فهد فايز: حكايات الصحراء.. ذاكرة لا تموت
13 June، 2023
عبدالله الدحيلان
لم يدر بخلد المخرج فهد فايز أن تكون زيارته العابرة لمنطقة تبوك سببًا من أسباب عقده العزم على تصوير فيلم قصير يحاكي قصص المنطقة في حقب غابرة “لقد أسرتني المنطقة بأكملها”، حيث وجد فايز فيها شيئًا منه يحاكي تفاصيله المبعثرة والمتشابهة بين كافة مدن المملكة.
أثناء تلك الزيارة فضّل فايز ألا ينجذب كثيرًا للشوارع والمراكز التجارية وكافة المظاهر المدنية، بل سرعان ما فرّ إلى حضن الصحراء التي كانت دومًا ترحب بالجميع، وتكتنز المخاطر والقصص والحكايات “وفي مثل هذه الأجواء تنبت الأفكار ويتألق الإبداع”.
بين كثبان الرمال حط فائز رحاله عند أهل البادية “كان اللقاء بهم ثريًّا وملهمًا، عند جلوسي معهم كانوا شديدي الحرص على إظهار تمسكهم بالعادات والتقاليد، وابراز مظاهرهم الأصيلة في اللباس والأهازيج. أما عن الأحاديث، فكانت ممتعة ومشوقة لي كصانع أفلام، حيث أخذت تُروى من اللحظات الأولى للقائي بهم الحكايات والقصص التي يفاخرون بها ويرونها الجانب المشرق في سير الآباء والأجداد، حيث يعدونها امتدادًا لهم وذاكرة حية سيتلقفها الأحفاد من بعدهم”، مضيفًا “عندها لمعت في رأسي فكرة فيلم قصير مستوحى من هذه الأجواء البديعة والقصص الممتلئة بالدلالات والعبر، وعندها وقع الاختيار على مدينة نيوم؛ نظرًا لما تزخر به من تضاريس قادرة على بلورة الرؤية الفنية بالشكل الجميل الذي يخدم سياق الفيلم”.
ويوضح فايز أن بداية تنفيذه فيلم “ديار حسمى” كانت جهدًا ذاتيًّا محضًا، وبعدد طاقم بسيط وجميعهم من أهل المنطقة، مشيدًا بحجم تعاونهم مع طاقم العمل أثناء الإعداد والتصوير “إن سكان هذه المدينة غاية في الروعة وقمة في الأخلاق، حيث غمرونا بتذليل كافة العقبات والصعوبات التي كانت تواجهنا، وأبرزها نقل الجمال والأحصنة إلى مواقع التصوير في عمق الصحراء، بالإضافة إلى مساهمتهم الثرية في توفير الأسلحة والمقتنيات النادرة التي تحاكي حقبة ولت ولم يعد لها وجود”، مشيرا إلى أن “هناك رغبة لدى سكان هذه المدينة النابضة بالحياة والمتطلعة للمستقبل في أن يتم تسليط الضوء على مدينتهم وإظهار جمالها وقصصها للعالم، كي يتعرف الجميع على ثقافة المدينة التي تنتظرهم في القريب العاجل”.
ولم يكن الحصول على المقتنيات والمعدات ونقل الأحصنة العقبة الوحيدة التي واجهت فايز وفريق عمله “عندما بدأنا كنا نعمل بإمكانيات بسيطة ومتواضعة، ما جعل خياراتنا محدودة من جهة، ومن جهة أخرى قمنا باختصار ساعات التصوير بما لا يؤثر على جودة وحبكة العمل”، ووسط هذه الصعوبات يوضح فايز “تعمّدت أن يكون اختيار الممثلين من أهل المنطقة نفسها، بهدف أن يكون الأداء واقعيًّا وبلهجة أهل المنطقة دون أدنى تكلف أو تصنع مخلّ”، لافتًا إلى أن فيلم “ديار حسمى” كان تجربتهم الأولى “استغرق مني تدريبهم وصقل موهبتهم قرابة الشهرين، ما ساعدهم على التمكن من مهامهم المكلفين بها، بالإضافة إلى عدم الخوف من الوقوف أمام الكاميرا”، مضيفًا “لقد لمست في هؤلاء الممثلين الرغبة والشغف لأداء هذه الأدوار، فهي ليست من وحي الخيال أو لا علاقة لها ببيئتهم التي يعيشون فيها في منطقة تبوك، بل هي من ذاكرتهم التي يستحضرونها في كل مناسباتهم، وتأتي في سياق الفخر وأخذ الحكمة وتعلم مكارم الأخلاق”.
ويؤكد فايز أنه لن ينسى الثمانية أشهر التي استغرقها تصوير الفيلم “لقد عشنا أثناءها جميع فصول السنة مجتمعة، بدءًا من حرارة الأجواء اللاهبة إلى البرودة القارسة وموجات الغبار المفاجئة، وهذا زاد المهمة صعوبة لمحاولتي إظهار الفيلم بدون فروق واضحة في الأجواء بين المشاهد”. واعتبر فايز أنه استفاد من خوض هذه التجربة “نحن عندما نتجه إلى الصحراء نجد لدينا قصصًا من البطولات والأحداث، وأيضًا من عادات العرب المختلفة”، منوهًا بأن عدم التركيز فنيًّا على البيئة الصحراوية “هو بسبب التكلفة العالية والجهد المضاعف الذي يبذله أهل الصنعة لتنفيذ أعمالهم فيها”. ورغم ذلك يشدد فايز على ضرورة “السعي إلى التركيز وزيادة الجهود لإبراز ثقافتنا وعاداتنا التي تميزنا كسعوديين؛ كون السينما هي السبيل إلى تخليد تاريخنا لسنوات عديدة”.
ويتوقع مخرج فيلم “ديار حسمى” أن “يفتح المستقبل ذراعيه أمام صنّاع الأفلام، بفضل الثقة والدعم من صناديق التمويل ومشاريع التطوير وتهيئة البنية التحتية لصناعة السينما، ما يضع على كاهلنا مهمة التميز والعمل المتواصل من أجل تقديم صورة مشرفة للمملكة أمام العالم بأسره”.