المايسترو: فيدريكو فيلليني، وسحر السينما المفقود
13 August، 2024
مارتن سكورسيزي
ترجمة وتلخيص إبراهيم آب إمام
مثل الآن منذ خمسين عامًا، كان لفظ “محتوى” يسمع فقط حين كان يتم النقاش على مستوى جدي، وكان حينها يستخدم بالتضاد مع تعبير “الشكل”. لاحقًا، أصبح يستخدم أكثر وأكثر بواسطة من سيطروا على شركات الميديا، والذين في معظمهم لا يعلمون شيئًا عن تاريخ الشكل الفني. “المحتوى” أصبح تعبيرًا تجاريًا يستخدم لكل الصور المتحركة، فيلم لديفيد لين، فيديو لقطة، سلسة أبطال خارقون، أو حلقة مسلسلة. وبالطبع هي مرتبطة دائمًا ليس بتجربة العرض السينمائي العام، بل المشاهدة المنزلية، على منصات المشاهدة التي أتت لتتجاوز تجربة المشاهدة في قاعات العرض السينمائي، تمامًا مثلما استطاعت أمازن أن تتفوق على المحال التقليدية في أرض الواقع. من جانب كان ذلك جيدًا لصناع الأفلام، بما فيهم أنا. ولكن على جانب آخر، خلق ذلك مشهدًا يقدم فيه كل شيء للمتفرج على أرضية من الفرص المتكافئة، والتي تبدو ديمقراطية ولكنها ليست كذلك. إذا كانت المشاهدات اللاحقة يتم “اقتراحها” بواسطة لوغارتم مبني على ما شاهدته أنت بالفعل، والاقتراح بدوره مبني فقط على الموضوع أو النوع الفيلمي “Genre”، إذًا ما الذي يمكن أن يفعله ذلك بفن السينما؟
الإدارة/ البرمجة الإبداعية ليست غير ديموقراطية أو “نخبوية”، التعبير الذي أصبح الآن يستخدم بكثرة حتى أصبح بلا معنى، هو في الأصل فعل سخي يتجاوز النفس بمشاركة الآخرين ما تحب وما يلهمك. (أفضل منصات المشاهدة، مثل قناة كرايتريون Criterion و MUBI ومنافذ البيع التقليدية مثل TCM، مبنية جميعها على الإدارة/ البرمجة الإبداعية، هم بالفعل مبرمجون إبداعيًا). بينما اللوغاريتم بالتعريف، مبنيٌ على الحسابات التي تعامل المشاهد كمستهلك ولا شيء آخر.
إن الأفلام التي أتت بفضل هؤلاء الموزعين وغيرهم من المبرمجين الإبداعين، قد صنعت في الأصل من أجل لحظات استثنائية. أجواء تلك اللحظات ذهبت للأبد، فمن بكارة العرض السينمائي العام إلى حماسنا المشترك حول إمكانات السينما؛ لهذا أعود في العادة لهذه الأيام، كانت السينما دائمًا أكبر من محتوى، وستظل كذلك، وتلك السنوات حيث كانت الأفلام تأتي من كل أنحاء العالم، تقابل بعضها بعضًا كل أسبوع، وتعيد تعريف الشكل الفني، كانت دليلًا على ذلك.
كل هؤلاء الفنانين كانوا يتجادلون حول “ما السينما؟، لا أحد كان يتحرك في العدم. جودار وبرتلوشي وأنتونيني وبرجمان وإيمامورا وراي وكاسافاتس وكوبريك وفيردا وورهول كانوا يعديون اختراع السينما مع كل حركة كاميرا وكل قطع جديد( every new cut) وسينمائيون أكثر تحققًا مثل ويليز وبيرسون وهيوستن وفيسكونتي، كانت الطاقة تعيد الدأب إليهم مع كل دفقات الإبداع التي تحيط بهم.
في القلب من كل ذلك، كان هناك مخرج يعرفه الجميع، فنان واحد يترادف اسمه مع السينما بكل ما تعنيه. في الواقع لقد أصبح صفة. فلنقل إنك تريد وصف أجواء سيريالية في حفل عشاء ما، أو حفل زفاف، أو عزاء، أو اجتماع سياسي، جنون الكوكب بأكمله؛ كل ما عليك قوله كلمة “فللينيّ / فللينية” وسيعرف الجميع ما تقصده بالضبط.
كانت السينما دائمًا أكبر من محتوى، وتلك السنوات التي كانت الأفلام تأتي فيها من كل أنحاء العالم، لتقابل بعضها بعضًا كل أسبوع، وتعيد تعريف الشكل الفني، كانت دليلًا على ذلك.
أكبر من الفن
في الستينيات أصبح فيدريكو فيلليني أكثر من صانع للأفلام. مثل شابلن أو بيكاسو أو البيتلز، كان أكبر بكثير من الفن الذي يصنعه. في لحظة ما لم يعد المهم هذا الفيلم أو ذلك، ولكن كل الأفلام مجتمعة كموجة كونية كتبت عبر المجرة. كان كالذهاب للاستماع إلى كالاس تغني أو أليفر يمثل أو نورييف يرقص. بل حتى أصبحت أسماء أفلامه تتضمَّن اسمه؛ ساتيركون فيلليني، كازانوفا فيلليني. المقاربة الوحيدة لذلك في السينما كان هيتشكوك، ولكن ذلك كان شيئًا أخر كعلامة تجارية أو نوع فيلمي قائم بذاته. فيلليني كان عبقري السينما.
الحرفية المطلقة لفيلليني بدأت في 1963 مع ½8، فيه الكاميرا تحوم وتطفو وترتفع بين حقائق داخلية وخارجية، على موجات الأمزجة المتأرجحة والأفكار الدفينة للأنا العليا لفيلليني، جويدو الذي لعب دوره ماشيرلو ماستروياني. كيف تبدو كل حركة أو إيماءة أو زوبعة رياح موجودة بمثالية في مكانها؟ كيف لكل لحظة أن تكون بهذا الثراء المثير لاشتياق لا يعصى على الشرح؟
الصوت يلعب دورًا كبيرًا في هذه الحالة. فيلليني كان مبدعًا مع الصوت كما الصورة. السينما الإيطالية لها تقليد قديم مع الصوت غير المتزامن، والتي بدأت مع حكم موسيلليني الذي أصدر قرارًا بدبلجة كل الأفلام القادمة من الخارج. حضور الصوت غير المتزامن يمكن أن يكون مربكًا. لكن فيلليني عرف كيف يستخدم هذا الارتباك كأداة تعبيرية. تبادلا الصوت والصورة الصراع أو الدعم بطريقة جعلت التجربة السينمائية تتحرك كالموسيقى. أما هذه الأيام، فالجميع مهووس بأحدث أدوات التكنولوجيا وما يمكنها فعله. لكن الكاميرات الديجتال الأخف، وتقنيات ما بعض التصوير، كالدمج والتشكيل الرقميين، لا يصنعون الفيلم بدلًا عنك، إنما الاختيارت التي تقوم بها لخلق الفيلم بكامله. بالنسبة لفنانين عظماء كفيلليني، لا يوجد ما يمكن تجاوزه، كل تفصيلة لها دور مهما كانت صغيرة. أنا على يقين أنه كان سيبتهج بالكاميرات الديجتال الخفيفة، لكنها أبدًا ما كانت لتغير صرامة ودقة اختياراته الجمالية.
في الستينيات أصبح فيدريكو فيلليني أكثر من صانع للأفلام. مثل شابلن أو بيكاسو أو البيتلز، كان أكبر بكثير من الفن الذي يصنعه.
الواقعية الجديدة
من المهم أن نتذكر أن فيلليني بدأ وقت الواقعية الجديدة، وهو ما يبدو مثيرًا من حيث أنه- وبطرق عديدة- قدم النقيض لذلك. هو في الواقع واحد ممن اخترعوا الواقعية الجديدة، بالتعاون مع أستاذه روبرتو روسيليني. أشك أن كل إبداع واكتشاف الخمسينيات والستينيات ما كان ليحدث من دون الواقعية الجديدة، ينطلق منها، كحركة من سينمائيين يشكلون رد فعل أمام لحظة لا يمكن تخيلها في تاريخ أمتهم. بعد عشرين عامًا من الفاشية؛ كيف لأحد أن يتحمل، كفرد أو كبلد، أفلام روزيلني ودي سيكا وفسكونتي وزافيتيني وفيلليني وآخرين، أفلام ضُفِّر فيها الجمالي بالأخلاقي بالروحي بشكل لا يمكن فصله، لتلعب دورًا حيويًّا في استرجاع إيطاليا في أعين العالم.
فيلليني شارك في كتابة روما مدينة مفتوحة، وبايزا (أيضًا نقل أنه شارك كمخرج لبضعة مشاهد في الفصل الفلورنسي من الفيلم حين كان روسيليني مريضًا) هو أيضًا شارك في الكتابة والتمثيل في المعجزة لروسيليني. بالطبع مساره كفنان ابتعد عن بداياته مع روسيلين، لكنهم حافظوا على محبة واحترام كبيرين. حتى أنه ذكر مرة بدهاء أن الذي يصفه الجميع بالواقعة الجديدة موجود بصدق فقط في أفلام روسلليني، ولا مكان آخر، باستثناء لصوص الدراجة وإمبرتو دي ولا تيرا تريما. أظن أن فلليني كان يعني أن روسيلليني الوحيد الذي يحمل هذا الالتزام العميق والراسخ في البساطة والإنسانية. فيلليني، على النقيض، ستايلست وأسطوري، ساحر وحكواتي، لكن التأسيس في التجربة الحياتية، وفي الأخلاق التي تلقاها من روسيلليني كان جوهريًّا لروح أفلامه.
حين قدمنا النسخة المرممة من لادولشي فيتا منذ عقد في روما، بيرتلوشي صنع فارقًا مميزًا بحضوره. كان من الصعب عليه التجوال في هذه المرحلة، حيث كان على كرسي متحرك وألم مقيم، ولكنه كما قال كان عليه الحضور. وبعد الفيلم، اعترف لي بأن لادولشي فيتا كانت السبب حول تحوله إلى السينما في المقام الأول. فاجأني ذلك بصدق، فلم أسمعه أبدًا يناقش هذه المسألة. ولكن في الأخير هذه لم تكن مفاجأة مبالغ فيها. فهذا الفيلم كان تجربةً مثيرةً ومحركة، كهزةٍ عنيفةٍ سرت بكامل الجسد الثقافي.
فيلليني، على النقيض، ستايلست وأسطوري، ساحر وحكواتي، لكن التأسيس في التجربة الحياتية وفي الأخلاق التي تلقاها من روسيلليني كان جوهريا لروح أفلامه.
أنا فيتلوني
أكثر عملين لفيلليني أثروا بي، اللذان قد تركا بصدق أبلغ الأثر، هما “أنا فيتلوني” و”½8″. أنا فيتلوني لأنه التقط مسألة حقيقة وثمينة للغاية تتعلق مباشرة بتجربتي الخاصة. و½8 لأنه أعاد تشكيل رؤيتي عن السينما وما يمكنها فعله وإلى أين يمكن أن تأخذك.
أنا فيتلوني، عرض في إيطاليا في 1953، كان ثالث أفلام فيلليني وأول أعماله العظيمة. كان أيضًا واحدًا من أكثرها ذاتية. القصة هي سلسة مشاهد من حياة خمسة أصدقاء في العشرينيات من عمرهم، في ريميني حيث نشأ فيلليني: ألبرتو، شخصه العظيم ألبرتو سوردي؛ ليوبولدو، شخصه ليوبولدو ترايستا؛ مورالدو، الأنا العليا لفيللني، شخصه فرانكو أنترلينجي؛ ريكاردو، شخصه أخو فيلليني؛ وفاوستو، شخصه فرانكو فابريزي. يقضون أيامهم يتعاطون المخدرات، ملاحقة الفتيات، والتسكع في الطرقات ساخرين من الناس. لديهم أحلام كبيرة وخطط. يتصرفون كالأطفال، وأهلهم يعاملونهم بالمثل. والحياة تمضي.
فيلليني بدأ من خلال وضعه الخاص في مطلع الستينيات، وصنع فيلمًا عن إنهياره الفني. بفعله ذلك، قام بحملة خطرة داخل أرض غير مكتشفة: عالمه الداخلي، أناه العليا، جويدو، مخرج شهير يعاني من المعادل السينمائي لعقبة الكاتب writer’s block. كفنان وكمجرد إنسان ذهب من أجل “الشفاء” إلى منتجع صحي فاخر، حيث خليلته، زوجته، منتجه القلوق، ممثليه المحتملين، فريقه، ومجموعة متباينة من مواكب المعجبين والمتطفلين وزائري المنتجع، ينقضون عليه، بينهم ناقد يدعي أن نصه السينمائي الجديد (يفتقد إلى الصراع المركزي أو إلى فرضية فلسفية)، ويرقى إلى (سلسلة من الحلقات غير المبررة). الضغط يتفاقم، ذكريات الطفولة والحنين والتخيلات تتواجد بشكل غير متوقع خلال صباحاته ولياليه، وهو ينتظر ملهماته وهن يأتين ويذهبن.
“أنا فيتلوني”، عرض في إيطاليا في 1953، كان ثالث أفلام فيلليني وأول أعماله العظيمة. كان أيضًا واحدًا من أكثرها ذاتية.
8½
” 8½” هو سجادة جدارية نسجت بأحلام فيلليني. كما في الحلم، كل شيء يبدو محكمًا واضح المعالم من ناحية وغائم متلاشٍ. لقد خلق بالفعل تيارًا بصريًّا من الوعي يحافظ فيه المشاهد على حالة من المفاجأة والانتباه. يمدد الجودة التشكيلية للصورة إلى نقطة يبدو معها كل شيء متواجدًا في مستوى ما من اللاوعي، تجد عنصرًا ما في الإضاءة أو التكوين يقذف بك بعيدًا، هذا بشكل ما ممتلىئ بوعي جويدو. بعد فترة، ستتوقف عن محاولة فهم أين أنت، هل أنت في الحلم أم الفلاش باك، أو مجرد الواقع العاري. ترغب في أن تظل تائهًا.
يصل الفيلم إلى قمته في مشهد لقاء جويدو مع الكاردينال في الحمامات، رحلة في العالم السفلي بحثًا عن نبوءة. الكاميرا في حركة قلقة، متوترة، غائمة، دائمًا ترنو في اتجاه أمر محتوم، أو كشف ما. يدخل غرفة انتظار مليئة بالبخار في طريقه للكاردينال الذي تحمل حاشيته أمامه ستارًا رقيقًا من الموسلين، حيث يخلع ملابسه دون أن نرى سوى ظلاله. جويدو يخبر الكاردنال بعدم سعادته، ليرد الكاردينال ببساطة: “ولماذا يجب أن تكون سعيدًا؟ هذه ليست مهمتك. من أخبرك أننا جئنا العالم لنصبح سعداء؟” كل لقطة في هذا المشهد، كل قطعة من الميزانسين وتصميم الحركة بين الكاميرا والممثلين، معقدة بشكل استثنائي. لدرجة لا أتخيل معها مقدار الصعوبة في تنفيذها. لكنها على الشاشة، تعرض بسلاسة تظهر معها كأنها أسهل شيء في العالم. الحضور مع الكاردنيال أظهروا حقيقة لافتة عن ½8: فيلليني صنع فيلمًا عن فيلم لا يمكنه التحقق منه إلا كفيلم ولا شيء آخر. ليس مقطوعة موسيقية، أو رواية، أو شعرًا، أو رقصًا. فقط قطعة من السينما.
الفيلم ترك أثرًا بالغًا على السينمائين، ألهم بول مازورسكي في فيلمه أليكس في أرض العجائب، والذي ظهر فيه فيلليني بشخصيته الحقيقية، أيضًا وودي آلن مع فيلم أثير الذكريات، وفوس مع فيلمه كل هذا الجاز، ولا نغقفل بالطبع مسرحية بروودواي الموسيقية “تسعة”. ذلك الاحتياج الطاغي لخلق الفن. ½8 هو أكثر التعبيرات التي أعرفها نقاءً عن محبة السينما.
يصل “8½” إلى قمته في مشهد لقاء جويدو مع الكاردينال في الحمامات، الكاميرا في حركة قلقة، متوترة، غائمة، دائمًا ترنو في اتجاه أمر محتوم، أو كشف ما.
أسميه صديقًا
لقد عرفت فيدريكو، بشكل يكفي لأن أسميه صديقًا. لقد تقابلنا أول مرة في 1970، حين ذهبت إلى إيطاليا مع أفلام قصيرة اخترتها للتقديم في مهرجان. اتصلت بمكتب فيلليني، حُدد لي نصف ساعة من وقته. كان دافئًا للغاية. أخبرته أن هذه أول رحلة لي في روما، كان علي أن أحجز اليوم الأخير لرؤيته هو وكنيسة سيستينا. ضحك. قال مساعده “أترى فيدريكو، لقد أصبحت مزارًا مملًا!” أكدت له أن ممل هو الشيء الذي لا يمكن أن يكونه. أتذكر أني سألته أيضًا أين أجد لازانيا جيدة، ورشح لي مطعمًا رائعًا. فيلليني كان يعرف أفضل المطاعم في كل مكان.
بعدها بسنوات، انتقلت إلى روما بعض الوقت، وبدأت مقابلة فيلليني بشكل متكرر إلى حد ما. مشاهدته وهو يخرج فيلمًا تجربة استثنائية. كانت كما لو كان يريد أن يقود دستة من الأوركسترات مرة واحدة. اصطحبت والديّ لموقع تصوير مدينة النساء، كان يجري في كل المكان، يلاطف، يتوسل، ينفعل، يشكل ويعدل كل عنصر في الفيلم حتى آخر تفصيلة. حين انصرفنا، قال أبي “لقد تصورت أننا سنلتقط صورة مع فيلليني”، فرددت عليه “أننا فعلنا!”. كل شيء حدث بسرعة لدرجة أنهم لم يدركوا أن ذلك حدث بالفعل.
في سنواته الأخيرة، حاولت أن أساعده على توزيع فيلمه “صوت القمر” في الولايات المتحدة. مر بوقت عصيب مع منتجي العمل، رغبوا في روائع فيللني العظيمة، لكنه بدلًا من ذلك قدم لهم شيئًا أكثر تأملية وتشاؤمًا. صدمت بالفعل من أن أحدًا، بما فيها أبرز قاعات العرض المستقل في نيويورك، يرغب حتى في عرضه. الأفلام القديمة نعم، ولكن ليس العمل الجديد، والذي أصبح الأخير. بعدها بقليل ساعدت فيلليني ليجد بعض التمويل لمشروعه الوثائقي الذي خطط له، سلسلة من البورتيرهات لأشخاص يصنعون أفلامًا: الممثلين، المصورين، المنتجين، مديري المواقع (أتذكر أن الراوي في ملخص لهذه الحلقة أوضح أن أهم شيء أن تنظم المعاينات لمواقع التصوير، بحيث تكون بالقرب من مطاعم جيدة). للأسف، رحل قبل أن يستطيع البدء. أتذكر أخر مرة تحدثت إليه على الهاتف. كان صوته ضعيفًا، كان من بالغ الحزن مشاهدة هذه القوة البديعة من الحياة وهي تتلاشى.
تغير كل شيء، السينما وما تمثله من أهمية في ثقافتنا. بالطبع، ليس من المفاجئ أن فنانين مثل: جودار، بيرجمان، كوبريك، وفيلليني، تجلوا فوق فننا العظيم كالآلهة، انسحبوا إلى الظل مع مرور الوقت. لم يعد بإمكاننا الاعتماد على اقتصاديات الفيلم كما هي الآن لنعتني بالسينما. هي الآن مجموع اقتصاديات الترفيه البصري، القيمة تتأتى فقط من كمية المال التي يمكن أن تقدمها أي ملكية، أصبح كل شيء من (شروق الشمس) إلى (لا سترادا) إلى (الطريق) و(2001) منتجات مجففة وجاهزة لخانة “الفيلم الفني” على منصات العرض. الذين يعرفون السينما وتاريخها منا؛ عليهم أن يشاركوا حبنا ومعرفتنا مع أكثر عدد ممكن. علينا أن نوضح بجلاء للمالكين القانونين الحاليين لهذه الأفلام أنها تساوي الكثير، أكثر من مجرد ملكية يتم استغلالها ثم تخزينها مرة أخرى. إنها جزء من أعظم كنوز ثقافتنا، ويجب أن نتعامل معها تبعًا لهذا.
أظن أنه علينا أيضًا أن نعيد تعريف مفهومنا عما يعتبر سينما وما ليس كذلك. فيلليني يمثل مساحة جيدة نبدأ منها. يمكنك قول الكثير عن أفلام فيلليني، ولكن هناك شيء واحد لا جدال فيه: أنها سينما. وأن أعمال فيللني قطعت شوطًا طويلًا في تعريف شكل الفن.
يمكنك قول الكثير عن أفلام فيلليني، ولكن هناك شيء واحد لا جدال فيه: أنها سينما. وأن أعمال فيللني قطعت شوطًا طويلًا في تعريف شكل الفن.