• English
  • 4 نوفمبر، 2024
  • 4:02 ص

الأسئلة الجديدة لكاتب السيناريو السعودي

الأسئلة الجديدة لكاتب السيناريو السعودي

6 June، 2022

المرة الأولى لي التي أشارك فيها ضمن لجنة التحكيم في مسابقة السيناريو كانت بمهرجان أفلام السعودية في نسخته السادسة. وفي الحقيقة فاجأني مستوى النصوص، لكني كنت أعرف أن كثيرًا من الشباب السعودي كان مبتعثًا في الأعوام الأخيرة؛ في أميركا وبلدان أوروبية. لذلك كان عددٌ من أصحاب النصوص لديهم زوايا فنية ليست موجودة في الفنون السعودية، بحسب ما أظنّ، حتى لو لم يمارسوها. هذا كان واضحًا في النصوص، التي كان جزء منها مكتوبًا باللغة الإنجليزية، رغم أننا استبعدناها بسبب وجود شرطٍ، هو أن تكون النصوص كلّها باللغة العربية.

لكنْ، حتى المكتوب باللغة الإنجليزية كان فيه دلالة قوية على أن هناك تعليمًا جيّدًا، وانفتاحًا على الآخر، ويعكس متابعة متقدمة لما يحدث في العالم. وما أريد أن أوضِّحه، أن الأمر هنا لا ينطلق من مجرد المحاكاة لما يحدث في الغرب، إنما هناك مبدعون حقيقيون، يمارسون الكتابة عبر الاحتكاك بنصوص موجودة في لغات أخرى.

طبعًا، وجود البيئة أو المناخ الجغرافي بالنسبة لي هو الشرط الرئيسي لأيّ تقدم في أيّ مجال فني. هما ما يدفع لظهور مواهب فعلية. من دون البيئة ستبقى المسألة شديدة الفردية. حضور البيئة في مجال مثل السيناريو والاحتكاك ومشاركة الأفكار والنظر إلى أفكار أخرى وتجارب أخرى، كل ذلك سيقوم بتوسيع العالم بشكل عام، وسيؤدي إلى تجويد كتابة السيناريو.

في الدورة السادسة أظهر مهرجان أفلام السعودية طاقات فعلية في مجال كتابة السيناريو، فوقفنا كلجنة تحكيم على وعي وإلمام بتكنيك كتابة السيناريو عند المتسابقين، ووجدنا نصوصًا حازت درجات متقدمة جدًّا، وتوافقًا من لجنة التحكيم. ومع ذلك، فإن الكُتّاب يحتاجون في التجارب المقبلة إلى تجويد الحوار.

لقد انتابتنا في لجنة التحكيم حالةُ فرح بسبب ما لمسناه من تقدم في الكتابة عند المشاركين في المسابقة، الأمر الذي جعلنا نمنح المشاركات الأكثر تميزًا درجات عالية. أحيانًا كنت أقرأ السيناريو مراتٍ عدة حتى أستطيع أن أفاضل بينها، لتقارب المستويات من ناحية الجودة.

وإذا تطرقنا إلى المواضيع التي اشتغل عليها كُتّاب السيناريو، فإنها انعكاسٌ للبيئة وما تمور به من صراع ومن محاولات للتحديث بشكل أو بآخر. فتوجد سيناريوهات تناولت الاختلافات المذهبية، وعودة المتطرفين أو الذين وقعوا في حبائل الإرهاب إلى الحياة الطبيعية بعد إعادة التأهيل. هذا كان هاجسًا عند البعض -كما لاحظتُ- لتقديم صورة جديدة عن السعودية. لكني أعتقد أن 80 في المائة من النصوص كانت تتناول الحياة اليومية في المجتمع السعودي.

ومما لفت انتباهي إمكانُ استعمال الخيال في عدد من السيناريوهات، بعيدًا من الأسطرة؛ ما يعني في رأيي أن كُتّاب السيناريو لديهم وعيٌ شديد بموقعهم، في محاولة للوصول إلى ما هو أفضل.

في الواقع عثرنا على نصوص جميلة وجديدة ولديها أسئلة كثيرة، وهذه الأسئلة هي التي ستطوّر الكثير من الأمور في السينما؛ ذلك أن السينما فنٌّ صعب ويحتاج إلى خبرات وإلى نضج، وهذا ما يتجه إليه هؤلاء الكُتّاب.

ومن النصوص التي طالعناها يمكن ملاحظة أن المجتمع السعودي يعيش مناخًا جديدًا، ويتيح المجال للمبدعين لكي يبدعوا ويجودوا إبداعاتهم، مناخًا يسمح للفنون المختلفة أن تكون حاضرة، ويوفر لها كل ما يلزم لتنمو وتتطور من الداخل وتزدهر؛ فالمبدعون الذين درسوا في الخارج وعادوا، بالتأكيد سيعملون على تطوير هذه الفنون بحكم الخبرات التي اكتسبوها من الآخر، وسيطرحون المزيد من الأسئلة وسيقترحون ما يستطيعونه من حلول وإجابات، وهو ما يمثل جزءًا من تقدم فن السينما وصناعتها.

عثرنا على نصوص جميلة وجديدة ولديها أسئلة كثيرة، وهذه الأسئلة هي التي ستطوّر الكثير من الأمور في السينما.

فاصل اعلاني