• English
  • 14 يناير، 2025
  • 6:26 ص

السينما السعودية: نمر داخل قفص

السينما السعودية: نمر داخل قفص

13 June، 2023

جهاد أبو هاشم

«لقد كانت هذه أفضل الأوقات. لقد كانت هذه أسوأ الأوقات. كان عصر الحكمة. كان عصر الجهل. كان عهدًا من الإيمان وعهدًا من الشك. كان موسمًا للضياء وكان موسمًا للظلمة. كان ربيع الأمل وشتاء اليأس.».. لم يكن يدري تشارلز ديكنز أنه في افتتاحية روايته الشهيرة «قصة مدينتين» أنه يؤرخ لتذبذبات السينما السعودية. وما مرَّت به فصول حكايتها، منذ أن بدأت وحتى ربيع الأمل، وموسم الضياء الذي تعيشه هذه الأيام.

كل البدايات مرهقة بالطبع. فكيف إن كانت بداية تشكيل السينما السعودية المزدهرة، التي لا تزال تثير كثيرًا من التساؤلات حول مستقبلها ومكانتها على الخارطة العالمية. وتكشف في طيات الأسئلة عن تحديات تعترض سبيلها لتصبح إحدى أدوات القوة الناعمة. وبشيء من الإنصاف؛ فإن السينما السعودية – بشهادة أبنائها – تمتلك مقومات قد لا تتوفر لدى الصناعة ذاتها في دول المنطقة، لتصبح كالنمر القوي الذي لا يزال معزولًا في قفصه.

فيلم اليوم .. ذاكرة الغد

«نطمح الآن إلى مزيد من قصصنا المحلية التي تصل للعالم أجمع، وقبل ذلك تصل للجمهور الأهم لدينا، الجمهور السعودي».. هكذا تحدث الرئيس التنفيذي لهيئة الأفلام المهندس عبدالله آل عياف عن رؤيته لمستقبل السينما. محركًا موجة تفاؤل عقب تدشينه إستراتيجية الهيئة، عبر 19 مبادرة و 46 مشروعًا. ما يؤسس لنجاح السينما السعودية هو وجود رؤية وإستراتيجية تتبعها. تعمل على خلق بيئة سينمائية ترسخ مكانة المملكة عالميًّا في مجال صناعة الأفلام، وتؤسس لصناعة سعودية واعدة، تستلهم من المكان والزمان قصصًا وحكايات تسافر بشخوصها وعوالمها إلى فضاءات جديدة.

وقد أكد حينها آل عياف، بحضور مجلة «كراسات سينمائية»، أن الهيئة وضعت رؤية ترتكز على بناء وتنمية قطاع أفلام سعودي إبداعي، وتعزيز قدراته على مستوى الأسواق المحلية والدولية، بالارتكاز على 6 ركائز إستراتيجية هي: تطوير المواهب، والبنية التحتية، والإنتاج المحلي، والإنتاج الدولي في المملكة، والإطار التنظيمي، وتوزيع الأفلام وعرضها، وكأنه بهذه الركائز يتلمس مواطن الخلل، مستندًا إلى مقارنة معيارية مع أهم 20 دولة في صناعة السينما.

شحُّ المواهب وحيرة المشاهد

خالد صقر

قليلون هم الممثلون السعوديون الذين استطاعوا أن يتركوا بصمة مؤثرة في الدراما والسينما، إلا أن مستوى التمثيل في السنوات الأخيرة، ارتقى بشكل ملحوظ وأصبح عاليًا، بشهادة النقاد والجمهور. من وجهة نظره، يلخص الفنان السعودي خالد صقر لمجلة «كراسات سينمائية» أهم تحديات صناعة السينما، مبينًا أنها بحاجة إلى الوقت، والوقت فقط، معللًا بأن هناك رؤية وخطة واضحة تخطوها الصناعة ككل. برعاية هيئة الأفلام التابعة لوزارة الثقافة، مبينًا «سنشهد مستقبلًا تأسيس معاهد وأكاديميات وكليات. ستخرج لنا جيلًا من الموهوبين في التمثيل والإخراج والكتابة».

وأوضح بأن هناك أسماء لا يستهان فيها في المجال، لكن تنقصها الخبرة والتجربة، فيما لا يزال الجمهور حائرًا يقف في المنتصف، لا يملك الثقة الكاملة في المنتَج السعودي، بالتزامن مع وجود أزمة منتجين، ولا نقصد هنا أصحاب المال، بل أصحاب الفكر السينمائي والتجاري والإدارة الجيدة للمال، وفي ظل شحٍّ هائل في الممثلين والممثلات، وحتى المخرجين القادرين على خوض غمار تجربة أفلام سينمائية تجارية.

مثل خالد صقر الكثير من أبطال الدراما والسينما الذين يطمحون في استثمار مقومات المملكة. من طبيعة بكر، ومواقع تصوير، وتضاريس مختلفة، وقصص جديدة من الهوية السعودية، وسط مزيج اجتماعي وثقافي وكوادر شابة ترى الفن السابع بعين من التقدير والإعجاب، وتتطلع لقيادة المرحلة المقبلة.

الجمهور حائرًا يقف في المنتصف، لا يملك الثقة الكاملة في المنتَج السعودي، إضافة إلى أزمة منتجين من أصحاب الفكر السينمائي والتجاري.

بانتظار المبتعثين والخريجين

السينما السعودية: نمر في قفص

«السينما السعودية في حالة فوضى، وبعض أفلامها لا تصلح للعرض على الشاشات، وليس بمقدورها الصمود في دور العرض».. هذه الآراء فجرها الناقد والكاتب محمد العباس في مقال له، رأى فيه أن الساحة الفنية تزدحم بالمتطفلين والمدّعين وأشباه الفنانين وغيرهم، في ظل غياب الخبرات وشروط التكوين الفني. في جعبة العباس الكثير من الانتقادات، التي ترى بأن السينما لا يمكن أن تعول على عديمي الخبرة والمعرفة والتجربة والجدية، في ظل عدم وجود إنتاج نوعي، إذ يرى بأننا داخل منطقة فراغ سينمائي مُربك، بانتظار عودة المبتعثين وخريجي الجامعات السعودية.

وقد حكى الكاتب والمخرج علي الكلثمي ذات مرة في جلسة حوارية عن هذه المعضلة، مشيرًا إلى أن المحتوى الرقمي على الإنترنت ساهم في إكساب المشاهد السعودي ذائقة عالية، وبالتالي هو في حاجة إلى أفلام متطورة. ترضي تطلعاته لمحاكاة التجارب العالمية، وإيجاد منتج يرضي الطموح، بمردود مالي مجزي.

لم يكن رد الكلثمي هجوميًّا أو مندفعًا، بل كانت هذه الكلمات تتكامل مع ما قالته المخرجة هند الفهاد حينها، إذ قالت إننا مطالبون باحتواء الكفاءات السعودية العاملة في هذا القطاع، وتحفيزها على العطاء والإنتاج المميز التي يعكس الهوية السعودية، ويقدمها للعالم بشكل سهل وممتع.

الخبرات وشحُّها هو التحدي الأكثر تواترًا لدى المخرجين، ومنهم ما ذكرته أيضًا المخرجة هناء العمير والمخرج عبدالجليل الناصر، لا سيما في الطواقم المتخصصة في الإنتاج والإخراج والصوت والصورة والإضاءة، مع مقترحات بالاستعانة بالخبرات الأجنبية والاحتكاك بها؛ لتراكم الخبرات وإدارة عمليات الإنتاج المحلي، بشكل يخلق قيمة مضافة للعمل السينمائي السعودي.

الأقل إنتاجًا

عند النظر إلى الصورة من منظور أوسع، يكشف تقرير الحالة الثقافية في المملكة 2021، الصادر عن وزارة الثقافة، أن هناك عشرات الأفلام التي تنتج سنويًّا، منها نحو 185 فيلمًا سعوديًّا طويلًا وقصيرًا. شارك في مهرجان أفلام السعودية، ومهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، وتكشف الإحصائيات عن وجود 7 أفلام تجارية فقط خلال العام.

وفي الجانب الآخر، تشير المقارنات المعيارية إلى أن عدد الأفلام المحلية المنتجة خلال عام واحد في فرنسا مثلًا، تصل إلى 177 فيلمًا، ومثلها 32 فيلمًا في فنلندا، و35 آخر في المغرب، أما مصر، فشهدت خلال العام عرض 20 فيلمًا جديدًا في السينمات، وعددًا لم تسمه من الأفلام غير التجارية، ما يكشف عن ميل كفة الأفلام السعودية. مقارنة بدول المنطقة والعالم، وضعف التوجه إلى إنتاج أفلام تجارية سعودية.

وفي السياق ذاته، ومنذ إنشاء أول دار للسينما قبل ثلاثة أعوام، بلغ عدد دور السينما في المملكة 54 دارًا، تتضمن 482 شاشة عرض، ليصبح عدد شاشات العرض لكل مليون نسمة نحو 13 شاشة في المملكة، فيما يبلغ عددها في الولايات المتحدة نحو 124 شاشة لكل مليون نسمة، وفي الإمارات نحو 42 شاشة لكل مليون نسمة.

ولعل الأيام المقبلة تكشف عن تقدم في مؤشرات الأداء في صناعة الأفلام، إذ حددت هيئة الأفلام سبعة مؤشرات لقياس مستوى التقدم، تتمثل في عدد الأفلام المنتجة محليًّا، ونسبة المحتوى المحلي على منصات العرض، وعدد شاشات السينما، ومساحة مناطق التصوير داخل أستوديوهات الإنتاج في المملكة، وعدد الطلاب المسجلين في تخصصات الأفلام في المملكة، والنسبة المئوية لمعدل الرضا العام عن سهولة ممارسة الأعمال، وإيرادات العرض للأفلام السعودية (طويلة وقصيرة) والمسلسلات السعودية محليًّا وعالميًّا عبر قنوات العرض التقليدية والرقمية، حيث ستعطي هذه المؤشرات عند نشرها والبدء في تطبيقها، قياسًا دقيقًا لمدى تقدم المشهد السينمائي السعودي.

الحلقة المفقودة

وللحق والتاريخ، فإن المملكة لا تواجه أزمة نصوص، بدليل عدد الروايات المتوجة بجوائز محلية وإقليمية، وتلك التي تحظى بإقبال كبير من الجمهور، وتصنف في قوائم الأكثر مبيعًا لدى دور النشر، وكذلك إصدار نحو 150 رواية سنويًّا، وفقًا لإحصائيات تقرير الحالة الثقافية. ويرصد الأديب والشاعر السوري هاني نديم هذه الحالة، حينما كشف لمجلة «كراسات سينمائية»- على هامش ورش العمل واللقاءات الدورية المتخصصة التي تنظمها هيئة الأفلام للارتقاء بالقطاع والعاملين فيه- أن هناك الكثير من روائع الروايات السعودية التي لم تتحول إلى أفلام، وحصدت نجاحًا كبيرًا قد يؤهلها لحصد نجاحات سينمائية، متسائلًا «لماذا لا تستعين دور الإنتاج بهذه النصوص بعد موافقة أصحابها؟ وماذا لو وضعنا قائمة بأهم 20 رواية سعودية، وحولناها إلى أفلام؟ ستكون النتيجة مبهرة بكل تأكيد!»، وتحمل وجهة نظره قدرًا كبيرًا من الحقيقة، وتسلط الضوء على الحلقة المفقودة بين المنتجين والروائيين.

من ناحية، يجتهد السينمائيون السعوديون من أجل «تذويب» التحديات، ومنها ضعف السيناريو وركاكة الإخراج، من خلال ورش العمل والبرامج التدريبية بأيدي متخصصين، يقابل ذلك سهولة في إصدار التصاريح لعمليات التصوير والإنتاج، وتصميم مسابقات ومهرجانات وجوائز للمتميزين، لتشكيل وعي جديد وصورة نمطية إيجابية تمحو سابقتها، والتي تجعل المشاهد يذهب إلى السينما محمَّلًا بأحكام مسبقة.

باختصار، كل ما يجري في الساحة السينمائية السعودية. سبق أن مرت به كوريا الجنوبية وغيرها من دول العالم، وبالطبع لم يكن طريقها ممهدًا ومفروشًا بالورود؛ بل محفوف بالتحديات كما هو الحال هنا، لكن الطموحات والرؤية تكاتفت لتحويلها إلى فرص، ترتقي بها إلى المستويات العالمية.

يجتهد السينمائيون السعوديون من أجل «تذويب» التحديات، من خلال ورش العمل والبرامج التدريبية بأيدي متخصصين.

كل ما يجري في الساحة السينمائية السعودية سبق أن مرَّت به كوريا الجنوبية وغيرها من دول العالم.

فاصل اعلاني