• English
  • 14 يناير، 2025
  • 6:50 ص

علي سعيد: لم يخطر ببالي أبدا أنني سوف أخرج فيلما ولدي عدة مشاريع، أولها وثائقي “ضد السينما”

علي سعيد: لم يخطر ببالي أبدا أنني سوف أخرج فيلما ولدي عدة مشاريع، أولها وثائقي “ضد السينما”

4 January، 2023

حوار – رباز حجير

يحضر اسم علي سعيد في المشهد السينمائي السعودي ككاتب سيناريو، وأخيرًا كمخرج من خلال فيلمه الروائي القصير “رقم هاتف قديم” الذي كتبه وأخرجه، ولعب بطولته النجم يعقوب الفرحان، واختير لافتتاح الدورة الثامنة لمهرجان أفلام السعودية. وإلى جانب تجربته في السينما، التي يصفها علي سعيد بـ”الشغف اللاواعي”، فإن له تجربة أخرى موازية، مع الصحافة “الشغف الواعي”، التي يستوحي منها حكايات الحياة اليومية وتفاصيلها، ومنها ينطلق في عالمه الفني نحو تفجير الأسئلة.

بفيلمه “رقم هاتف قديم”، الذي يتقاطع مع قصيدة للشاعر العراقي الراحل مظفر النواب، استحق علي سعيد تصدّر افتتاح مهرجان أفلام السعودية في دورة بعنوان “السينما الشعرية”، فهو ينتمي بشكل أو بآخر إلى تلك الحساسية السينمائية الخاصة.

المخرج وكاتب السيناريو علي سعيد

ويعود النقاش الواسع الذي دار حول الفيلم إلى تلك المنظومة من التساؤلات الكامنة بداخله في المقام الأول، حيث يحرص علي سعيد دائمًا على “ترك الأشياء مفتوحة، مستفزه، كلغم داخل وردة”، بحد ما يسرده لنا في هذا الحوار حول تجربته اللافتة، وتحضيراته الجديدة، وراهن السينما السعودية.

حينما يحضر اسم علي سعيد.. نتذكر الصحفي والسيناريست والروائي. أما اليوم، فيحضر كمخرج سينمائي، ماذا حدث؟

التجربة الفنية تتطور، والفنون التي ذكرتها لديها منافذ سحرية لبعضها البعض.

كيف قررت إخراج فيلمك الأول؟

حتى العام 2020، لم يخطر ببالي أبدأ أنني سوف أخرج فيلمًا. كان مشروعي منذ أيام الجامعة هو الصحافة وكتابة السيناريو. في عام الجائحة كنت للتو بلغت الأربعين، كنت أعمل على سيناريو وأهمُّ بالتحضير لفيلم وثائقي. لكنني في نهاية ذلك العام المضني للبشرية، قررت أن أبادر وأحقق سيناريو فيلم كتبته عام 2017 هو “رقم هاتف قديم”. كنت قد سئمت من تكدس النصوص في الدرج، ومن التواصل مع مخرجين لاقتراح نصوصي التي قد لا تمثلهم فكريًّا وسينمائيًّا (وأتفهم ذلك). لذلك قررت المبادرة بعد أن وجدت وعيي السينمائي وصل لمرحلة متقدمة، إلى جانب امتلاك تجربة لا بأس بها في كتابة السيناريو، الذي هو العمود الأساس لعمل الفيلم. ولا أنسى دور أخي حسن، مدير التصوير ومنتج الفيلم، الذي قرر بكل شجاعة خوض المغامرة معي إلى النهاية.

وماذا عن إنتاج الفيلم؟

المخرج علي سعيد

كان لدينا تصور واضح، نريد أن نحقق فيلمًا بالإمكانات المحلية الموجودة، على طريقة السينما المستقلة.

كيف؟

فريق تصوير صغير، يجمع بين المحترفين والهواة، ويكونون في الغالب من منطقة تصوير الفيلم نفسها (المنطقة الشرقية). نتعاضد ونختبر إمكاناتنا الفنية، فكانت النتيجة إنتاج الفيلم واختياره ليكون فيلم افتتاح الدورة الثامنة لمهرجان أفلام السعودية.

حساسية سينمائية خاصة

كيف تلقيت اختيار فيلمك لافتتاح دورة بعنوان “السينما الشعرية”؟

بسعادة غامرة، كون الفيلم ينتمي بشكل أو بآخر إلى هذه الحساسية السينمائية الخاصة.  وأيضا لأنني حين تلقيت نبأ اختيار الفيلم للافتتاح، كنت في أوج العمل مع مهندس الصوت، لحظتها اتصل بي رئيس المهرجان الأستاذ أحمد الملا، وأخبرني بأن لجنة المهرجان اختارت الفيلم للافتتاح، فكان كمن مسح على قلبي بعد بركان التعب.

نعرف أن الفيلم تحول إلى نقطة نقاش حتى نهاية المهرجان، كيف وجدت ذلك؟

وجدته نقاشًا رائعًا وضروريًّا، وهذا مؤشر إلى أن الفيلم كان محرضًا على طرح الأسئلة وإبداء الآراء باختلافها.

هل أنت راضٍ عن الفيلم؟

بنسبة كبيرة “نعم”.

وما الذي لا يرضيك؟

الوقت كان كالسيف، صوّرنا في الشهر نفسه الذي في نهايته إغلاق باب استقبال تسجيل الأفلام في المهرجان، الذي فاز السيناريو فيه قبل عام. قدمنا النسخة الأولى، وقرر المهرجان بعد رؤيتها أن يكون فيلم الافتتاح.

تريد القول إن النسخة التي عرضت في الافتتاح هي نسخة أولى؟

لا بالطبع، هناك نسخ أخرى، لكن النسخة التي عرضت لم تأخذ وقتها من التنقيح المونتاجي والصوتي. كانت هناك بعض القطعات خشنة وبعض اللقطات المكملة لم أكن راضيًا عنها تمامًا في مرحلة الإنتاج.

وماذا فعلت؟

عقب المهرجان، رجعت إلى المونتير، وعملنا على نسخة أفضل، استبعدت فيها كل اللقطات التي لم أقتنع بها وكانت مغرية في آن.  كما أجريت بعض الاختصارات المُحكمة.

كيف تعرفت على قصيدة “رقم هاتف قديم”؟

المخرج والسيناريست علي سعيد

لا أذكر متى، فالشاعر العراقي الراحل مظفر النواب حاضر معي منذ أيام دراستي الصحافة والإعلام في جامعة دمشق. وخلال كتابة مشهد من “رقم هاتف قديم” رأيت بعيني مقطعًا من القصيدة يقول: “وأدرت الأرقام الممسوحة مراتٍ، مراتٍ رد الصمتُ، لقد كانوا بالأمس هنا”. ووجدت في هذا المقطع شحنة شعرية روحية وبصرية عالية لا تحتاج سوى أن تدخل بروحها إلى الفيلم لتبعث فيه روحًا أخرى، هي روح مظفر العاشق والإنسان.

أزمة منتصف العمر

قاربت موضوع “أزمة منتصف العمر”.. وهو حسب المخرج محمود صباغ موضوع جديد على السينما السعودية. هل تحدثني عن الموضوع وتوظيفه؟

ربما كبر جيلنا الذي بدأ منذ عشر سنوات وانتقلت موضوعاته إلى منطقة أخرى، كما أشار محمود صباغ. بالنسبة لتوظيف الموضوع، قد ظهر بشكل جلي من خلال ردة فعل الشخصية. 

كيف وافق نجم بحجم يعقوب الفرحان على أن يصور فيلمًا قصيرًا مع سينمائي يخوض تجربة الإخراجية الأولى؟

وافق لأنه سينمائي حقيقي قبل أن يكون نجمًا. بالنسبة لي، أعرف يعقوب منذ 2012، اتصلت به حينها لأقنعه بأن يجسد بطولة فيلم كتبته، من إخراج أخي مجتبى سعيد، بعنوان “بوصلة”، لكنه اعتذر. لم يكن يعرفني جيدًا. بعد سنوات تعرفنا على بعضنا البعض أكثر، وصارت تجمعنا صداقة عميقة سمحت لي بأن أعرض عليه مطلع عام 2021 أن يجسد بطولة “رقم هاتف قديم”.

كان العرض مفاجئًا، فهذه المرة لا أكلمه عن نص لي يخرجه أخي أو زميل آخر كالمتوقع، لذا كان الأمر مثيرًا بالنسبة له. وفي دورة مهرجان أفلام السعودية 2021، أعلنت لجنة التحكيم فوز سيناريو الفيلم بالجائزة الأولى، فأمسك يعقوب بكتفي وقال: انتبه! وبعدها بدأت التخطيط لإنتاج الفيلم، وهو ما حدث.

شاركت في الدورة الثامنة من مهرجان أفلام السعودية مع أخويك حسن ومجتبى.. كيف كانت التجربة؟

كانت تجربة رائعة ومفارقة جميلة أن نشارك في المسابقة الرسمية بثلاثة أفلام، بل إنني كنت أسمع بعض الزملاء والأصدقاء يرددون ممازحة بأنها دورة “الإخوة سعيد”. وقد فاز فيلم “زوال” لمجتبى بالنخلة الذهبية، وفرحنا كثيرًا، فهو فوز لنا جميعًا.

هل عرفت أن فيلمك ترشّح ونافس “زوال” على النخلة الذهبية؟

أجل، هذا ما قاله أعضاء لجنة التحكيم لي ولمجتبى بعد الحفل الختامي.

كيف ترى فوز “زوال”؟

أعتقد أنه فوز لمجتبى وليس لـ”زوال” فقط، لأن “زوال” فيلم ألماني فرنسي، بينما مجتبى مخرج سينمائي سعودي، بدأ العمل باكرًا وترك بصمة حقيقية من خلال أفلام عدة مثل “حياة” و”بوصلة” و”ليمون أخضر”، وهو الآن يحضر لفيلمه الروائي الطويل الأول.

ماذا عن فيلمك الروائي الطويل الأول؟

في الوقت الحالي، عليَّ الانتهاء من مشاريع عدة أوّلًا. أولها فيلمي الوثائقي الطويل “ضد السينما”، وهو مشروع فزت به في مسابقة “إثراء” لإثراء المحتوى الثقافي والإبداعي، وهو حاليًا في مرحلة ما بعد الإنتاج. وبعد الانتهاء، ربما نفتح الدرج ونرى ما فيه من جديد!

تمتن دائمًا للصحافة.. فماذا أكسبتك مهنة المتاعب؟

أشياء كثيرة. لقد كانت الصحافة الشغف الواعي الذي لأجله سافرت وتخصصت في الجامعة. بينما كانت السينما الشغف اللاواعي، شغف المشاهدات الأولى في الطفولة والصبا الباكر أيام أشرطة الفيديو. في الصحافة “الشغف الواعي” تعلمت خلق القصص الصحفية من الحياة اليومية، وتعلمت دون أن أشعر، توليد الأسئلة، وهي التي انتقلت معي إلى السيناريو والفيلم. هذا النقاش كله حول “رقم هاتف قديم” ما كان ليتفجر لولا بذرة السؤال المضمرة داخل الفيلم، ترك الأشياء مفتوحة، مستفزه، كلغم داخل وردة.

فاصل اعلاني