• English
  • 8 ديسمبر، 2024
  • 2:38 ص

كرستوفر نولان: صنعت أوبنهايمر لأنه قصة رائعة.. وفخور جدا بفيلم “أرق”

img

ترجمة: نجاح الجبيلي

لا يمكن وصف المخرج البريطاني كريستوفر نولان إلا بأنه المخرج الظاهرة، فهو الوحيد في العقود الأخيرة الذي يقدم أعمالًا مركبة، يبحر من خلالها في أسئلة فلسفية حول الوجود والزمن وقدرة الإنسان، ومدى مسؤوليته عن فعله، ويحقق من خلالها أرباحًا بمئات الملايين من الدولارات.

 يقول نولان إنه لم يتوقف مطلقًا عن إخراج الأفلام، فمنذ صغره كان يحمل كاميرا والده  Super 8 ويصور بها، لكن نولن- على نقيض ما يتوقع الكثيرون- لم يدرس الأفلام في معاهد أو أقسام السينما، فقد حصل على مؤهل تعليمي عادي، حيث درس الأدب الإنجليزي في الكلية، وبعد عامين من تخرجه صوَّر مع أصدقاء له  فيلمًا مدته خمس دقائق، شارك به في مهرجان سان فرانسيسكو السينمائي عام 1998، وتولَّت شركة “تسايتغست” توزيعه، مما ساعده على الدخول في تجربة فيلمه التالي “تذكار”.

هكذا يعتبر نولان نفسه عصاميًّا، فقد علَّم السينما لنفسه بنفسه، واستطاع أن يقدم أفكاره الخاصة، فكان إحدى أيقونات سينما المؤلِّف في عالمنا المعاصر، وبدلًا من أن يفاجئنا بفيلم عن بطل يعاني من هلاوس سمعية، أو رائد فضاء تائه في الزمن، أو حتى باتمان الذي سينقذ العالم، قدم فيلمًا عن صانع القنبلة الذرية؛ ليجعلنا أمام مأزق أخلاقي حول كراهية أوبنهايمر أم التعاطف معه.

في هذا الحوار نتوقف أمام مسيرة طويلة من الفنِّ أنجزها نولان، وأمام أسئلة عميقة حول تفاصيل حياته وعمله ورؤيته الخاصة، ومن أين تأتيه أفكار أفلامه، ولم لا يحبِّذ تقنيات الكمبيوتر، ويفضل التصوير بكاميرا واحدة.

متى أدركت أن الإخراج كان مهنتك في الحياة؟

بصراحة، لقد صنعت أفلامًا دائمًا ولم أتوقف أبدًا، بدءًا من تجارب صغيرة لإيقاف الحركة باستخدام كاميرا والدي Super 8. في رأيي، إنها سلسلة واحدة كبيرة من صناعة الأفلام، ولم أتغير أبدًا. اعتدت أن أتجول بالكاميرا لكني لم أذهب إلى مدرسة السينما. درستُ الأدب الإنجليزي في الكلية، وحصلتُ على مؤهل أكاديمي مباشر، بينما كنت أصنع أفلامي الخاصة، وأريد أن أصنع المزيد. لقد دفعت مقابل أول ميزة لي، أتابعها بنفسي وصنعتها مع الأصدقاء. كنا نعمل جميعًا في وظائف بدوام كامل؛ لذلك كنا نجتمع في عطلات نهاية الأسبوع لمدة عام، ونصوّر حوالي 15 دقيقة من المخزون الخام كل سبت، ولم نحصل إلا على خمس دقائق من الفيلم النهائي. ذهبنا به إلى مهرجان سان فرانسيسكو السينمائي معه عام 1998، وتولت شركة “تسايتغست” التوزيع، مما ساعدني حقًّا في صنع فيلم تذكار “Memento”. لقد تلقيتُ أموالًا لإدارته، وكان لدي ملايين الدولارات في شكل شاحنات ومئات الأشخاص وكل شيء، ولم أنظر إلى الوراء منذ ذلك الحين.

ما الفائدة من كونك عصاميًّا بدلًا من دراسة السينما؟

إنه نهجٌ عضوي للغاية لفهم جميع أجزاء الحرفة المختلفة. أنا مهتم بكل جزء مختلف من صناعة الأفلام؛ لأنني اضطررت إلى القيام بكل جزء منه بنفسي – من تسجيل الصوت، وتحسين نوعية الحوار، إلى المونتاج والموسيقى. أشعر بأنني محظوظ جدًّا لكوني عضوًا في الجيل الأخير- على الأرجح- الذي قام بقص الفيلم على مائدة نوع ستينباك المسطحة، وقام بتسجيلها معًا وإخراج اللقطات. لقد أعطاني أساسًا جيدًا حقًّا في معرفة إجمالي ما يجب أن يدخل في الفيلم تقنيًّا، وكان ذا قيمة كبيرة. وهذا يعني أن كل ما فعلته كان ببساطة لأنني كنت شغوفًا وأردت تجربة الأشياء. لن تتعلم شيئًا بعمق إلا كان بدافع الفضول البحت.

أنا مهتم بكل جزء مختلف من صناعة الأفلام؛ لأنني اضطررت للقيام بكل جزء فيها بنفسي، بدءًا من تسجيل الصوت، وتحسين نوعية الحوار، وصولًا إلى المونتاج والموسيقى.

أنت من عشاق الروايات البوليسية منذ فترة طويلة، والتي غالبًا ما تستخدم الفلاش باك وغيرها من تقنيات الانتقالات الزمنية. هل هذه الروايات هي السبب في افتتانك بسرد القَصص غير الخطي؟

 حسنًا، كان لدي الكثير من التأثيرات الكبيرة. حين كان عمري 16 عامًا، قرأتُ رواية “أرض المياه” لغراهام سويفت Graham Swift “Waterland”، التي سردت أشياءً لا تصدق بجداول زمنية متوازية، وحكت قصة ذات أبعاد مختلفة، وكانت متماسكة للغاية. في نفس الوقت تقريبًا، أتذكر فيلم “الجدار” لآلن باركر Alan Parker’s “The Wall” في التلفزيون، والذي يفعل شيئًا مشابهًا جدًّا للصور، باستخدام الذكريات والأحلام التي تَعبر إلى أحلام أخرى وما إلى ذلك. كان لفيلمي نيكولا روج “الرجل الذي سقط على الأرض”، و”الأداء” تأثير كبير أيضًا. أولئك الذين علقوا في رأسي، كما عقلت الكثير من روايات الجريمة لــ “جيمس إلروي”، و”جيم طومسون”، وأفلام النوار (أسود) مثل فيلم جاك تورنييه “خارج الماضي”، والذي كان مذهلًا. بعد ذلك، بطريقة ما، حصلت على سيناريو لـ لفيلم “قصة شعبية” Pulp Fiction قبل عرض الفيلم، وكنت مفتونًا بما فعله تارانتينو.

كيف أردت أن تتعامل مع الممثلين بشخصياتهم؟

أسلوبي مع الممثلين هو محاولة منحهم كل ما يحتاجونه مني. التوجيه حول الاستماع، والاستجابة مقدار ما يحتاجون إلى معرفته مني، ومقدار ما توصلوا إليه بأنفسهم حقًّا. وكانت هناك مجموعة من الممثلين الموهوبين جدًّا، وكانوا محددين جدًّا فيما يريدون القيام به. ما كان لطيفًا في ذلك هو أنهم كانوا مرتاحين لفكرة أن لدي الكثير من الأشياء الأخرى التي يجب أن أقلق بشأنها، بسبب حجم الفيلم. في الماضي تمكنت من خلال أفلامي من التركيز بشكل كبير جدًّا على أداء الممثلين. مع هذا الفيلم كان هناك جميع أنواع الأشياء الأخرى التي يجب أخذها في الاعتبار. لكن بصفتهم ممثلين موهوبين وكرماء للغاية؛ فقد سمحوا لي بالقيام بذلك دون الشعور بالضعف. يبدو أنهم استوعبوا ذلك بسهولة بالغة.

لقد قلت مرارًا إن فيلمك المفضل هو عدَّاء الشفرة “Blade Runner” للمخرج ريدلي سكوت. ما الأهمية الخاصة التي يحملها لك؟

كطفل يشاهد الأفلام، تمر بإدراك تدريجي لما وراءها. تبدأ مثل أي شخص آخر، معتقدًا أنّ الممثلين يصنعون الكلمات ويخلقون الفيلم بأنفسهم. لذلك عندما كنت صغيرًا وأشاهد فيلمَي “غريب” Alien، و”عداء الشفرة” Blade Runner، كنت أشعرُ إنها قصص مختلفة، وإعدادات مختلفة، وممثلون مختلفون حقًّا، وكل شيء مختلف، ولكن هناك علاقة قوية جدًّا بين هذين الفيلمين، وهذا هو إبداع المخرج ريدلي سكوت. أتذكَّر أنني شعرت بالدهشة من ذلك، وأعتقد أن هذه هي الوظيفة التي أريدها.

كان جو فيلم “عداء الشفرة” Blade Runner مهمًّا أيضًا، وهو الشعور بوجود هذا العالم كله خارج إطار المشهد. لقد شعرت حقًّا أن هناك أشياء تحدث خارج تلك الغرف التي شاهدتُ فيها الفيلم. هذا شيء لطالما حاولتُ أن أحمله معي. يجب أن يكون لكل فيلم عالمه الخاص، ومنطق وشعور به يمتد إلى ما وراء الصورة الدقيقة التي يراها الجمهور.

“تذكار”

حين صنعتَ فيلم “تذكار Momento، هل تساءلت يومًا ما إذا كانت بُنية الألغاز ستجذب الجمهور؟

هناك هذه المفارقة الغريبة؛ لأنك تجد نفسك في الواقع كمخرج في موقع البطل الذي يجب أن يثق بهذه الملاحظات التي كتبها بنفسه. يبدو الأمر مبتذلًا بعض الشيء، لكنه حقيقي فعلًا. أرقب الشاشة وأفكِّر، حسنًا، لقد قرأتُ النصَّ قبل ثلاث سنوات، وبدا أنه فكرة جيدة في ذلك الوقت. ولكن يبدو الأمر كما لو كنت حقًّا في مرحلة معينة، منغمسًا جدًّا في المادة. عليك فقط أن تثق بنفسك. لديك الكثير من النقاط على طول الطريق، حيث يتوقف الفيلم عن كونه حقيقيًّا، وعليك فقط أن تقول: هذا ما أصنعه، هذا ما أفعله، وأوقف هذا النصف من عقلك، وثق تمامًا في غرائزك الأولية، والمونتير الخاص بك، وغرائز ممثل فيلمك، وغرائزك حول ما إذا كنت ستحصل على ما تريد. الشيء الغريب هو أنك تمر بهذه المكائد الإبداعية المعذِّبة، ثم تنظر للوراء إلى النص الأصلي فتجده جميلًا، وقريبًا جدًّا مما هو موجود على الشاشة، وتقول، “الحمد لله، كيف انتهى الأمر بهذا الشكل؟”

هل يوجد الجانب الملغز لفيلم “تذكار” في القصة التي استند إليها؟

لقد كانت عملية عضوية غريبة؛ لأن أخي أخبرني بالمفهوم عندما كان يكتب القصة. أخبرني ذلك أثناء قيادتنا للسيارة من شيكاغو إلى لوس أنجلوس، عبر الريف. وشعرت بالروعة، وسألته: هل يمكنني الذهاب وكتابة سيناريو أثناء كتابتك القصة؟ لأنه كان يكتب المسودة تلو الأخرى، وفي الواقع استغرق الأمر عامين آخرين. بينما كنا ننتهي من الفيلم، كان ينهي هو مسودته النهائية للقصة القصيرة.

لقد قررنا أنه بطريقتنا الخاصة سنحاول سرد القصة بضمير المتكلم. أنا في الفيلم وهو في القصة القصيرة. كلانا يحاول الهروب من حدود الوسيط المعين الذي نختار أن نقوله؛ لأننا نريد حقًّا إنشاء تجربة لا تغزُّ رأسك، وتنزف حول الحواف. كنت أبحثُ عن شيء يعيش في شكله الخاص، جرى بناؤه قليلًا من تلك التجربة الخطية القياسية. وبنفس الطريقة، أراد أخي، في كتابة القصة، أن يجعلها عشوائية بطريقة ما.

في سرد قصة “تذكار” بصريًّا، هل كنت تفكر في الذين سبقوك، هل كنت تفكر في أفلام أخرى تناولت الزمن؟

في الحقيقة لم أكن كذلك. لقول الحقيقة، فإن البنية التي تحتوي على “Memento” أقل وعيًا بالذات بشكل غريب مما كانت عليه مع فيلم “تتبع Following”. في “المتابعة”، العلاقة بين الموضوع وانقسام السرد. يصعب على الناس معرفة ذلك، إنه أكثر دقة بعض الشيء. كلمة “Memento” واضحة جدًّا لمعظم الناس، حتى لو كانوا يكرهونها. يبدو الأمر كما لو أننا نحاول أن نضعك في رأسه، ولهذا السبب يتم سرد القصة بشكل عكسي؛ لأنها تنفي المعلومات التي ينفيها. وبطريقة ما، كان الأمر أكثر وضوحًا وعضوية.

إلى أي مدى أنت دقيق بشكل عامٍّ؟ أعتقد أنك صنعت فيلمين دقيقين “تتبع”، و”تذكار”.

أنا بالتأكيد دقيق في شروط صناعة الأفلام. أحب أن أكون دقيقًا مع الأشياء. أنا مهتمٌّ بصنع أفلام لمشاهدتها مرة ثانية، وآمل أن تكون مهتمًّا بمشاهدتها مرة أخرى. أنت لا ترى كيف أنها ملتصقة معًا. في الواقع يمكن أن يحافظ على هذا التدقيق، ويصبح شيئًا مختلفًا قليلًا عندما تراه مرة أخرى.

لأنني أشعر أن أمامي ثلاث سنوات للعمل على هذا الشيء، وكمشاهد لديك ما يقرب من ساعتين لمشاهدته؛ لذلك يجب أن يعمل بمستوى أعلى من التطور مما يمكنك استيعابه في مشاهدة واحدة. لقد أتيحت لي هذه الفرصة للخداع بهذه الطريقة، وجعلها أكثر تعقيدًا أو أكثر من طبقة أو أيًّا كان؛ لأنني كنت أتمتع برفاهية الوقت. استغرق الأمر مني عامًا لكتابة النص، ولذا كان لدي الكثير من الوقت للتلاعب بكل هذه الأشياء، ووضع أشياء هناك لن تحصل عليها في المرة الأولى، ولا يمكن توقع ذلك بالضرورة.

لذا فإن هذا النوع من الدقة مثير جدًّا بالنسبة لي. أنا مهتم كثيرًا بالجانب التقني للفيلم، وأحاول جعل الأشياء مصقولة قدر الإمكان. إنه أمر طريف أن ينظر الناس إلى فيلم “تتبُّع”، وإلى “تذكار” بطريقة مختلفة بصريًّا. لكن بالنسبة لي، إنهما متشابهان تمامًا؛ لأنني صورت فيلم “تتبع” بطريقة دقيقة جدًّا. الإطار دقيق للغاية، وفيلم “تذكار” بنفس الطريقة في تنسيق مختلف، وأشعر أن ما فعلناه مع “تتبُّع” هو أننا حاولنا دفع صناعة الأفلام إلى مستوى تقني عالٍ، بقدر ما يمكننا باستخدام ما لدينا، والذي كان في الأساس لا شيء. لذلك أعتقد أننا قمنا بعمل جيد في الواقع. ومع فيلم تذكار حدث الشيء نفسه. الفيلم يبدو أغلى مما هو عليه. مزيج الصوت حقًّا جيد جدًّا. لقد صورنا الفيلم بأكمله في 25 يومًا، وهو برنامج مجنون بالنسبة لفيلم.

من الطريف أن ينظر الناس إلى فيلميّ “تتبُّع”، و”تذكار” بطريقة مختلفة بصريًّا. لكنهما بالنسبة لي متشابهان تمامًا؛ لأنني صورتهما بنفس الطريقة، ولكن بتنسيق مختلف.

أرق

وماذا عن فيلم “أرق”؟

أنا فخور جدًّا بالفيلم. أعتقد، من بين جميع أفلامي، أنه على الأرجح الأكثر تجاهلًا. الحقيقة هي أنه أحد أكثر أفلامي الشخصية فيما يتعلق بصناعته. لقد كان وقتًا حيويًّا للغاية في حياتي. كان أول فيلم أستوديو لي، كنت في الموقع، وكانت هذه هي المرة الأولى التي أعمل فيها مع نجوم سينما كبار. ليس هذا حقًّا بالنسبة لي لأقوله، لكن بين الحين والآخر ألتقي بصناع أفلام، فيقولون إنه الفيلم الذي يهتمون به، أو يريدون التحدث عنه. نعم، فخور جدًّا بالفيلم.

ماذا كان رد فعل الجمهور وهم يشاهدون الممثل الراحل روبن وليامز يؤدي دورًا شريرًا في فيلم أرق “Insomnia“؟ وكيف كان التفاعل بينه وبين أل باتشينو؟

حسنًا، أعتقد أنهم خرجوا وهم يشعرون وكأنهم شاهدوا روبن ويليامز “الجديد”. رؤية روبن ويليامز يفعل شيئًا لم يكن ليتخيل أبدًا أنه سيفعله، أو يمكنه فعله. إنه حضور مثير للغاية في الفيلم لأنه مفاجئ بشكل غير عادي في الدور، وواقعي بشكل مُخيف للغاية. أعتقد أن التفاعل بينهما رائع ومثير للاهتمام؛ بسبب حضورهما الجاذب على الشاشة معًا لأول مرة. بالنسبة لي، كان من المثير للغاية مشاهدة هذين الممثلين الرائعين وهما يعملان معًا.

من خلال فيلم باتمان، ماذا تعلمت من الأفلام الأخرى المُعدَّة عن الكتب المصورة “الكوميكس”؟

لستُ مُعجبًا حقيقة بالأفلام المقتبسة من الكتب المُصوّرة بشكل عام؛ لأنني شعرت أنني أردت حقًّا مشاهدة فيلم ينقل تجربة قراءة الكتاب المصوّر. هذا يعني الضغط الذهني الذي تمر به عندما تدخل في القصص. أنت لا تنظر إلى الصفحة على أنها سطح مستوٍ. أنت في الواقع تشعر بالإثارة، وهذا ما كنت أحاول فعله بهذا الفيلم. المرة الوحيدة التي رأيت فيها فيلمًا يفعل الشيء الصحيح هو فيلم “سوبرمان” الذي أخرجه ريتشارد دونر عام 1978. لقد تعاملوا مع هذا الفيلم كفيلم ملحمي مع فريق مذهل من الممثلين، أمثال مارلون براندو، وجين هاكمان، ونيد بيتي، وجلين فورد. اعتقد أنه فيلم رائع، وشعرتُ أن باتمان يستحق هذا النوع من رواية القصص.

كيف تستوعب الممثلين الذين قد يكون لديهم أنماط عمل مختلفة في الفيلم نفسه؟

أحبَّ آل باتشينو في فيلم” أرق” أن يرتجل بحذر شديد، وأن يحجب الأشياء، وأن يقوم بالكثير من اللقطات. ستكون أول لقطة مثالية له، لكنه أراد حقًّا التحدث عن الأشياء، في حين لم ترغب هيلاري سوانك في الارتجال كثيرًا. لقد أرادتْ حفظه، ثم فعلت ما كانت ستفعله في لقطة واحدة أو اثنتين وليس أكثر. بصفتك مخرجًا عليك معرفة كيفية تحقيق التوازن بين هذه الأشياء؛ لأنك تريد أن يشعر كلاهما أنه منح الأرض بالطريقة التي يحتاجها كي يقوم بعمله. ما أحبه في الممثلين العظماء أنك تحصل عليهم بعد ذلك في لقطة ثنائية، حيث تعتقد أن اختلافاتهم ستكون صعبة، لكنها ليست كذلك؛ لأنهم يستوعبون ويشعرون ويستمعون فيما بينهم.

ماذا يعني الانتقال من ميزانية فيلم “الأرق” البالغة 45 مليون دولار إلى ثلاثة أضعافها في ميزانية فيلم بداية باتمان “Batman Begins“؟ كم كانت تلك القفزة شاقة؟

 لا أدري إن كانت تجارب الآخرين هي انعكاس لتجربتي، ولكن بالنسبة لي، الفرق بين تصوير فيلم تتبُّع “Following” مع مجموعة من الأصدقاء، نرتدي ملابسنا الخاصة، وأمي تصنع لنا السندويشات، إلى إنفاق 4 ملايين دولار من أموال شخص آخر على فيلم “تذكار” Memento، والحصول على طاقم مكون من مائة شخص، هو أكبر قفزة قمت بها على الإطلاق حتى يومنا هذا. كان الأمر أشبه إلى حدٍّ ما بتعلم السباحة، سواء كان طولك كبيرًا أم صغيرًا، لا يحدث أي فرق، سواء كانت المسافة إلى القاع قدمين أو 100 قدم، فإما أن تغرق أو لا تغرق.

أودُّ أن أقول إن الفرق بين الفيلمين “تذكار” و”باتمان” هو أن لدينا مناظر (ديكورات) كبيرة جدًّا. لكنني وجدت مصمم إنتاج في فيلم “أرق” (ناثان كراولي) قام بالكثير من الإخراج الفني على البنى الكبيرة، لذلك جاء على متن الطائرة، وفكرنا في الأمور معًا. هذه الأنواع من الخدمات اللوجستية تمثل تحديًا كبيرًا، وكانت هذه هي المرة الأولى التي أقوم فيها بعمل فيلم مؤثرات بصرية كبيرة.

التصوير

أنت لا ترغب في تصوير العديد من اللقطات، وتفضل فقط مشاهد القصة المصورة (Storyboard)، وتتجنَّب قوائم اللقطات، وتستخدم كاميرا واحدة فقط للتعاقبات الدرامية. إذن كيف يمكنك تحديد اختيارات الإخراج في غرفة المونتاج، بالنظر إلى أنه لا يبدو أن لديك الكثير من خيارات التغطية؟

حسنًا، في المشاريع التي أعمل عليها، يعتمد النص على شكل من أشكال الفعل الموازي، أو تغيّر وجهات النظر والمنظورات، حتى عندما تكون القصة ذات تسلسل زمني خطّي. إذا نظرت إلى البكرتين الأخيرتين في أفلام باتمان، مثلًا، فكلها حركة متوازية متقاطعة. ما يعنيه هذا هو أنه على الرغم من أنك تقوم بالتصوير بشكل خاص وفعال للغاية، إلا أن لديك خيارات غير محدَّدة في مجموعة التحرير؛ لأنك لست مضطرًا للتصوير باستمرارية كاملة لمشهد حركة معين. يمكنك القفز على الجداول الزمنية أو المواقع، بحيث يكون لديك عدد هائل من المتغيرات. على أي حال، لا أتطلع إلى جعل هذه العملية أكثر تعقيدًا.

لماذا تفضل التصوير بكاميرا واحدة؟

أستخدم التصوير بعدة كاميرات في المشاهد الخطرة؛ وأستخدم كاميرا واحدة في الأحداث الدرامية. التصوير بكاميرا واحدة يعني أنني أرى بالفعل كل إطار يمر عبر البوابة؛ لأن انتباهي لا ينقسم إلى عدة كاميرات. لذلك أرى كل شيء، وأشاهد اللقطات المصورة اليومية كل ليلة. إذا كنت تقوم دائمًا بالتصوير بكاميرات متعددة، فإنك تصوّر عددًا كبيرًا من اللقطات، ثم يتعين عليك الدخول والبدء من جديد، وهو أمر مُربك من حيث الوقت.

أنت ومصورك “والي فيستر”، جنبًا إلى جنب مع ستيفن سبيلبرغ، من بين آخر الممتنعين عن التحول إلى التصوير الرقمي الذي تتجه إليه الصناعة السينمائية. ما سبب انجذابك إلى الوسيط الأقدم؟

على مدى السنوات العشر الماضية، شعرت بضغوط متزايدة للتوقف عن التصوير على الرقاقة، والبدء في التصوير الرقمي، لكنني لم أفهم السبب أبدًا. من الأرخص العمل على الرقاقة، إنه أفضل بكثير، فهي التكنولوجيا المعروفة والمفهومة منذ مائة عام، وهي موثوقة جدًّا. أعتقد أنه يتلخص في المصلحة الاقتصادية للمصنّعين و(صناعة) الإنتاج تجني المزيد من المال من خلال التغيير، وليس من خلال الحفاظ على الوضع الراهن. نحن نوفر الكثير من المال في التصوير على الرُقاقة، وليس التصوير بوسائط رقمية. في الواقع، لم أستخدم مطلقًا وسيطًا رقميًّا. يمكنك، باستخدام كيمياء الضوء، تصوير الوقت باستخدام مؤقت جيد بثلاث أو أربع تمريرات، والتي تستغرق حوالي 12 إلى 14 ساعة، مقابل سبعة أو ثمانية أسابيع في التصوير الرقمي. هذه هي الطريقة التي كان يفعلها الجميع قبل 10 سنوات، ولقد واصلت للتو صناعة الأفلام بالطريقة التي تعمل بشكل أفضل، وانتظر حتى يكون هناك سبب وجيه للتغيير. لكني لم أر هذا السبب بعد.

هل فكرت بمشاركة مشاعرك عن الصناعة السينمائية مع المخرجين الآخرين؟

لقد بقيتُ صامتًا عن هذا الأمر لفترة طويلة، ومن الجيد أن يكون لدى الجميع خيار، ولكن بالنسبة لي فإن الخيار في خطر حقيقي بالاختفاء. لذلك جمعت بعض صانعي الأفلام معًا، وعرضت عليهم مقدمة فيلم “فارس الظلام ينهض” The Dark Knight Rises الذي صورناه بتقنية إيماكس[1] IMAX، ثم قطعناه من الصورة السلبية الأصلية وطبعناها. أردت أن أمنحهم فرصة لرؤية الإمكانات، لأنني أعتقد أن IMAX هو أفضل تنسيق فيلمي تم اختراعه على الإطلاق. إنه المعيار الذهبي، ويجب أن تتطابق معه أي تقنية أخرى. الرسالة التي أردت إيصالها هي أنه لا أحد يستبعد الكاميرات الرقمية الخاصة بأي شخص. لكن إذا أردنا أن يستمر الفيلم الرقاقة كخيار، وكان هناك شخص ما يعمل على فيلم داخل استديو كبير ذي موارد، مع القدرة على الإصرار على الفيلم، فينبغي عليهم أن يقولوا ذلك. شعرتُ كما لو أنني لم أقل شيئًا، ثم بدأنا نفقد هذا الخيار، سيكون ذلك عارًا. عندما أنظر إلى صورة تم الحصول عليها رقميًّا وعرضها، فإنها تبدو أقل شأنا من طباعة صورة بصرية مشوهة سلبية أصلية أو صورة بتقنية IMAX.

ما الذي تعطيك إياه تقنية آيماكس IMAX ولا تحصل عليه من خلال صورة بصرية حجم 35 ملم أو 65 ملم؟

صوّرنا بحجم 65 ملم لبعض المشاهد في فيلم “استهلال” Inception، وأعجبتني النتائج كثيرًا، بالإضافة إلى إمكانية استخدام الصوت معها. لكن تقنية التصوير IMAX هي ثلاثة أضعاف المساحة السلبية (النجاتيف) لهذا التنسيق. إنها قفزة نوعية من حيث الجودة، أنه إذا كنت تعمل على فيلم يعد إنتاجًا واسع النطاق، فيمكنك تبني التكنولوجيا الأكثر تعقيدًا، والسماح بها وإدخالها في عملية الإنتاج الخاصة بك، وما تحصل عليه من شروط الجودة عند التصوير غير عادية جدًّا. بالنسبة لـ فيلم “فارس الظلام ينهض” The Dark Knight Rises كنا في “وول ستريت” مع آلاف من الكومبارس، ويمكنك رؤية وجوه الجميع في الإطار. في بعض النواحي، أشعر أن ذلك يعيدني تقريبًا إلى عصر الفيلم الصامت، عندما كانت لديهم تلك الكاميرات الضخمة. إن محاولة التنفيذ بأسلوب اللوحة (التابلوه)، غيّر الطريقة التي أخرج بها الفيلم، والطريقة التي أحجب بها حركة الكاميرا بسبب حجم الشيء. تتمتع الصورة الناتجة بقوة كبيرة، بحيث لا تحتاج إلى قصها بنفس الطريقة، يمكنك تأطير اللقطة بشكل مختلف، وينتهي بك الأمر بإحساس مختلف قليلًا.

إذا كنت تعمل على فيلم بإنتاج واسع النطاق، فيمكنك تبني التكنولوجيا الأكثر تعقيدًا، وما ستحصل عليه من شروط الجودة عند التصوير سيكون غير عادي.

هل قمتَ بتصوير جميع أفلامك ذات الميزانيات الكبيرة بتقنية آيماكس IMAX؟

 لم نقم بتصوير فيلم “استهلال Inception ” بتلك التقنية؛ لأننا كنا نحاول تصوير حقيقة الأحلام بدلًا من طبيعتها الاستثنائية؛ لذلك استخدمنا كاميرا محمولة، وقمنا بتصويرها بطريقة أكثر تلقائية. في حين أن النوعية الأوبرالية لفيلمي “فارس الظلام” The Dark Knight، و”فارس الظلام ينهض” The Dark Knight Rises بدت مناسبة جدًّا لنسيج آيماكس IMAX الأكبر حجمًا. لذا فالأمر يختلف حسب الفيلم الذي تريد صناعته. لكن في كل حالة، وبصفتي صانع أفلام حصل على ميزانيات كبيرة للعمل بها، أشعر بمسؤولية تجاه الجمهور للتصوير بأعلى جودة ممكنة للتكنولوجيا التي يمكنني اختيارها، وصنع الفيلم بالطريقة التي أريدها.

تقنيات الكمبيوتر

نظرًا لنوع الأفلام التي تصنعها، قد يفترض الناس أنك تستخدم الكثير من الصور التي تم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر CGI، لكنك تفضل في الواقع النماذج، والحاجبات، والتأثيرات داخل الكاميرا. متى ترغب في استخدام تقنية سي جي آي “CGI“؟

ميزة الصور التي تم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر، هو أنها أداة قوية بشكل لا يصدق لصنع تأثيرات بصرية أفضل. لكنني أؤمن بالفرق المطلق بين الصور المتحركة والتصوير الفوتوغرافي. مهما كانت الصور التي تم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر متطورة، إذا تم إنشاؤها من أي عناصر مادية، ولم تقم بتصوير أي شيء، فستشعر وكأنها صور متحركة. عادة ما يكون هناك هدفان مختلفان للمؤثرات البصرية في الفيلم. الأول هو خداع الجمهور ليرى شيئًا مستمرًّا، وهذه هي الطريقة التي أحاول استخدامها. والآخر هو إثارة إعجاب الجمهور بكمية الأموال التي يتم إنفاقها على مشهد المؤثرات البصرية، وهذا أمر لا يهمني. نحاول تحسين مشاهد المخاطرة والمجازفة باستخدام أدوات CGI غير عادية. إذا بذلت الكثير من الوقت والجهد لمطابقة عناصر الفيلم الأصلية الخاصة بك، فإن نوع التحسينات التي يمكنك إدخالها في الإطارات يمكن أن تخدع العين حقًّا، وتقدم نتائج تتجاوز بكثير ما كان ممكنًا قبل 20 عامًا. تكمن المشكلة بالنسبة لي في أنه إذا لم تقم أولًا بتصوير شيء ما بالكاميرا التي ستؤسس عليها اللقطة، فسيظل التأثير البصري بارزًا، إذا كان الفيلم الذي تصنعه ذا أسلوب واقعي. أنا أفضّل الأفلام التي تبدو أكثر واقعية، لذلك يجب التعامل مع أي تقنية CGI بعناية كبيرة لتلائم ذلك.

ربما يكون مشهد التأثيرات الأكثر شهرة في أفلامك هو مشهد الدهليز في فيلم “استهلال” Inception، وهو ما فعلته بدون شاشات خضراء[2] أو أجهزة كمبيوتر، ولكنك استخدمت ممرًا حقيقيًّا. لماذا قررت العودة إلى المدرسة القديمة من أجل ذلك؟

لقد نشأتُ كمعجب كبير بفيلم “أوديسة الفضاء 2001” لكوبريك، وكنت مفتونًا بالطريقة التي بنى بها جهاز الطرد المركزي، بحيث يمكن لرواد الفضاء الركض في كل مكان، ورأسًا على عقب. لقد وجدتُ خيالاته مُقنِعة تمامًا ومذهلة. لقد كانت واحدة من تلك الحالات النادرة حين تكتشف كيفية تنفيذ الحيلة، يكون الأمر أكثر إثارة للإعجاب. لذلك كنت أرغب دائمًا في القيام بشيء من هذا القبيل، ومع فيلم “استهلال” Inception أتيحت لي الفرصة والموارد للقيام بذلك ضمن سياق حركي. إن تبنّي هذه الحيلة ودفعها في اتجاه مختلف، حقّقّ أحد طموحات طفولتي. تغيرت العديد من التقنيات في صناعة الأفلام على مر السنين، والعديد من الأشياء التي نشأتُ معجبًا بها لن تحصل على فرصة للقيام بها. لكن هذا التأثير المادي الواسع النطاق ما زال أفضل طريقة لرسم المشهد، وكان ممتعًا حقًّا.

بالحديث عن التغييرات التكنولوجية هل كانت هناك أي ضغوط لصناعة فيلم “فارس الظلام ينهض” The Dark Knight Rises بتقنية ثلاثية الأبعاد؟

كان من الممكن أن تكون شركة وارنر بروس Warner Bros سعيدة للغاية بذلك، لكني قلت لهم إنني أريد أن تكون متوافقة من حيث الأسلوب مع أول فيلمين، وكنا سنقوم بالفعل بتوظيف آيماكس IMAX لإنشاء صورة عالية الجودة. أجد أن التصوير المُجسَّم ذو قياس صغير جدًّا وحميم في تأثيره. وتسمية ثلاثي الأبعاد خاطئة. الأفلام هي ثلاثية الأبعاد. الهدف الأساس من التصوير الفوتوغرافي هو أنه ثلاثي الأبعاد. الشيء المختلف في التصوير المُجسّم هو أنه يعطي كل فرد من الجمهور منظورًا فرديًّا. إنهُ مناسب تمامًا لألعاب الفيديو وغيرها من التقنيات الآسرة، ولكن إذا كنت تبحث عن تجربة للجمهور، فمن الصعب تبني التصوير المجسم. أفضِّل القماشة الكبيرة، بالنظر إلى شاشة ضخمة، وإلى صورة تبدو أكبر من الحياة. عندما تتعامل مع ذلك بشكل مجسم، وقد جربنا الكثير من الاختبارات، فإنك تقوم بتقليص الحجم، بحيث تصبح الصورة نافذة أصغر بكثير أمامك. لذلك يجب النظر بعناية في تأثير ذلك وعلاقة الصورة بالجمهور. وأشعر أنه في الموجة الأولى من تشكُّلها، لم يتم أخذ ذلك في الاعتبار على الإطلاق.

الزمن

على مدار العقد الماضي، صنعت أفلامًا تدور أحداثها في عالم الكوميكس، وداخل العقل الباطن البشري وفي الفضاء. لماذا العودة إلى الأرض والتاريخ في فيلم “دنكرك”؟

دنكرك هي واحدة من أعظم القصص التي لم تروَ في السينما الحديثة. بعد أن قمت برحلة على متن قارب صغير عبر القنال الإنكليزي منذ حوالي 25 عامًا، فإن قسوة المياه والتحدي المادي الهائل لعبور ذلك الممر – ولكن دون أن يلقي إحدى القنابل، ودون السفر إلى منطقة حرب – رسخت في ذهني بشكل غير عادي مستوى عالٍ من الإعجاب بالأشخاص الذين ركبوا تلك القوارب الصغيرة في عام 1940 وجاءوا لمساعدة الجنود.

هذه الحكاية تدور حول فكرة الوطن. يتعلق الأمر بالإحباط اليائس من عدم القدرة على الوصول إلى حيث تريد أن تكون. نحن نعيش حقبة حيث لم تعد فكرة تكديس الكثير من الأشخاص على قارب واحد، لمحاولة عبور المياه الصعبة بأمان، أمرًا يمكن للناس رفضه باعتباره قصة من عام 1940 حتى الآن. نحن نعيش في عصر يتم فيه المبالغة في تقدير فضيلة الفردانية. فكرة المسؤولية المشتركة والبطولة الجماعية وما يمكن تحقيقه من خلال المجتمع فكرة غير عصرية. دنكرك هي قصة عاطفية للغاية بالنسبة لي؛ لأنها تمثل الفقدان.

لا يتعلق فيلم “Tenet بالقفز إلى الماضي أو المستقبل، بل يتعلق بالزمن الجاري إلى الوراء. لماذا أردت أن تجعل تلك نقطة الانطلاق للفيلم؟

أعتقد أن هناك علاقة غنية حقًّا بين الوسط والواقع المادي للزمن وفكرة الزمن الذي نعيش فيه جميعًا؛ لذا كنت أتعامل مع هذا في أفلامي لعدة سنوات، وكان لدي هذا المفهوم البصري للرصاصة في الحائط، التي يجري شفطها من الجدار، وتستقر في فوهة البندقية التي جرى إطلاقها منها، ووضعت الصورة في “تذكار” Memento، فيلمي المبكر، كفكرة مجازية أو رمز للمفهوم الهيكلي للفيلم. لكنني دائمًا ما كنت أشعر بهذه الرغبة في إنشاء قصة يتعيَّن على الشخصيات فيها التعامل مع ذلك كواقع مادي. ونما ذلك في النهاية على مر السنين إلى فيلم “Tenet”.

ما الذي يميزك كشخص يستمرُّ في الانجذاب إلى هذه الأسئلة حول كيفية العيش في الزمن؟

ما أحب أن أقوله عن افتتاني بالزمن هو أنني عشتُ فيه دائمًا وهو رد فعل سريع، ولكن هناك حقيقة في ذلك. ومع تقدمي في السن – بلغت الخمسين من عمري قبل إطلاق الفيلم مباشرة – مع تقدم أطفالي في السن، فيتغير إحساسي بالزمن. في فيلم “بين النجوم” Interstellar، يتم تقديم ذلك بشكل مباشر جدًّا. أعتقد أن هذا النوع من الشعور نحسُّ به جميعًا مع تقدمنا ​​في السن بما يتعلق بفقدان الأشياء والأشياء التي تنزلق بعيدًا والأشياء التي تمضي قدمًا بدوننا. وهناك شعور كبير، في منتصف العمر بتسريع الزمن. وفي فيلم “Tenet”، هناك فكرة النظر إلى العالم بشكل مختلف، والبحث عن سبب لهفتنا أن نرى مطاردة سيارة في الفيلم؟ لماذا نريد رؤية تحطم طائرة؟ ما الإثارة في ذلك؟ كيف يعمل هذا؟ ومحاولة تقديمها بشكل مختلف للجمهور، ولكي أنظر إليها بشكل مختلف، اقلبها رأسًا على عقب، إذا أردت، والزمن جدير أن يفعل ذلك لنا.

ثوابت

هل هناك ثوابت في جميع أفلامك من حيث الصورة والأسلوب؟

  اهتمامي المطلق هو بـــ “وجهة النظر” أو “المنظور”. سواء كان ذلك في الكاميرا الخالصة أو حتى في الكتابة، فالأمر كله يتعلق بوجهة النظر. لا يمكنني قص مشهد إذا لم أكن قد حددت بالفعل منظوري الذي أنظر إليه، ولا يمكنني تصوير المشهد بطريقة محايدة. لقد حاولتُ استخدام تقنيات أكثر موضوعية للكاميرا – عدسة أطول، وتسطيح الأشياء، واستخدام كاميرات متعددة – لكنها لم تنجح. الطريقة التي أصور بها الفيلم هي في الواقع مناسبة جدًّا للتحول إلى التصوير ثلاثي الأبعاد، لأنني أفكر دائمًا في الكاميرا كمشارك. لا أستخدم عدسات الزوم على سبيل المثال، لذلك لا أعيد التأطير باستخدام التكبير. بدلًا من ذلك، نقوم دائمًا بتحريك الكاميرا فعليًّا إلى مسافة أقرب، ونضع بُعدًا بؤريًّا مختلفًا. من الناحية الأسلوبية، الشيء الذي يجري في أفلامي هو اللقطة التي تدخل الغرفة خلف الشخصية؛ لأن هذا يأخذني إلى داخل الطريقة التي تدخل بها الشخصية. أعتقد أن قضايا وجهة النظر والمنظور هذه مهمة للغاية.

ما المشكلات التي تؤرقك في صناعة الأفلام؟

إن سرقة حقوق المؤلف مسألة مهمة للغاية. بينما تأخرت الأستوديوهات في إدراك ذلك، يسعدني أن نقابة الفنانين أخذت زمام المبادرة بشكل حقيقي. أعتقد أنه من المهم جدًّا أن يفهم كل من صانعي الأفلام والأستوديوهات أهمية حماية حقوق المؤلف الخاصة بهم. لقد عملت في طرفي النطاق، ونعم، يمكنك جمع مجموعة من الأصدقاء معًا، وصنع فيلم دون إنفاق الكثير من المال. ولكن إذا كنت ستحصل على أجر وكسب لقمة العيش، وإذا وظفت حرفيين موهوبين يحتاجون لكسب لقمة العيش، فسيكون ذلك دائمًا مُكلفًا. الطريقة الوحيدة لكسب المال مقابل ذلك هي التحكم في بيع المواد المحمية بحقوق المؤلف وتوزيعها. يجب محاكمة أي شخص يربح من خلال السرقة، وبالتأكيد أي شخص يحصل على إيرادات الإعلانات من حقوق المؤلف لشخص آخر، يجب وقفه ومحاسبته. هناك الكثير من القوانين المعمول بها بالفعل؛ لذا تبقى مسألة إنفاذها. يجب أن يفهم القضاة وهيئة المحلفين ماهية سرقة حق المؤلف حقًّا.

“أوبنهايمر”

لا يريد الناس التحدث عن الأسلحة النووية. لذا، كيف اخترتَ “أوبنهايمر” كفيلم؟ إنه ليس “باتمان” أو شيء من هذا القبيل؟

كلا، إنه شيء ظل ضمن اهتمامي لعدد من السنوات. كنت مراهقًا في أوائل الثمانينيات في إنجلترا. كانت حملة نزع السلاح النووي في ذروتها؛ كان خطر نشوب حرب نووية حين كان عمري 12، 13، 14 عامًا، كنا جميعًا نشعر بخوف كبير. أعتقد أنني واجهت أوبنهايمر لأول مرة في هذه العلاقة، وقد تمّت الإشارة إليه في أغنية ” Sting “عن الروس الذين ظهروا في ذلك الوقت وهم يتحدثون عن “الألعاب القاتلة” لأوبنهايمر. لقد كان جزءًا من ثقافة البوب ​​آنذاك، دون أن نعرف الكثير عنه.

وفي مرحلة ما، في العقود الفاصلة، حصلتُ على المعلومات، حقيقة أن العلماء في لوس ألاموس في مرحلة ما قد قرروا أن هناك احتمالًا إحصائيًّا صغيرًا بأن اختبار “ترينيتي”، قد يشعل الغلاف الجوي، ويدمر كل أشكال الحياة على الأرض. لم يتمكنوا من الناحية الرياضية والنظرية من إزالة هذا الاحتمال تمامًا. مضوا قدمًا على أي حال. وقد أذهلني ذلك باعتباره الموقف الأكثر دراماتيكية في تاريخ العالم، مع احتمال نهاية الحياة على الأرض. هذه مسؤولية لم يواجهها أي شخص آخر في تاريخ العالم.

وضعتُ إشارة إلى ذلك في فيلمي الأخير، عقيدة “Tenet”؛ هناك حوار، وإشارة إلى هذا الموقف بالضبط من قبل أوبنهايمر. يتعامل هذا الفيلم مع استقراء الخيال العلمي لهذه الفكرة: هل يمكنك إعادة معجون الأسنان إلى الأنبوب؟ خطر المعرفة، بمجرد كشف النقاب عن المعرفة – بمجرد أن تصبح معروفة، بمجرد أن تصبح حقيقة – لا يمكنك إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وتركها بعيدًا.

لذا بعد أن تعاملت مع ذلك، بمعنى الخيال العلمي، في نهاية ذلك الفيلم، كنت نوعًا ما تُرِكت مع ذلك كسؤال معلق. وفي الواقع، روبرت باتينسون، الممثل في فيلم “Tenet”، أهداني كتابًا يتضمن خطابات أوبنهايمر، وخطب ما بعد الحرب العالمية الثانية. وقراءة هذه الكتب والقراءة عن العقول العظيمة في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، هي محاولة للكفاح في إنشاء نوع من الإطار الفكري الذي يمكن من خلاله الفهم، والتعامل مع تهديد وجودي جديد، وهو أول تهديد وجودي حقيقي على الإطلاق للحياة على الأرض، إنه زمن يبعث على الخوف حين نقرأ عنه. ثم على مدى عقود، تمكنا من إظهاره في جميع أنواع البيانات السياسية، والمناقشات الفلسفية. لذلك، لدينا أجيال من الأفراد الذين يقدمون سياقًا فكريًّا لفكرة “هرمجدون[3]”، والذي يخفيها ويجعلها تبدو أكثر قبولًا كجزء من الحياة التي نشأنا عليها تحت ظل القنبلة. وعلاوة على “النشرة”، وساعة يوم القيامة[4]، هذا كل ما لدينا لتذكير الناس بالوضع الرهيب الذي نعيش فيه.

هدفي عند صنع الفيلم – أنا لا أصنع أفلامًا لإرسال رسالة، لقد صنعتها لأنها قصة رائعة. لكن جزءً من هذا السرد القصصي هو العودة إلى الأساسيات حول القنبلة، وتجريدها من البيانات السياسية والفلسفة والوضع الجيوسياسي، والنظر فقط إلى القوة الخام التي على وشك إطلاق العنان، وما يعنيه ذلك للأفراد المعنيين وما يعنيه لنا جميعًا.

لا أصنع أفلامًا لإرسال رسالة. وجزء من أهداف السرد القصصي لاوبنهايمر هو العودة إلى الأساسيات حول القنبلة، وتجريدها من البيانات السياسية.

حين تجلس لتكتب سيناريو يستند أساسًا على كتاب (بروميثيوس الأمريكي، انتصار ومأساة ج.روبرت أوبنهايمر) ل”كاي بيرد” و”مارتن ج. شرون” 2007 ، هذا الكتاب الذي يتكون من 700 صفحة، ويغطي الكثير من التفاصيل. كيف جسَّدت وبلغت ماهيته عن طريق صناعة الفيلم؟

كانت العملية مثيرة للاهتمام؛ لأنّ كتاب “بروميثيوس الأمريكي” سجل رائع لحياة أوبنهايمر وما يطرحه من تفسير. لكن كل ما يجعل الأمر شاقًّا كالاقتباس هو ما وجدته رائعًا لأستلهم منه؛ لأن التعامل مع الحياة الواقعية، والتاريخ، ومحاولة صنع الترفيه منها، هو نموذج درامي مُعبِّر. أكبر عائق لك ككاتب سيناريو هو السلطة والمعرفة. أنا لستُ عالمـًا. ليس لدي طريقة لأن أصبح عالمـًا في الفترة الزمنية التي سأحتاجها لكتابة السيناريو. أنت تنظر إلى الخبراء والمعرفة المتخصصة.

لذلك، تعاونت سابقًا مع عالم الفيزياء في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، والحائز على جائزة نوبل “كيب ثورن”، على سبيل المثال في فيلم “بين النجوم Interstellar” وفيلم “عقيدة Tenet”. أما في كتاب” بروميثوس الأمريكي” لكاي بيرد ومارتي شروين (والأخير أمضى 25 عامًا في البحث) فهناك قدر هائل من المعلومات الموثوقة، وقد جرى استقصاء كل شيء من أجل الحصول على النتائج المرجوة. وهكذا، فأنت تتعامل بعد ذلك مع قدر هائل من المعرفة التي، لحسن الحظ، تضم فهرسًا في نهاية الكتاب. لذا، بمجرد قراءتها، يمكنك إلقاء نظرة على جميع المراجع. وهكذا كانت هذه الثروة المعرفية المذهلة، لتكون قادرًا على البدء في كتابة نص أكثر ذاتية. تبنيتُ وجهة نظر سرد ​​القصة من وجهة نظر أوبنهايمر. هذا ما حصلت عليه من كتاب كاي ومارتن. لقد شعرتُ بما يعنيه أن أكون هذا الرجل، وما يدور في رأسه. وشعرت أنَّ هذا هو الفيلم.

إنه شخص يصعب تحديده. أعني، إنه غامض، متغيِّر، أيًّا كان. هل وجدتَ ذلك ممتعًا عندما حاولت أن تضعه في فيلم؟

نعم، إذا نظرت إلى الأفلام التي صنعتها، فقد كنت دائمًا منجذبًا إلى رواة القصص الغامضين، وربما الرواة غير الموثوق بهم، والأشخاص الذين لديهم طبقات مثيرة للاهتمام، هؤلاء هم الشخصيات، أليس كذلك؟ كما تعلمون، بالعودة إلى بروس واين، وباتمان، وكل البقية، كنت مهتمًّا بالشخصيات التي تم سجنها إلى حدٍّ ما بسبب التناقض، والتي تقع تحت رحمة المفارقة. وهكذا، بالنسبة لي، كان مناسبًا بشكل طبيعي جدًّا. وحقيقة أن قصته حقيقية، وسجل وثائقي يمكن التحقق منه، وتاريخ، يحررك حقًّا لكي تأخذ الجمهور في الرحلة. لكن من أجل، تفسيري، وفي النهاية تفسير كيليان مورفي لما يحدث في رأسه، وحالته الداخلية، التي نحاول تمثيلها، لدينا الكثير من المعلومات حول المكان الذي ذهب إليه، وكيف وصل إلى هناك، وما فعله.

  لطالما فضلتُ أسلوب العصور الوسطى الإنكليزية في رسم الشخصية على المقاربة في التشخيص الحداثوي والنفسي والروائي في الفيلم، لأنه في الفيلم، تكون الشخصية المحددة من خلال الفعل دائمًا هي الأقوى، لأنها بصرية وقائمة على السرد؛ إنه بالنسبة لي الشكل الأقوى والأكثر إثارة للاهتمام في بناء الشخصية والتوصيف. وهكذا، في مقاربتي لأوبنهايمر، كان شعوري يتركَّز على أنّ البحث، والنظر إلى ما قاله وما فعله – في مواضع التشابه والاختلاف – يؤديان إلى التعرف على الدوافع المتناقضة، وكيف تعامل مع هذه المواقف الصعبة التي تم وضعه فيها.

في الكتاب، لكل فرد وجهة نظر مختلفة قليلًا عن أوبنهايمر. هل كان شيوعيًّا، أم لم يكن؟ إلخ. لذا أتلهف إلى فهم كيفية تعاملكَ مع شخصيته.

أعتقد أنك ترى في قصة أوبنهايمر كل ما هو عظيم، وكل ما هو فظيع بشأن قوة أمريكا الحديثة الفريدة في العالم. إنها قصة أمريكية للغاية. ولا توجد إجابات بسيطة على الأسئلة التي يثيرها، وأي شخص يدّعي إجابات بسيطة عن قصة أوبنهايمر، ناهيك عن الفيلم نفسه، يتجاهل بالتأكيد جوانب معينة.

هذه مواضيع تتعامل مع الفيزياء. يتسم الفيزيائيون بقلق شديد تجاه الحقائق والتفاصيل. هل كان لديك مستشارون علميون يتابعون ما أنجزته، أو يدرسون النص؟

نعم. كان لدينا رجل مفيد جدًّا من جامعة كاليفورنيا/ لوس أنجلوس، وهو ديفيد سولتزبرغ، الذي كان يساعدنا في بعض الجوانب العلمية في موقع التصوير. كما أدخلنا كيب ثورن في الفريق؛ لأننا عملنا سابقًا مع كيب على بضعة أفلام. التحق كيب ببرنستون، من بين مؤسسات أخرى، وأثناء وجوده في برنستون ذهب إلى ندوات في معهد الدراسات المتقدمة تحت قيادة أوبنهايمر، والتقى به بالفعل. لقد شاهده بالفعل وهو يلقي محاضرة. وهكذا تمكنت من وضع كيب على الهاتف مع كيليان – ثم زار الموقع – للحديث عما كان عليه الحال عند مشاهدة أوبنهايمر، وهو يدير مجموعة من العقول في ندوة، وكيف سينظّم مناظرة، وكيف يمكنه الاستماع إلى كل وجهات النظر المختلفة هذه، وقام بتلخيصها بكفاءة عالية وبليغة، ودفع الحوار إلى الأمام.

تمكن كيب أيضًا من الإجابة على بعض أسئلتي حول، على سبيل المثال، هناك لحظة حيث قرأ فيها الفيزيائي الحائز على جائزة نوبل “لويس ألفاريز”، والفيزيائي الحائز على جائزة نوبل “إرنست لورانس وأوبنهايمر”، عن انقسام الذرة في ألمانيا، على ما يبدو، ثم توقف على الفور، وأثبت على السبورة أنه لا يمكن القيام بذلك. لذا علينا بعد ذلك تصويرها على أنها، “حسنًا، ماذا يكتب على السبورة؟” لذا، كان كيب قادرًا على الدخول في الأمر والقول، “حسنًا؛ هذا ما نعتقد أنه ربما كتبه. وهذا هو الخطأ في ذلك. هذا هو المكان الذي يوجد فيه الخطأ، إذا أردت”.

هل كنت تعتقد في محاولة تعريف الجمهور العام بـ”الانشطار”، و”الاندماج”، و”ميكانيكا الكم”، ومحاولة إدخال ذلك في قصة فيلم؟ لا بدًّ أنها كانت خدعة؟

لحسن الحظ، لقد حصلت على القليل من الممارسة؛ لأنّ الفيلمين الأخيرين لديّ قد تأسَّسا بقوة على بعض جوانب العلوم والفيزياء. والشيء المتعلق بالانشطار والاندماج، الشيء المتعلق بالطبيعة الثورية لفيزياء الكمِّ في عشرينيات القرن الماضي، أمر مثير للغاية، حين تتعامل مع حياة الفرد. أنت تتعامل مع أناس شاركوا في إعادة تقييم ثورية لقوانين الكون، تمامًا كما شارك بيكاسو وفنانون آخرون في إعادة تقييم ثورية للفن الجمالي، والتمثيل البصري، تمامًا كما كان سترافينسكي يكتب هناك كل موسيقاه، وفي الواقع، ماركس، الشيوعيون – أي الانتقال من ماركس، الشيوعية في العشرينيات، الثورة الروسية. أعني، أنك تعيد كتابة جميع جوانب القواعد التي نعيش بموجبها، والفيزياء هي الأكثر تطرفًا من بين هذه القواعد. لذا فإن الاختلاف بين الفيزياء الكلاسيكية والفيزياء الكمومية مثير للغاية، حتى لو كنت لا تستطيع فهمه.

لا أستطيع أن أشرح للجمهور- بالكاد أستطيع أن أفهم نفسي- ما الذي تشكله هذه الاختلافات حقًّا، حيث تأخذنا نظرية النسبية لأينشتاين. لكن الجميع يعرف من هو أينشتاين، الجميع يعرف نظرية النسبية كشيء حدث، وغيّر العالم. ويتيح لي تحديد موقع أوبنهايمر في أكثر الأوقات إثارة في الفيزياء، يتم إعادة تقييم قوانين الكون تمامًا والنظر إليها بطريقة مختلفة. اعتقد إنها نقلة نوعية غير مسبوقة.

إنه نوع من الأوقات الرائعة. وبعد ذلك، بالطبع، عندما تبدأ في البحث، وإلقاء نظرة على الدراما الخاصة بقصته، وأين ذهبت بعد ذلك، حيث انتهى هذا الحماس الثوري بالفعل- هذا عندما انتهى العديد من الثورات في مكان فظيع للغاية. لذا في محاولة لمنح الجمهور المصطلحات والأسس، يكفي فقط معرفة ذلك، لا يمكننا أن نشرح للجمهور كيف تختلف فيزياء الكمِّ، إنها مختلفة جذريًّا.

يصبح الفرق بين الانشطار والاندماج مهمًّا للغاية بالنسبة للقنبلة الذرية مقابل القنبلة الهيدروجينية، وكيف يجري ذلك في السياسة، والوضع الذي يوجد فيه أوبنهايمر، وأين يوجد تيلر. هذه ديناميكية إنسانية مترابطة للغاية بين الرجال المهتمين بالانشطار والرجال المهتمين بالاندماج والصراع بينهم. لذلك كنتُ قادرًا، في السيناريو ثم الفيلم النهائي، على البناء على نوع من فهم ثقافة البوب ​​لبعض هذه المفاهيم؛ لأن الناس يعرفون القنبلة الذرية، وهم يعرفون القنبلة الهيدروجينية. هل يعرفون الفرق بينهما؟ لا، ليس حقًّا، لكن يمكننا شرح ذلك في الفيلم. لذلك، هناك العديد من الطرق التي يمكننا من خلالها إضفاء الطابع الدرامي على المفاهيم العلمية.

ولكن هناك العديد من الطرق التي- هذا ما وجدته أنا وأخي بالعمل مع “كيب” في فيلم “بين النجوم” Interstellar، العديد من الطرق التي يكون فيها العلم نفسه مثيرًا للغاية، والنظرية نفسها هي التي تقدم إمكانية نهاية العالم، وإمكانية حدوث دمار هائل، ودمار مخيف حقًّا. هذه هي المخاطر الأكثر دراماتيكية التي يمكن تخيّلها. لذا فإن اتباع العلم يقودك إلى بعض المواقف الدرامية المتطرفة للغاية. وكصانع أفلام، هذا ما تسعى إليه.

إنه خروج حقيقي عن التجاهل اليومي للمعنى النهائي للأسلحة النووية. يمكنهم حقًّا إنهاء الأرض، ومعظم الناس ليس لديهم معرفة بالأسلحة النووية، أو الاختلاف في أحجامها. ما مدى أهمية ذلك بالنسبة لك في تصوير اختبار “ترينيتي”، أو أي انفجارات نووية جرى تصويرها في فيلمك، وكيف توصلت إلى قرار “سنفعل ذلك (اختبار ترينيتي) بهذه الطريقة “

أول شخص عرضنا عليه السيناريو بعد إيما توماس (شريكتي في الإنتاج) كان أندرو جاكسون، الذي كان مشرف المؤثرات البصرية في آخر فيلمين لي. لأن ما أردت أن أقوله له فورًا كان: “في هذا الفيلم، سنحاول تصوير الحالة الداخلية للشخصية، سنحاول إظهار النشاط الذري، ونحن نحاول إظهار العالم الكمي إلى حدٍّ ما، وهو شيء لا يمكن عرضه، وقد يفسح المجال لرسومات الكمبيوتر الفاخرة. لا أريد استخدام أي رسومات كمبيوتر لذلك. علينا أن نظهر اختبار ترينيتي، وعلينا أن نظهر تدمير ذلك؛ لا أريد استخدام أي رسومات كمبيوتر لذلك”.

في أحد أفلامي السابقة، صورنا انفجارًا ذريًّا باستخدام تقنية رسوميات الكومبيوتر CG، وبينما اعتقدت أن الفريق قام بعمل جيد جدًّا، وكانت النتيجة جيدة من الناحية الفنية، إلا أنها تؤكد لي شيئًا ما شعرت به دائمًا حول رسومات الكمبيوتر، وهو إنها تميل إلى الشعور بطبيعتها، في العقل الباطن للجمهور، بأنهما رسوم متحركة؛ إنها ليست شيئًا جرى تصويره في العالم الحقيقي. ولذا لا يوجد شعور بالخطر حقًّا. وفي فيلم “فارس الظلام ينهض” The Dark Knight Rises، حيث كان لدينا انفجار نووي، ليس المقصود منه الشعور بالخطر بشكل خاصٍّ في ذلك الوقت، لأن الخطر قد مضى، إنه يحدث في البحر وهو بعيد بما فيه الكفاية.

الهدف من اختبار ترينيتي لتوليد الأسلحة الذرية، هو الرغبة في الشعور بالرعب. تريد أن يكون جميلًا ولكن مُخيفًا أيضًا، والأشياء التي تم تصويرها على أنها حقيقية، سيكون لها وزن أكبر بالنسبة لهم، سيكون لها مثل هذا التهديد. تميل رسومات الكمبيوتر إلى الشعور بمزيد من الأمان. إنه شيء واحد إذا كان الفيلم بأكمله خياليًّا. ولكن إذا كان الفيلم بأكمله واقعيًّا ومعروفًا بالعالم الذي نعيش فيه، فأنت تريد أن يكون هذا الحدث الأكثر أهمية في الفيلم صالحًا بنفس القدر، وأن تمنحه وزن الواقع. لذلك فكر أندرو طويلًا وبجدِّية في الطرق التي يمكن من خلالها تصوير الأشياء الحقيقية، سواء المجهرية أو القابلة للرؤيا؛ وتعاونَ مع منسق المؤثرات الخاصة لدينا. التأثيرات المرئية هي الأشياء التي تقوم بها في مرحلة ما بعد الإنتاج: المؤثرات البصرية، رسومات الحاسوب، كل تلك الأنواع من الأشياء التي تقوم بها بعد الحدث. والمؤثرات الخاصة هي ما تفعله على الأرض مع الممثلين في الوقت الحالي. يقوم سكوت فيشر بعمل مؤثراتنا الخاصة، وقد فعل ذلك لسنوات. لقد عمل عن كثب مع أندرو في بعض الأشياء الصغيرة لغرض تصويرها، والتي يمكن أن تكون بديلة لأحداث أكبر، ويمكن أن تستخدم مقياس الأشياء، ولكن أيضًا بعض الانفجارات الهائلة في موقع العمل التي يكون الممثلون على علاقة بها. باستخدام معدلات إطارات مختلفة، ومنظورات قسرية، ومجموعات مختلفة من المواد الكيميائية- مشاعل المغنيسيوم بالاشتراك مع انفجارات المسحوق الأسود والبنزين- لإنشاء مجموعة متنوعة من التأثيرات المتفجرة، التي يمكن أن تمثل اختبار ترينيتي. بدلًا من تفجير قنبلة ذرية حقيقية، سيكون الأمر متطرفًا بعض الشيء (يضحك).

المتعة

على الرغم من أنه متطرف للغاية. لكنه يبدو ممتعًا أليس كذلك؟

كان الأمر ممتعًا جدًّا. وقد استغرقوا وقتًا طويلًا للقيام بذلك. ولكن أساليبهم أصبحت مثيرة للغاية بالنسبة لي والتي تشمل محاولات تصوير عالم الكوانتم (الكمومي). لأن ما كنا نبحث عنه، وما أعتقد أننا نجحنا في تحقيقه، كان مزيجًا من تصوير أشياء كبيرة جدًّا وأخرى صغيرة جدًّا. هناك تشوش في حجم الصور. هل ننظر إلى النجوم والكواكب البعيدة، أم ننظر إلى الذرات والجزيئات؟ لا نعرف تمامًا. المقاييس مشوشة. وبالنسبة لي، فإن أحد أكثر الأشياء الرائعة حول ميكانيكا الكمِّ وكل ما يأتي منها هو هذا التحول من أصغر الأشياء المطلقة التي نعرفها، إلى أكبرها حسب ما نعرفه عنها، وكلاهما محدد بوضوح من خلال نفس مجموعة القواعد. ما هو في المنتصف يصبح معقّدًا بعض الشيء، والتفاعلات بين فيزياء الكمِّ وهذا العالم الذي نعيش فيه جميعًا، عالم بحجم الإنسان، هي من أكثر الأشياء تدميرًا التي يمكن تخيلها. الدقيق ( المايكرو) والكبير (الماكرو)، طرفي المقياس، على ما أعتقد، رائعان حقًّا.

ما أعتقد أننا نجحنا في تحقيقه هو مزيج من تصوير أشياء كبيرة جدًّا وأخرى صغيرة جدًّا. حتى أننا لا نعرف إن كنا ننظر إلى النجوم والكواكب البعيدة، أم ننظر إلى الذرات والجزيئات؟

هل لديك أي أفكار أو توقعات حول الاستجابة لفيلمك؟ أعلم أن الجميع يريده أن يحقق نجاحًا كبيرًا، ويعتقد أنه جيد بشكل واضح. لكنه في الحقيقة موضوع حساس. صحيح؟

لقد عرضتُ الفيلم على الكثير من الناس في هذه المرحلة. إنه اختبار روشاخ[5] Rorschach الذي يطالب بمجموعة متنوعة من الاستجابات. هناك أشخاص خرجوا من الفيلم صامتين تمامًا، لا يمكنهم التحدث. ويشعرون بالاستياء بطريقة ما. لقد استمتعوا بالفيلم، لكنهم لا يفهمون سبب استمتاعهم به. إنها مجموعة متضاربة من المشاعر التي يمنحك إياها الفيلم. وكان هذا هو الهدف، ذلك المزيج الغريب من المشاعر، ومن خلال الردود حتى الآن، يبدو أننا حققنا ذلك. كيف يتناسب ذلك مع الثقافة، ليس لدي طريقة حقيقية لمعرفة ما يحدث بعد ذلك. نحن نمنحها للجمهور، وتصبح ملكهم. ما أعرفه هو أنه في تاريخ الأفلام، هناك العديد من الأوقات التي يمكن أن تكون فيها الاستجابة العاطفية المعقدة أو الموضوع قويًّا جدًّا بالنسبة للناس، ويمكن أن تكون مُسلِّية للغاية.

التسلية هي نوع من الكلمة الاختزالية، فنحن نميل إلى التفكير في ذلك على أنها أشياء سعيدة ومضحكة، أيًّا كان الأمر، لكنها ليست كذلك. يتعلق الأمر بالمشاركة. يتعلق الأمر بالسؤال: هل الفيلم له صدى لدى الناس، هل يفكرون فيه بعد ذلك، هل يخبرون الآخرين بالذهاب لمشاهدته؟ والأفلام تضم جميع أنواع المشاركة المختلفة. لذا هذا الشكل المعقد من المشاركة هو ما نسعى إليه. ونحن نبحث عن أقصى درجات الاستجابة، حتى لو كان رد الفعل العاطفي ليس بالضرورة واضحًا. لكن يبدو أن الفيلم لاقى صدى لدى الناس. يبدو أنه يعني شيئًا بالنسبة للناس. وأعتقد، بصفتي صانع أفلام، أن هذا كل ما تتمناه.

من الواضح أنك بدأت هذا الفيلم قبل غزو أوكرانيا بفترة طويلة. لكن هذا الغزو حدث منذ ذلك الحين، وهدّد فلاديمير بوتين والعديد من الأعضاء في حكومته باستخدام الأسلحة النووية. أودُّ فقط أن أسمع رأيك حول ولادة فيلمك في هذا الواقع الحالي.

حسنًا، ليس لديك أي طريقة لمعرفة ظروف العالم الذي سيصدر فيه فيلمك؛ لأنك بدأته قبل سنوات. وعندما بدأتُ كتابة أوبنهايمر لأول مرة، أتذكر بوضوح محادثة أجريتها مع أحد أبنائي المراهقين، حيث أخبرته بما كنتُ أعمل عليه. وقد قال لي حرفيًّا “حسنًا، لم يعد أحد قلقًا بشأن الأسلحة النووية بعد الآن. هل سيهتم الناس بذلك؟” وبالطبع، كان ردّي على ذلك حينها “يجب أن نكون كذلك، وربما سيساعد الفيلم في تلك المسألة.” ولكن، بالطبع، ما حدث فيما بعد في الحقيقة الفظيعة والفعلية هو أن العالم قد جرى تذكيره مرة أخرى بالتهديد. وهو، كما تعلم، ظرف مروّع. لكن بالتأكيد، قصدنا من الفيلم- أيًّا كان العالم الذي سيخرج فيه- جزء مطلق من هدف الفيلم هو إعادة التأكيد على الخطر الفريد والاستثنائي للأسلحة النووية. هذا شيء يجب أن نفكّر فيه جميعًا طوال الوقت، ونهتم به بعمق شديد. لكن من الواضح أنه من المقلق للغاية أن الوضع الجيوسياسي كان سيتدهور مرة أخرى إلى الحدِّ الذي يتم الحديث عنه في الأخبار.

هل من الطبيعي بالنسبة لك قتل عشرات الآلاف من الناس؟

حين تطبِّع قتل عشرات الآلاف من الناس فأنت تخلق معادلات أخلاقية، وهي معادلات خاطئة مع أنواع أخرى من الصراع، وما إلى ذلك. لذا، فأنت تسير في الكثير من الطرق المختلفة نحو قبول وتطبيع الخطر بشكل أكبر. ولكن بعد ذلك يقودك هذا في النهاية إلى التعرف على الخطر الحقيقي. وفي هذا الوقت، يبدأ الحديث عن الجيش، وساحة المعركة، والأسلحة النووية التكتيكية، وهي المحادثة التي أشعر بالخوف منها الآن، لأنني أسمع ذلك من كلا جانبي الطيف السياسي، وليس فقط من بوتين. أشعر أننا في عالم الآن، حيث بدأ الناس يتحدثون مرة أخرى عن هذه الأشياء كنوع من الاحتمال المقبول لعالمنا. وبالطبع، إذا أردنا التفكير في الكيفية التي ستحدث بها “هرمجدون” النووية في النهاية، فهل سيكون سيناريو من نوع دكتور سترنجلوف[6] حيث تتلقَّى القاذفات إشارة خاطئة؟ أعتقد أنه من المرجَّح أن يكون تطبيع الأسلحة الذرية في البداية، واستخدام الأسلحة النووية التكتيكية التي تؤدي إلى صراع أكبر وأوسع نطاقًا سيدمِّر الكوكب في النهاية. حسنًا، لقد توصلت إلى فهم مختلف، ومجموعة مختلفة من المخاوف التي تأسست في النهاية على نفس الخوف المطلق، وهو أن العالم سوف يُدمَّر بسبب هذه الأشياء.

حين تطبِّع قتل عشرات الآلاف من الناس فأنت تخلق معادلات أخلاقية، وهي معادلات خاطئة مع أنواع أخرى من الصراع؛ لذا فأنت تسير في كثير من الطرق نحو قبول الخطر وتطبيعه.

هل غيّر الفيلم أي شيء في رأيك، أو غيّر طريقة تفكيرك بشأن الأسلحة النووية؟ هل جعلك تشعر بالقلق أكثر أو أقل أو نفس الشيء، بشأن هذا الوضع العالمي؟

إنه سؤال تصعب الإجابة عليه. أعتقد أن الإجابة الصادقة هي أنه كلما تعمقت في البحث الذي أجريته، وكلما تحدثنا جميعًا وفكرنا فيه، هناك مرحلة كلما زادت معرفتك بالأسلحة النووية، تبدأ في رؤيتها على أنها أسلحة عادية أكثر؛ نظرًا لأنك تقارن، على سبيل المثال، الذخائر الذرية بأسلحة الهيدروجين؛ لذا فأنت تبدأ في الانخراط في منحدر زلق بالنظر إلى حجم الأشياء، وعدد الأشخاص الذين قُتلوا بواسطة هذا الجهاز المحدد، فأنت تبدأ في أن تعتاد على تحليل هذه الأشياء.

مصدر الحوار

Bulletin of Atomic Scientists

Indiewire

[1] آيماكس  (IMAX)اختصار ل Image Maximum) هو نظام مملوك للكاميرات عالية الوضوح وتنسيق الفيلم وجهاز العرض السينمائي والسينما التي تمتك شاشات كبيرة جدًّا وتمتلك نسبة البعدين 1: 43: 1 أو 1.90:1) التي صنعتها شركة آيماكس الكندية. تملك الصيغة التقليدية للآيماكس القدرة على تسجيل وعرض الصور بشكلٍ أكبر بكثير في الحجم والدقة من أنظمة السينما التقليدية. معيار شاشة الآيماكس أن تكون بطول 22 مترًا (72 قدمًا) وارتفاع 16.1 متر (53 قدمًا).

[2] الشاشة الخضراء هي الخلفية التي يتم تصوير اللقطات على أساسها ليتم تركيبها لاحقًا فوق خلفية تم تصويرها بشكل منفصل في عملية تأثيرات بصرية تسمى “مفتاح صفاء اللون”. يُعرف أيضًا باسم تكوين مفتاح صفاء اللون أو مفتاح اللون أو ببساطة القفل.

[3] هرمجدون: وفقا لكتاب الرؤيا هو موقع تجمع الجيوش للمعركة متى يحين وقت نهاية العالم. كما يستخدم هذا المصطلح للإشارة إلى أي سيناريو يشير إلى نهاية العالم بشكل عام.

[4] تصميم يحذر البشر كم نحن قريبون من تحطيم الأرض، سواء بالتكنولوجيا الخطرة أو أفعالنا الذاتية.

[5] اختبار رورشاخ هو اختبارٌ نفسي تُسجًّل فيه تصّورات الأشخاص عن بقع من الحبر ثم تحليلها باستخدام التفسير النفسيّ، أو الخوارزميات المُعقدة، أو كليهما.

[6] فيلم من إخراج ستانلي كوبريك.

فاصل اعلاني