السينما المستقلة لخالد ربيع: نظرة على بداياتها العالمية والعربية والسعودية
12 August، 2024
رانيا يوسف
قليلة هي المؤلفات السينمائية التي تستعرض تاريخ السينما التي تُصنع خارج منظومة الإنتاج الرسمية والخاصة، والتي تعرف في العالم تحت مسمى “السينما المستقلة”. عدد كبير من الأبحاث والمقالات النقدية والإخبارية، تم نشرها عن هذا النوع السينمائي الذي أثبت تفوقه لسنوات طويلة مضت، ولا يوجد حتى الآن تعريف محدد لمعنى الاستقلال الذي يشير إليه المصطلح. فهل المقصود به الاستقلال الفني عبر طرح أفكار أكثر حرية؛ أم الاستقلال المادي الذي يجعل صانع العمل أكثر مرونة وحرية؟ لكن المؤكد أن السينما المستقلة أثبتت يومًا بعد يوم أنها صناعة خلاقة ومبتكرة، أعادت اكتشاف العديد من صناع السينما على مستوى العالم، وأضافت للمدارس السينمائية أشكالًا وتقنيات وأساليب مبتكرة تفردت بها.
ويعدُّ كتاب الناقد السينمائي خالد ربيع “السينما المستقلة – نظرة على العالمية والعربية والسعودية” مرجعًا هامًّا للمهتمين بهذه الصناعة، والمهتمين بالتعرف على جزء من بدايات انتشار هذا النوع السينمائي حول العالم. حيث لم نتمكن من التعرف عليه من خلال الكتب الشحيحة المترجمة، خاصة فيما يخص بداية صناعة السينما المستقلة في الغرب والشكل الأول الذي ظهرت به، والتطور الذي شهدته على مدار سنوات طويلة، حتى وصل صداها إلى العالم العربي.
السينما المتمردة
يبدأ الكاتب مقدمة الفصل الأول بإرجاع الخصائص التي تميزت بها السينما المستقلة إلى مدارس السينما المتمردة، تلك التي انتشرت في أوربا في ذلك الوقت، والتي يعود إليها الفضل في إرساء شكل وطبيعة هذه الأفلام التي تغيرت ملامحها مع مرور الوقت والتقدم التقني. ومن أهم تلك المدارس “الموجة الجديدة” في فرنسا، التي شكلت ثورة فنية وإبداعية على كافة عناصر صناعة الفيلم، وأسست مناهج جديدة مثل ما يعرف بسينما المؤلف. ويوضح الكاتب أن هذا التيار نفسه تعرض لانقسامات عديدة خرجت من تحت مظلته تيارات أخرى، من بينها “التيار الواقعي” و”السينما الأدبية” وغيرها، كان لهذه التيارات هدف مشترك، وهو الحرية في طرح الأفكار التي تسيطر عليها شركات الإنتاج الكبرى، والتحرر من القوالب الجامدة في تقنيات التصوير والمونتاج والإخراج.
ينتقل الكتاب في الفصل الثاني إلى السينما الأمريكية، حيث تزامن مع بدايات ظهور السينما إنتاج عدد من الأفلام قليلة التكلفة، خارج منظومة شركات الإنتاج الكبرى. وضرب لنا الكاتب مثالًا بأفلام شارلى شابلن وماري بيكفورد وغيرهما، لم يكن مصطلح السينما المستقلة سائدًا تلك الفترة، لكن استمرار هذا الشكل من الإنتاج استمر حتى الثمانينات دون وضع مسمى له. ويشير الكتاب إلى أن انفصال المخرجين عن أستوديوهات هوليوود واستقلالهم؛ جعل بعض السينمائيين يؤسسون كيانات انتاجية تتناسب مع شروط إنتاج الأفلام المستقلة، والتي دعمت هذا الاتجاه ووضعت له مسمى واضح، ومن هنا بدأ تيار السينما المستقلة يكتسب ملامح واضحة في الشكل والمضمون، وضم الكتاب أيضًا عددًا من الأمثلة التي تؤرخ لأهم هذه الأفلام، بداية من فترة الستينات وحتى الألفية الجديدة، وأشهر المخرجين الذين لمعت أسماؤهم في هذا المجال مثل المخرج الأمريكي الشهير “جون كاسافيتس”، والذي يعد أحد رواد صناعة السينما المستقلة.
لم يغفل الكتاب عن ذكر أشهر مهرجانات السينما التي تم تدشينها، خاصة لهذا النوع من الإنتاج. وأشهرها بالطبع مهرجان “صندانس” الذي لا زال يقام سنويًا حتى الآن في أمريكا، وأصبح أحد أكبر مهرجانات السينما المتخصصة، ومجموعة من المهرجانات الصغيرة الأخرى الأقل انتشارًا.
يذكر الكاتب في الفصل الثالث أهم الأفلام التي حظيت بنجاح وشهرة كبيرة في القرن العشرين، وحسب ترتيب الكتاب اختار المؤلف أن يبدأ من فترة العشرينات، تلك الحقبة الزمنية التي امتزجت فيها خصائص الفيلم الروائي والتسجيلي، وغلبت الموضوعات السياسية على الأفلام التي قدمت بأسلوب تهكمي أحيانًا وكوميدي أحيانًا أخرى. من الأسماء التي برزت في تلك الفترة “شارلي شابلن”، “لويس بونويل”، “جوزيف فون سترينغ”، “روبرتو روسيليني”، “أوسكار ميشو”، “جان رينوار” وغيرهم. ويمثل الفصل الثالث من الكتاب قاعدة بيانات لأهم وأشهر مخرجي السينما المستقلة الأمريكية منذ بدايتها وحتى يومنا.
يرُجع الكتاب الخصائص التي تميزت بها السينما المستقلة، إلى مدارس السينما المتمردة التي يعود إليها الفضل في إرساء شكل وطبيعة هذه الأفلام.
السينما البديلة
وتحت عنوان “إرهاصات السينما البديلة في عالمنا العربي” يفتتح الفصل الرابع بذكر “جماعة السينما الجديدة”، والتي تأسست في مصر عام 1969 على يد مجموعة من شباب السينمائيين، والذين شكلوا فيما بعد تيارًا سينمائيًا خاصًا، بهم يصعب ربطه بالسينما المستقلة ولا ينتمي أيضًا إلى السينما التجارية، وربما الوصف الأقرب الذي اعتمده الكتاب لهذه الأفلام هو التجريب الذي برز في أعمال الراحل يوسف شاهين ، والتجربة الأولى للمخرج شادي عبد السلام في فيلم “المومياء”.
ومع تطور تقنيات التصوير، وظهور كاميرات الديجيتال شهدت بداية الألفية الجديدة “ثورة رقمية”، بدأت معها طفرة جديدة في صناعة السينما في مصر والوطن العربي. والأهم هو تنوع أشكالها ومضمونها، وأصبح التجريب الحقيقي هو اعتماد أساليب جديدة في تقنيات تصوير ربما لم نرها من قبل، واستخدام برامج مونتاج حديثة أعطت للأعمال الفنية روحًا مختلفة صادمة أحيانًا. ومع غزارة الإنتاج أنشئت العديد من المهرجانات السينمائية التي تحتضن هذه التجارب الشابة، بينما أثر الشباب في صناعة السينما المستقلة إلى الحد الذي جعل بعض المخرجين الكبار يهجرون شركات الإنتاج الكبرى بين الحين والآخر، ويصنعون هم أيضًا أفلامًا مستقلة.
السينما السعودية المستقلة
يخصِّص الكتاب الباب الثاني للحديث عن السينما السعودية المستقلة، والموجة الشبابية الجديدة التي نشهدها جميعًا حاليًا، والتي بدأت عام 1975 بمجموعة من التجارب التسجيلية، وحتى بداية الألفية بأعمال فردية لمخرجين محدودين، دعموا أنتاجهم بأنفسهم، أشهر مخرجي تلك الفترة “هيفاء المنصور” التي قدمت فيلمها الروائي الطويل “وجدة”، والذي قدمته بعد تجارب قصيرة وتسجيلية، وحظي الفيلم بنجاح واسع وإشادات دولية.
أشاد الكتاب أيضًا بدور المرأة في دعم صناعة السينما المستقلة في المملكة، وكان للمخرجة “هيفاء المنصور” دور كبير في التأثير على الموهوبات من بنات المملكة اللائي يمتلكن الموهبة ولا يعرفن الطريق إلى دراسة السينما، ويوضح الكتاب أن معظم الموضوعات التي قدمتها المخرجات تتناول قضايا المرأة في المجتمع السعودي، وهن أكثر من نجح في التعبير عنها، ويشمل الكتاب أيضًا مجموعة من القراءات لعدد من الأفلام السعودية المستقلة التي ذاع صيتها عند عرضها، والتي تنوعت بين الفيلم الطويل والقصير.
وينتهي الكتاب بسرد تاريخ السينما العربية المستقلة، بداية من السينما المستقلة في مصر، وذكر أهم التجارب التي دعمت انتشار الفيلم المستقل، الأشهر علي الإطلاق، وهو فيلم “عين شمس” عام 2008 للمخرج إبراهيم البطوط، والذي أثار جدلًا كبيرًا عند عرضه، بل وصدم الشكل الفني الذي قدمه الفيلم الجمهور والنقاد وقتها. وقد لقب البطوط “أبو السينما المستقلة”، وقدم بعد فيلم “عين شمس” أفلام “حاوي”، “إبراهيم معزة” و”الشتا اللي فات”. ويذكر الكتاب أيضًا بداية ظهور السينما المستقلة في دول البحرين ولبنان وسوريا وفلسطين والعراق والسودان واليمن.
ختامًا يعد هذا الكتاب عن السينما المستقلة أحد أهم المراجع السينمائية الهامة في عالمنا العربي، والتي حاولت أن تجمع بين تاريخ بدايات السينما المستقلة في أوروبا وأمريكا والوطن العربي، بالإضافة إلى ذكر أهم هذه التجارب، والتعريف بصناعتها، والظروف التي رافقت صناعتها. وربما هو الكتاب الأول الذي ضم كل تلك المعلومات عن السينما المستقلة في دول الخليج العربي.