• English
  • 20 يناير، 2025
  • 5:02 ص

مدير التصوير عمرو العماري: مشغول بالبحث عن سبل جديدة لصناعة الصورة ومواجهة التحديات

مدير التصوير عمرو العماري: مشغول بالبحث عن سبل جديدة لصناعة الصورة ومواجهة التحديات

12 August، 2024

حوار أمنية عادل

 لم يحصل مدير التصوير عمرو العماري على دراسة أكاديمية في التصوير السينمائي، لكنه عبر شغفه بالعمل على تحويل القصص المقروءة إلى ما هو بصري، أصبح واحدًا من أهم مديري التصوير في المملكة، بدأ رحلته بالتجربة حتى وصل إلى الاحتراف، وخطى بصبر نحو انضاج موهبته بالبحث والتجريب، منشغلا في أعماله بإظهار تفاصيل البيئة السعودية، ومعتبرًا مدير التصوير البريطاني روجر ديكينز Roger Deakins عرَّابه الأول في التصوير السينمائي، وأن حياته الاحترافية قد بدأت حين التقى المخرج علي الكلثمي عام 2012 وعمل معه في “تلفاز 11″، في هذا الحوار تتعرف “كراسات سينمائية” على رؤية العماري لواقع التطورات السينمائية في المملكة، وما تحتاجه من إضافات لربط السينما السعودية بالعالم، والوصول بها إلى أكبر درجة من الاحتراف.

تحديات مدير تصوير

تنتظر فيلم “أحلام العصر” خلال منتصف 2024، كيف تغير عمرو العماري، وتباينت تحدياته كمدير تصوير ما بين “أحلام العصر” وتجاربه السينمائية الأولى؟

تختلف تجربة “أحلام العصر” عن “شمس المعارف” 2020، أول فيلم روائي طويل أعمل به، كليًّا على كافة الأصعدة، حيث إن القفزة كبيرة بين الفيلمين. “شمس المعارف” تجربة جميلة مغامرة، في حين “أحلام العصر” تجربة أخرى عشت بها تحديات أكبر، من خلال أدوات وميزانيات أكبر. الفيلمان للفريق ذاته، يمكن الاختلاف في أن “شمس المعارف” انطلاقة، في حين أن “أحلام العصر” تجربة مغايرة، أكثر تحررًا وتحقيقًا لتحديات بصرية وكذلك درامية، بالتأكيد استفدنا من تجربة “شمس المعارف” التي لم نتوقع نجاحها وانتشارها على هذا النطاق الواسع.

ما بين “شمس المعارف” و”أحلام العصر” اختلافات عدة، فالأول يعتمد على بيئات قريبة من الناس، حيث البيت والشارع والمدرسة، في حين أن “أحلام العصر” كما يبدو من اسمه يحمل فانتازيا داخل أحلام وتحولات في أحداث القصة وعوالم غير محدودة بصريًّا ودراميًّا، وهو ما يجعله تحديًا لأي مصور لتقديم شيء مغامر ومجنون وجريء.

بالعودة إلى البدايات؛ كونت خبرتك في التصوير والسينما بطريقة تراكمية عبر الانخراط في تجارب متنوعة، ما بين الإعلانات والأفلام القصيرة، مخرجًا ومدير تصوير وكذلك مونتيرًا، كيف اكتشفت شغفك للتصوير السينمائي دون غيره من المهام السينمائية الأخرى؟

صحيح لم أخض التجربة الأكاديمية، حيث لم يكن متاحًا في ذلك الوقت المعاهد والأكاديميات حينما بدأت، كما كان من الصعوبة أن أتجه إلى الخارج للدراسة، وكما هو الحال مع الكثيرين كنت أتحسس الطريق نحو ما أريد أن أفعل، خلال عام 2004: 2005 بدأت في مجال تصميم الجرافيك Graphic Designer ، حيث عملت في شركة، وكنت أرى الشباب من حولي يقومون بتنفيذ تقارير تلفزيونية، تدرجت وأصبحت 3D Designer ، بات شغفي أكبر بالصورة والتعبير البصري.

في ذلك الوقت الإمكانات كانت محدودة؛ لهذا كان على من يمتلك الشغف أن يعمل ك One Man Crew، وهو ما صرت عليه. كان لدي شغف كبير بالأفلام، حيث إن الوالد كان يشاهد الافلام كثيرا، وكانت MBC هي النافذة المتاحة لنا في ذلك الوقت، عادة ما جذبني تحويل القصص المقروءة إلى ما يعادلها بصريًّا.

النقلة الحقيقية الفعلية حينما أقدمت على تنفيذ فيلم عن العنف الأسري، حيث كنت المخرج والمصور وكذلك المونتير، كنت المسؤول عن كافة الجوانب الفنية في الفيلم في المراحل الثلاثة Pre-production، production، Post-production. صحيح أن النتيجة كانت بسيطة في ذلك الوقت لكنها لمستني، واستمتعت بها أكثر من أي مهمة خضتها من قبل، كنت مندمج أكثر مع الصورة وحركة الكاميرا وتخيل الإضاءة.

بعد ذلك سعيت كثيرًا للتفاعل من جديد مع القصص الدرامية، رغم أن العمل بالإعلانات كان يحقق الكثير من الإنجازات المادية، وكانت النقلة الثانية من خلال تجارب تلفاز 11 وخمبلة، وجدت شبابًا أشاركهم هذا الشغف، تراكمت خبراتنا سويًّا. استفدت كثيرًا من تلك التجربة على الصعيد الشخصي والمهني، حيث استعادة الأماكن والشخوص حتى العودة إلى التفاصيل التاريخية، ومحاولة تجاوز التحديات الممكنة لصنع صورة بصرية، حتى تراكمت الخبرات من خلال تلك التجارب، وتعلَّمت أن على مدير التصوير أن يكون عالـمًا بكل التفاصيل والمهام الموجودة داخل موقع التصوير؛ حتى يُحقِّق أفضل نتائج ممكنة بما هو متاح.

على مدير التصوير أن يكون ملمًّا بكل التفاصيل والمهام داخل موقع التصوير؛ حتى يحقق أفضل نتائج ممكنة.

مساحات التجريب

شكل التجريب جزءًا مهمًّا في تكوين خبرتك السينمائية بالعمل مع صُناع مثل علي الكلثمي وفارس قدس وغيرهم، في إطار برامج مثل خمبلة وتلفاز 11 التي حقَّقت شعبية واسعة. فكيف استفاد عمرو العماري من مساحات التجريب التي منحتها له تلك التجارب المتنوعة، لا سيَّما في ضوء العمل مع الصناع ذاتهم؟

تجربتي السابقة مع “تلفاز 11” وخمبلة والمخرج علي الكلثمي والشباب بصورة عامة؛ كان لها دور كبير في صقل شخصيتي، وتركيزي بصورة أكبر على صناعة الصورة، “تلفاز 11” من أوائل المنصَّات المعنية بصناعة قصص محلية في شكل اسكتشات يوتيوب، وفي فترة لاحقة اتجه الشباب لصناعة الإعلانات.

خلال 2012 التقيت بالمخرج علي الكلثمي، وهو مكتشف للمواهب بحقٍّ، حيث يرى أشياء في الآخرين لا يراها غيره. قبل تجربة تلفاز 11 وخمبلة كنت أصنع قصص قصيرة وأفلام قصيرة لصالح شركات، من خلال تجربتي مع الشباب وجدت أشخاصًا أشاركهم نفس الشغف، علي الكلمثي فتح لي الباب؛ ووجدت نفسي محاطًا بأشخاص موهوبون لديهم الشغف والرغبة في النجاح. تشاركنا التحديات أيضًا.

كنت أتابع تلك التجارب، وتمنيت أن أكون أحد المشاركين بها، وقد كان بالفعل بفضل الله، شاركت مع الشباب خلال عام 2012 وحتى 2015، تعرفت في تلك الفترة على العديد من الشباب الذين يعملون حاليًّا في مجال صناعة السينما في المملكة؛ مثل خالد مشعل، فارس قدس وصهيب قدس وأخي فهد العماري الذي كان مصورًا في “تلفاز 11” قبل أن يتجه إلى الإخراج، وقد قدمنا سويًّا فيلم “وسطي”.

في وجهة نظري أن تلك الحاضنات والبيئات التشاركية التنافسية هي التي تجعل المجال خصبًا للإبداع، حيث كنا نؤمن ببعضنا بعضًا، ونحاول توفير كافة المعدات وتذليل العقبات للوصول إلى أفضل تصور، سنحت تلك الفترة لي بالبحث والتنقيب عن سبل جديدة لصناعة الصورة ومواجهة التحديات، وكذلك التعرف على مناخ مريح للعمل ومشاركة الشباب الآخرين، وحاليا أغلب المشاركين في تجربة تلفاز 11 وخمبلة باتوا الآن منخرطين في الصناعة بصورة كاملة، سواءً كتابًا، مخرجين، ممثلين، وكذلك مصورين.

أشرت سابقا إلى أن مدير التصوير البريطاني روجر ديكينز هو قدوتك في التصوير السينمائي، كيف تجد الحد الفاصل بين الإلهام والتأثر وبين تكوين أسلوب خاص بك في التصوير السينمائي؟

روجر ديكينز Roger Deakins ليس فقط عرابي، لكنه عرَّاب الآلاف في مجال التصوير السينمائي، ما جذبني في تجربته هو العمق وطول التجربة وتنوعها، استهلها بالعمل الوثائقي، ثم اتجه إلى صناعة الأفلام الروائية، وأصبحت لديه حصيلة من الصعب حصرها.

ما تأثرت به هو الخلفية التي انطلق منها والتي اعتبر نفسي منطلقا منها أيضًا، حيث العمل في مجال الإعلانات، ومن ثم صناعة الأفلام الوثائقية، وهي التجربة التي جعلته أقرب وملهمًا أكثر من أي مدير تصوير آخر، حيث تأثرت بروح التجربة.

المثير في ديكينز هو تنوعه والتجديد الذي تشهده الصورة السينمائية في ما يقدمه، حيث يقدم الجديد في كل تجربة. هناك دائمًا تحديات هائلة في التكوين وحركة الكاميرا والتلاعب بالظلال، وهو ما يساعدني في صناعة صورة جديدة ملفتة وتجريبية.

بالتأكيد هناك فروق بين البيئة السعودية والغربية، وهنا الفرق بين التأثر والتطابق، حيث استعير منه كيفية التعامل مع البيئة لبناء صورة بصرية خاصة بالبيئة السعودية؛ إذ إن التصوير السينمائي هو تأصيل ثقافي من خلال الحركة والإضاءة التي تعبر عن حكايات الشخصيات بلسانها ونظرتها، وبالتالي التعبير من داخل البيئة دون اغتراب أو تغريب.

بيئات مختلفة

عادة ما تلعب البيئة دور مهم في صياغة الصورة السينمائية، هل تتمتع البيئة السعودية بخصوصية وسمات خاصة تميزها عن غيرها من البيئات، وكذلك ما التحديات التي تواجهها خلال التعامل مع تلك البيئة المتباينة؟

المملكة أشبه ما تكون بشبه قارة، حيث إنها دولة كبيرة مترامية الأطراف تحوي بيئات مختلفة: صحراوية وساحلية وغيرها، لكل بيئة خصوصيتها وناسها وطرق معيشتها، وأيضًا تكوينها الجغرافي واختلاف طول النهار والشمس والليل، وجودي في الرياض سهل لي الاختلاط بمختلف الناس من مختلف المناطق، نحتاج من خلال الأفلام التعبير عن تلك البيئات المتباينة، وهذا يعود إلى شراكة جميع العاملين في هذا المجال حتى نصنع أفلام صادقة ومعبرة عن بيئتنا.

بالنسبة لي نشأت في بيئة متواضعة وسط الرياض، حيث شبابيك صغيرة وألوان بسيطة وأثاث بسيط، بصورة عامة الشوارع السعودية ذات ألوان موحدة تقريبًا، ما بين البيج والرمادي والأبيض، حيث لا يوجد تنوع لوني، وهو ما يشكل تحديًا لمدير التصوير لتحقيق إمتاع بصري، وكذلك تناغم وتعبير صادق عن البيئة المراد التعبير عنها، صناع الأفلام لديهم اليد العليا لأنهم يعرفون بيئتهم التي يريدون التعبير عنها، وهو ما يخلق تحديًا لتحقيق تباين لوني وبصري للبيئة المرصودة.

البحث عن قصة للحكي

شاركت في عدد من المشاريع التسجيلية التوثيقية، كيف تجد أوجه الاختلاف في تشكيل الصورة السينمائية ما بين الأفلام التسجيلية والروائية من خلال تجربتك؟

قدمت خلال تجربتي أفلام وثائقية وسافرت إلى العديد من الدول، هناك عامل مشترك يجمع بين الأفلام الوثائقية والروائية، وهو البحث عن قصة للحكي. أعتبر أن تجربة الأفلام الوثائقية أصقلت موهبتي وعملي في الأفلام الروائية، حيث إن السينما التسجيلية تتيح الفرصة لاكتساب مهارات مهمة مثل سرعة البديهة في التعامل مع اللقطات، واتخاذ قرارات سريعة في ظل هامش زمني بسيط، كما تتيح الفرصة للتعامل مع بيئات مختلفة وتحليلها سريعًا للوصول إلى أفضل السبل لتصوير اللقطات وزوايا التصوير والإضاءة.

الأفلام الروائية تأخذ وقتًا أطول في الإعداد، في حين اللقطة التسجيلية تحتاج إلى سرعة وفطنة في التعامل معها، حتى الأفلام التسجيلية التي تتم بناء على قصة أو تصور وسيناريو؛ تحتاج إلى أن تتمتع بصورة حقيقية صادقة، دون مبالغة أو مغالاة في صورتها البصرية حتى تحقق المصداقية المرادة منها.

خلال التجربة لاحظت كيف أثرت التجربة الوثائقية على الأفلام الروائية التي صنعتها، حاليًا أريد خوض تجربة وثائقية حتى أعرف كيف أضيف لها مما اكتسبت من خبرات من السينما الروائية.

شمس المعارف فيلم مليء بالتحديات البصرية، حيث هناك تنوع في الحالات الشعورية والأنواع الفيلمية التي يتعامل معها ما بين الكوميديا والرعب الكوميدي، حدثنا عن أولى تجاربك الروائية الطويلة وكواليس صناعة شمس المعارف؟

شمس المعارف هو نقطة تحول كبيرة، أول فيلم روائي طويل أعمل به مع فريق عملنا، سويًّا أعرف ما يدور في عقلهم وكيف يرون الكوميديا والقصص التي يفضلون سردها، وهو ما ساعدني في تحقيق التفاهم معهم، كنت مؤمن بالشباب لدرجة أنني لم أضع أي شروط للعمل، حينما فاتحني صهيب قدس في قصة الفيلم وافقت دون تردد، سهل هذا التناغم العمل على الفيلم خلال فترة الإعداد وتصوير الفيلم.

شكَّل “شمس المعارف” تحديًا كبيرًا بالنسبة لي، حيث شخص قادم من خلفية الإعلانات والاسكتشات، كان تحدي تصوير 30 يوم تصوير مع الحفاظ على راكورات تصوير وإضاءة تحديًا كبيرًا، التحدي الثاني هو أنني من الرياض والشباب من جدة، مع هذا فإن القصة لمستنا جميعًا وقربتنا، وتلاقيت شخصيًّا مع قصة البطل حسام التي لعبها براء العالم، حيث شاب في الثانوية يطمح إلى صنع فيلم، ويتصوَّر أن الأمر بالشيء اليسير، لكنه يكتشف مدى الصعوبات، ويكشف ذاته أيضًا من خلال تلك الرحلة.

“شمس المعارف” نقطة تحول لأننا عملنا على التعبير عن القصة وتحولاتها من خلال إمكانات وميزانيات بسيطة، مقارنة بما نصنع الآن، مع هذا حقق الفيلم نجاحًا تجاوز حدود الجمهور الذي توقعناه، كما شكلت نقطة فارقة ومؤثرة في مسيرتي المهنية، حيث تعرفت على الكثير من الناس، وتعلمت كيفية التعامل مع فريق كبير لإنجاز شيء واحد، وأمنت بالشباب كما آمنوا هم بي.

طفرة وقفزة

حاليًّا تجاوزت السينما السعودية تجريب البدايات. كيف ترى مستوى الأفلام السعودية بوصفك أحد المشاركين في تلك الصناعة، وماذا تحتاج مستقبلًا؟

أرى أننا في المرحلة الذهبية حاليًّا؛ حيث تشهد السينما في المملكة طفرة وقفزة كبيرة على صعيد صناعة الأفلام الطويلة والقصيرة، وهو ما يتوافق مع رؤية 2023 لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ويتم ترجمته في ظل وجود هيئة الأفلام ووزارة الثقافة والمهرجانات السينمائية، وخلق تنافسية من خلال جلب مهارات خارجية للاستفادة منها، وتكوين كوادر سعودية من الشباب المتحمس الراغب في التطور، في السابق كنا نسمع أن كل عامين نصنع فيلمًا، لكن الآن تشهد السينما السعودية إنتاجات تتجاوز 6 أو 7 أفلام سنويا، وهذا الرقم في زيادة.

هذا إلى جانب التجارب المحلية في محافظات المملكة، حيث يسعى الشباب من خلال تلك التجارب إلى التعرف أكثر على عوالم السينما، والتعلم سواء من خلال الورش والمبادرات التي تطلقها هيئة الأفلام ووزارة الثقافة، أو العمل مع جهات قادمة من الخارج لتنفيذ أفلام داخل المملكة.

في رأيي أننا تجاوزنا مرحلة التجريب ونسعى إلى خلق تصور سينمائي خاصٍّ بنا، نستفيد من كل ما يحدث حولنا من تجارب ومشاريع، والسوق مفتوح وعطش لكل ما هو جديد ومعبر عن الحكايات السعودية وتغيير الصورة النمطية التي قد تكون موجودة لدى البعض.

في المستقبل أرى أن القادم أفضل في ظل وجود تجارب عديدة مثل أفلام العلا ونيوم، واستقطاب أفلام خارجية وتدريب كوادر سعودية تنتظر الانطلاق بسرعة الصاروخ، ما نحتاجه حقًّا هو فروع لشركات كبرى في صناعة السينما تكون موجودة داخل المملكة، وكذلك أكاديميات متخصصة لإصقال مواهب الصناع والفنيين.

ما نحتاجه حقًّا هو فروع لشركات كبرى في صناعة السينما داخل المملكة، وكذلك أكاديميات متخصِّصة لإصقال مواهب الصناع والفنيين.

الإضاءة هي المفتاح

تلعب الإضاءة دورا هاما في صناعة الصورة السينمائية لديك كيف تتعامل مع الإضاءة، كأحد سبل التعبير عن الحالة الشعورية للمشهد؟

الإضاءة هي المفتاح الأساسي للتصوير السينمائي، كل شيء ناجم عن وجود الضوء أو غيابه، الإضاءة حساسة للغاية ولها جزء كبير في تكوين الحالة وخلقها، وإيضاح الصورة دون نطق أي حرف أو كتابة أي شيء على الشاشة، التعامل مع الضوء سلاح ذو حدين قد يُنجح الصورة أو يُفسدها، وهنا تأتي رؤية الفرد للحياة والأشخاص، وفهم مدير التصوير للأمور والمكان والحالة الشعورية، حيث تستطيع الإضاءة تغيير المعنى بالكامل.

إن التعامل مع الإضاءة شيء صعب وتحدٍّ جميل وكبير لا حدود له، حيث إن هناك فرقًا بين الإضاءة والإنارة، الإضاءة السينمائية تنطوي على فهم للأحداث والبيئة والمكان والفترة الزمنية، وما هي مصادر الإضاءة المتاحة. وهنا يأتي دور فهم ودراسة البيئة وفترة الإعداد الجيد للقصة، كما قلت سابقا أريد أن أقدم صورة جميلة وحقيقية، وفي الوقت ذاته تعبر عن الروح العامة والحالة الشعورية والتحولات الدرامية للأشخاص والأحداث.

أريد أن أقدِّم صورة جميلة وحقيقية تعبر عن الروح العامة والحالة الشعورية والتحولات الدرامية للأشخاص والأحداث.

في حال وجود لقطة تودُّ تنفيذها، وهناك عقبات تحول دون ذلك، ما الحلول التي تلجأ لها؟

أحيانًا تكون العقبات والصعوبات لوجستية أو مالية أو تقنية، في السابق كانت الصعوبات أصغر، وبالتالي كنا نلجأ إلى حلول أصغر. حاليًا مع السيولة المالية نصنع أفلام وأعمال بميزانيات كبيرة، بات الآن استحضار المعدات أسهل؛ وإن كان هناك معدات من الصعب إحضارها من أوروبا أو أمريكا، مع هذا ندرس خلال فترة الإعداد للفيلم كيفية تذليل تلك العقبات أو الوصول إلى حلول، هناك إيمان في الإمكانات التي يمتلكها الشباب، وبالتالي هناك تذليل للعقبات اللوجستية، ما نحتاجه هو تكوين وعي لدى الناس عن إيجابية صناعة السينما، وزيادة نسبة المشتغلين في الصناعة بطريقة احترافية.

تعدُّد الأكاديميات

أصبح هنا الآن عدد من الأكاديميات داخل المملكة تدعم تكوين كوادر، كيف ترى تأثير هذا التوجه الأكاديمي وأثره على صناعة السينما السعودية، لا سيَّما أنك من الجيل الذي سبق بالتجربة والتعلم من خلال أرض الواقع؟

حينما بدأت كان هناك أقسام للصحافة وصناعة التقارير الصحفية، وكذلك أقسام التلفزيون حاليًّا. تشهد المملكة فتح أبواب جديدة، مثل الابتعاث للخارج، وهناك شباب درسوا في الخارج ضمن تلك المنح، وعادوا محملين بخبرات واسعة، حاليًا بات هناك أيضًا جامعات مثل جامعة عفت، وجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، وجامعة الملك سعود، أرى أننا ما زالنا نحتاج أكثر حتى تواكب الطموحات الموجودة.

هناك أيضًا الورش والدورات التي تفتح المجال للممارسة وتقديم الخبرات في سياقات فنية، نحتاج إلى فنيين في المهن التقنية ومساعدين في كافة المجالات التقنية التي ستساعد الصناعة على تحقيق نقلة نوعية من خلال تكوين كوادر، وكذلك تثقيف الجمهور سينمائيًّا وبأهمية الفنون بصورة عامة، حيث أنها المنافذ التي تعبر عن عوالمهم وحكاياتهم.

نشهد انفتاح ملحوظ ودعم لصُناع السينما وصناعة الأفلام السعودية. في رأيك كيف يستفيد الصُناع الحاليين من تلك الفرص، وهل هم محظوظون لتوفر كافة الإمكانات أم أن مساحات التجريب التي أتيحت للصناع الأوائل، تجعلهم أكثر جدارة لتقديم سينما غنية مُعبِّرة عن الحكايات السعودية التي لم تحكى بعد؟

حاليا الفرص أكبر، حيث نستطيع التعلم في وقت أقل مما كنا نحتاج سابقًا، يمكن بسهولة أن تزور أي موقع تصوير، أو الانضمام إلى مبادرة مثل إثراء، أو حضور فعاليات مهرجان أفلام السعودية أو البحر الأحمر، ومنح تطوير النصوص وصناعة الأفلام القصيرة، وهي فعاليات متاحة يمكن أن يُحقِّق الراغب من خلالها الكثير من الخطوات التي كنا نحتاج إلى شهور وسنوات لبلوغها.

هناك الكثير من الزملاء الذين حققوا نجاحات في فترات قياسية في ظل الدعم الموجود؛ حيث لا يوجد عقبات بيروقراطية، وكذلك توفر محتوى عربيًّا وسعوديًّا غنيًّا يستطيع الجميع الوصول إلى أي معلومة بسهولة، المقصود أن التجربة الآن أصبحت أكثر سهولة من الماضي، حيث في الماضي كانت صناعة السينما لا يمكن اختراقها، والآن صارت مفتوحة، يمكن التدرب في الورش أو المبادرات، وكذلك أون لاين.

المثير وما أحب في سوق الأفلام السعودية، هو وجود مساحة جذب وتعاون مشترك بين الجميع؛ حيث هناك تنافس تجاري، لكنه لا ينفي ضرورة المشاركة ومساعدة بعضنا بعضًا، الجميع يتشارك الرغبة في النجاح والتحقق كما يمتلك الشغف ذاته.

شاركوني الشغف

عمرو العماري شريك مؤسس في شركة Cinecrew المعنية بتوفير معدات التصوير، وتأهيل مواقع التصوير. كيف ترى تأثير وجود شركات مماثلة في دعم صناعة الفيلم السعودي؟

من حسن حظي أنني صادفت شبابًا وزملاء يشاركونني الشغف، عبد الرحمن الصانع وأنور العولقي، إلى جانب تجربتي السابقة في العمل مع شركات تأجير المعدات السينمائية، والفرق التنفيذية والمساعدين، حاليا هناك شركات محلية تعمل في السياق ذاته، وتتبادل الخبرات والتجارب، وجدنا أن السوق لديه قدرات، ويحتاج إلى أدوات ومعدات وفنيين متاحين، في ظل تلك الرؤية للسوق تلاقت رغباتنا وأهدافنا وأسسنا صرح سيني كرو CineCrew، نحن في السوق منذ أربع سنوات قدمنا إنجازات عديدة، مثل أكثر من 400 إعلان، وكذلك أفلام مهمة مثل (سطار، الخلاط، وأغنية الغراب) الذي تقدَّم إلى الأوسكار باسم المملكة.

أرى أن وجود شركات محلية تحقق الاكتفاء الداخلي للصناعة، يعد نقطة قوية وإضافة مهمة لتعزيز الصناعة من داخلها، في ظل وجود صناع وشركاء يؤمنون ببعضهم بعضًا، نحن نؤمن أن السوق تنافسي ويصعد بقوة وتطور الفرق المحلية يضمن لنا مكانة تنافسية مع الأفلام العالمية، لا زلنا في بداية التعلم والتدريب في أرض معركة جديدة يبذل الشباب بها أقصى جهودهم؛ ولهذا ننظم دورات بالتعاون مع جهات خارجية بهدف تنمية مهارات الصناع والفنيين التقنيين السعوديين، حينما يشاركنا الشباب ويأتون إلى سيني كرو يشعرون أنهم في بيئتهم دون شعور بالاغتراب، حيث جميعنا نتعلم ونهدف إلى تطور بعضنا البعض والارتقاء بالسوق.

تفتح الآن المملكة أبوابها لتصوير الأفلام الأجنبية أو من خارجها، كيف يدعم ذلك مسار صناعة السينما، وصقل الكوادر السينمائية داخل المملكة، وهل ترى انخراط الصناع السعوديين في هذا المسار مفيدا؟

فتح المملكة أبوابها للتعلم له دور كبير في تسليط الضوء على المملكة كمقصد ثقافي وسياحي، كما أنه يفتح المجال لاكتساب خبرات التعلم من التجارب الخارجية التي تعدُّ عاملًا تنافسيًّا قويًّا، يساهم في دفع الشباب أكثر للتعلم وخوض تجارب جديدة ، وطرق أبواب تحديات أكبر، إن كنت لا تنافس إلا نفسك لن تتطور، أعرف صناعًا شاركوا في تجارب هوليودية انعكست على أعمالهم وباتوا أكثر احترافية، أي أن استجلاب الأفلام الأجنبية للتصوير بالمملكة يدعم الصناعة المحلية وصناعها كما يفتح المملكة على العالم.

نرى بعض الأسماء النسائية على تيترات الأفلام السعودية لا سيَّما في مجال الإخراج والتمثيل وكذلك المكياج. هل ما زالت الكوادر النسائية بعيدة عن مجالات التنفيذ السينمائية ومن بينها التصوير السينمائي؟

العنصر النسائي بات حاضرًا بقوة وبصورة أساسية في الصناعة، سواءً بطريقة تنفيذية أو في مجال الإخراج والتمثيل ، كما أن وجود جامعات مثل جامعة عفت وجامعة الأميرة نورة والملك سعود يفتح مجالًا لوجود كوادر نسائية تحمل الخبرة والمعرفة الأكاديمية معًا، وباتت الكوادر النسائية جزءًا أصيلًا من صناعة السينما السعودية.

نحتاج أن يواكب المجتمع هذا التطور والثورة التي باتت تعيشها المملكة، مع الوضع في الاعتبار خصوصية بيئتنا والتزامنا بالمبادئ والقيم، وهو ما يساهم في عمل النساء في بيئة مريحة يحققن بها طموحاتهنَّ في ضوء خصوصية المجتمع الذي نعيش فيه، يتواكب هذا مع الدعم الحكومي، حيث تحقق النساء خطوات ملحوظة وسريعة للغاية.

العنصر النسائي بات حاضرًا بقوة وبصورة أساسية في الصناعة، سواءً بطريقة تنفيذية أو في مجال الإخراج والتمثيل.

فاصل اعلاني