هناء العمير: أنحاز إلى سينما المؤلف .. وطموحي مشاركة قصصنا العالم
30 July، 2022
حوار: هدى الدغفق
تتعدد تجارب المخرجة السعودية هناء العمير في الكتابة والإخراج بداية من فيلمها الوثائقي الأول “بعيدا عن الكلام” الذي شارك في عدة مهرجانات، منها مهرجان الخليج 2009. لكن تجربتها الأولى في الإخراج السينمائي كانت من خلال فيلم “شكوى” الذي كتبته وأخرجته بإمكانيات محدودة، لكنه حقق لها انتصارا بفوزه في “مهرجان الأفلام السعودية” ب “النخلة الذهبية”.
ترأست العمير عدد من ورش الكتابة وشاركت كعضو لجنة تحكيم في عدد من المهرجانات والمسابقات الفنية، منها مهرجان الفيلم السعودي ومسابقة ألوان للأفلام القصيرة. كما ترأست مجموعة من ورش الكتابة لقنوات تلفزيونية منها MBC وقناة أبوظبي. وهي عضو مجلس إدارة في الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون.
هنا حوار معها حول مسلسلها “وساوس”، وحول قضايا السينما السعودية:
_ احتفل الوسط الفني السعودي بعرض مسلسل “وساوس” في “نتفلكس”. حدثينا عن أثر هذا الأمر عليك؟
= أعتقد أن هذا الاحتفال في محله، نتفلكس منصة تحوي أعمال متنوعة ومختلفة الجودة فنياً، لجمهور عالمي متنوع وبوجود عمل سعودي في هذه المنصة، فهذا يعني أنه يمكن لأي مشاهد من أي مكان من دول العالم أن يشاهد المسلسل، بخاصة أن نتفلكس بعد استحواذها على المسلسل عملت على ترجمته لأكثر من 20 لغة ومتوفر في منصاتها في 190 دولة. وهذا في حد ذاته إنجاز كبير. تواصل معي جمهور من دول مختلفة من العالم وكنت سعيدة جداً بحديثهم بأن المسلسل قدم شخصيات مختلفة عن الصورة النمطية في أذهانهم للمرأة السعودية وهذا شيء رائع.
_ إلى ماذا تطمحين بعد عرض مسلسل “وساوس” كأول مسلسل سعودي على منصة عالمية؟
= أطمح بأن أشارك العالم قصصنا السعودية. هناك الكثير منها لازال مخبوءاً.
_ لماذا اعتمدت على مسلسل أركانه الاساسية نساء، من ناحية السيناريو والحوار ؟
= فكرة العمل التي عرضت علي، كانت تحوي الشخصيات النسائية الرئيسية، وأحببت فكرة أن هناك شخصيات نسائية متنوعة في العمل، وأحببت أنها بعيدة عن الشكل النمطي للنساء السعوديات في الأعمال الفنية، فهناك سيدة الأعمال وهناك الجرافيك ديزاينر وهناك الإعلامية.
_ ما دوافعك لإخراج مسلسل “وساوس”؟
= دفعني لإخراج “وساوس” أنها تجربة فنية مختلفة، فالبناء السردي فيها مختلف وهو عمل تشويق وغموض وأيضاً من 8 حلقات فقط. أحببت القالب السردي لتعدد الأصوات والروايات في العمل. هو تحد كبير للمخرج وللكاتب، ولذلك فقد أردت خوض التجربة.
_ تتصاعد الأحداث في “وساوس” بشكل جيد ومشوق لكن هذا التصاعد ينتهي بنهاية مبتورة لاتتلائم مع تصاعد الأحداث، فهل سيكون هناك جزء ثاني للعمل أم لا ؟وإذا كان هناك جزء ثان منه، فهل ترين أن تصاعد الأحداث في الجزء الأول كان موفقا رغم النهاية المبتورة؟
= نعم، النهاية تمهد للجزء الثاني وتجعله يكتمل به. وإن كان مصير الجزء الثاني لم يتقرر بعد بشكل رسمي، ولكن بكل تأكيد أن العمل تمت كتابته وإخراجه كموسم أول لقصة تمتد لأكثر من موسم.
_ عادة ماتنتهي الأجزاء في المسلسلات بخاتمة مقبولة وتتسق مع تصاعد الأحداث، لكن مسلسل “وساس” كان ثمة بتر غير موفق ولامفهوم. الحدث الذي لايؤثث لحدث آخر يشكل عبئا على العمل. البنت الصغرى في المسلسل عانت من الصمت النفسي، فلم نجد في المسلسل أي فلاش باك يوضح ما الذي حدث لها ومدى إرتباطه بالأحداث؟
= بالنسبة للنهاية فهي تجيب على التساؤل الأول، أن الحادث ليس عادياً و أن هناك جريمة حدثت. من قام بها، هو سؤال يجيب عليه الجزء الثاني.، أما بالنسبة للبنت الصغرى، فالعودة بفلاش باك ستشتت المشاهد عن القضية الحالية وهي موت حسان الغامض. لذلك تم الاكتفاء بأنها صدمة نفسية سابقة.
_ يحمد لمسلسل “وساوس” أن الشخصيات النسائية فيه التزمت بالواقعية، فلا نرى مكياجا صارخا، والممثلة تفيق من النوم ولانرى عليها الجلابيات المتكلفة المبهرجة التي أعتدنا رؤيتها على الممثلات. باختصار هل واجهت صعوبة في اقناع الممثلات بذلك؟
= الحقيقة أن الممثلات كن متعاونات جداً ومتهيأت أننا نود العمل بطريقة مختلفة وبرؤية إخراجية مختلفة. ولذلك لم أر منهن إلا كل التعاون والمحبة للعمل. أحرص كثيراً على العلاقة القريبة من طاقم التمثيل في العمل وأن يكون هناك نوع من التفاهم والاتفاق بخصوص الشخصية وطبيعتها وكل تفاصيلها. وقد أصبحنا عائلة واحدة بنهاية العمل. ومنذ البداية كان جو الألفة والتفاهم هو السائد.
_ كيف تنظرين الى مستقبل السينما السعودية مع تقدم الواقع السينمائي اجتماعيا واقتصاديا وتنمويا؟
= أراه مستقبل واعد جداً ومبشر. لاتوجد لدينا بنية تحتية للصناعة حتى الآن ولكن مع الدعم الحكومي ووجود هيئة الأفلام ومهرجان الأفلام السعودية ومهرجان البحر الأحمر ومعمل البحر الأحمر وإثراء، أتوقع أننا سنتجاوز الكثير من العقبات والصعوبات وسنصل إلى المستوى المرجو وسنتمكن من تأسيس بيئة صحية لصناعة الأعمال الفنية.
_ هل تأثرت بمدرسة اخراجية ما؟
= هناك مخرجون كبار أحب أعمالهم ومنهم أكيرا كوروساوا وأنييس فاردا وكريستوف كيسلوفسكي وبيدرو ألمودفار. بشكل عام أحب سينما المؤلف، أي تلك التي تحمل رؤية ذاتية للمؤلف يقدم من خلالها فيلمه السينمائي.
_ كيف يمكن صناعة ثقافة سينمائية اجتماعيا؟
= من خلال تقديم نماذج وأفلام سينمائية مختلفة. أتمنى أن لا تكون الأفلام الأمريكية هي الأفلام الوحيدة التي تقدم في صالات السينما. سعدت كثيراً بعرض الفيلم الكوري Parasite في صالات السينما السعودية، وأتمنى أن تعرض أفلام فرنسية ويابانية وأفلام من كل أنحاء العالم، فحينها سيتفتح وعي المشاهد على نماذج فنية مختلفة. كذلك أتمنى أن تكون هناك في كل مدينة صالة سينما للأفلام المستقلة والسينما الفنية، لأن هذا النوع من الأفلام سيعزز الثقافة السينمائية في المجتمع.
_ ماالذي تحتاج إليه السينمائية السعودية في المرحلة الحالية والمقبلة؟
= أعتقد أن العقبة الكبرى تكمن في عدم وجود بنية تحتية للصناعة، فلا وجود لأعراف وقوانين ثابتة فيما يتعلق ببيئة العمل، فلا وجود لساعات عمل متعارف عليها وتراتبية واضحة وكوادر متخصصة، وهذا يحدث كثيراً من الارتباك في العمل ويستنزف الكثير من الطاقة الإبداعية للمخرجة وللمخرج. إضافة إلى أنه يصعب من التفرغ والاحتراف. وكذلك قلة الممثلات السعوديات المحترفات، هناك فئات عمرية لا يكاد يتوفر فيها ممثلات وهذا يصعب إخراج القصص التي تعتمد على شخصيات نسائية.
أعتقد أننا خلال سنوات قليلة سنتجاوز هذه الإشكاليات ولكن حالياً علينا أن نعمل. وللأسف فإن الوضع الحالي سيلقي بظلاله على الأعمال، ولكن ليس هناك من طريق آخر. نحن نستطيع اختصار المراحل ولكن قفزها غير ممكن والصناعة في بداياتها.
_ كيف تعبرين عن رؤيتك السينمائية وتجربتك الإخراجية؟
= السينما هي حالة وجدانية أولاً وأخيراً. وهناك عناصر كثيرة مهمة، الضوء واللون والصوت والموسيقى والتكوين، ولكن أولاً وأخيراً إحساس الممثل هو الذي من خلاله تكتمل هذه العناصر لتشكل المتعة المرجوة. من دون إحساس لا شيء يمكن أن يحدث. غير أنه في الوقت نفسه، بالنسبة لي من المهم الآداء الطبيعي والعفوي، والبعد تماماً عن الشكل المسرحي والآداء المبالغ فيه. أحب اللقطات الطويلة لأنها تعطي احساساً بالانسيابية وأحب كثيراً الاقتراب من الممثل والممثلة. الوجه والعيون أراها مساحة مثيرة للتأمل دائماً.
_ ما الروابط التي تربط بين السينما والحياة؟وكيف تعبر عنها السينما؟
= السينما نحت في الزمن كما عبر عنها أندريه تاركوفسكي. في السينما نختزل الحياة ونعيد بناءها في شكل يشبه الحياة وليس هو، حتى في الفيلم الوثائقي، لا وجود للحياة كما هي وإنما صورة عنها. هناك الكثير مما نحذفه ونضيفه لنعيد تشكيل الحياة برؤيتنا الخاصة، تماماً كما يحدث مع الفنون الأخرى، ولكن الفارق في السينما، أن هذا يحدث من خلال مجموعة من الفنانين تحت رؤية واحدة للمخرج، وإن كانت هذه الرؤية عرضة للكثير من العوامل التي لا تظهر على الشاشة ولكنها تلعب دوراً كبيراً سلباً وإيجاباً فيما يعرض.
_ من اين تستمدين رؤيتك ؟
= أستمد رؤيتي من تجربتي الحياتية ومما أقرأ وأشاهد ومن كل ما يحيط بي. هناك أشياء أعرفها وأستطيع تمييزها في عقلي الواعي وهناك بعض القرارات التي أقررها بناء على احساسي وحدسي. ولذلك كل ما يختزن في العقل الواعي واللاواعي يظهر في أي عمل إبداعي، وأعتقد أن هذا ما يحدث مع كل المبدعين بشكل أو بآخر.