• English
  • 14 يناير، 2025
  • 10:06 م

مقالات

“نتفلكس” عملاقة البث التدفقي.. على مفترق طرق!

“نتفلكس” عملاقة البث التدفقي.. على مفترق طرق!

4 January، 2023

محمد عبد الرحمن

الرابح الأكبر يحقق الخسائر الأسرع، هكذا يمكن تلخيص ما يجرى في داخل جنبات منصة “نتفلكس” للبث التدفقي، منذ بداية الربع الثاني للعام الحالي 2022، وسط سيناريوهات مفتوحة على كل الاحتمالات.

الرابح الأكبر هنا، تعود على حجم الاستفادات التي حققتها “نتفلكس” ومعها العديد من تطبيقات التواصل الاجتماعي، خصوصًا “تيك توك”، بسبب حمى الإغلاق التي اجتاحت العالم عقب انتشار فيروس كورونا “كوفيد 19”. لكن أكثر المتشائمين لم يتوقع أنه خلال أقل من 18 شهرًا، سيعود المؤشر للانخفاض بما لم يحدث في مشوار عملاقة البث التدفقي “نتفلكس” منذ أكثر من 10 سنوات، أي أن “نتفلكس” لم تعد إلى نقطة ما قبل انتشار الفيروس المزعج، وإنما إلى ما قبل ذلك بكثير.

هل يعني هذا أن سوق منصات البث التدفقي إلى زوال؟ بالقطع لا، بالعكس، فالمنافسة تعني أن السوق قائمة وبقوة، لكن مفترق الطرق الذي تقف عنده “نتفلكس” الآن من أجل مواجهة ما حدث، يشير بوضوح إلى أن صناعة الترفيه العالمي وفي القلب منها تلك المنصات ستعاني دائمًا من حالة عدم استقرار، تجعل من الصعب الكلام بيقين حول مستقبلها على المدى المتوسط، وليس حتى الطويل.

كيف بدأ التراجع؟

بدأت القصة في إبريل الماضي، ولا تزال مستمرة حتى الصيف الحالي، حيث تلقت المنصة ضربات متتالية بدأت باعتراف الشركة بإيقاف قرابة 200 ألف من مشتركيها حساباتهم في ظاهرة تحدث للمرة الأولى منذ 10 سنوات، ما أثر بشدة على سعر سهم الشركة في البورصة الأميركية، وسط توقعات بأن يصل عدد “المشتركين السابقين” إلى مليوني مشترك بحلول نهاية العام الجاري. يحدث هذا للمنصة التي حصلت على 16 مليون مشترك دفعة واحدة في الربع الأول من عام 2020، وربما بدون أية حملة دعاية موجهة أو تقديم تسهيلات ومحتوى حصري مميز، فقط لأن هؤلاء الملايين من الناس وجدوا أنفسهم محبوسين داخل المنازل بسبب إجراءات الإغلاق، فكان خيارهم الأول المنصة الأكثر انتشارًا في تلك الفترة، والأكثر إثارة للجدل.

المدير التنفيذي لنتفليكس تيد ساراندوس

وسرعان ما تخطى عدد المشتركين حاجز الـ200 مليون مشترك، وحققت الشركة إيرادات غير مسبوقة، قبل أن يبدأ “التباطؤ”، وهو التعبير الذي يحب “تيد ساراندوس” الرئيس التنفيذي المشارك لـ”نتفلكس” استخدامه عند الحديث عن التراجع. وتبع ذلك، الاستغناء عن 450 موظفًا على دفعتين، ومراجعة الكثير من التعاقدات التي سبق أن أبرمتها المنصة لإنتاجات جديدة، وذلك بالطبع تزامنًا مع الانتقادات الموجهة للمحتوى الذي تقدمه المنصة، خصوصًا في المجتمعات المحافظة.

في مرحلة كورونا، تخطى عدد المشتركين 200 مليون.. وحققت “نتفلكس” إيرادات غير مسبوقة.

الأسباب الثلاثة للتراجع

انطلقت التساؤلات على الفور، ما الذي حدث؟ وكيف يسير التدفق في الاتجاه المعاكس؟ فمصطلح “البث التدفقي” يعني قدرة هذا النوع من المنصات على أن تمنح مستخدميها بثًّا لا حدود له، ينهمر عليهم في أي وقت. وتكاثرت الإحصاءات عن نجاحات كبيرة، أبرزها على الإطلاق تحقيق المسلسل الكوري “لعبة الحبار” أكثر من مليار ونصف المليار ساعة مشاهدة في الربع الأخير من 2021، بجانب تحقيق مسلسلات وأفلام عدة أرقامًا قياسية، مثل “لاكازا دي بابل” و”بريدجرتون” و”سترانجر ثينجز” و”آدم بروجيكت” و”بيرد بوكس”. فما الذي يدفع المتلقي فجأة إلى إعطاء ظهره لهذا التدفق كله؟ وما البديل الذي سيعتمد عليه عندما يتوقف عن الدفع لـ”نتفلكس”؟

مسلسل Squid Game

يحدد “ساراندوس” ثلاثة أسباب رئيسية لهذا “التباطؤ” في النمو، على حد تعبيره، أولها: الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وثانيها: أزمة سلاسل التوريد جراء كورونا، وثالثها: التضخم العالمي. ويعود ليشرح كل سبب على حدة، فالمنصة التي استفادت كثيرًا من الإغلاق بسبب كورونا، وجدت نفسها في أزمة بعد عودة الحياة إلى طبيعتها. فالمصانع وشركات الإنتاج غير قادرة على توريد أجهزة البث التليفزيوني الذكية، التي تناسب المنصة، ما أدى إلى تراجع بعض المشتركين عن التفاعل لحين حل الأزمة. وارتبطت هذه الأزمة، بأزمة اقتصادية أخرى، نتجت عن زيادة معدلات التضخم عالميًّا، وبالقطع أميركيًّا، ليعيد كل رب أسرة حساباته محددًا ما إذا كان الاشتراك في “نتفلكس” ضروريًّا أم أنه من الرفاهيات.

 وتزامن ذلك مع انطلاق الحرب في أوكرانيا، حيث قررت الشركات الأميركية الخروج من السوق الروسية، و”نتفلكس” من بينها، بل إنها ستتعرض للمقاضاة من المستهلك الروسي الذي احتج على وقف اشتراكات يدفع مقابلها فقط لأن خلافًا سياسيًّا نشب بين موسكو وواشنطن.

بالطبع، يضاف للأسباب الثلاثة، ما يمكن أن نصفه بأسباب أخرى مزمنة، لكنها كانت قيد الحل والتصرف، وأبرزها عدم السيطرة على تبادل كلمات السر بين أفراد الأسرة الواحدة، وبالتالي فإن من يشاهدون بالفعل أكبر بكثير من المشتركين الرسميين، وكذلك القرصنة بالتأكيد، بجانب المنافسة الشرسة مع منصات البث التدفقي الأحدث مثل “ديزني” و”أمازون برايم” من جهة، والمنصات التي تقدم خدمات بث الفيديو بمختلف المستويات، سواء التي باتت كلاسيكية مثل “يوتيوب” أو المنافس الأحدث “تيك توك”.

“نتفليكس” صعدتْ بسبب عُزلة كورونا ثم هبطت مع الحرب الأوكرانية والتضخم العالمي.

البحث عن حلول

الدرس الذي منحته تجربة شركة “نوكيا” لكل مؤسسات الأعمال، وليس فقط للعاملين في مجال التكنولوجيا والبث الرقمي، هو أن الجمود وعدم التحرك لا يكفلان حتى الحفاظ على مكانتك، بل سيغلقان أبوابك مهما طال الأمد. لهذا كان منطقيًّا أن تتحرك “نتفلكس” بسرعة بحثًا عن حلول بدأت تنفيذ بعضها بالفعل، حيث تعاقدت رسميًّا مع شركة “ميكروسوفت” من أجل تفعيل خاصية الإعلانات على المحتوى، في مقابل اشتراكات مخفضة. أي أن الميزة الأساسية في تلك المنصات، وهي الهروب من الإعلانات، قد فقدتها “نتفلكس” تحت وطأة الأزمة الاقتصادية، ما يؤكد كلامنا باستحالة استقرار هذه السوق على نموذج محدد لفترة طويلة.

والآن، الكرة في ملعب المستخدم، خصوصًا الذي غادر المنصة، فهل هو مستعد للعودة بتكلفة أقل في مقابل تحمل مشاهدة بضع ثوانٍ من الإعلانات؟ هذا السؤال ينتظر مسؤولو “نتفلكس” الإجابة عنه قريبًا. وإلى جانب ذلك، نتائج حلول أخرى، منها تفعيل خاصية البث المباشر لبعض الحفلات الغنائية، ما يجعل “نتفلكس” تنافس القنوات التليفزيونية التقليدية في هذا المضمار. بجانب طرح بعض الأفلام في دور العرض، للاستفادة من الإيرادات قبل بثها حصرًا على المنصة. والرهان على أجزاء جديدة من أعمال جماهيرية مثل “لعبة الحبار”، و”ذا كروان”، والهدف هنا ليس عودة المستخدمين المنصرفين، لكن الأهم الحفاظ على من تبقوا فعلا. فالكابوس الذي يواجه “تيد ساراندوس” وفريقه، هو: إلى أي مدى سيستمر نزيف المستخدمين؟ وإلى أي وقت ستقف “نتفلكس” عند مفترق طرق، فأحدها يشير إلى السير قدمًا، وآخر يحمل لافتة “العودة للخلف”؟!

فاصل اعلاني