• English
  • 20 يناير، 2025
  • 4:59 ص

محمد العطاوي: أسعى إلى إظهار السعودية بصورة تُرضي طموحاتنا

محمد العطاوي: أسعى إلى إظهار السعودية بصورة تُرضي طموحاتنا

4 January، 2023

أحمد العياد

لم تكن عمليات البحث التي قام بها المخرج السعودي محمد العطاوي من أجل فيلمه الطويل “مخاوي الليل”، أكاديمية بقدر ما أنها اجتماعية، حيث راح يتحدث مع كبار السن ويسألهم عن “مخاوي الذيب” وما سمعوه عن تلك الحكاية، وكل واحد يرويها بطريقته، ومن كل حديث يستخلص معلومات جديدة. كما اعتمد على المقالات في المواقع الإلكترونية. واستوحى عدة محاور مهمة بالقصة،  كانت أساسية بالنسبة له من ناحية الدراما، وكان المطلوب أن يضيف كتابة إبداعية لهذه المحاور الرئيسية ليكتمل النص والشخصيات وما إلى ذلك. ويوضح العطاوي أن من الأمور التي استند إليها من ناحية البحوث، طبيعة الذئب بشكل عام، فشاهد أفلامًا وثائقية كثيرة عن كيفية تعامل الناس مع الذئاب، لأن هناك تاريخًا كبيرًا بين الإنسان والذئب، فكان من المهم استيعاب كيفية صياغة العلاقة بينهما، وكيف تكون واقعية. ولأن أحداث الفيلم ترجع إلى عام 1927م، بحث العطاوي في التاريخ السعودي بشكل عام، وعن تلك الفترة الزمنية بشمال السعودية بشكل خاص، واكتشف أمورًا ضرورية من جهة الملابس والتجارة وغيرها، وألقى الضوء عليها لتكثيف الطابع الثقافي وتعميق المحلية السعودية.

 العطاوي يلفت إلى أنه من خلال قراءته القصة الشعبية “مخاوي الذيب”، وجدها ملهمة بالنسبة له، ورأى فيها المقوّمات الاستثنائية التي تصلح بشكل ممتاز لنص سينمائي، فقرر صياغتها في فيلم قصير. لكن حين شرع في الكتابة، وجد المَشاهد تتزايد بغزارة، وشعر بأنه إذا أراد تقديم القصة بالشكل المطلوب فلابد أن يرويها كاملة، فكتبها بصيغة فيلم طويل، وقدّمه لمسابقة “ضوء”، وفاز بالجائزة.

وقد اختير نص فيلم “بين الرمال” للعطاوي من قبل “تورينو لاب”، الذي كان جزءًا من الطاقم الفني لمهرجان البحر الأحمر السينمائي في جدة، ويشارك في الفيلم مجموعة من المواهب الفنية السعودية، منهم بطل الفيلم الممثل رائد الشمري، الذي جرى انتقاؤه من مجتمع شمال المملكة، حيث تدور أحداث الفيلم. وقد تم دعم الفيلم من قطاع الإنتاج الإعلامي في “نيوم”، وجرى تصويره كاملًا في “نيوم”، شمال غرب السعودية.

محمد العطاوي، كاتب ومخرج سعودي شاب، بدأ شغفه بالسينما مبكرًا، وعززه بدراسة السينما في لندن. قدّم العطاوي (29 عامًا) العديد من الأفلام القصيرة، وشارك ضمن طاقم عمل الفيلم العالمي “Cherry” الذي تم تصويره في السعودية. “بين الرمال”، كتبه هو وأخرجه، وفاز من قبل في مسار “النصوص المكتملة” في مسابقة “ضوء” لدعم الأفلام، التي تنظمها هيئة الأفلام السعودية، التابعة لوزارة الثقافة.

“مخاوي الذيب” قصة ملهمة.. فيها المقوّمات الاستثنائية التي تصلح لنص سينمائي متميز.

البيئة الحقيقية

عطاوي 1

ويشرح العطاوي أن التركيز انصب على الصفة الدرامية أولًا وأخيرًا، لأن الواقعية بالنسبة له شيء مهم، والوثائقية مهمة كذلك، لكن القصة هي الجوهر الرئيسي لكل عمل سينمائي، فإذا لم يكن لديه قصة ودراما لن يكون لديه فيلم.  لذلك حاول كتابة قصة مفهومة وممتعة، وأخذ في الحسبان أن القصة مبنية على أحداث حقيقية، فكان لابد من الأمانة في الطريقة التي يقدّم بها الشخصيات والقصة في حد ذاتها. وعن سبب اختياره رائد الشمري لبطولة الفيلم، يوضح محمد العطاوي أن ذلك الاختيار حدث لأن الشمري موهوب؛ فهذا هو الأهم، وأول شيء. وثانيًا بسبب الشكل واللهجة والمقومات الرئيسية للشخصية التي كتبها العطاوي، فهو مناسب للشخصية بشكل كامل. وهكذا، جرى اختصار الطريق، كونه متقنًا اللهجة، وكان يحتاج فقط لزيادة تدريبه على ممارسة التمثيل. وبالفعل تم ذلك لمدة أربعة أشهر، من خلال مدرب خاص. ويرى العطاوي أنه لا شك في أن الموهبة مهمة، لكن من المهم صقلها بالتمرين. وقد كان الشمري متقبلًا لهذا التدريب، ومتفاعلًا، ويحاول أن يطور نفسه. وقد تميز بالواقعية في الأداء، فهو لا يبالغ، وحين يشرح له العطاوي أي شيء يريده في المشهد، يستوعبه سريعًا وينفذه، بطريقته الخاصة، وهذا ذكاء من الممثل؛ لأنه يُخرج شخصيته دون الالتزام بشكل ثابت.

ويصف محمد العطاوي مرحلة “تورينو لاب” بأنها مهمّة للغاية في تطوير النص، حيث كان المشرف هو المخرج والكاتب التونسي محمد عطية، وكان ملهمًا بالنسبة للعطاوي وأفاده كثيرًا، وله تواصل مستمر معه لأن حسه الفني عالٍ. ومن ناحية النص، فقد عمل العطاوي عليه لمدة عامين تقريبًا، منذ 2019 حتى نهاية 2021. وكانت “الحوارات” من الصعوبات التي واجهها بالنص، لرغبته في أن تتم باللهجة الحايلية القديمة (نسبة إلى حائل). لذلك جرت الاستعانة بسبهان السبهان، فهو لديه بحوث وكتابات في التاريخ السعودي، فضلًا عن كونه من حائل، فتحدث العطاوي معه عن القصة، وجرت كتابة الحوارات بالطريقة الحايلية، مع الاستعانة بمصطلحات قديمة، وكان السبهان مهتمًا للغاية باللهجة ووجود التفاصيل الصغيرة. لذلك استغرق النص وقتًا طويلًا حتى تم الانتهاء منه.

وعن تكوينه خبرته اللازمة قبل الإقدام على تجربته الأولى في الأفلام الطويلة، يؤكد محمد العطاوي أن الخبرة مهمة للغاية، وأغلب المشاريع التي عمل فيها من قبل كمخرج وكاتب، كانت أفلامًا قصيرة وإعلانات. لكنه عمل أيضًا مساعد مخرج ومساعد منتج في أفلام طويلة، لكن ليس بشكل رئيسي، كما عمل كمساعد مخرج ثانٍ في بعض أفلام هوليوود، على رأسها فيلم “Cherry” العالمي الذي تم تصويره في السعودية.

وعما إذا أثّر التصوير في “نيوم” على فريق العمل لإخراج القصة بالشكل الذي يريده، يشير محمد العطاوي إلى أنه يهمه تقديم صورة معينة عن السعودية التي لم تُشَاهَد جيدًا من خلال الأفلام، حيث كان التناول الفني عن المجتمع السعودي جافًّا للغاية وغير واقعي. لذلك ركز على تصوير المواقع الرئيسية بالسعودية بشكل واقعي، وليس من الضروري أن يركز على إظهار بعض الأماكن بقدر ما أنه يروي قصة صارت في هذه المناطق. وبالتالي من ناحية اختيار المواقع، تكون الأولوية للواقعية بغض النظر عن الجمالية. لذلك هناك أماكن جميلة للغاية في نيوم والعلا، لكن لم يستطع التصوير فيها لأنها لا تخدم القصة.

لقد جعل العطاوي الأولوية للقصة، فهو لا يريد صناعة إعلان عن السعودية، لكن في الوقت نفسه يريد إظهارها بالشكل الواقعي الذي يراه الجميع، والشكل الذي يرضيهم، مثلما رأينا في سلسلة أفلام “هاري بوتر” التي تم تصويرها في اسكتلندا وبعض المناطق في بريطانيا فزادت نسبة السياحة لديهم بنسبة 120%. وبالتالي إذا أراد مبدع التعبير عن السعودية، فلابد أن يكون التعبير واقعيًّا، وفي البال بالتأكيد ازدهار السياحة والاقتصاد.

ويشير محمد العطاوي إلى أن صناع الأفلام، عليهم مسؤولية إظهار بعض الأماكن بشكل واقعي، بدون مبالغة، وفي الوقت نفسه استغلال الأماكن الجميلة في عسير والشمال والرياض والبحر الأحمر وغيرها. وهؤلاء السينمائيون محظوظون بإمكانية التوجه إلى أي مكان والتصوير به، حيث تتوفر كل سبل الدعم والتحفيز.

رائد الشمري واقعي الأداء بدون مبالغة.. وينفذ الشخصية بطريقته الخاصة.

بين المهرجانات والسوق

عطاوي 2

وحول خطواته التالية، وهل يهمه الحضور من خلال المهرجانات السينمائية أم من خلال السوق والأفلام التجارية، يؤكد محمد العطاوي أنه ليس هناك تعارض بين الاختيارين، فكون الفيلم تجاريًّا ميزة وليس عيبًا؛ لأن الفيلم أداة للتواصل مع الجمهور. ونجاح الفيلم تجاريًّا يعني نجاحه في الوصول إلى شريحة كبيرة من الجمهور، بينما ترشيحه من مهرجان لا يعني بالضرورة أنه وصل للشريحة التي يريدها. ويتمنى العطاوي أن تنجح أفلامه في دور العرض السينمائي، وفي الوقت نفسه فهو حريص على أن تأتيه ترشيحات من مهرجانات مرموقة ومحافل دولية، لأن السينمائيين السعوديين يريدون الحضور في أكبر المحافل الدولية.

وعن جديده في الفترة المقبلة، يوضح محمد العطاوي أنه يكتب نصًّا جديدًا مأخوذًا عن قصة سعودية مبنية على أحداث حقيقية، ويتمنى تصويره في الرياض أو جدة. وهي قصة تدور أحداثها في الوقت الحالي بين 2021 و2022، حيث يريد التعامل مع الحقبة الزمنية التي نعيشها. وهناك مسلسل سعودي من عشر حلقات يعمل عليه. ولديه أيضًا نص لفيلم طويل عن قصة عباس بن فرناس، الذي يشعر العطاوي بأن التاريخ لم يعطه حقه. العطاوي يؤمن بأن التاريخ يكرر نفسه، بخاصة أن قصة مثل عباس بن فرناس بها تفاصيل عن اختراعاته التي نُسبت لآخرين من الأجانب، وبالتالي يجب إظهار هذا التاريخ أو العمق العربي الموجود لدينا.

ويتمنى محمد العطاوي أن يشرف ذات يوم بتجسيد شخصية الملك عبد العزيز، رحمه الله. فقصته ملهمة وغير طبيعية؛ خصوصًا مرحلة توحيد الجزيرة، وما قبلها وبعدها. ويشير إلى نجاح أفلام عن أبراهام لينكون في أميركا، وتشرشل في بريطانيا، بينما نحن لدينا الملك عبد العزيز الذي قدّم أمورًا أعظم من كل ما قدمه هؤلاء، لذلك يطمح العطاوي إلى فيلم يحكي عن الملك عبد العزيز وعن تاريخه الذي يعتبر تاريخ السعودية، بكل ما فيه من دواعي الفخر.

نشاهد أفلامًا عن أبراهام لينكون وتشرشل.. ولدينا الملك عبد العزيز الذي قدّم أمورًا أعظم من كل ما قدمه هؤلاء.. لذلك نريد فيلمًا يحكي عنه وعن تاريخه.

فاصل اعلاني