القاعات عند إعادة فتحها، وتكليف قناة كنال بلوس بتقديم برنامج (ليلة في كان) تُعرض فيه ستة أفلام من اختيارات الدورة السابقة (2019). وبالنسبة للمنظمين فإن ريع هذه الدورة عاد جزئيًّا إلى منظمة الصحة العالمية وبعض الجمعيات الخيرية.
وقد تعددت المبادرات الرامية إلى تجاوز هذه الوضعية الإشكالية التي تسبب فيها انتشار الوباء، ومنها على الخصوص اقتراح برنامج تشاركي بطريقة افتراضية على موقع اليوتوب يضم أهم المهرجانات السينمائية العالمية، بين 27 مايو و7 يونيو 2020، يتولى عرض جملة من الأفلام الطويلة والقصيرة والأشرطة التسجيلية إلى جانب جلسات للنقاش عبر تقنية الفيديو.
أما الدورة 74 فقد غيرت موعدها التقليدي (شهر مايو) إلى (6-17 يوليو 2021)، مع المحافظة على أمكنة العرض نفسها (قصر المهرجانات وجادة لاكروازيت)، والاستفادة من ظروف تخفيف القيود المفروضة لمواجهة الجائحة.
وجاءت النسخة 75 من هذا المهرجان متحررة إلى حد بعيد من القيود الصحية لكورونا المستجد بانعقادها بين 17 و28 مايو 2022، مع ملاحظة تأثرها بحدث الغزو الروسي لأوكرانيا وإعطاء الكلمة عن بُعد في حفل الافتتاح للرئيس الأوكراني، مع استبعاد الممثلين الرسميين للسينما الروسية. وقد اشتمل البرنامج على مواد متنوعة في مقدمتها فئة (المسابقة الرسمية) و(نظرة ما) و(عروض منتصف الليل) و(أفلام العرض الأول) و(الأفلام القصيرة) و(أفلام الرسوم المتحركة) و(كلاسيكيات كان) و(الأفلام الوثائقية) و(أفلام سينما الشاطئ). أي بقيت عمليًّا جميع التنويعات المألوفة في أية نسخة عادية من المهرجان بغض النظر عن الظروف والملابسات الوقتية.
مهرجان برلين الدولي للسينما (1951)
يُعقد خلال الأيام العشرة الأولى من شهر فبراير من كل عام، ويقدم جائزة الدب الذهبي. ومعلوم أن هذا المهرجان يعتبر من أهم المهرجانات السينمائية من حيث عدد الزوار، وقد نَظم دورته الواحدة والسبعين (2021) افتراضيا لضمان البيئة الآمنة، التي كانت تتألف من سبع مسابقات منها (مسابقة الأفلام الطويلة)، و(فئة اللقاء) لدعم السينما المستقلة، و(البانوراما) التي تتنافس فيها أفلام جديدة ذات المواضيع التقليدية، و(فئة المنتدى) التي تضم أفلامًا تجريبية ووثائقية من جميع أنحاء العالم، و(فئة جيل) التي تشكّلها الأفلام الموجهة للأطفال والشباب، و(فئة الأفلام الألمانية الجديدة)، و(فئة الأفلام الاستعادية الكلاسيكية).
وفي ما يخص كورونا في علاقتها بهذا المهرجان خلال دورته الثانية والسبعين (2022) لابدّ أن نذكر أنه قد تقرر خفض عدد المقاعد في دور العرض إلى النصف، وإلغاء جميع حفلات الاستقبال والتجمعات العامة، كما فُرض على الحاضرين أن يكونوا قد تلقوا التطعيم ضد الوباء أو إثبات ما يؤكد خلوّهم من الفيروس وأن يضعوا الكمامات الواقية.
مهرجان بوليوود “الأكاديمية الدولية للفيلم الهندي” (1953)
شهد مهرجان بوليوود الذي يعقد في مدينة بومباي الهندية، وهو قلب الصناعة السينمائية الهندية، أسوأ تجربة على الإطلاق جراء وفاة العديد من النجوم بسبب مضاعفات فيروس كورونا، بين ممثلين ومخرجين وراقصين وكومبارس، ما أدى إلى هجرة جماعية لقاعات العرض خوفًا من مخاطر الإصابة بالوباء، ونجم عنه الإغلاق الرسمي لآلاف القاعات تجنبًا للمزيد من الخسارات المادية المتراكمة.
ولمعالجة هذا الوضع الكارثي، جرى اللجوء إلى منصات البث التدفقي التي شهدت ازدهارًا غير معهود، كما اضطرت الأكاديمية الهندية الدولية إلى إلغاء حفل توزيع جوائزها مراعاة للمخاوف المرتبطة بانتشار الوباء وحفاظًا على الصحة العامة وعملًا بتوصيات الحكومة الهندية التي حذّرت من إقامة تجمعات بشرية كبرى. وإذا علمنا أن الإنتاج السينمائي الهندي يفوق ألفي فيلم سنويًّا، لجمهور يتعدّى المليار نسمة، تأكد لنا حجم الخسارة التي طالت هذا القطاع الحيوي في مجالات الإنتاج والتوزيع في الداخل، والشراكات في الخارج.
شهد مهرجان بوليوود الهندي أسوأ تجربة على الإطلاق جراء وفاة النجوم بمضاعفات كورونا.
مهرجان لندن السينمائي الدولي (1956)
ينظّم كل سنة بين 12 و15 يناير، من طرف المعهد البريطاني للفيلم وبدعم من يومية التايمز، ويقدم كجائزة كأس سوترلاند. وقد جاءت دورته الخامسة والستون (أكتوبر 2021) لتقدم في برنامجها 158 فيلمًا روائيًّا بين معروض في قاعات المملكة المتحدة ودور السينما الشريكة ومنصات العرض الافتراضي.
وكان هذا المهرجان قد عانى خلال العام الماضي بسبب زلزال كورونا لدرجة أنه لجأ إلى عرض خدماته على الشاشات المنزلية لمن يرغب في ذلك، لكنه عاد في هذه الدورة بزخم جديد ليؤكد قدرته على الحفاظ على مكانته ضمن المهرجانات العالمية، وتعزيز حضوره عبر توسيع دائرة المستفيدين من عروضه واستقطاب المشاركين في برنامجه.
وكان من عادة هذا المهرجان العريق أن يتضمن فقرات من قبيل (المسابقة الرسمية) و(مسابقة أول فيلم) و(مسابقة الفيلم التسجيلي) و(مسابقة الفيلم القصير). ومن جهتها، أجّلت الأكاديمية البريطانية لفنون السينما المتحركة احتفالات مهرجان بافتا في دورته الثالثة والسبعين للأسباب القاهرة نفسها.
مهرجان وغادوغو للسينما الإفريقية (1969)
يعتبر (فيسباكو) أكبر مهرجان إفريقي للسينما، ويُعقد كل سنتين في النصف الثاني من شهر أكتوبر بمدينة وغادوغو عاصمة بوركينا فاسو، وقد احتفل سنة (2021) بدورته 27 التي تتزامن مع ذكرى نصف قرن على تأسيسه في أجواء الأزمة الصحية المرتبطة بفيروس كورونا، مُضاعفةً بأزمة أمنية سببها تزايد تمرّد المتشددين في بلدان الساحل الإفريقي الذي أودى بحياة ألفي مواطن وأدى إلى نزوح أكثر من مليون ونصف المليون.
وقد قاد هذا الوضع الصعب إلى تأجيل الدورة الأخيرة لثمانية أشهر، قبل أن يتقرر عقدها للاحتفاء بالجيش الوطني وتكريم الزعيم الراحل توماس سانكارا، في محاولة لتحدي الظروف الأمنية والصحية القاهرة، ما يؤكد تصميم المنظمين على (الصمود ونكران الذات). وكان هذا المهرجان الذي رفع شعار (سينما إفريقيا والشتات) قد أسهم بقوة في التعريف بكبار المخرجين الأفارقة وشكّل منصة لانطلاق العديد من المواهب السينمائية الإفريقية الجديدة، وهو قد كرس هذه الدورة لإظهار الإنتاج السينمائي ببوركينا فاسو ضمن فقرة (بوركينا)، مع تخصيص أخرى باسم (منظور) لدعم أعمال الجيل الجديد من السينمائيين، وثالثة مخصصة للتعريف بسينما الأطفال في القارة الإفريقية، وذلك طبعًا إلى جانب عروض الرقص والغناء والألعاب البهلوانية.
وبالنسبة للمهرجانات السينمائية العربية، فقد تأثرت بالجائحة كما يلي..
مهرجان قرطاج الدولي للسينما (1966)
يعود مهرجان قرطاج الدولي للسينما المسمى أيضًا (أيام قرطاج السينمائية) في دورته الثالثة والثلاثين (أكتوبر-نوفمبر 2022) بعد غياب عامين بسبب جائحة كورونا ليتوّج مسيرة أكثر من نصف قرن من الالتزام بالعمل الدؤوب في خدمة السينما الإفريقية والعربية، وهذه الدورة تُقام تحت شعار (دورة استثنائية في وضع استثنائي). وكان أنشأه المخرج التونسي الراحل الطاهر شريعة سنة 1966 تحت إشراف وزارة الثقافة، واعتاد أن يُقدم جائزة التانيت الذهبي خلال دوراته التي كانت تنظم كل سنتين، ومنذ سنة 2015 أصبح المهرجان يُعقد سنويا. ويتضمن قسمًا للبانوراما مفتوحًا للأفلام العربية والإفريقية، والقسم الدولي المفتوح أمام الأفلام الدولية الكبرى، وقسم التكريم لإحدى سينمات الدول المشاركة أو لشخصية سينمائية شهيرة، إلى جانب (ورشة المشاريع) التي تسعى إلى تنمية مشاريع الأفلام العربية والإفريقية عن طريق تمكينها من دعم للسيناريو وسوى ذلك من المسابقات والأنشطة ذات الصلة.
وقد عانى تنظيم هذا المهرجان من التردد والمراوحة بسبب أصداء الإصابات بالوباء التي تعرّض لها الوسط الفني في مهرجان الجونة ومهرجان القاهرة الدولي بسبب قلة الالتزام بالإجراءات الاحترازية. ولأجل ذلك جرى تقليص عدد الحضور ومراعاة التباعد الاجتماعي.
وكانت الدورة 32 (2021) قد أحيطت بجملة من الشروط الصحية مثل فرض الجواز الصحي واستيفاء جميع جرعات التلقيح، كما أقرت ألا تتجاوز القاعات الخمسين في المائة من الحضور التزامًا بمقررات وزارة الصحة التونسية. وقد أكد مدير المهرجان أن ذلك لن يؤثر على الدخول التي تحصّلها العروض لأن التمويل لا يعتمد عليها وحدها بل على مساهمات المُعلنين والرُّعاة في المقام الأول. أما الدورة التي سبقتها (2020) فقد كانت تونسية بامتياز لأنها اقتصرت على الأفلام المحلية فحسب وذلك بسبب الظروف الصحية الاستثنائية.
ويتميز مهرجان قرطاج، أكثر من غيره، بالانفتاح على السينما العربية والإفريقية والدولية، ويتجاوزها إلى السينما الآسيوية وسينما أميركا اللاتينية والتجارب السينمائية المبتكرة في مختلف أصقاع العالم. غير أن الدورة الأخيرة كانت قد جرت في أجواء يغلب عليها الحذر والالتزام بالتدابير الصحية، والتنازل عن محطة المسابقة الرسمية والاكتفاء بأقل عدد من الضيوف والمشاركين العرب والأوروبيين، والالتزام باستغلال مقاعد القاعات في حدود النصف.
مهرجان القاهرة الدولي للسينما (1976)
ظل هذا المهرجان، وهو الأقدم والأكثر انتظامًا عربيًّا (1976)، ينعقد بدار الأوبرا المصرية خلال عشرة أيام من شهر نوفمبر من كل سنة، ويقدم جائزة الهرم الذهبي. وتتولى الجمعية المصرية للكتاب والنقاد السينمائيين إدارة فعالياته برئاسة فنانين مصريين كبار. ويشتمل برنامج المهرجان على المسابقة الرسمية، ومسابقة الأفلام القصيرة، والبانوراما الدولية. وبموازاة العروض السينمائية يجري تنظيم (ملتقى القاهرة السينمائي) لمشاريع الأفلام الجديدة، و(أيام القاهرة لصناعة السينما) وتشمل ندوات وموائد مستديرة ومحاضرات لصنّاع السينما من مختلف بقاع العالم. ويُصنف مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ضمن 15 مهرجان من فئة (أ) من قبل الاتحاد الدولي لجمعية منتجي الأفلام.
وفي علاقته بجائحة كورونا، كان هذا المهرجان قد نظّم دورته الثانية والأربعين نهاية سنة 2020 بمشاركة وازنة (95 فيلما) ومساهمة أربعين دولة وفي سياق إجراءات احترازية كبيرة اقتضت خفض الطاقة الاستيعابية لقاعات العرض بنحو 50 في المائة. أما الدورة 43 التي جرت وقائعها بين 26 نوفمبر و5 ديسمبر 2021 فقد تمّت في ظروف شبه عادية مع اتخاذ جميع الإجراءات الاحترازية وفقا لتعليمات الحكومة المصرية ومنظمة الصحة العالمية من أجل ضمان سلامة صناع السينما ورواد القاعات والفريق المنظم. وقد انطلقت هذه الدورة في رهان العبور بسلام من بين أنياب الجائحة، وذلك بفضل قرار إقامة فعالياته المختلفة في نطاق من الالتزامات الصحية القصوى.
وكذلك فعل مهرجان الجونة السينمائي الأحدث عهدًا في مدينة الغردقة المصرية الذي أُعلن في أكتوبر 2020 إطلاق دورته الرابعة ليكون بذلك أول مهرجان عربي يواجه الحصار الوبائي في تظاهرة بشعار (سينما من أجل الإنسانية) واستضاف خلالها أفلامًا من أكثر من أربعين دولة أجنبية وعربية.
وقد عانت هذه الدورة من تأخر وصول ضيوف المهرجان بسبب إجراءات التنقل أو لإصابة بعضهم بفيروس كورونا، وهو ما اضطرها إلى جدولة البرنامج بين حضوري وافتراضي لضمان مشاركة صناع السينما الأجانب عبر التطبيقات الإلكترونية. أما العروض السينمائية نفسها فقد اصطدمت بحاجز قواعد التباعد الاجتماعي التي فرضتها الدولة بإقرارها خفض الحضور في القاعات وتفضيل العرض في المساحات المفتوحة والمسارح الصيفية، ثم سمعنا مؤخرا بتوقفه.
مهرجان الجونة السينمائي بمصر هو أول مهرجان عربي يواجه الحصار الوبائي تحت شعار “سينما من أجل الإنسانية”.
مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي (1976)
تنظّمه وزارة الثقافة والاتصال بالجزائر، ويقدم جائزة الوهر الذهبي، وقد عانى طويلًا من التعثر بين إلغاء وتأجيل لأسباب إدارية وتمويلية، وبعد أن شهد انطلاقته الأخيرة سنة 2007 صار بمثابة التظاهرة السينمائية الأبرز في الجزائر. لكن في ما بعد، لم يعد يُقام في موعد محدد لأسباب تنظيمية في الغالب، ثم جاء إلغاء دورتي 2019 و2020 لتزامنهما مع أحداث الحراك الشعبي الذي عاشته البلاد، وجاء الوباء المعلوم ليعيق تنظيم دورة 2021.
ويُذكر أن المهرجانات السينمائية الكبرى في الجزائر قد عانت من صعوبات ملموسة، ومن ذلك أن مهرجان الجزائر الدولي للسينما قد توقف منذ طبعته العاشرة سنة 2019، وتأجل تنظيم مهرجان الجزائر الدولي للفيلم الملتزم في دورته الأخيرة (2022).
كل ذلك حصل بسبب تفشي وباء كورونا وتعثر الحركة الجوية خلال سنتي 2020-2021، وقد صرحت الجهات المسؤولة بأنها تستغل فترة التوقف لأجل مراجعة تلك المهرجانات شكلًا ومضمونًا، لأجل تحقيق انطلاقة تضمن شروط النجاح والتفوق.
مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي (1979)
يُنظم خلال شهر أغسطس من كل عام، من قبل الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما وترعاه وزارة الثقافة المصرية، وجائزته هي عروس البحر الأبيض المتوسط. ومن جهته، كان مهرجان الإسكندرية المكرّس لسينما دول البحر الأبيض المتوسط قد أطلق دورته السابعة والثلاثين أواخر شهر سبتمبر 2021، بحضور وزيرة الثقافة المصرية ومحافظ المدينة احتفاء بالذكرى 125 لأول عرض سينمائي شهدته مصر، وتكريمًا للسينما السورية ونجمها (دريد لحام).
ويدل ذلك كله على تصميم القائمين على الشأن السينمائي المصري، من رسميين وممارسين، على مواجهة تداعيات الجائحة وعدم السماح لها بمواصلة التأثير على المجري الطبيعي لصيرورة القطاع الفني والسينمائي.
مهرجان مراكش السينمائي الدولي (2001)
هو من أهم مهرجانات منطقة البحر الأبيض المتوسط وعموم البقعة العربية، أطلقه وأداره المنتج الفرنسي دانيال طوسكان (1941-2003)، وبعد رحيله تولت أرملته المخرجة الإيطالية ميتيلا طوسكان الإشراف عليه بين 2003 و2016 قبل أن تستقيل خلال الدورة السابعة عشرة وتعود في الدورة التالية كمستشارة ضمن مؤسسة المهرجان التي يرأسها الأمير مولاي رشيد. وطبعا اختيرت مدينة مراكش لاحتضان هذا المهرجان السينمائي الكبير لتوفرها على تاريخ عريق وصيت عالمي بفضل ساحتها الشهيرة (جامع الفنا) وأيضا لتوفرها على بنية سياحية وفندقية رفيعة.
ومعلوم أن هذا المهرجان قد وسع تدريجيًّا دائرة اهتماماته السينمائية لتشمل سينما البلاد الأوروبية والأميركية والهندية فضلا عن العربية والإفريقية، وكان قد حظي بجائزة فيلليني وجائزة روبيرطو روسيلليني، وسبق له في دورته الأولى أن قام بتكريم المخرج للفرنسي كلود لولوش والسينمائيين المصريين يوسف شاهين وعمر الشريف، كما كرّم في دورته الثانية المخرج الأميركي فرنسيس فورد كوبولا، وفي الثالثة الممثل الفرنسي آلان دولون، وفي الخامسة المخرج الأميركي مارتن سكورسيزي.
وألغيت تظاهرتا مهرجان مراكش لسنتي 2020 و2021 بسبب الضغط الذي مارسه الوباء واحتفظتا بجوائز (النجمة الذهبية). وجاء في بلاغ للجهة المنظمة أنه “بسبب الأزمة الصحية المرتبطة بجائحة كوفيد 19، وتطوراتها المقلقة عبر العالم وحالة عدم اليقين الناجمة عنها، قررت مؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش إلغاء الدورة 19 للمهرجان التي كانت مقررة أصلا في نوفمبر 2020”. ويُشار إلى أن هذا المهرجان سبق أن أعلن إلغاء دورة 2017 حيث جاء في بيانه أن “القرار يأتي لتمكين المهرجان من مواصلة مهمته المتمثلة ليس فقط في النهوض بالصناعة السينمائية المغربية، لكن أيضًا للانفتاح على ثقافات أخرى وعلى الواقع الذي لا محيد عنه لعالمية الفن السابع”. ومعلوم أن أحد مؤسسي ومديري هذا المهرجان، الناقد السينمائي نور الدين الصايل (1947-2020) كان هو نفسه قد رحل عن عالمنا متأثرا بوباء كورونا.
مشاريع السينما البديلة
تزامنت الأوضاع التي تسبب فيها الوباء مع جملة المصاعب الإضافية التي لم يكن أحد قد حسب لها حسابًا، ووقفت عائقًا أمام انعقاد المهرجانات السينمائية بصورة طبيعية في هذا الطرف أو ذاك من العالم من قبيل:
– تقلص الإنتاج السينمائي السنوي إلى حدوده الدنيا وغير المسبوقة بسبب قيود الحظر، وتناقص المشاريع وشحّ المبادرات، ما نجم عنه تراجع أعداد المشاركات بما لا يقاس مع الحقب السالفة.
– الحالة غير المستقرة لحركة الطيران العالمية التي لم تعد تُسهّل انتقال المساهمين والمشاركين من أهل المهن السينمائية (من مخرجين، وممثلين، وتقنيين، ونقاد، وغيرهم) إلى مواقع المهرجانات في قارات العالم.
– تعقد الإجراءات الاحترازية والقيود الصحية المفروضة على المدعوين والضيوف والتي كانت أحيانًا تتجاوز اللقاح إلى ارتداء الكمامة والتزام أكبر قدر من التباعد الاجتماعي.
ولمواجهة هذه العوائق لجأت بعض المهرجانات إلى حلول بديلة من قبيل البث الافتراضي المعتمد على تطبيقات إلكترونية، واضطرت مهرجانات أخرى إلى إقامتها بطريقة الأون لاين كما حصل مع مهرجان كان الفرنسي في دورته الرابعة والسبعين.
وهكذا نشطت مواقع البث عبر الإنترنت، وانعزل الناس في جميع أنحاء العالم لمشاهدة الأفلام على اليوتوب والنتفليكس، بينما عانى العاملون في الميدان السينمائي من البطالة والمنتجون من الخسائر والرواد من السأم والرتابة.
وكان إغلاق القاعات السينمائية بنسبة عالية في الولايات المتحدة والصين وأوروبا بسبب انتشار وباء الكورونا قد أدى إلى اختيار عرض الأفلام مباشرة على المنصات البديلة في موازاة مع عرضها النسبي داخل القاعات القليلة التي واصلت اشتغالها، وهو الأمر الذي تسبب في خسارة تفوق 15 مليار دولار سنويًّا نتيجة انهيار شبه كلي لمبيعات تذاكر السينما.
وفي أميركا عانت مؤسسات إنتاج سينمائية عتيدة وكبرى من قبيل ديزني وبارامونت من تداعيات شباك التذاكر العالمي التي نجمت عن عزوف الجمهور عن ارتياد دور السينما أو مواقع المهرجانات لما صار في البال من مخاوف التعرض للوباء وتفضيلهم تلقّي الأفلام على منصات البث المباشر أو مواقع المشاهدة بالطلب كآمازون برايم ونتفليكس وآبل، وفي أقل الأحوال انصرافهم إلى عروض الفيديو المنزلية التقليدية.
ومن جملة الأشياء، فقد حدث تحت تأثير هذا الواقع المستجد خلال سنة 2020، أن اجتمعت إدارات المهرجانات السينمائية الكبرى، بما فيها مهرجان برلين وكان وتورونتو والبندقية ومراكش ولندن وبومباي وغيرها، وقررت إقامة بث مباشر على الإنترنت يشتمل على أفلام قصيرة ووثائقية وكوميدية وموسيقية. وذلك في أفق التعويض النسبي عما تسببت فيه الجائحة من تعثر وإحباط.
وبعد أن طالت إقامة جائحة كرونا، وتعذرت إعادة القاعات إلى سابق انفتاحها، اهتدت شركات الإنتاج الكبرى في أميركا مثل يونيفرسال بيكتشرز ووارنر برادرز وديزني إلى طرح أفلامها عبر الشاشات الرقمية والمنصات الإلكترونية بدل القاعات السينمائية، ما يؤشر إلى انقلاب هائل في الوسائل والعادات. على أن الجميع يعلم أنه ليس هناك بديل مقنع للقاعة السينمائية التي تتيح المشاهدة الحيّة للأفلام بشكل جماعي له طقوسه وحيثياته التي تتجاوز ما تقترحه التكنولوجيا الرقمية. وبالرغم من أن المحتوى الفني واحد وحقيقته لا تتغير، فإن خلفية المشاهدة وزاوية الرؤية ومزايا الطقس الحضوري لم تعد كما كانت.
وبقي الأمل لمواجهة هذه التحدي هو أن تعمد الدول إلى إقرار برامج مساعدات تحفيزية للمتضررين من الوضع في قطاع السينما بمن فيهم أصحاب القاعات وموزعو الأفلام وعموم العاملين في القطاع.
وعمومًا، فقد كان شعار الصناعة السينمائية العالمية في هذه المرحلة هو الرضوخ لسلطة زمن الكورونا أملا في الحدّ من التأثيرات السلبية والتقليص من الخسائر المادية، بخاصة التلطيف من أجواء التوتر والكآبة التي تخيّم على العالم.
لجأت شركات الإنتاج العالمية الكبرى إلى طرح أفلامها عبر الشاشات الرقمية والمنصات الإلكترونية بدل القاعات السينمائية لتقليص الخسائر.