• English
  • 14 يناير، 2025
  • 10:14 م

تداعي حر في حضرة “كراسات سينمائية”

تداعي حر في حضرة “كراسات سينمائية”

4 January، 2023

بقلم فهد اليحيا

اتصل بي الصديق أحمد أبو شادي يقترح مقالة بقلمي المتواضع حول السينما السعودية، من زاوية خاصة. طلب كريم ومتفائل من شخص كريم متفائل، ولكني اعتذرت لأني لا أستحيي أن أقول إني لم أشاهد عددًا كبيرًا من الأفلام السعودية!

لقد حفيت كي أرى “بركة يقابل بركة” لمحمود صباغ حتى أضحى متاحًا للجميع عبر منصة عنكبوتية! أما عمرة والزواج الثاني (“عمرة والعرس الثاني”) فلم أحلم برؤيته! كذلك فيلم “مريم” لفايزة أمبا فقد يئست من مشاهدته! وغيره الكثير والكثير والكثير!

قلة قليلة من المخرجين تكرموا بإعطائي روابط خاصة لأفلامهم على النت (لا أريد ذكر أسمائهم أو أعمالهم منعًا للإحراج). لذا أنا اليتيم الضائع على مائدة الأفلام السعودية!

من ناحية أخرى، لم يتكون عندنا تقليد “العرض الخاص” المقصور على صانعي الأفلام والنقاد (وأذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: فهد الأسطا، خالد ربيع السيد، رجا المطيري). فقط حضرت عرضًا واحدًا بدعوة خاصة لفيلم الكارتون (-). فأنّى لي أن أشاهد الأفلام السعودية كي أكتب عنها، ومن زاوية خاصة أيضًا؟!

ظهر الخميس في بداية يونيه الماضي وأمام مطار الدمام كنا ننتظر الأوتوبيس ليقلنا إلى الفندق وفجأة أخرج الصديق أحمد أبو شادي نسخة من “كراسات سينمائية” شغفت قلبي، ولكنه لم يجعلني أهنأ بتصفحها، يحاول خطفها من يدي بين آونة وأخرى، ثم أخذها بقوة. وقال إنها ستُدشن في أثناء المهرجان.

شعرت بوخز الألم. كيف تم العمل على هذا الإصدار الضخم ولم أدر عنه أبدًا، وأنا أٌعد من زمرة النقاد! ذكرني “المجلد” بـ”كراسات السينما”، أشهر مجلة في تاريخ السينما حتى الآن، التي انتقدت بشدة المونتاج الروسي لبعده عن الواقعية والأفلام الأميركية والأوروبية السائدة واحتفت بسينما هيتشكوك وأوروسون ويلز وقليلين غيرهم. وتحول نقادها إلى مخرجين قادوا الموجة الفرنسية الجديدة بفيلم “سيرج الجميل” 1958 لـ”كلود شابرول” ومعه آلان رينيه، تروفو، أنيس فاردا، إيريك رومير، جاك ريفيت، جاك ديمي وجودار الذي يُعد منظر الموجة!

فرانسوا تروفو

بدأت “كراسات السينما” عام1951 (على أنقاض مجلة “مراجعة السينما” التي تأسست عام 1928) على يد أندريه بازا وآخرين، وأصبحت منارًا للنقد السينمائي حتى عصفت بها الأزمات مؤخرًا، واستقال طاقم التحرير برمته عام 2020 عندما اشترت مجموعة من رجال الأعمال والمنتجين المجلة! شخصيًّا أحتفي كثيرًا بالموجة الجديدة وكراسات السينما، وأزعم أنها أحدثت ثورة في عالم السينما، وأظن أن تأثيرها في السينما ما زال قائمًا حتى الآن، وسأكتب بإذن الله عنها مستقبلًا. 

نبدأ رحلتنا في مجلة كراسات سينمائية من الغلاف إلى رحلة مباشرة مع محطات وقوف عديدة ومثيرة. الغلاف: السينما كتابة بالضوء في قاعة عرض مظلمة، وهذا ما يرمز إليه الغلاف المجلل بالسواد، وتتوسطه صورة للمخرج السعودي القدير الواعد “عبد العزيز الشلاحي”، وعيناه ترنوان إلى المستقبل، ونصف الوجه في الظلام (ما يخبئه المستقبل). وعلى الرغم من أن عنوان المجلة في الأعلى وحده في مقابل خمسة عناوين في الأسفل، فإن الغلاف كلوحة فنية لا تفقد توازنها، وتوزيع الضوء والظلال (الأبيض والأسود) مريح جدًّا. الطريف، خلا الأبيض والأسود، هناك عنوان بارز باللون الأصفر “السينما السعودية بلا نقاد”. وفي تقديري أن هذا أهم محور تسعى إليه كراسات سينمائية محتذية حذو كراسات السينما. وهناك ختم أحمر سيستمر – كما أظن- في كل عدد لأنه خاص بملف العدد! الإخراج الفني للعدد كله غاية في الاحتراف والجمال، وللأسف ليس هناك إشارة للمخرج الفني.

مقدمة التحرير بعنوان “صناع السينما والصحافة السعودية” بمثابة بيان لرسالة المجلة وتوجهها. وتنهيه بـ”من هنا يأتي التحدي الذي يقع على عاتق كراسات التي تسعى إلى قول ينطوي على جديد حول سينما تحاول بدورها أن تكون جديدة”.

من رسالة كراسات التحليل النقدي، وطرح ثقافة سينمائية حقيقية للواعدين في صناعة السينما، وكل ما يمت للسينما بعلاقة في كل جوانب صناعة السينما والمهتمين بهذه الجوانب من تصوير وإضاءة وموسيقا وسيناريو وإخراج وإنتاج ومونتاج.. إلخ!

لم يتكون عندنا تقليد “العرض الخاص” المقصور على صانعي الأفلام والنقاد. فقط حضرت عرضًا واحدًا بدعوة خاصة لفيلم الكارتون. فأنّى لي أن أشاهد الأفلام السعودية كي أكتب عنها؟!

أول فيلم سعودي

مهرحان الفيلم السعودي

قام فريق التحرير بتلخيص الفصل الخاص بالسينما/الأفلام من تقرير الحالة الثقافية الصادر من وزارة الثقافة السعودية 2022. وبذلت جهدها في أن يكون وافيًا ولو بالإشارة، ولهذا غمطت حق مهرجان البحر الأحمر، فلم تذكر معمل تطوير السيناريو الخاص به! وملاحظة على الهامش: في ملخص التقرير “فإن أول فيلم سعودي يتم إنتاجه بشكل رسمي في المملكة ويشارك خارجيًّا في مهرجان دولي كان فيلم “اغتيال مدينة” في عام 1976 من إخراج وإنتاج رائد السينما السعودية “عبد الله المحيسن”.

و”المحيسن” علامة مضيئة وأذكر أنني حضرت عرضًا له في النادي الأدبي في الرياض في النصف الأول من الثمانينيات، وأطنبت في مديحه، وكان أستاذنا الدكتور “الغذامي” يحسبني متخصصًا في السينما والمسرح من كتاباتي في مجلة “اليمامة”.

وحسنًا فعل مهرجان أفلام السعودية بتسمية جائزة عبد الله المحيسن للفيلم الأول.

وقد تشرفت بكوني عضوًا في اللجنة الاستشارية لمهرجان أفلام السعودية في دورته الثالثة، واقترحت اسم المخرج “سعد الفريح” ولاقى المقترح قبولًا من الجميع. 

سعد الفريح

وفي أثناء بحثي في سيرة هذا المخرج التليفزيوني (هكذا عرفناه) وجدت خبرًا أو إشارة إلى أنه أخرج فيلمًا سينمائيًّا 16 ملم بعنوان “تأنيب الضمير” من بطولة “حسن دردير” رحمهما الله. وبحثت عن تأكيد لهذا الخبر وتفصيل له فلم أجد!

واتصلت بالأخ محمد حسن دردير فجاءني رده – على لسان والده رحمه الله – “فيلم تأنيب ضمير أول فيلم سعودي 1962م تقريبًا (لعل المقصود 1966) بطولة حسن دردير ولطفي زيني ومجموعة من الفنانين وإخراج سعد الفريح. العمل يفترض أنه موجود في مكتبة التليفزيون، ومع الأسف فلا يوجد أحد مهتم يبحث عن هذه الأعمال القديمة في التليفزيون”. وكان مريضًا بشدة فلم يكن هناك مجال للاستفسار عن التفاصيل.

واتصلت بابنه المخرج السينمائي الذي كان يدرس حينها في لندن فلم يكن عنده جواب محدد، وقال إن هناك غرفة مقفلة فيها كل ما يخص أعمال أبيه، ولانشغاله في الامتحانات لن يتمكن من الحضور للبحث فيها. ثم اتصلت بالصديق الفنان البديع “محمد الطويان” وهو الذي عرفني – بناء على رغبتي- بـ”سعد الفريح” فأنكر معرفته بهذا الفيلم، وقال أنا أقرب واحد لـ”سعد” ولو كان قد صور فيلما سينمائيا لأخبرني! فأسقط في يدي.

أخيرا وفي أثناء كتابة هذه المقالة عاودت سؤال عبد العزيز(ابن الأستاذ الراحل سعد الفريح)” فكان رده: “نعم أول فيلم سينمائي درامي أنتج للتليفزيون السعودي إبان افتتاحه، وعلي سعيد وجد خبرًا مكتوبًا عنه في أرشيف جريدة الرياض في منتصف الستينيات. تواصلت معي هيئة الأفلام بخصوصه، وقلت لهم اطلبوه من أرشيف التليفزيون”! . إدارة المهرجان برئاسة الشاعر الفنان “أحمد الملا” رأت أن تحذف هذه المعلومة من الكتيب التعريقي بـ”الفريح” لعدم وجود دليل يقيني عنه، وحق لها هذا!

الظريف المشاغب

“كيف حالك يا خيري؟” (خيري بشارة)، “رايح فين يا راجح؟” (راجح داود)، “أعرف علي مسعد فودة” (نقيب السينمائيين في مصر). في بهو الفندق في مهرجان البحر الأحمر 2022 كان الصديق صالح الفوزان يتحدث مع أصدقائه بكل بساطة.

على مائدة الإفطار، وعلى مدى عدة أيام، أجر صالح إلى الحديث عن خبراته وعلاقته بالسينما، وعن قصص مثيرة وأخبار طريفة. قلت له سأجري معك مقابلة مطولة، فقال أنا صريح ولساني طويل فقبلت! وما زال المشروع قائمًا! “كراسات سينمائية” حملت نصف المقابلة التي أجراها الدكتور الهادي خليل أستاذ اللغة الفرنسية في جامعة الملك سعود الهادي خليل (وهو ناقد سينمائي وروائي ومترجم، ومؤلف كتاب “خمسون عامًا من السينما التونسية” – إصدار المركز السينمائي التونسي، وهو كذلك ترأس لجنة دعم الأفلام التونسية لمدة سنتين). الفوزان أنتج 30 فيلمًا سينمائيًّا تقريبًا تباينت مستوياتها، وللأسف خلا تقرير الحالة الثقافية في المملكة العربية السعودية إلى أية إشارة إليه!

صالح لم يفقد الأمل في صنع فيلميه “سنين الرحمة” و”رطرط”، رغم العقبات المالية الكأداء!

من الترجمة إلى السينما 

في 1995 شدت هناء العمير الرحال إلى اسكتلندا لتحضير الماجستير والدكتوراه في الترجمة. نالت الماجستير، وفي خضم التحضير للدكتوراه حدثت ظروف خارجة عن إرادتها منها تغيير المشرف، وبعد شد وجذب وعناء لم تكمل الدكتوراه لحسن حظ السينما السعودية! في اسكتلندا التحقت بأكثر من نادٍ للسينما، وحضرت عددًا من الفعاليات، ما نمّى حسها المعرفي بالسينما وأدواتها النقدية. وشرعت في الكتابة النقدية في صحيفة الرياض. وفي عام 2008 كتبت أول سيناريو بعنوان “هدف”، واتخذتني – للتاريخ- مستشارًا في أثناء كتابته. وفاز بالجائزة الثانية في مسابقة أفلام السعودية (المهرجان، فيما بعد، الأول). قبل ذلك عرضت عليها فصلًا أو فصلين من كتابي “مدخل إلى الفنون السينمائية” فشجعتني على الفراغ منه ونشره وقالت: “هذا وقته، وإلا فلا مكان له”. ونشرته في عام 2009 ولله الحمد.

وأراد صديقي السفير السويدي الأسبق يان، أن يقيم ليلة سينمائية مساء يوم 6 مارس 2010 لإطلاق كتابي، فأعددت عرض عدة أفلام لمجموعة تلاشي، كما رددت التحية بأحسن منها، واستقدمت فرقة فن شعبي من شباب جدة أحيوا تلك الليلة.

كان من المفترض أن تقدم هناء قراءة باللغة الإنجليزية للكتاب، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان. داهمها المخاض مبكرًا، فذهبت إلى المستشفى حيث وضعت طفلها زياد!

صيحة ناقد

عراب النقد السينمائي في السعودية الصديق خالد ربيع السيد يعلنها بصوت عال: إننا في حاجة ماسة إلى النقد السينمائي المنهجي التحليلي، بعيدًا عن الانطباعات السريعة والمجاملات، ويدعو بعض صناع الأفلام والممثلين إلى التواضع والعقلانية.

بحق، لن تكون هناك حركة فنية (أو أي جانب من جوانب الثقافة) من دون حركة نقدية قوية وصادقة، والموجة الجديدة في فرنسا وما تلاها دليل على هذا!

لن تكون هناك حركة فنية وثقافية جادة من دون حركة نقدية قوية وصادقة.

فاصل اعلاني