• English
  • 8 ديسمبر، 2024
  • 2:06 ص

بعد 50 عامًا ما يزال الأراضي الوعرة كبسولة العنف الأمريكي الأكثر تأثيرًا

img

جوس ميتشيل

جوس ميتشيل

ترجمة: محمد علام

«لدي بعض الأشياء لأقولها». هكذا يقول “كيت” إلى “هولي” في الدقائق الأولى من فيلم الأراضي الوعرة (Badlands)، الذي أصدره تيرنيس ماليك عام 1973. «أعتقد أنني محظوظ نوعًا ما بهذه الطريقة».

أطلق تيرنيس ماليك فيلمه الأول الأراضي الوعرة، قبل خمسين عامًا، وهو بمثابة افتتاح فريد من نوعه لعالم حافل بالعنف والقهر في السينما الأمريكية، وسلسلة من أفلام ماليك التي تتطلب المشاهدة وإعادة المشاهدة دومًا. يصف مارتن شيدي الذي لعب شخصية “كيت” تأثير ماليك بأنه «مثل أغنية تضرب أعماقك وتتوغل بها». ولذلك فإن الكتابة عن أي فيلم لتيرنيس ماليك عبارة عن مغامرة غير محسوبة العواقب، خاصة عندما تشعر بشكوكه في أن لديه “بعض الأشياء ليقولها”.

يمضي تيرنيس ماليك إلى عامه الثمانين، بعد أن اجتاز صحاري “الأراضي الوعرة” في الخمسينيات، وحتى ضواحي بانهاندل في تكساس عام 1916، في فيلم “أيام الجنة”، مرورًا بأسطورة تأسيس بوكاهانتس في البحث عن السكان الأصليين في فيلم “العالم الجديد” عام 2005.

في كل مقابلة أجريت معه حول فيلم الأراضي الوعرة، كان تيرنيس ماليك يجيب بعبارات من قبيل “ضبط الحالة المزاجية” أو “ضبط النغمة”. إن إدراك العالم عند “ماليك” له أولوية أكبر من السرد: اللون، الحركة، التباين، المونتاج، تسلسل الأحداث، المواضيع، الأشياء، الحيوانات، البشر، وكافة المظاهر من أصوات وموسيقى.

إن تضافر كل هذه العناصر مع بعضها، تسمح بالانفتاح على ما أسماه ماليك: «الإحساس بالأشياء، وكيفية انهيار العالم». عند تيرانيس ماليك يوجد “مكان” وليس موقعًا يتم إعداده للتصوير، توجد شخصية تعبر عن نفسها، وليس شخصية يتم تطويرها. وهكذا يُظهر فيلم الأراضي الوعرة أن ماليك منذ البداية عرف الهبة التي يمكن أن تقدمها السينما بمفردها.

كان “فيلم الأراضي” الوعرة بمثابة افتتاح فريد من نوعه لعالم حافل بالعنف والقهر في السينما الأمريكية، ولسلسلة من أفلام ماليك التي تتطلب المشاهدة وإعادة المشاهدة.

رحلة غير مباشرة

كانت الرحلة نحو الأراضي الوعرة غير مباشرة. ولد ماليك في نوفمبر 1943، لأم أميركية وأب لبناني أرميني من الجيل الثاني، ونشأ في أوكلاهوما وتكساس، وتفوق أكاديميًّا، وذهب إلى جامعة هارفارد لدراسة الفلسفة على يد الشاب ستانلي كافيل.

كان منجذبًا نحو دراسة الفيلسوف الألماني هيدجر، الذي كان ولا يزال يمثل اهتمام الأقلية في أمريكا. تخرج ماليك في عام 1965، وذهب إلى أكسفورد كباحث للحصول على درجة الدكتوراه، لكنه غادر احتجاجًا بعد أن رفض دون جيلبرت رايل، مستشار الفلسفة التحليلية، السماح له بمتابعة أطروحته المختارة حول: “مفهوم العالم في العالم عند هيدجر، وكيركيجارد، وفيتجنشتاين”؛ وذلك لأنها ليست “فلسفية” بما فيه الكفاية.

تنقل تيرنيس ماليك بين الصحافة والتدريس الأكاديمي في أواخر العشرينيات من عمره، والتحق ببرنامج الماجستير في معهد AFI الموسيقي الذي افتتح حديثًا في لوس أنجلوس؛ لأن السينما بدت “مهنة لا تقل احتمالية عن أي شيء آخر”.

تخرَّج “ماليك” في عام 1971 بفيلم غربي ساخر مدته 20 دقيقة فقط، يحمل اسم “لانتون ميلز”، وبدأ في جمع الأموال من أجل فيلم مستقل. أصبحت عملية تطوير فيلم الأراضي الوعرة أسطورية تقريبًا مثل الفيلم نفسه.

عمل تيرانيس ماليك كاتبًا ومحررًا لبعض سيناريوهات الأفلام مع المنتج إدوارد بريسمان. ومع الوقت صار يُفكِّر في جمع الأموال من كل سبيل ممكن، من أجل إنتاج فيلمه الأول. لقد كان مصرًا على أن يخرج فيلم الأراضي الوعرة إلى النور بالطريقة التي يراها مناسبة، بعيدًا عن تدخلات الإنتاج وشروط مدراء الأستديوهات.

شارك والداه معه ببعض المال، واستثمر هو نحو 25 ألف دولار من مدخراته الخاصة، وباقي تكاليف الإنتاج ساهم في تحمّلها بعض الأطباء والمحامين، والشخصيات المرموقة من الطبقة المتوسطة. لقد كان تيرانيس ماليك يتمتع بسحر وجاذبية شخصية، وقدرة خاصة على إقناع من حوله بأهدافه وأحلامه، لقد ساعد لطفه وإيمانه الطفولي بما يقدمه في إبقاء الجميع –وخاصة الممثلين- إلى جواره دومًا.

لا يعني ذلك أن الإنتاج كان سلسًا، ويبدو أنه حتى في ذلك الوقت كان تيرانيس ماليك ملهمًا بالتفاني لدى البعض، وبالسخط لدى البعض الآخر. تتذكر الممثلة سيسي سباسيك: «لقد استمر التصوير كأنه أبدي؛ لأن الممثلين كان يغادرون باستمرار بسبب المعاملة الوحشية التي كانوا يتعرضون لها، من أجل إعداد لقطة واحدة، حيث ينظر تيري في اتجاه آخر، ويرتفع القمر وهو يقول: دعونا نطلق النار هناك!».

اليوم صار تيرانيس ماليك معروفًا بالعفوية، فهو يعيد كتابة نصوصه أثناء التصوير، وأحيانًا يغير الخطط تمامًا استجابة لنزوة أو فكرة جديدة.

وفي أوائل السبعينيات -وحتى اليوم- كانت صناعة فيلم بهذا الأسلوب أمرًا شاقًّا ومُهلكًا. لقد عمل ماليك –في هذا الفيلم- مع ثلاثة مصورين سينمائيين، والعديد من المحررين، ومهندسي الصوت، وغيرهم من صناع السينما الآخرين. ولكن، كما أشار بريسمان: «على الرغم من تدخلات كل هذه الأيدي، إلا أن الفيلم يبدو سلسًا ومتماسكًا بشكل ملحوظ. حيث نجت الصورة من كل هذه المشاكل، وذلك لأن شيئًا واحدًا كان ثابتًا، هو: رؤية تيري».

تنقَّل تيرنيس ماليك بين الصحافة والتدريس الأكاديمي في أواخر العشرينيات من عمره، والتحق ببرنامج الماجستير في معهد AFI الموسيقي؛ لأن السينما بدت له “مهنة لا تقل احتمالية عن أي شيء آخر”.

قصة حقيقية

استند سيناريو فيلم الأراضي الوعرة إلى قصة حقيقية حدثت في أوائل الخمسينيات، عن شاب من ذوي الياقات الزرقاء في التاسعة عشرة من عمره، يدعى تشارلز ستاركويذر. والذي قتل والدا صديقته القاصر كاريل آن فوجات، وأختها الرضيعة، ثم فرَّا معًا عبر الغرب، وانغمسا معًا في عدد من الجرائم خلفت وراءها عشرة قتلى آخرين. ولقد حُكم على “فوجات” بالسجن مدى الحياة، ويبدو أن ماليك كان على اتصال بها أثناء التحضير للفيلم، وربما أظهر تعاطفًا معها. أما “ستاركويذر” فقد حكم عليه بالإعدام على الكرسي الكهربائي.

أثارت قضية ستاركويذر -ومفهوم “جرائم القتل المثيرة”- حملة إعلامية وطنية من الذعر. وعلى حدِّ تعبير “شين”: «لقد أثر الأمر على الشباب على مستوى عميق جدًّا. صورته وشخصيته… لقد أعطانا لمحة عن أسوأ جزء في أنفسنا. شخصيته وصورته عن نفسه… في هذا البلد، نحن مهتمون بالصورة أكثر من الواقع، وهذا الرجل هو انعكاس لذلك». وهكذا صمم “ستاركويذر” نفسه على غرار مُلهمه: جيمس دين.

استند سيناريو “الأراضي الوعرة” إلى قصة حقيقية عن شاب في التاسعة عشرة من عمره، قتل والدا صديقته القاصر وأختها الرضيعة، ثم انغمسا معًا في عدد من الجرائم.

نجوم غير معروفين

كان نجوم فيلم الأراضي الوعرة غير معروفين إلى حدٍّ كبير. فقد شاركت سيسي سبيسك في أوائل العشرينيات من عمرها، نشأة ماليك في تكساس في الخمسينيات من القرن الماضي. وكان إدراك شخصية هولي البالغة من العمر 15 عامًا، الساردة والبطلة البعيدة بشكل غريب، بمثابة تعاون بينهما. وتتذكر “سبيسك” قائلة: “كان يسألني أسئلة، من قبيل كيف تفكر هولي في هذا؟ وكيف ستفعل هولي هذا؟».

لقد جاء أداء سيسي سبيسك مقنعًا ومحبوكًا، لدرجة أن الجمهور بدأ يميل نحوها دون وعي. أما مارتن شين -الذي كان في الثلاثينيات من عمره- فقد أخبر تيرانيس ماليك أنه أكبر من أن يلعب هذا دور “كيت”؛ ولذلك جعل المخرج الشخصية أكبر سنًّا.

وهكذا ظهر مارتن شين على الشاشة، وهو يرتدي سترة من الدنيم، وقميصًا أبيضَ ضيقًا، ويمسك سيجارة في نظرة جامحة. يسير بخطوات متعرجة، منغمسًا في حالة من السخط، ويمكن القول لإن “شين” نجح في تجسيد الكاريزما غير المؤكدة التي تهدد بالانزلاق نوعًا ما –لكنها لا تفعل ذلك- إلى المحاكاة الساخرة.

«إنها حكاية خيالية»، ما زالت تتكرر هذه العبارة كثيرًا في مقابلات تيرنيس ماليك، وصحيح أن الفيلم كانت تدور أحداثه في عهد أيزنهاور في فترة الخمسينيات، إلا إنه أراد دومًا أن يظهر الفيلم “خارج أية حقبة زمنية”. وقال “ماليك” إن الحكاية الخيالية تتبع منطقها الخاص، تمامًا كما يفعل كيت وهولي. ويعيش عشاقها في عالمهم الخاص، عالم من الانطباعات والتصورات الذاتية التي تتفوق على الواقع.

فخ يدعو للسقوط

ويرى كثيرون أن فيلم الأراضي الوعرة هو قصة اثنين من المرضى النفسيين الهاربين، كما وصفها أحد الأفلام الوثائقية عن “ماليك”. لكن هذه الإدانة عبارة عن فخ يدعونا للسقوط فيه. وأصر ماليك على أنه «لا أرى فجوة بيني وبينهم… ما أجده متعاليًا هو عدم ترك الناس للشخصيات بمفردها، مكدَّسة على السطح، وعدم احترام اختلافاتهم هو ضرب من عدم الاحترام والنزاهة».

يبدأ الفيلم بالتعليق الصوتي الفاتر لهولي -وهو علامة تجارية لماليك: «ماتت أمي بسبب الالتهاب الرئوي عندما كنت طفلة. لقد احتفظ والدي بكعكة زفافهما في الثلاجة لمدة عشر سنوات كاملة، وبعد الجنازة أعطاها لأحد العمال».

لا ترتكب التعليقات الصوتية لماليك أبدًا خطيئة الإخبار أكثر من العرض؛ إنها بدلًا من ذلك تمثل بُعدًا آخر وراء الأحداث، أو مستوى ما خارج القصة كما تظهر لنا.

لا ترتكب التعليقات الصوتية في الفيلم خطيئة الإخبار أكثر من العرض؛ إنها بدلًا من ذلك تمثل بُعدًا آخر وراء الأحداث، أو مستوى ما خارج القصة.

هولي

يصف تيرنيس ماليك شخصية “هولي” بأنها «فتاة جنوبية نموذجية في رغبتها في المساعدة، وإيصال الحقيقة الصعبة؛ إنها لا تفكر في نفسها، ولكن أن تضع في اعتبارها دائمًا احتياجات الآخرين. إنها تدرك نفسها كشخصية رئيسية وراوية للأحداث، لا تعرف جمهورها حقًّا. ليس الأمر أنها بسيطة التفكير؛ إنها تعتقد أن هذه هي الطريقة التي يجب أن تتحدَّث بها عند التحدَّث إلى أشخاص آخرين».

تروي “هولي” قصتها بأسلوب مجلات “اللايف ستايل” في منتصف الخمسينيات المليئة بالرومانسية الميلودرامية: «أراد أن يموت معي، وحلمت أن أضيع إلى الأبد بين ذراعيه». وتقول: «شعرت أن قدري الآن يقع على عاتق كيت، وكان من الأفضل أن أقضي أسبوعًا مع شخص أحبني على حقيقتي، بدلًا من قضاء سنوات من الوحدة». ثم تقول أيضًا: «كل ذلك يظهر كيف يمكنك أن تعرف شخصًا ولا تعرفه حقًّا في نفس الوقت».

تعاطف مع النساء

عادة ما يُظهر تيرنيس ماليك تعاطفًا مع النساء، وفي رؤيته لعدم الفصل بين الإنسان والطبيعة، فإن نساءه أقرب إلى الطبيعة (والحقيقة) لأنهن أكثر “انفتاحًا”. إن أول شيء نتعلمه هو أن هولي لم تعرف سوى عالم الرجال، ولم يكن لها تأثير الأم مطلقًا. لم يكن قتل “كيت” لوالدها الذي (ظهرت هيمنته العنيفة عندما أطلق النار على كلبها كعقاب) ضربًا من التحرر، ولكن مجرد انتقال للسلطة. وعلى عكس ما يمثله كيت من فقدان المعنى والالتزام الأخلاقي، تشعر هولي بقوة الخير والشر، والصواب والخطأ. ولكن، على حد تعبير ماليك: «إنها لا تعرف ما الذي يجب أن تكون لديها مشاعر أخلاقية تجاهه».

يدرك ماليك أيضًا الطرق التي يحول بها الرجالُ النساءَ إلى أيقونات، بدلًا من السماح لهن بأن يصبحن مجرد شخصيات -بدائل للثغرات الموجودة في أنفسهم. إذا كان صوت هولي يسرد نوعًا من الصمم الأمريكي -لجمهور قد يحكم على أفكارها بأنها تافهة أو غير ذات صلة- فإن كيت هو الثقب الأسود للفيلم، والتحدي الذي يقدمه ماليك للجمهور وللرجولة الأمريكية.

لا يعرف “كيت” نفسه ولا ماذا يريد؛ فهو لا يعرف لماذا يقتل الناس، ولا يستطيع اكتشاف أي سبب للتوقف. إنه يعتبر نفسه مزيجًا من النماذج الأمريكية الذكورية: رجل واسع الحيلة ولا يرحم، خارج عن القانون، حامل للسلاح، متمرد بلا سبب.

محافظة أيزنهاور

لكن الحقيقة حول شخصيات مثل كيت هي أنهم رجعيون دائمًا؛ لأنهم يعتبرون أنفسهم أفرادًا وحيدين، في معارضة العالم. وشبه ماليك كيت بـ “مُحافظة أيزنهاور.. المؤيد الكامل للنظام المدني”. «استمع إلى والديك أو معلميك»، يقول كيت، في إحدى المذكرات الصوتية التي يشعر بأنه مضطر إلى تركها للأجيال القادمة. “لديهم خط داخلي في معظم الأشياء؛ لذا لا تعاملهم كأعداء. فكر في رأي الأقلية، ولكن حاول أن تتماشى مع رأي الأغلبية- بمجرد قبوله. ويمكن ملاحظة أن الضحية الوحيدة التي اختار أن يبقيها هي رجل ثري لجأ كيت وهولي إلى منزله لفترة وجيزة.

قال ماليك إلى شين: «فكر في هذا المسدس الذي في يدك باعتباره عصا سحرية. لا شيء جدي، لا شيء شخصي. إنه مجرد شخص ما يعترض طريقك ويختفي». يعد فيلم الأراضي الوعرة بمثابة حكاية خرافية، أسطورية. فهو لم يكن يريد أن يقع في فخ الحنين إلى الخمسينيات، بل أراد أن يقول شيئًا عن الركيزة التي تنهض عليها الروح الأمريكية.

إنها ركيزة مصنوعة من العنف، والأساس الأسطوري الحقيقي، والسبب الذي أدى إلى ظهور البلاد – وهو شيء اكتشفه ماليك لاحقًا بشكل مباشر في فيلمه العالم الجديد. ومنذ أوائل السبعينيات، وحتى اليوم، كان فيلم الأراضي الوعرة- ولا يزال- عبارة عن تغليف كامل ونقي وفريد من نوعه للعنف الأمريكي.

عندما يتحدث المعلقون عن العنف المسلح باعتباره وباءً، فإن ذلك يمثل استعارة أقرب إلى الواقع مما يدركونه في كثير من الأحيان. إنه وباء ينتشر عن طريق التقليد، تمامًا كما اعتقد كيت أو ستاركويذر أن الطريق الذي يجب أن يسلكه لكي يصبح جيمس دين هو قتل الناس.

اللقطة الأشهر

تعد أشهر لقطة في فيلم الأراضي الوعرة، عندما يقف كيت وينظر في صمت إلى أرض مونتانا الشاسعة، والغيوم تتدفق مع غروب الشمس، والقمر يتأهب أن يطلّ عبر الصحراء المجيدة. الطبيعة كلها من حوله غارقة في صمت مطبق، وكأن كل شيء بقربه ولكن بعيد المنال أيضًا. كم بدا تائهًا، وذراعاه معلقتان بلا حول ولا قوة على البندقية الممددة خلف رأسه وعلى كتفيه.

تحتوي هذه اللقطة (متعمدة بالتأكيد) على إشارات إلى وضعية صلب المسيح، ما جعل هذه اللقطة نوعًا من التجسيد الخالص لفلسفة العنف الأمريكية، العنف باعتباره تحقيقًا للذات. «أنت فرد تمامًا يا كيت»، هكذا قال له أحد رجال الشرطة عند انتهاء الفيلم؛ ويجيب كيت: «هل تعتقد أنهم سيأخذون ذلك في الاعتبار؟» إنه من الصعب معرفة مدى جدية كلامه.

فلسفة ماليك

في ترجمة تيرانيس ماليك لكتاب هيدجر جوهر الأسباب في عام 1969، نقرأ: «الحرية هي علّة العِلل. إن ما نفسره على أنه حرية وقدرة على فهم العالم وإيجاد معنى له، هو نفس الشيء. حريتنا تكمن في قدرتنا على خلق وتدمير ما نسميه “العالم”. إذا كان الله أو الطبيعة من خلق الأرض، فإن البشر هم الذين يصنعون “العالم”».

كان لدى الفيلسوف الراحل هيوبرت دريفوس، الذي قام بتدريس تيرانيس ماليك في جامعة هارفارد، ثم قام بعد ذلك بتدريس دورات عن السينما، تعريف بسيط وأنيق: «إن العالم هو نوع من الفطرة السليمة، فيما يتعلق بما هو منطقي للقيام به، وما لا يجب فعله، وما ليس من المنطقي القيام به».

ربما لا يتسع المقال لمناقشة فلسفة فيلم الأراضي الوعرة بشكل مناسب، لكن الفيلم يمكنه بالتأكيد أن يؤدي نوعًا من الفلسفة. وفي رؤيته عن العالم، حول الانسجام أو التكامل بين الفلسفة والسينما، يتساءل ستانلي كافيل، أستاذ ماليك السابق: «إلى من، ومن أين يوجه المرء رسالة إلى العالم؟ ولأي غرض يرغب المرء في ترك بصمته على العالم؟». هذه إحدى الطرق التي يستخدمها فيلم الأراضي الوعرة لطرح أسئلته على الجمهور. وقال ماليك سابقًا إن “كيت” يعتقد أنه شخصية ذات أهمية لا تصدق، ويسعى جاهدًا لترك بعض العلامات على المشهد العام، مثل الجثث، والكنوز المدفونة؛ وأخيرًا، كومة من الحجارة.

فاصل اعلاني