هناء الفاسي: مهمة السينما أن تُحرِّك الساكن أينما كان
13 June، 2023
حوار صادق الشعلان
تحلم المخرجة هناء الفاسي بوجود آلية محكمة لضبط عمل صناعة السينما السعودية، وترى أن لدينا العديد من المقوِّمات الفنية التي يمكنها أن تنتج سينما محترفة، مشيرةً إلى أن بعض صناَّع السينما يعتمدون على النجم الشهير في أعمالهم، بغضِّ النظر عن قدراته في التمثيل. “كراسات سينمائية” التقت بالفاسي التي درست الإعلام والإخراج السينمائي في وقت مبكِّر في مصر، فحاورتها عن تعليمها وإنجازاتها، وأبرز القضايا التي أثارتها في أعمالها، وما تنتظره من هيئة الأفلام لصناع السينما.
انتقلتِ في وقت مبكِّر من الإعلام إلى السينما، وذلك في فترة لم تكن السينما تشهد حراكًا مثل اليوم، فكيف جرى ذلك؟
أثناء دراستي الإعلام في جامعة عين شمس بالقاهرة، عام 2002، كنت أذهب في الصباح إلى الجامعة، وفي المساء أذهب إلى أستوديو المخرج الكبير رأفت الميهي، وهو صاحب أول أكاديمية مستقلة للسينما، ومن ثم فصباحًا كنت أدرس الإعلام، ومساءً كنت أدرس الإخراج السينمائي، ولأنني أقمت في القاهرة ما يقرب من 13 عامًا؛ فلم تكن لدي فكرة حقيقية عما يحدث في الساحة السعودية، ويمكن القول إن شغفي بحكي القصص كان دافعي الأول لدخول هذا العالم، ويعود الفضل لوالدتي في أنها التي عرَّفتني على معهد السينما بأكاديمية الميهي عام 2002.
قضايا المرأة
عُرف عنكِ اهتمامك بقضايا المرأة، خاصة فيلمي “حلاوة” و”السحور الأخير”، لكن المرأة السعودية تعيش الآن واقعًا آخر فرضت فيه نفسها، فما القضايا الإشكالية التي تخصُّ المرأة ويجب مواصلة الاهتمام بها؟
نعم هناك قوانين جديده تناصر المرأة بشكل كبير جدًّا عما سبق، ولكن يظلُّ عدم التطبيق في بعض الدوائر من الأشياء التي من الممكن الحديث عنها، فضلًا عن عدم تطبيق القوانين التي جرى إصدارها، وهناك قضايا أخرى لن تنتهي بشكل قطعي إلا بوجود وعي مجتمعي كبير، وقوانين صارمة ضدَّها، من بينها التحرُّش الذي يقع بين أفراد الأسرة، سواءً التحرُّش الجنسي أو الجسدي أو المعنوي، والأخير يصعُب إثباته، خاصةً عندما يقع على الأطفال، وهذه واحدة من أكبر المشكلات التي ما زلنا نُعاني منها، ويُعاني منها العالم أجمع، ومع وجود عيادات نفسية، واهتمام واضح بالأطفال، بدأت هذه المشكلات تظهر على السطح بشكل مُخيف، ولا بدَّ أن تسلط السينما الضوء عليها.
أكدتِ في أحد أعمالك ضرورة عمل المرأة، واليوم تحظى المرأة بتمكين لم تعهده من قبل في مختلف المؤسسات، فإلى أي مدى تعدُّ السينما عاملًا مهمًّا في التطرق إلى الموضوعات المهمة، وفي سرعة إيصالها لصناع القرار؟
“العمل عبادة” كان هذا هو الفيلم القصير الذي أخرجته عام 2009، وفيه جرت مناقشة قضية عمل المرأة، ومن ثم فقد اهتمَّت وسائل التواصل الاجتماعي بالأمر، وتمَّت مناقشته من خلالها بشكل موسَّع، حتى أن السفير “تركي الدخيل” كتب عنه مقالًا مهمًّا، وهذا جزء من الدور الذي تلعبه السينما والتليفزيون في المجتمع، وهو أن تُحرِّك الساكن أينما كان، فالمرأة اليوم أصبحت في مختلف المؤسسات، وهذا يسعدني جدًّا، ولا بدَّ للسينما من مناقشة كل الموضوعات، خاصة ما يستجدُّ على الساحة؛ لأنها ترفع بنقاشها من وعي المجتمع، فضلًا عن أن السينما هي مرآة لما يمرُّ به الشارع السعودي.
هل هناك معايير محدَّدة تخصُّ المسكوت عنه؟
بالطبع لا بدَّ من تسليط الضوء على كل ما هو مسكوت عنه في القضايا المجتمعية، شريطة أن يتم ذلك بذكاء فني، كي يصل العمل إلى قلب وعقل المتفرج، وكي يكون هناك نقاش دائم يجعل المجتمع أكثر وعيًا بمشكلاته، وبذلك يَسهُل إصلاح هذه المشكلات ومعالجتها، فالجرح المغلق يؤدِّي إلى العفن والمرض، أما الجرح المفتوح فيسهُل علاجه.
فُزتِ بجوائز دولية عن فيلم “جاري التحميل”، ونلتِ اهتمامًا جيدًا من خلاله، فما الأثر الذي تركه هذا الاحتفاء في رؤيتك للمستقبل فنيا؟
فيلم “جاري التحميل” كان أول فيلم قصير لي، وقد نال العديد من الجوائز، وأتى بعده أكثر من فيلم ونص طويل، وقد فزتُ مؤخرًا بجائزة غازي القصيبي، التي يمنحها مهرجان السعودية للأفلام، عن سيناريو مأخوذ عن رواية “الكمكم”، وهذه الجائزة من أهمِّ الجوائز بالنسبة لي؛ لأنها جاءت من مهرجان عزيز على قلبي، والاحتفاء بأي عمل سواءً كان فيلمًا أو سيناريو يعطيني الحافز للاستمرار، ويخلق لدي فرصًا أكبر لإنتاج أعمال أخرى.
آليه محددة
بما أنك درستِ في هوليود، في رأيك كيف نصل إلى صناعة سينما سعودية ناضجة ومكتملة المقوِّمات؟
الحقيقة أننا اليوم لدينا العديد من المقوِّمات الجيدة والقابلة للتطوير، ونجد الإقبال الكبير على كلِّ مجال في السينما، سواءً خلف الكاميرا أو أمامها، ولكن في اعتقادي أن ما يزيد من نضوج السينما واكتمالها هو التغيير الجذري في التعامل المادي مع صناع الأفلام والتقنيين، ولنتحدَّث عن الفيل الموجود في الغرفة، وهو الصناعة السينمائية، فحتى تكون هذه الصناعة ناضجة فلا بدَّ أن يتلقَّى من بعمل بها أجرًا حقيقيًّا؛ حتى يستطيع الاعتماد عليه، ولا تكون مهنة صناعة الأفلام بالنسبة له مهنة إضافية إلى جانب مهنته الأصلية، فالكثيرون يتَّجهون للعمل في الإعلانات التجارية؛ لأن مرودها المادي أفضل بكثير، ومن ثم فإن السينما تخسر طاقات كبيرة يتم إهدارها هنا وهناك؛ نظرا لعدم وجود آلية موحَّدة لأجور العاملين بالسينما والتليفزيون، كما هو حادث في البلدان الأخرى.
هل في وسعكِ الإشارة إلى أكثر المناطق ضعفًا في صناعة الأفلام التي يتم إنتاجها في السينما السعودية؟ وكيف يمكن تلافيها؟
مناطق الضعف في الأفلام خليط من عدة نواحٍ، قد يكون بعضها ناتجًا عن رغبة المنتج في تقديم عمل تجاري، ومن ثم لا يستثمر في الكتَّاب، ولا يوجد لديه وقت لكتابة نصٍّ جيد، فنرى أفلامًا تجاريةً ضعيفةً في نصوصها وتمثيلها؛ نظرًا لاعتمادها على المشاهير فقط، لا لشيء إلا لكونهم مشاهير، وبغض النظر عن قدراتهم في التمثيل.
كيف ترين مشاركة أكثر من مخرج في عمل واحد؟
تعجبني هذه الفكرة، وقد تكون مفيدةً جدًا ورائعة في بعض النصوص أو التيمات التي يكون وجود أكثر من مخرج فيها مثرٍ للعمل.
مع تنامي صعود السينما السعودية بدأ النقد يواكب هذا الصعود، ولكن بشيء من الاحتفاء المبالغ فيه أحيانًا، بينما المطلوب هو نقد بناء لجوانب القصور في صناعة السينما، فما رأيك؟
في بداية كلِّ شيء يكون هناك نوع من أنواع المبالغة، وهذا أمر طبيعي جدًّا ومتوقع، والنقد مطلوب في كل الأحوال، على أن يكون تفسيرًا وتقييمًا للفيلم، وأن يقدِّم تحليلًا فنيًّا لعناصره، كالنص والتمثيل والإخراج وتوظيف الموسيقى وغيرها، فضلًا عن رؤية الناقد لما يمكن تقديمه في المرة القادمة بشكل أفضل.
ما الذي تنتظرينه أكثر من هيئة الأفلام؟
هيئة الأفلام لديها الكثير من البرامج الرائعة جدًّا، ومثلما هناك دعم لحقوق الملكية الفكرية فلا بدَّ أن يكون هناك نوع من الدعم للعاملين في السينما، وآلية واضحة لعمل كل قطاع، من حيث الأجور وخلافه، بما يُلزم شركات الإنتاج، ويضمن حقوق صناع الأفلام، آلية يمكن الاستناد إليها في التفاوض، ليس على الأجور فقط، ولكن أيضًا على ساعات العمل وشروطه وغيرها من الأمور المهمة…
ماذا عن مشاريعكِ الجديدة؟
أعمل على فيلم طويل مأخوذ عن رواية “الكمكم”، وهو السيناريو الذي فاز في مهرجان السعودية للأفلام غير المنفَّذة، ونحن الآن في مرحلة التمويل.