مشعل المطيري: أحلم بفيلم يكسر حاجز المليون تذكرة
4 January، 2023
حوار – أحمد العياد
يومًا بعد يوم تزداد طموحات الفنان السعودي مشعل المطيري، الذي نال جائزة أحسن ممثل في الدورة السابعة لمهرجان أفلام السعودية (2021). وللمطيري (45 عامًا) مسيرة طويلة مع الفن في التليفزيون والسينما، حيث درس في كلية الآداب بقسم الإعلام (شعبة الفنون المسرحية) في جامعة الملك سعود، وبدأ حياته التمثيلية مبكرًا بمسلسل “يوميات وضاح”. وكانت بدايته الفعلية في مسلسل “الحور العين” من إخراج السوري نجدة أنزور. وبعد ذلك توالت أعماله التليفزيونية، ومنها: “طاش ما طاش”، “شفت الليل”، “كلنا عيال قرية”، “42 يوم”، “أم القلايد”، وغيرها. وفي السينما، شارك مشعل المطيري في أفلام متميزة، منها: “كيف الحال”، “أنا والآخر”، “قبل أن ننسى”، “أربعون عاما وليلة”، وهذا الأخير هو الذي نال عنه جائزة أحسن ممثل في مهرجان أفلام السعودية.
في هذا الحوار يتطرق المطيري إلى تجربته الممتدة، ورؤيته للمشهد الفني السعودي الراهن، لاسيما الحقل السينمائي.
كيف ترى تطوُّر مهرجان أفلام السعودية في دورته الأخيرة (يونيو 2022م) التي شارك فيها فيلمك “قبل أن ننسى”؟
الاكتشاف والدعم من أعظم مميزات المهرجان، الذي يؤدي دورًا مهمًّا في تشجيع المبدعين وتعزيز القدرات على كل المستويات، سواء في الكتابة والإخراج والتمثيل وحتى الإنتاج. ويجب على كل المهتمين بالسينما السعودية من المختصين والجمهور العادي أن يتوجهوا للمهرجان ولديهم الرغبة في اكتشاف الشباب لا محاسبتهم، أو المقارنة بينهم وبين أعمال الآخرين من المتمرسين. ومن الطبيعي أن نجد أعمالًا دون المستوى، إذا رفعنا سقف التوقعات الفنية، فالمشكلة ليست في الشباب، بل في تلك التطلعات العالية.
كانت بدايتك السينمائية من خلال فيلم “أنا والآخر”، وآخر أعمالك فيلم “أربعون عامًا وليلة”. ما الذي تغيّر في صناعة السينما بالمملكة عبر عشرين عامًا؟
التغيرات كثيرة وواضحة، أهمها وجود حركة إنتاجية واهتمام كبير بالصناعة ككل، لأن فكرة إنتاج فيلم سينمائي كانت مغامرة وخيالًا وحُلمًا يبحث عنه الجميع. منذ سنوات قليلة، لم نكن نشاهد سوى فيلمين أو ثلاثة فقط، وجميعها كانت بإنتاج ودعم من جهة معينة أو بعض القنوات، لا سيما الأفلام الطويلة. الآن تغير الوضع، أصبحت هناك شرعية للسينما، ووزارة ترعاها. صار هناك اهتمام رسمي ووعي عام في المجتمع تجاهها، فكل ما قدمته رؤية 2030 العظيمة في موضوع الفنون والسينما غيَّر المزاج العام تجاهها.
لكن على الجانب الآخر.. ألا ترى أن حضور الجمهور للأفلام السعودية في السينما ليس على الوتيرة المتصاعدة نفسها لعدد الأفلام السعودية.. وأنه لا يوازي الإقبال على المسلسلات السعودية كذلك؟
طبعًا الحضور قليل. والسينما غير التليفزيون، فهي تتطلب الخروج من المنزل ودفع الأموال. كما أن المشاهد لا يزال يفضل الأفلام المصرية والأميركية وغيرها؛ حيث تُشبع هذه الأفلام لديه متعة معينة. وللإنصاف، لا تزال هناك مشكلة في تجارب الأفلام السعودية، وعلاقتها بالجمهور.
وعلى الرغم من ذلك، هناك بعض التجارب التي استمرت لفترة كبيرة في السوق السعودية، منها مثلًا فيلما “شمس المعارف” و”حد الطار”. صحيح أن الظروف لم تساعد كثيرًا في استمرار عرضهما بسبب كورونا، لكنني أرى أنهما تجربتان ناجحتان، وتعطيان انطباعًا قويًّا بأنه من الممكن أن يكون هناك فيلم سعودي ناجح في السينما.
ولا تزال آمالنا وطموحاتنا كبيرة، والكل ينتظر ويحلم بقصة نجاح الفيلم السعودي الذي يكسر حاجز المليون تذكرة، كفيلمي “الجوكر” و”وقفة رجالة” مثلًا. وأعتقد أنه يجب على المبدعين السعوديين من كتَّاب ومخرجين ومنتجين أن يعملوا بشكل صحيح، وأن يفكّروا بطريقة أكثر احترافية.
إن بعض الأفلام الأميركية الناجحة في صالات السينما ليست معقدة، بل خفيفة، وبها عمق إنساني جميل، وإخراجها بسيط دون تعقيد، وتحقق نجاحًا كبيرًا. وعلى الجانب الآخر، هناك فئة من الجمهور تفضل أفلام الرعب أو الأعمال الموسيقية أو الأكشن. والجمهور السعودي ليس ببعيد، وأكبر دليل على ذلك شباك التذاكر السعودي. وبالتالي، فأن تصنع فيلمًا سعوديًّا بقصة سعودية، وفي الوقت ذاته يكون قريبًا من هذه الأعمال بتنويعاتها المختلفة، أمر ليس صعبًا، لكنه يحتاج إلى الجدية في العمل، والتركيز على السوق.
جميل كمخرج أو ككاتب أن تكون لك وجهة نظر خاصة تحب إيصالها للجمهور، لكن السوق قد لا تكون معنية بهذه النظرة. وأعتقد أن الكثيرين من المخرجين وصنّاع الفن السعوديين أدركوا هذه الحقيقة، لأن شباك التذاكر هو الذي يحدد الناجح والخاسر في النهاية.
“شمس المعارف” و”حد الطار”تجربتان ناجحتان، وتعطيان انطباعًا قويًّا بأنه من الممكن أن يكون هناك فيلم سعودي ناجح في السينما.
كتابة محلية
جاء فيلمك الطويل الأول “كيف الحال” في وقت لم تكن فيه سينما. حدثنا عن تلك التجربة..
فكرة فيلم “كيف الحال” ذات جانب تجاري بعض الشيء، وقد عُرض وقتها في باريس ودبي والبحرين، وهو من تأليف محمد رضا، وسيناريو وحوار بلال فضل، وإخراج إيزادور مسلم. وقد كسر تابوهات عديدة في ذلك الوقت كونه فيلمًا سعوديًّا طويلًا. ولدي وجهة نظر أننا قد نستعين بمخرجين، لكن في الكتابة لابد أن يكون هناك إشراف سعودي. ولا مانع من المساعدة في تطوير هذه الكتابة بخبرات الآخرين، لكن لابد أن تكون الروح موجودة، وهذه الروح لا تتحقق إلا من خلال كاتب سعودي.
نحن نحتاج إلى نصوص أصيلة وقريبة منّا على مستوى الشخصيات والأحداث، والسينما هي الأسرع في إيصال تلك الأفكار، التي إن لم تكن نابعة من كاتب سعودي قريب من المجتمع، ستفسد القصة، ولن تقدم بالشكل الملائم.
ننتقل إلى فيلمك “أربعون عامًا وليلة”.. ففيه ما تشير إليه من ذلك الاقتراب من المجتمع السعودي..
هذا الفيلم من الأعمال التي أفخر بها، كونه يحوي قصة سعودية من واقع مجتمعنا “حكاية عائلة في ليلة العيد”. والمخرج الشاب محمد الهليل (25 عامًا) لديه رؤية مميزة وعجيبة ومختلفة في نظرته إلى المجتمع وفي طريقة عمله الفيلم. وأعتقد أن لدينا مخرجين شابين تتجه إليهما الأنظار، هما محمد الهليل ومشعل الجاسر. ومع أن الفروق بينهما كبيرة من حيث التوجه والأفكار المطروحة، لكن ما يميزهما أن لديهما وجهة نظر واضحة يستطيعان الدفاع عنها، على العكس من الكثير من المخرجين السعوديين.
“أربعون عاما و ليلة” من الأعمال التي أفخر بها، والمخرج الشاب محمد الهليل لديه رؤية مختلفة للمجتمع ولطريقة عمله في الفيلم.
كيف يطور الممثل السعودي نفسه فلا يكون أسيرًا لأدوار بعينها؟
هناك أشياء يتحمّلها الممثل، وأخرى لا يجب تحميله مسؤوليتها. فمثلًا قرار اختياره العمل، وقرار وضعه في قالب معين هو المسؤول عنه، لأنه يوافق عليه. لكن أحيانًا بعد اختياره للعمل وشروعه في تنفيذه تحدث أمور كثيرة تؤثر على العمل ككل، منها الإخراج والتصوير والكتابة والإنتاج، وهذه كلها ظروف لا يُسأل عنها الممثل إطلاقًا. وهناك نقطة أخرى، هي أن الممثل لابد أن يقبل أن عمل “”casting له، فهناك من لا يقبلون ذلك، وهذا غير صحيح، فعمل الـ”casting” ليس تقييمًا للممثل ما إذا كان جيدًا أو لا، بل هو تقييم لملاءمته.
وتطوير الممثل يكون في تنوع المشاهد وتغيير الأدوار. وبمرور الوقت، ربما نحتاج إلى مدربين للمساعدة في التطوير من آن لآخر. وفي كل عمل يدخله الفنان، لابد من وجود مدرب يساعده على تطوير نفسه، ولابد من إدخال هذه الثقافة وإدراك تكلفتها. ومعظم الممثلين يعانون من مسألة التفرغ، لأن أغلبهم حاليًا ليسوا متفرغين، وبالتالي نحتاج أولًا إلى استقرار الصناعة، وأن يكون هناك أمان حقيقي.
على الممثل السعودي لابد أن يقبل عمل “”casting له، فهناك من لا يقبلون ذلك، وهذا غير صحيح، فعمل الـ “casting” ليس تقييمًا للممثل ما إذا كان جيدًا أو لا، بل هو تقييم لملاءمته.
الكيف والكم
شاركتَ في “طاش ما طاش” والكثير من الأعمال الكوميدية مثل “كوميدو”، و”أم الحالة”. ما أثر هذه الأعمال التليفزيونية عليك؟ وماذا عن دراستك المسرح؟
في فترة من الفترات كان الحضور مهمًّا جدًّا، وكانت الأعمال نادرة وليست كما هو الحال الآن. وهنا أشير إلى احتياجنا إلى “الكم” حتى نستطيع تحقيق “الكيف”، فكلما كثرت الأعمال كلما خرجت أعمال مميزة، ومنها يظهر ممثلون ومخرجون مميزون.
أما عن المسرح، فهو تربية عظيمة للممثلين وقاعدة ذهبية في زماننا. ودائمًا هو منبع الممثل الجيد، لأن تجربته وبروفاته وعروضه بها حفظ، وقدرة على الارتجال أحيانًا، وتطوير مهارات مختلفة، وكسر حواجز كثيرة بسبب الحضور أمام الجمهور. أيضًا البروفات تعوّد الممثل، حيث يحضر عدة ساعات يوميًّا لأجل البروفات فقط، بينما في التليفزيون لا يأخذ هذه الفرصة.
الآن أصبح هناك دعم كبير لصنّاع الأفلام من وزارة الثقافة وسائر الجهات المعنية بالسينما. هل يطمح الفيلم السعودي إلى مرحلة متقدمة في المهرجانات والجوائز الدولية؟
هي جهود طيبة بالتأكيد، وهذا الدعم مطلوب وضروري، لكن بصراحة نحتاج إلى المنتج الذي يعي الصناعة بشكل كبير، ويعي تفاصيلها. نحتاج إليه في الوزارة، وفي التليفزيون السعودي، وفي القنوات الخاصة التابعة للسعودية، وفي كل مكان فيه دعم. لا نريد شخصًا يعطي أموالًا فقط، بل يجب أن يكون لديه حس الصناعة. أما ما يطرحه بعض صنّاع السينما عن الترشح للأوسكار، فعلى من يقول بذلك أن يشرح كيفية صناعة فيلم سعودي يتمكن من الترشح.
المنتج هو من يستطيع توليف التركيبة المناسبة من اختيار كاتب مميز ومخرج يستطيع اخراج أفكار هذا الكاتب بالشكل المناسب. حاليا أشاهد مسلسل “the offer” هذه الأعمال لا بد أن يشاهدها كل صناع الفن، حتى يدركوا أن بعض الصعاب التي تحدث ليست خاصة بالدراما السعودية بل هي أمور عالمية تحدث للجميع لذلك أنصح بمشاهدة هذا المسلسل لإدراك كيفية الصراع بين الكاتب والمنتج، وحجم التأثيرات الخارجية على جميع الأعمال.
إن الوصول للأوسكار يحتاج إلى متطلبات عديدة يتم توفيرها من خلال موزع ومنتج وقصة وإخراج على أعلى مستوى، والسؤال هو: من يستقبل هذه المشاريع في هذه المؤسسات؟ وما دوره الحقيقي؟ وماذا يقدم في حقيقة الأمر؟ نحتاج إلى من يكتشف الأسماء في كل مناطق المملكة، ومن يعرف ماذا نحتاج في هذه المرحلة، وهل هو عمل كوميدي أم تاريخي، إلخ. لا نريد مؤسسات تكون فقط عبارة عن ردة فعل. نحتاج إلى من يبادر ويكتشف ويبحث. أما إذا أردنا أن ننمو بشكل طبيعي، فلندع العملية تتطور بهدوء، ومن يدري، ربما بعد 10 سنوات أو 20 سنة نصل للأوسكار. هناك دول بدأت قبلنا، ووصلت للأوسكار في وقت متأخر.
إنني أرى السينما السعودية واحدة من أهم مجالات البزنس والصناعة، وأتمنى الوصول إلى مرحلة تكون فيها الأفلام السعودية موجودة ولها مكانها ومكانتها، وأن نتمكّن من فك شفرة العلاقة بين الصناع والجمهور. ومن جهة أخرى، فإن مكانة السعودية الإقليمية في العالم الإسلامي من الممكن أن تساعدها في انتشار الدراما السعودية، بفضل تأثيرها ومكانتها الجغرافية والدينية والثقافية والاقتصادية.
لا نريد منتجًا يمنح أموالًا فقط، بل يجب أن يكون لديه حس الصناعة السينمائية.
ماذا عن جديدك في السينما خلال الفترة المقبلة؟
هناك مجموعة من الأفكار نعمل عليها الآن، وأتطلع لبدء تصوير أول مشروع لي في أكتوبر المقبل.