التسعيني دريد لحام في أحسن حالاته الفنية
13 August، 2024
لمى حامد طيارة
رغم الظروف التي تعيشها سوريا على صعيد اقتصادي وإنساني واجتماعي؛ ما زال الإنتاج السينمائي للمؤسسة العامة للسينما مستمرًّا على قلته، وما زالت دار الأوبرا السورية تستقبل عروض افتتاح الأفلام السورية ليشاهدها النقاد والجمهور السوري، وفي هذا السياق قدم المخرج باسل الخطيب ثالث تجاربه السينمائية المشتركة مع الفنان دريد لحام من خلال فيلم “يومين”، ولكن هذه المرة عن فكرة اقترحها لحام وكتب السيناريو لها تليد الخطيب، ولعب بطولة الفيلم إلى جانب لحام كل من الطفلين شهد الزلق وجاد دباغ، إلى جانب رنا شميس، محسن غازي، يحيى بيازي، حازم زيدان، نجاح مختار، وائل زيدان، مؤنس مروة، رهام التزة، نور الوزير، والراحل أسامة الروماني الذي تم إهداء الفيلم إلى روحه.
وهو التعاون الثالث كما ذكرنا سابقًا ما بين الخطيب ولحام بعد فيلم “دمشق حلب” 2018 الذي كان بمثابة العودة الأولى للحام بعد انقطاع لسنوات عن الشاشة الكبيرة، حيث قام باسل الخطيب برفقة شقيقه تليد بكتابة السيناريو خصيصا للحام، ودارت أحداثه حول تداعيات الحرب في سوريا، أما فيلم “الحكيم” 2022 فقد كتبت السيناريو له ديانا جبور، ودارت أحداثه حول طبيب القرية الذي يسخر وقته وطاقته لخدمة أهله ومعارفه من أهل القرية، ليصبح بدوره الحكيم بالمعنى العلمي والاجتماعي، والرجل الذي لا يمكن الاستغناء عنه، ويعود لحام في فيلمه الثالث للتعاون مع الخطيب في فيلم “يومين”، وهو من نوعية الأفلام الموجهة للعائلة، حيث يجسد الأطفال دور البطولة ومحركي الأحداث، وهو من نوعية الأعمال التي جربها لحام في المسرح والسينما وتذوق نجاحها، يقول عن التجربة “كلما اعتقدت أنه الفيلم الأخير لي مع الخطيب، اكتشفت أنه ما زال بيننا أفلام”.
“يومين” هو التعاون الثالث بين كل من دريد لحام وباسل الخطيب بعد فيلمي “الحكيم” و”دمشق حلب”، لكنه بمثابة عودته الأولى بعد انقطاع لسنوات عن الشاشة الكبيرة.
أكثر حضورًا
وكان دريد لحام (1934) قد ظهر في الأفلام الثلاثة بكامل حضوره وبهائه، وكأنه لم يغب يومًا عن السينما، لكنه في فيلم “يومين” بدا أكثر حضورًا وحيوية وسعادة، ليس فقط في حفل الافتتاح أو عبر كلمته التي قدمها للجمهور مازحًا، بل حتى في أدائه للفيلم الذي كان بسيطًا وعفويًّا؛ خاصة في تعامله مع الأطفال الأبطال، وما يعنيه التعامل معهم من جهد. ربما يعود السبب في ذلك لأنه أحب الفيلم وتبناه، فهو صاحب فكرته ولبنته الأولى، لكن الفيلم نفسه أوقعه في حيز المقارنة مع فيلمه “الآباء الصغار” الذي كتبه وأخرجه وقام ببطولته، وهو فيلم اجتماعي عائلي قُدِّم في العام 2006، لعبت بطولته الفنانة المصرية حنان ترك والفنانة السورية سلمى المصري، إلى جانب مجموعة من الأطفال. ولاقى حينها إقبالًا وجماهيرية كبيرة، فلقد اعتبره بعض النقاد امتدادًا له، إلا أنه في الواقع لا رابط بين الفيلمين سوى وجود الأطفال، فالرسالة مختلفة تمامًا، ففي حين أكدت رسالة فيلم “الآباء الصغار” على أنه في حال ترابطت وتماسكت العائلة، فممكن الانتصار على المستحيل. بينما أشار فيلم “يومين” إلى أن تفكك العائلة ممكن أن يدمر الأطفال ويجعلهم يهربون.
ظهر دريد لحام أكثر حضورًا وحيوية وسعادة، ليس فقط في حفل الافتتاح أو حتى الكلمة التي ألقاها أمام الجمهور، ولكن أيضًا في أدائه الذي جاء بسيطًا وعفويًّا في الفيلم.
أحداث يومين
وتدور أحداث فيلم “يومين”بعيدًا عن أجواء الحرب وما خلّفه الدمار، ولكن بخط درامي قريب إلى حدٍّ ما من فيلم “الحكيم”، الذي يدور حول “غيث” (يلعب دوره دريد لحام) الذي يعيش مع ابنته الوحيدة “سلمى” المدرِّسة والمطلقة لأنها لم تنجب أطفالًا (تلعب دورها الفنانة رنا شميس)، و”غيث” يعيش من دكانه الصغير الذي يملكه في قريته “طرنيبة النهر”، وهو اسم القرية التي أراد كاتب الفيلم تسميتها كنوع من الفنتازيا، كما أنه يعمل في أوقات فراغه بتصليح الأدوات الكهربائية لأهل القرية، الأمر الذي جعله رجلًا معروفًا وأمينًا بالنسبة لهم، ولأن الدكان يحتاج منه الذهاب يوميًّا إلى دمشق للتبضع، فإنه سيلتقي بطفلين هاربين من تعنيف والدهما (حازم زيدان) لأمهما (نجاح مختار)، بعد كل مرة يعود فيها إلى البيت مخمورًا، أو خاسرًا على طاولة القمار، وسيهربان سرًّا معه إلى القرية ليورطاه لاحقًا في قصة بطولته الوهمية التي أنقذت حياتهما، تلك القصة التي ستجعل أهل القرية يحتفلون به حين عودته، وستجعل مختار القرية (يلعب دوره الفنان أسامه الروماني) سعيدًا؛ لأن تلك الكذبة التي قام بنشرها أبو رشيد (يلعب دوره يحيى بيازيد) مربي الماعز المهووس بمتابعة الفيسبوك ستدفع مسؤولا رفيعا لزيارة القرية.
تتابع الأحداث بشكل كوميدي خفيف على مدار يومين، يحاول خلالهما “غيث” الوصول لعائلة الطفلين وتسليمهما لها، وإعطاء درس إصلاحي لوالدهما، وحين يصل المسؤول إلى القرية (يلعب دوره محسن غازي) لنكتشف أنه مجرد موظف صغير لا يمكن له أن يحرك ساكنًا، ولا أن يلبي طلبًا للقرية وأهلها، مهما كان صغيرًا أو تافهًا.
تدور أحداث “يومين” حول هروب طفلين من عائلتهما، وتورط غيث صاحب محل اصلاح الأدوات الكهربائية في بطولة وهمية لإنقاذ حياتهما وإعادتهما إلى أهلهما.
معالجة سريعة
رغم حداثة الفكرة وجاذبيتها، واختيار طفلين مناسبين جدًّا للدور، خاصة الطفلة (شهد الزلق) التي قدمت دورها بعفوية واحترافية، ورغم جمالية الفيلم على صعيد اللغة البصرية والموسيقى التصويرية لرضوان نصري، إلا أن معالجته بتلك الطريقة من الاستسهال والاستعجال أوقعته في فخ النقد، فاتخاذ الفيلم من شخصية غيث كمصلح اجتماعي، وظهوره على تلك الشاكلة من المثالية والتدبير كحلال للمشاكل، تبدو مستهجنة وفيها نوع من الاغتراب عن الواقع، فعلى الرغم من أنها شخصية دمثة ومحببة للجمهور إلا أننا نادرًا ما نحظى بها في واقع الحال.
بالنهاية مهما كان رأي النقاد والمختصين في الفيلم إلا أنه يبقى أحد أهم أفلام “دريد لحام” على صعيد صدق الأداء والتعامل مع الأطفال بكل تلك الحيوية، ولو أُتيح للفيلم ظرفًا مناسبًا لعرضه فسيحقق جماهيرية كبيرة كما حدث سابقًا في فيلم “الآباء الصغار”، كما يحسب للفيلم الذي عرض مؤخرًا في كل من مهرجان بغداد السينمائي الدولي كعرض ختام، أو في مسقط السينمائي الدولي كأحد الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية، أنه حظي بقبول الجمهور العربي المتعطش لأفلام لا تحمل صورًا للدمار أو العنف عن سوريا التي أحبها، وأراد أن يحتفظ في ذاكرته بصورة مثالية لها.
رغم حداثة الفكرة وجاذبيتها، واختيار طفلين مناسبين جدًّا للدور، إلا أن معالجة الفيلم بتلك الطريقة من الاستسهال والاستعجال أوقعته في فخ النقد.