المخرج عبد العزيز آل سلطان: من المبكِّر الحكم على الإنتاج السعودي من حيث التوجه
نورة البدوي
12 August، 2024
نورة البدوي
يضعنا المخرج السعودي عبد العزيز آل سلطان عبر فيلميه التاريخيين القصيرين “عز مولانا السلطان” و”جناحا زرقاء اليمامة” في فترات تاريخية مختلفة من التاريخ العربي، حيث يقدم رؤيته بطريقة مكثفة ومختزلة تحددها سينوغرافية المشاهد والفواصل الموسيقية المستمدة من الأطر المكانية التي يقوم عليها موضوع الفيلم.
تدور أحداث “عزّ مولانا السلطان” (بطولة كل من براء عالم ولينا محمود) عن آخر ليلة قبل سقوط غرناطة، عبر حوار مختزل بين السلطان أبي عبد الله وزوجته، حول كيفية التعامل مع جيش العدو الذي يقوده الملك فريديناند الخامس.
يبدأ الفيلم بلقطة ضيقة لرقعة شطرنج تصاحبها نغمة موسيقية ترافق حركة الكاميرًا التي تقوم بدور تأسيسي استكشافي، فنرى الشموع، الورق، المخطوط، الريشة، الحبر، ويد الشخصية وبها سبحة تحفة الرمان. وكأن المخرج يحيلنا إلى فترة تاريخية معينة، ليظهر لنا الشخصية الرئيسية (السلطان عز الذي تعود فترة حكمه إلى قرطبة وأيام الأندلس) وجهًا لوجه مع رقعة الشطرنج، دون التخلي عن الموسيقى التي أضفت جوًّا من التنقل بين مشاعره الشخصية وما يعيشه من أجواء الحرب والشعور بالهزيمة، وهذا ما دعمه التناوب بين الحوار و تفاصيل الصمت، حيث يقول الملك “عز” لزوجته أن ما بقي في بيت المال لا يكاد يملأ الكف، وأن أسوار المدينة لن تصمد أكثر من يومين، ويضيف “أنا الليلة لست الرجل نفسه الذي عرفته في الأعوام العشرة الماضية”. … “سيكتب المؤرخون لاسمي شعار الذل و الهوان يا لجين”، فتجيبه “لن ينساك بعض المنصفين.”
يبرز المخرج في “عز مولانا السلطان” رؤيته المختلفة للتاريخ وكتبه والحرب، فليس كل من تجنَّب الحرب جبانًا. فالسلطان عبد الله تجنب الحرب والقتال لأنها حرب غير متكافئة.
زرقاء اليمامة
أما “جناحا زرقاء اليمامة” فهو فيلم تاريخي من بطولة كل من لينا محمود وعائشة كاي، قدَّم فيه آل سلطان شخصية “زرقاء اليمامة” من خلال حوار مع صديقة لها، ومن خلال حوار مع أهل قريتها الذين تنبههم إلى قدوم الأعداء، لكنهم لا يصدقونها.
وزرقاء اليمامة شخصية عربية جاهلية من أهل اليمامة، كانت مضربًا للمثل في حدة النظر وجودة البصر، إذ انها كانت تبصر الأشياء من مسيرة ثلاثة أيام، وبهذه القدرة أنذرت قومها بأن وفودًا تريد غزوهم، ولكنهم لم يصدقوها، فقضي عليهم. ويعتمد “آل سلطان” في فيلمه على الحوارات المقتضبة والمكثفىة في ابراز الحالات الشعورية، وذلك من خلال ملامح الوجه ونبرة الصوت، إضافة الى اختيار المكان (الصحراء) ليكون في توافق مع الشخصية التاريخية.
في هذا الإطار النقدي جاء مقابلة “كراسات سينمائية” مع المخرج السعودي عبد العزيز آل سلطان.
أفلام نادرة
“زرقاء اليمامة” و”عز مولانا السلطان” قد يكونان من أوائل الأعمال السعودية التاريخية، فلم كان هذا التوجه في أفلامك؟
فعلًا هذه النوعية من الأفلام نادرة إن لم تكن معدومة في السينما السعودية؛ لأنها ما زالت وليدة، وتتلمس خطاها الأولى بين سينمات العالم، فوجدت أنها فرصة لمحاولة الابتكار والتجديد واقتحام مناطق مختلفة، أعتقد أن ذلك هو السبب الرئيسي الذي شجعني لاختيار هذا التوجه.
الأفلام التاريخية نادرة إن لم تكن معدومة في السينما السعودية؛ لأنها سينما وليدة تتلمس خطاها بين سينمات العالم.
هذان الفيلمان قصيران جدًّا، اعتمدت فيهما على التكثيف والاختزال من خلال الحوار؟
كون الفيلمين قصيرين ومختزلين له سبب متعلق بالدعم، لأن الأفلام التاريخية كما تعلمين مكلفة جدًّا، وللحصول على موقع تصوير يكون خاليًا من أي علامات للعصر الحديث؛ أمر صعب. وكذلك عندما يتعلق الأمر بالأزياء أو الحيوانات أو غير ذلك. فلذلك في هذه الأفلام المبكرة وجدنا أنه كلما اختزلنا كلما كان ذلك أسهل من الناحية الإنتاجية، وأعتقد أننا حاولنا أن نستغل هذا الاختزال فنيًّا؛ حتى يكون الفيلم متناسقًا، ففي كل عناصر الفيلم هناك اختزال، حتى في الحوار والوقت ومشاعر الشخصيات.
هذه النوعية من الأفلام مكلفة جدًّا؛ لذا اعتمدنا على تقنية الاختزال فنيًّا؛ حتى يكون الفيلم متناسقا في كل عناصره.
اعتمادك على اللغة العربية الفصحى والسينوغرافيا البسيطة والعميقة، يجعلنا نتساءل بمن تأثر عبد العزيز آل سلطان؟
من ناحية الكتاب العرب تأثرت كثيرًا بأسلوب الأستاذ الدكتور وليد سيف، وله طريقة تعامله الخاصة بالفصحى التي كتبها في أعماله التاريخية العظيمة، إذ يعطي الفصحى ذلك البعد التاريخي الأثري، كأننا نقرأ أو نسمع الجاحظ وهو يتحدث، أما من ناحية الأجانب فأنا متأثر إلى حد كبير بالكاتب الكبير أرون سوركين، وهو الذي تميز بالحوارات في الكثير من أعماله، إذ يكاد أي عمل من أعماله يعتمد على الحوار أكثر من البصريات.
تأثُّرت بالدكتور وليد سيف في طريقة تعامله مع أفلامه باللغة الفصحى، وبأرون سوركين في اعتماد أعماله على الحوار بالدرجة الأولى.
السينما الإيرانية
هل بالامكان القول ان السينما السعودية الشبابية متأثرة بالسينما الإيرانية أو سينما أوربا الشرقية فيما يتعلَّق بالبساطة في الإنتاج والعمق في المضمون؟
أظن أن هذا صحيح، هنالك تأثر بالسينما الإيرانية تحديدًا، لكن العمق هو دائمًا الهدف من الأفلام؛ لأن المكاسب التجارية، إن صح التعبير، غير واردة أصلًا، فهذا يعطي الفرصة للصانع بأن يجرب أفلامًا متعددة، ويناقش أفكارًا ومواضيع مختلفة، بغض النظر عن تحمل عبء سهولة تلقي الجمهور العادي لمثل هذه الأفلام، على نقيض السينما التجارية.
كيف ترى، وأنت مخرج شاب، الدعم السعودي للأفلام؟
الإنتاج السعودي من الصعب الحكم عليه، وأعتقد أن هناك الكثير من الجهود المبذولة من قبل الصناع، أو من قبل الجهات الداعمة للسينما،، سواءً قطاع حكومي أو خاص، هناك الكثير من الجهد، لكن ما زال مبكرًا أن يحكم عليه من ناحية التوجُّه. أعتقد أن جودة الأفلام السعودية ستزداد، لكن من ناحية التوجهات، أو التقاط تيارات معينة لما يمكن أن تكونه السينما السعودية، فأعتقد أن هذا الشيء سيكون نادرًا، أو ما زال مبكرًا الحكم عليه الآن.
هناك الكثير من الجهود المبذولة من قبل صناع الأفلام، وحتى جهات الداعم السينمائي، لكن من المبكر أن يتم الحكم على الإنتاج السعودي من حيث التوجه.
ما أعمالك الجديدة؟
نعمل على فيلم تاريخي طويل سيتم تصويره هذا العام، وهو عمل يتكلم عن فترة سابقة في تاريخ الجزيرة العربية ما قبل الإسلام، وحسب التصنيفات فهي فترة الجاهلية، لكني لا أريد أن أستبق الأحداث.