• English
  • 20 يناير، 2025
  • 4:36 ص

فيلم “شمس المعارف” وتساؤلات التأثير على الجمهور: السينما.. وسيلة لاستيعاب العالم

فيلم “شمس المعارف” وتساؤلات التأثير على الجمهور: السينما.. وسيلة لاستيعاب العالم

4 January، 2023

مها سلطان

تعيدني الذاكرة إلى عرض الفيلم السعودي “شمس المعارف”(2020) للأخوين قدس، الذي جاء ليكون من أوائل الأفلام السعودية الصادرة في مرحلة انطلاق الفن السابع ودور العرض السينمائية في المملكة. حقق هذا الفيلم نجاحًا كبيرًا، وتباينت الآراء حول أهميته، واختلف حوله الكثير، فمنهم من يعده علامة بارزة لمستقبل السينما السعودية، بسبب البناء الروائي لموضوع الفيلم أو تميّز الفنانين، والفنّيين المساهمين في ذلك العمل. في المقابل، يرى آخرون أن هذا العمل يشكل واحدة من عدة محاولات فنية ركيكة ركز معظمها على الحِسّ الكوميدي.

يقينًا، كنت آمل دائمًا في أن أكون قادرة على التعبير عن رأيي بحرية في الأفلام، لكن إن وَجدت (رؤية الفيلم) للعالم قبولًا عند الآخرين بوصفها جزءًا من رؤيتهم، من ذواتهم، فأي دافع أفضل من هذا يمكن أن يُستغل في دراسة الدافع الرئيس لنقد الجمهور من عدمه للعمل الفني؟  فكما أن للعمل الجيد جمهورًا يحتفي به، فهناك على الجانب الآخر جمهورٌ يرفض التقيد بآراء الآخرين. لذا فإن توضيح تلك الاختلافات بين الجمهور قد يساعد في إلقاء الضوء على أساليب التعبير والنقد الأساسية للفيلم والثانوية.

دور الجمهور

هل للجمهور دورٌ في إثراء المحتوى السينمائي؟ وكيف يعمل صُناع الأفلام على استهداف “الجمهور” كعامل رئيس في صناعة الفيلم؟

بداية، من الجيد طرح مقولة عباس كيارستمي: “لمئة عام، كانت السينما تنتسب إلى صانع الفيلم. دعونا نأمل في أن يحين الوقت لنا لكي نشرك الجمهور في قرنها الثاني”.

أتساءل عما إذا كان لفيلم “شمس المعارف” تأثيرٌ على الجمهور، وذلك  لأنني أتذكر الحديث الذي دار حول الفيلم حينها، باعتباره البداية الأولى للفيلم السعودي الطويل، وهو ما يدفعني اليوم للكتابة عن الدور الذي يقع على عاتق الجمهور، من حيث تأثيره وتأثره بالعمل الفني، وكيف أسهم ذلك في خلق سينما حقيقية.

إن انفتاح العمل السينمائي للجمهور ونقده، يذهب بنا للرؤى المختلفة التي يحملها الفنان. فإذا استطاع العمل المختار أن يحرك مشاعر المخرج، ويستحضر ذكرياته، ويقترح تداعيات، حتى وإن كانت ذاتية، فإن ذلك يشكل حلقة متواصلة من الإبداع، تنسج مع مرور الوقت ذلك الارتباط العاطفي ما بين المخرج  والجمهور، وتسهم بإثراء الصورة الفنية لأعماله. حيث إن تمكين الجمهور في المشهد الفني، يعمل على خلق حالة من الذوبان اللامتناهية، يتماهى فيها كل من الفنان والجمهور لخلق سينما متمكنة ورصينة.

هذا كله يبرهن من جديد أن السينما، مثل أي فن آخر، هي نتاج مبدع الفيلم. حيث يمكن القول إن السينما بطريقة ما تخضع لجمهورها، كما يخضع الجمهور للعمل ويتأثر به. ذلك تحديدًا ما يدفعني لوصف “شمس المعارف” كفيلم تمت صناعته للجمهور بشكل خاص، حيث كان الجمهور هو عامل نجاح الفيلم، بخاصة في التزامن الملحوظ لعرض الفيلم بعد شراء منصة “نتفليكس” حقوق البث. كما أن مشاركته في مهرجان مالمو للسينما أسهمت في انتشار العمل في عدة بلدان أخرى.

يطرح أندريه تاركوفسكي عدة تساؤلات: لماذا يوجد الفن؟ من يحتاج إليه؟ وهل يحتاج أحد إليه بالفعل؟ “إن غاية الفنون كافة، إلا إذا كانت بالطبع موجهة إلى المستهلك مثل أية سلعة صالحة للبيع، هي أن تفسر للفنان نفسه، ولأولئك المحيطين به، معنى وجوده، وما يعيش الإنسان لأجله ودفاعًا عنه. أن تفسر للناس سبب ظهورهم على هذا الكوكب، وإذا كان التفسير أمرًا غير وارد، فعلى الأقل أن تطرح الأسئلة”.

تخضع السينما بطريقة ما لجمهورها.. كما يخضع الجمهور للعمل ويتأثر به.

وظيفة السينما

هكذا، فإن الفن مثل العلم، وسيلة لاستيعاب العالم، وواسطة لمعرفة الإنسان في رحلته. وبهذا تكون وظيفة السينما الأساسية تحريك الطبيعة الإنسانية داخلنا، وكشف ما يواجهنا في هذه الحياة، وما يتعين علينا تفسيره كلّ يوم، الأمر الذي يسهم في تحسين جودة تذوقنا للعمل الفني، دون أن يفسد لذة اكتشاف المَعنى الكامن وراء الأشياء.

تُسهم التساؤلات السابقة في البحث عن الهفوات والأسباب التي أسقطت (الجمهور) كأحد عوامل نجاح الفيلم، وذلك من خلال الطريقة التي يتم بها التعامل مع السينما كمفهوم عام، والأفلام السعودية بشكل خاص. حيث إن تغييب الجمهور وعدم تلقيهم العمل الفني، من خلال حصر عرض الأفلام السعودية وعدم وجود مواعيد عرض الأفلام في الصالات، أدى إلى انعدام دور الجمهور، وإثرائه للعمل الفني، وبهذا فإن الفيلم يخسر أحد أسباب نجاحه، وتطور الصناعة السينمائية.

الفن مثل العلم وسيلة لاستيعاب العالم.. وواسطة لمعرفة الإنسان في رحلته.

فاصل اعلاني