• English
  • 4 نوفمبر، 2024
  • 4:47 ص

سيناريو فيلم شجرة الحياة لـ تيرينس ماليك

سيناريو فيلم شجرة الحياة لـ تيرينس ماليك

13 August، 2024

ترجمة: إزدشير سليمان

تمهيد

ضمير “الأنا” في هذه القصة لا يعود للكاتب. وهو يأمل بالأحرى أن ترى نفسك في هذا الضمير، وأن تفهم هذه القصة كما لو كانت قصتك

 

الجزء الأول

خارجي – بيت أوبراين

(بيت عادي وسط تكساس. حي على أطراف البلدة. ثلاثة أطفال، أشقاء، يلعبون في الفناء الخلفي. الأكبر جاك 11 عامًا. RL أصغر بعامين. وستيف 6 أعوام. الأب والأم (السيد والسيدة أوبراين) ينظران باستحسان. تتوسط الفناء شجرة بلُّوط طويلة. نحن في العام 1965)

 

زوايا أخرى

(يلعب الأولاد مع كلبهم، شيب. تبتسم أمهم برضا. باركتها الحياة، فلا ترى إلا الخير في كل ما حولها. يبدو قلبها منجذبًا، بصفة خاصة، إلى ابنها الأوسط، أجملهم وألطفهم. الشمس إلى المغيب بينما يقرع جرس الباب).

 

خارجي- بيت أوبراين

بعد 12 عامًا

(ساعي بريد من ويسترن يونيون يخرج من البيت. تتكئ السيدة أوبراين على الحائط، بينما تقرأ الرسالة.)

 

داخلي، بيت أوبراين

السيد أوبراين يراقب بينما تحدق زوجته من النافذة.

– الأب: هل يمكنني أن أفعل أي شيء؟

(تهز يديها، تتركه يقبلها، تبدو عمومًا غير واعية لوجوده. لا تلاحظ شيئًا ولا تقول شيئًا.

ينبغي أن يكون قويًا، ثمة وقت كافٍ للبكاء. يحزن لمصابها أكثر مما يحزن لمصابه، ومن الطريقة التي صُفعت بها.. تلك المرأة البارّة جدًّا، الودودة والمستقيمة، التي لم تعرف طوال حياتها إلا نكران الذات، التي أحبت الخير، ووهبت الفقراء، وواست البائسين).

لقطة قُدمًا

(ينهض الرجال وينحنون لها عندما تمرُّ).

 

داخلي، بيت أوبراين

أصدقاء جاؤوا للزيارة

– بيتي: فعلتِ كل شيء لإسعاده، لا يمكن لأحد أن يحظى بحياة أفضل.

– جين: كم كان ولدًا رائعًا.

– روث: موسيقي رائع.. كان أحلى طفل التقيته في حياتي.

– روث: يا لمرارة الأمر الآن، ولكن لديك ذكريات جميلة عنه، لا يمكن أن تغور أو تُنسى

  الذكريات لها عذاب لا عزاء.

– جين: سيعيش في قلبك دائمًا

  يعيش؟ هذا ما لن يفعله

– بيتي: نحن لا نفترق أبدًا، ليس عن أولئك الذين نحبهم.

– جين: الألم سيمر

(لا تريده أن يمر. أبدًا. تريد أن تحتفظ به دائمًا. شظية من زجاج في قلبها).

– روث: إنه يرقد بسلام الآن

(تتركهم يعيشون في وهمهم الساذج. ليت كان بإمكانها أن تعيش الوهم. أن تسمع نُطق اسمه أمر لا يمكنها احتماله. ألا أحد يفهم؟، الآن، عندما ينظر الآخرون إليها، يشيحون بنظرهم عنها. تعي أن وجودها غير مريح لكل من تقابلهم، وخاصة عندما تتكلَّم).

– بيتي: إنه بين يدي الله الآن

(أين هو الله؟ وأين كان حينها؟ التزمت الطبيعة الصمت ولم تنبس بكلمة. كان الطفل بين يدي الله طوال الوقت، ألم يكن؟)

– جين: لم يعانِ. إنه أفضل حالًا حيث هو.. الأمر صعب للغاية.. يمكن للمرء أن يفعل كل شيء على نحو صائب، وبرغم ذلك…

(تبدو أصواتهم بعيدة، كما لو أنهم يتحدثون إليها من خلال دهليز. فليتحدثوا إلى بعضهم بعضًا، لا إليها.

سهل شاسع أجرد. موتٌ يكشف الخواء الذي كان لابثًا هناك.

لا شيء سواه. تلك الحقيقة كجدار أصم. لا يمكنها أن ترى شيئًا آخر. لا يمكنها أن ترى أبعد منه.

هشم حيوات عديدة.. تناثرت كيفما اتفق هنا وهناك مثل الماء المنحدر من صخرة إلى صخرة).

داخلي – بيت أوبراين

(لا يمكنها أن تنظر في غرفته. وعندما تفعل، يموت بالنسبة إليها مرة ثانية. تمشي جيئة وذهابًا أمام الباب المقفل).

 

داخلي – بيت أوبراين

(يتساءل معزوها بقلق وفزع بينما يغادرون: لماذا هي وليس نحن؟ هم أنفسهم حيارى، بعضهم انكفأ إلى البكاء).

– جين: إنها أفضل امرأة في البلدة

– روث: ربما كان هناك أشياء لا نعرفها.

– بيتي: لا يزال لديها طفلان آخران.

(تسمع أصواتهم عرضًا بعد رحيلهم. كم يسهل عليهم الكلام بمجرد خروجهم من حضرتها.

ليس فقط ابنها.. يبدو أن الخليقة برمتها قد ماتت. لقد خانت الطبيعة القلب الذي أحبها).

(يظهر طفل ومعه كسرولة).

– الطفل: أمي أرسلت هذا. (يتراجع بسرعة وعيناه مثبتان على الأرض).

(في الغرفة المجاورة، يضحك السيد أوبراين ويهز رأسه. لا يبدو أنه استوعب كل شيء).

– الأب: ذلك الوغد! أتذكر كيف لم تتمكن من إدخاله إلى الحوض. ثم بمجرد دخوله، لم يكن بإمكانك إخراجه مرة أخرى!

(الفجر الرمادي في اليوم التالي. لا يبدو بيت آل أوبراين مختلفًا عن أي بيت آخر في الحي. ساعي البريد ينطلق إلى عمله. وموزع الصحف.

يتحدث رجال الحي فيما بينهم بأصوات خافتة، بينما يشغلون مِرشاتهم عند الغسق. تداعي بيت آل أوبراين يثير الرهبة في نفوسهم. تلك العائلة التي كانت سعيدة ومزدهرة ذات يوم أصابها الحزن والقدر المشؤوم).

– السيدة أوبراين (منقبضة، من خلال شق في باب غرفة النوم ترى زوجها جاثيًا على ركبتيه).: أي نفع عاد له من هذه الصلاة؟ هل يصلي لعنكبوت؟

(الغاردينيا، زهرة متسلقة. الطبيعة تطرح الحياة حيث تشاء. لماذا يتنفس كلب في الجوار بينما لا يحظى ابنها بمجرد شهيق؟

لاحقًا، عندما يصدر صوت من جيتار الطفل، تسمع زوجها يؤكد أن أحدًا لم يلمس الجيتار أبدًا. السيد أوبراين (زوجها) حاول أيضًا مواساتها. ولكن بما أن لديه سببًا مماثلًا للحزن، فلن يكون أكثر إقناعًا من أصدقائها.

جعلها الحزن العميق غريبة عنه، بدت مُقدسة على نحو ما. وبرغم ذلك، كان لا يزال عليه أن يقول شيئًا).

– الأب: يجب أن نكون أقوياء.. من أجل طفلينا الآخرين.. لا ينبغي أن يروا.. (تشيح بوجهها) لم أكن يومًا الزوج الذي تستحقينه.. لم أحبك بما فيه الكفاية.. برغم ذلك.. آمل أن يتسع قلبك لي.. دعينا نتشارك الحزن..

– الأب (مواصلًا): الأمر جد صعب على المرء وحده.. كنت اعتقد أننا سنمضي أولًا.. لم أتخيل أننا سنعرف.. سنرى.. (تنظر للأعلى) أتمنى لو كنت أنا. لقد جردته من الثقة بنفسه. لم تسنح لي الفرصة لأخبره كم أشعر بالأسف.. لقد جعلته غير سعيد وقلقًا.. فعلتُ ذلك بدافع الحب!.. سامحيني..

(تتردَّد، تنتظر ابتلاع حشرجة لتتكلم.. ولا تجد ما تقوله. ما الذي فعلوه لتحل بهم هذه المصيبة؟ ماذا كسب العالم؟ لم يعرف “العالم” ولم يكترث).

– الأب (مواصلا): سأكون قويًا لأجله. هذا ما كان ليرجوه. وهذا ما سيحصل عليه.

(أرجوحة فارغة. زلاقة. جسر. عشب يتلاشى في حرارة آب.

يضمها بين ذراعيه. كم تبدو الفروقات بينهما صغيرة الآن. إنه يحبها الآن بمعنى الكلمة. يوحدهما الحزن أخيرًا).

– الأم: هل قلت أن لدينا ثلاثة أطفال أم اثنين؟ (هامسة) أكره حياتي.. أريد الموت.. أريد أن أكون معه.. مع ولدي.. (لن تتعزى. ينظر إليها مغلوبًا على أمره)… فجأة… أيا يكن ما أقوله لا تصدقني.

(تصلي وحيدة. لا تسمع جوابًا. يغلق السيد أوبراين غطاء البيانو الخاص به.

روحها رحلت. صلاحها. تمضي في حياتها. تمشي، تأكل، تنام، تستيقظ. لكنها لا تعيش. كل الأمكنة والساعات سواءً.

أفضل ما فيها ثوى في روحها. عاشت من خلاله، رأت بعينيه، ولم يكن بوسعها أن ترى أعمال الله، أو نظام الطبيعة بمعزل عنه. فيها كان الموت، وفيه كانت الحياة.

شجرة عارية في الشتاء. الطبيعة كذبت).

 

جاك (بالغًا)

سلسلة من الزوايا

(تدريجيًا ندرك أن جاك، ابنهما الأكبر، قد كبر الآن. وقد حاول الآخرون مواساة والدته وفشلوا. كيف يجب عليه مواساتها؟)

– جاك: لقد كسر قلبك. لم تعودي أنت بعدها. اهتز إيمانك بالخير، بالرغم من أنك احتفظت به بعناية سرًّا؛ لئلَّا يهتز إيماننا. (تمشي وحدها) عبثّا! كنا نعرف! رحل. العالم من بعده كذبة.

– صديقة (تهمس في أذن السيدة أوبراين): لا تدعيهم يعزونك. لا تنسي! سيلازمك الألم فترة طويلة. لكنه سيتحول إلى فرح في النهاية.

(على متن قطار يخترق الريف. القاطرة بعيدة في الأمام، بالكاد مرئية. قوة عمياء وساحقة).

– جاك: لماذا تحزنين وتضنين؟

(تتشابك القضبان تحت عجلات القطار. الخطوط الفولاذية للقدر. تمضي على هواها متحدية كل الطرق الأخرى، كل الجدران، ومهشمة كل العوائق.

لا يمكن إقناعها بالاستدارة والنظر. تشيح بوجهها وتحدق في الأرض.

يصعب عليها الاحتمال مع مرور كل يوم. لا تستطيع القراءة ولا النوم. نور الفجر المنسرب من خلال النافذة مروّع بالنسبة إليها. كما لو أنه مات مرة أخرى. وبرغم ذلك، لن تُفاجئ إذا ما رأته يدلف إلى الغرفة.

الأطفال يلعبون. حلَّ الربيع. الزعفران يخرج برأسه من التراب. الزمزريق يتوهج. لقد عادوا.

باب يخشى المرء النظر من خلاله، وطريق يُحجَمُ عن اتخاذه. حدائق خاوية. حديقة واسعة ومهملة. بوابة. الماضي يدمغها كلها.

تشكيلات متحللة من الأوراق في ممرٍّ طويل ومستقيم من الأشجار لها شكل التماثيل. تماثيل الآلهة المنسية. تحدق في الأفق كما لو أنها تبحث عن مُخلِّصها. الدرابزين؛ بركة مياه جافة. ممرات مغطاة بأوراق مخضلة. سلالم لا تؤدي إلى أي مكان. فراشة.

تتذكَّر عندما عانقتها الشمس، بدا حينها وكأنها ترغب في الموت بين ذراعيها.

غربان تحوم فوق حقل القش، تنقب في الأخاديد).

– جاك (مستمرًّا): من أنت يا من أخذته؟ هشًمت الأغلى.. فلترسل الذباب إلى الجروح التي اندملت بفعل جبروتك.. من يمكنه منعك؟

(يقل الأصدقاء المعزون. لا تكترث. ابنها بالنسبة لها حي في موته أكثر منهم؛ أولئك الأحياء.

عِمْتَ مساءً يا ولدي. لن تراه إلى أن تلفظ السماء والأرض أنفاسهما.

أي معنى انطوت عليه حياته. يُفضَّل وجوه من يواصلون العيش، الغرباء.

عاليًا، في السماء، صرخات الإوَز ضائعة في الغيوم ومُشتتة. عوامة تجلجل في الضباب. عادت الطبيعة إلى فوضاها.

يد على الستارة. ما الموت؟ كيف يبدو؟ تتوقف الصورة. ينتهي الفيلم.

يتوقف جاك على الطريق، يصيخ السمع. يبدو كما لو أن الريح تحاول أن تقول له شيئًا ما.

يجد نفسه على سُلَّم نهايتاه، العلوية والسفلية، ضاعتا في الظلام).

– جاك (خارج الشاشة، مواصلا): كيف أسميك، يا من التقينا به في الغابة وعلى التلال، يامن عرفناه أولًا في عينيها؟

(لقطة قريبة لإظهار حياء أمه، دعابتها الحلوة، وصدقها. حنوها، وجهها الحزين، الباحث عنه بلا كلل، الذي يتمنى له القوة والسعادة.

يداها عندما طعنت في السن: هاتان اليدان المجعدتان اللتان كانتا تحملان في السابق الكثير من الأشياء العزيزة عليهما، تلك اليدان اللتان كان يمكنه أن يمسكهما، ويحتضنهما بقوة إلى ما يريد، سرعان ما سيفقدهما مع كل ما يحبه.

التغيير، ربيع كل حزن. هل يُعفي شيء من الولادة والنمو والاضمحلال؟ هل من شيء يدوم للأبد؟

ظِلٌّ يرقص على الأرض. هذا العالم يندثر.

والده، الذي كان في البداية حريصًا على أن يبقى هادئًا ورابط الجأش، يمزق معطفه ويبكي فوق رأسه).

– جاك (مواصلا): دلني على الطريق إليك.

(شجرة البلوط في فناء الدار. تتغلغل جذورها في ظلام الأرض، نحو مركزها ومصدرها. تتمدَّد أغصانها نحو الضوء، نحو الاكتشاف والتعبير. نبع للحياة).

– جاك (مواصلا): أخي.. أخي العزيز.. كان لنا قلب واحد وروح واحدة. أين توقفت انت وبدأتُ أنا.. لا يمكنني أن أعرف.

(الجذع الثابت أعلاه عالم من الأوراق التي تتهامس، يبدو مهبطًا للوحي).

– جاك (مواصلا): أين أنت؟ كيف لي أن أجدك مرة أخرى؟ سأمضي بحثًا عنك.. عبر كل العوالم.

(تتخلل الكاميرا الأغصان بحثًا عن طريق إلى السماء في الأعلى).

– جاك (مواصلا): أخي. تحدث من خلالي. خذ بيدي. أجبني من حيث أنت. انظر ما كنتُ وما أنا عليه الآن. امنح روحك لهذه الأغنية.

(يكتشف نفسه وقد أوشك على النوم على مقود السيارة. يجاهد للبقاء مُستيقظًا. تنحرف السيارة عن الطريق، ومع ذلك لا يزال غير قادر على أن يعي، على أن يفعل ما تتطلبه الإرادة.

تمتدُّ يد إلى كتفه، توقظه.).

 

خارجي – المدينة الخربة – العالم الصُوري.

من المساء إلى الليل وحتى الفجر – (جاك بالغ).

 (يستيقظ جاك ليجد نفسه في مشهد الركود واليأس المـُسمى اليوم باسم المدينة. لقد اتخذ العالم المألوف وجهًا مُهددًا.

عدد من المشاهد تقتفي لقاءات جاك البالغ مع أصدقاء وغرباء. ولتجنب مقاطعة تدفق السرد لن نحددهم هنا: نسمع أفكار جاك بين الحين والآخر، وهو يقودنا خلال تعاريج القصة.

القطع سريع ومتقطع للإشارة إلى الطبيعة المتشظية للحياة المعاصرة.

عيناه تومضان بالتوق. لكنه لا يبقى في أي مكان لفترة طويلة أبدًا. ناءٍ أبدًا ومرتحل أبدًا. أين أخطأ أو انحرف عن الطريق؟

النجوم شاحبة. السماء سديمية. ينهمر ضوء القمر، مثل أي ضوء فارغ آخر، على أبراج الحديد والزجاج. أين في شوارع وأزقة هذه المدينة يمكنه أن يجد أدنى دليل على نظام العالم، أي علامة تساعده في العثور على طريقه.

الآخرون لا يرون عينيه. كل يمضي في طريقه وحيدًا، منكفئًا على نفسه. لا أحد يمكن أن يكون متأكدًا من الآخر. لا رابطَ ثابتًا أو مستمرًّا.

ومثل طير أُرتج عليه في غرفة، يصفق السقف والنوافذ بأجنحته، تُصارع الروح لوهلة، ثم تغرق في الخذلان.

تطوقه المباني مثل الأشجار في غابة برية. طبيعة زائفة، كون ميت. عالم كفيف، مسقوف، ومعزول عما هو موجود في الأعلى. هنا لا بدَّ للمرء من أن ينحني ليعيش. عالم يُقصِي المتعالي ولسان حاله يقول: أنا فقط ولا شيء آخر. عالم بلا حب.

يبدو أنه يستطيع النجاة فقط إذا ما تمكَّن من إرغام نفسه على ذلك. وهو نوعًا ما لا يستطيع. إذا ما ذهب للنوم لا يستطيع أن يستيقظ. يصحو من منام ليجد نفسه في منام آخر.

معالم مدينة حديثة: قد تكون شيكاغو، نيويورك، هيوستن، باريس، مومباي، لوس انجلوس أو توليف منها جميعًا. نحن لا نراها بشكل كامل أبدًا.. لا يوجد أفق أو نصب تذكاري محدد.. مجرد لمحات.. حركة هستيرية للأشياء والأشخاص – تدفق مستمر للقطارات والسيارات – بابل جديدة.

يبدو التغير هو الثابت الوحيد في هذه المدينة.. التلاشي والفقد. الكينونة ظل. لا شيء سوى هذا التدفق اللانهائي. لا شيء أزلي، لا شيء أكيد.

تلوح في وجوه الغرباء تلك النظرة الملتاعة التي تسم عصرنا.. تلك الوجوه تخون نفسها باصطناعها الابتسامة والمجاملة التي يتزيا بها حتى الأطفال.

كل واحد ظل للآخر، وكل امرئ عينيه مثبتة على الأرض أمامه، مُستغرق في عالمه الخاص. متفرجون في صالة سينما).

– جاك: أخي الطيب.. يا من ملأت قلوبنا بالنور.. يامن قربتنا من بعضنا البعض وجعلتنا واحدًا.. عائلة.. بيتًا.. رحلت. في ليلة لا فجر فيها.

(يتوقف. يصغي. وميض رمادي لشاشة تلفاز يتخايل على سقف شقة منعزلة. في مكان ما زوجان يغضبان ويصرخان على بعضهما.

لقطات متباطئة للمباني الشاهقة، بينما تحف بها الغيوم. (ردهات. مكاتب في الليل. جدران).

– جاك (مستمرا): ما كان الشيء الذي أشرت إليه..هل تعرف أفضل مني؟ تجاهلت الإهانة والجرح.. كنت دمثًا.. لطيفًا..

(لا شيء يضيف إلى شيء آخر، أو يفضي إليه. يعيش بالتتابع.

ظلال المارة تتلامع على الشارع. مجرى مائي جاف. حديقة في الشتاء. سيقان عباد شمس ميتة وقاسية، رؤوسها محنية بانكسار).

– جاك (مستمرًّا): تكلم.. دعني اسمع.. أرى. دع الأشياء لا تمض هباءً. غنِّ معي.. من خلالي.. أنت الفنان الحقيقي.. امنحني قوتك.

(كل شيء يتواطأ ليقود المرء إلى الاستمرار كما كان من قبل. ليرتاح في القبر. لينام.

الضفة الخرسانية لنهر لوس أنجلوس. الطبيعة تحتضر. من دون الطبيعة، هل تموت الروح؟ ترفرف العين هنا وهناك كطائر مذعور.

الآخرون لا يخمنون شيئًا عن حالته، وهو لم يتفوه بكلمة. ما الذي قد يقوله؟

ضباب الشاطئ. وجوه باهتة).

– الأم: كنت أعلم بحدوث مثل هذه الأشياء، ولكن بدا أنها لن تمسني. كان يمكن أن أكون معه..

(صوتها يخبو.. ثم مضت. وفي لحظة خيالية يجد نفسه غارقًا في النهر.. ترتفع المياه وتهدد بابتلاعه.

يجد نفسه الآن داخل بيت يحترق. ينزلق الدخان من تحت الباب. يقشر اللهب طلاء السقف. يقحم قبضته في فمه لئلا يصرخ. يقف الآخرون متفرجين، بلا كلام أو عمل. كما لو أنهم تحت تأثير تعويذة أو سحر ما.

غريب يضع ووكمان على أذنيه. سائق عالق في ازدحام مروري).

– جاك: بخسارتك، خسرتُ طريقي.

(حياة مادية في عالم هجرته الروح. خيالية منظمة. والروح عائق في علاقات المرء هنا. عبء. ليست سوى مُستوعب للأفكار والرغبات.

المرء عقيم وبلا ملامح. مُشتت الذهن. مختلف مع نفسه. أشتات أكثر منه إنسان.

الأشغال العامة باردة. المدينة: الخليقة الضائعة، الكون يصبح كهفًا.

مسافرون في مترو نيويورك. الكل ينتظر خليقة جديدة. لا أحد يعرف كيف تتمخَّض.

وجد نفسه على متن طائرة. تنساب فوق قمم الأشجار. تعلو وتهبط. تصارع من أجل أن تطفو عاليًا. تطير تحت خطوط الكهرباء وبالكاد تتجنب المنازل والمباني السكنية. نام المسافرون الآخرون. أو أنهم لم يُلقوا بالًا.

تهدر الحواس بصوت عالٍ. أعلى من أي وقت مضى. الإحساس يصبح مادة. يحاصرنا العالم الزائف حدَّ أنه يأخذ مكان الطبيعة.

إنه موت جديد، موت الروح، اندثار الروح.

البؤس الأعظم: أن يُخدع المرء في إدراك الجوهر، أن يجد المرء نفسه منقادًا لرقصة الأشياء الزائلة.

ماذا يكون اليأس إن لم يكن فقدان الأبدية؟

الأشكال تتبدد مثل الأفكار، مثل الأشكال في الشلال. عناوين الصحف. أجزاء من البرامج التلفزيونية. حقائق صادمة. جدران. أضواء سيارات الشرطة. حركة المرور. كاتدرائية مظلمة فارغة.

أين أنت لتجد الربيع ومصدر الحياة؟ هل ستموت قبل أن تفعل؟)

– صوت: خذ بيدي من الصوري إلى الحقيقي، خذ بيدي من الظلمة إلى النور، خذ بيدي من الموت إلى الحياة الأبدية، ما مآل الطبيعة؟ أما من شيء هنا سوى هذه الفوضى، سوى هذه الأكوام من الحطام والنفايات؟ أما من شيء يجمعها معًا؟

(جهنم جديدة، خاصة بعصرنا، صندوق زجاجي. السماء ملبدة. لقد ارتجَّ الإنسان على نفسه. لا بدَّ من أن يبحث عن مخرج. ينبغي أن يرتحل عبر الزمن، من البراني والخارجي إلى قلب الخليقة.

شجرة منعزلة وسط موقف للسيارات. ساعة. باب موصد. ضوء شرفة. رجل أعرج يظلع في الشارع. تتوالى الصور في تتابع سريع. يفرقع الصوت.

يجد نفسه على بناية عالية. يقفز من الحافة. هواء رقيق. من دونما أدنى فكرة عن كيفية النجاة من السقوط. يستيقظ لاهثًا.

يقف شخص إلى جواره. لا يستطيع أن يرى وجهه، ولكنه يشعر بسلام غريب يسربله، شعور بحبٍ مُشعٍّ. من أنت؟ يوشك جاك أن يسأل. لماذا لا يمكنني أن آتي إليك؟

يشير الشخص إلى بوابة. وراءها حقل. مرتجفًا، ينظر جاك خلفًا إلى المدينة.

– الشخص: اخرج. من سيرشدك موجود إلى جانبك. ما عليك إلا أن تثق فيه.

(يمد الشخص يده ويلمس رأس جاك ثم يختفي، ينظر جاك حوله، من أين يبدأ؟

يحل الليل كالضباب. تُومض مصابيح الشوارع. نجمة الصباح تومض عبر فرجة بين المباني الشاهقة.. وحيد، مهمل.. وعد بذاك العالم الذي هو هنا مجرد أسطورة؟

أنت.. من أنت؟ يا من يبدو أن النجم يخاطبه.

تحت العالم الزائف، وجه الخليقة الحقيقي، مغطى، محجوب، ولا يزال يومئ إلينا.

يغلق عينيه. يفضل النوم على خوض النزال الضروري. ينتظر الأمر الذي صدر بالفعل.

فلنغنِّ أغنية جديدة. لنروي قصة جديدة، حكاية تستحضر حكايا الماضي وتستلهم العلم.

فلنبحث عن الثابت وسط الزائل والمتغير، عما يستمر من خلال مشهد التغير المستمر. دعونا نكتشف الأزلي، الخير.

يمشي جاك على طول شاطئ سانتا مونيكا. يتحرك راكبو الأمواج صعودًا وهبوطًا في رتل. أطفال يلعبون. تُعيده ضحكاتهم وصرخاتهم الحادة إلى الماضي، إلى طفولته وما بعدها، إلى أصل العالم، إلى نور الخلق الأول.

 على طرف المدينة يرى شجرة. يمد يده ليلمسها. وفي اللحظة التي يفعل فيها ذلك، ينبثق الكون من مصدره.

الخليقة نعرض نمو الكون، ملحمة التطور الكبرى، منذ الانفجار الكبير عبر العصور الجيولوجية الطويلة، وصولا إلى يومنا هذا.

نبدأ من الفوضى أو العدم اللذان انبثق منهما المكان والزمان… في عالم أبعد مما يمكننا تخيله، بلا شكل أو ترابط، خالٍ من الهنا والآن. وفجأة، مثل الفرح الذي يحل محل الحزن والتجهم، ينفجر النور، ويتخلق الكون.

تتجمع السحب الجزيئية لتشكل مجرات تبحر في الخلاء مثل السفن في بحر بلا شواطئ. نجوم جديدة، عوالم جديدة تولد وتختفي، مثل بذور ضائعة. إنها الأفران التي تُصهر فيها عناصر حياتنا المستقبلية. عديد من التجارب يجب أن تُجرب وتُرفض قبل أن يُعثر على نظامنا، أُنفق الكثير من العمل، مع التحسينات المستمرة عبر العصور الطويلة.

أخيرًا تظهر أرض الأسلاف، مصباح غازي، يبدو نجمًا أكثر منه كوكبًا، ملفوح بوهج الشمس، متألق مثل الفحم في الأعماق.

تبرد الغازات متحولة إلى سوائل. تسقط نواة صلبة، تتشكل قشرة رقيقة. ومن وقت لآخر تتلاشى الأبخرة لتكشف عن جحيم هائل من الماغما والزفت.

تمتلئ السماء بالأبخرة. تهطل الأمطار لآلاف السنين فتبّرد السطح درجات عديدة. ولعصور طويلة لم يكن هناك يوم صاف مشمس، ولا ليلة تسطع بالنجوم، بل الرعد والبرق فقط. ولكن بمرور الوقت، يتلاشى الضباب، وتتفرق السحب وتظهر الأرض الأولى، جزيرة منخفضة من الأنقاض النيزكية والحجر البركاني القاسي.

ومع عدم وجود نباتات لتثبيت الأرض في مكانها، تقوم الرياح والمياه بنحت الحجر إلى أشكال رائعة. تتحرك الظلال رياضيًّا فوق التلال. قفر شاسع بلا نهاية. كل يوم هو مثل الآخر.

في مياه الينابيع الساخنة المغلية، تتطور كيانات يمكنها الحفاظ على سلامتها في مواجهة الاضطرابات الخارجية. وهي لا تستمر من خلال حفاظها على صلابتها، ولكن من خلال لدونتها ومرونتها. إنها تقاوم التغيير بتغيير أنفسها إلى ما لا نهاية، مثل دوامة، وتخترع تنويعات على أنفسها تحميها من الإصابة والحوادث، وتخلق تدريجيًّا عالمـًا أكثر ملاءمة لنموها.

لا يمكننا أن نقول بدقة متى أو كيف تبدأ الحياة. لم تأتِ كحدث فريد من نوعه، بحركة دقيقة على مدار الساعة. الكائنات الحية الأولى محبة للحرارة البسيطة، بأشكال هامشية غريبة، ليست نباتية ولا حيوانية، بالكاد تتجاوز الخط غير المحدد الذي يفصل الحي عن الجماد.

تنجرف تلك الكائنات في عزلة البحر الشاسع الميت تحت السموات الساطعة لكوكب لا يزال يعاني من الانفجارات البركانية، ومهدد بتأثير الكويكبات والمذنبات.

وفي المناطق المحمية من الرياح، تظهر مستعمرات البكتيريا على شكل زبد وطين يخضب الشواطئ على طول المجاري المائية، مثل حلقات حوض الاستحمام. لم يكن هناك حيوانات مفترسة، وكان الموت شيء غير معروف بعد.

تظهر الحصائر الميكروبية عند حواف المد والجزر. وهي بدورها تؤدي إلى ظهور الستروماتوليت؛ وهي عقد صخرية صلبة طباشيرية، على شكل الملفوف أو القرنبيط، وهي من تصميم أجيال من البكتيريا الزرقاء التي تعيش فوق بعضها البعض، مثل المرجان في الشعاب المرجانية.

تتعلم البكتيريا التي كانت تفترس بعضها بعضًا، تدريجيًا كيف تعيش في مجتمع. عندما تصبح هذه المجتمعات متوارثة، تنشأ الخلايا الأولى ذات النوى. وتصل البكتيريا معًا إلى نتيجة لم يكن يمكن لأي منها تحقيقها بمفردها.

منذ البداية، يلعب التعاون دورًا كبيرًا مثل المنافسة في ارتقاء الحياة. وهو ينجح حيث لا تنجح القوة العارية والأنانية، مما يجعل ألدَّ الأعداء لا غنى عنهم لبقاء بعضهم البعض. إن الصراع من أجل البقاء ليس قانون الحياة الوحيد أو الأساسي.

تزحف البكتيريا ببطء إلى الداخل، وتنتشر فوق الحطام البركاني مثل طبقة من اللباد. وسرعان ما تكثر النباتات وصناديق الجواهر السحرية التي تحتوي على الكلوروفيل. وبدلًا من استخلاص الغذاء من البيئة المحيطة بهم، فإنهم ينتجونه لأنفسهم، محولين ضوء الشمس والكربون إلى أنسجة حية.

لقد جعل التمثيل الضوئي الحياة مكتفية ذاتيًّا، في الوقت الذي كانت تعيش فيه وقتا مُستعارًا، معرضة لخطر التهام كل ذرة من الغذاء في البحر. الآن تستطيع الحياة أن تصنع طعامها بنفسها، ولم تعد تعتمد على الحصول عليه، جاهزًا، من مصدر خارجها.

تجد بعض النباتات، التي تفتقر إلى الكلوروفيل، أنه من الأسهل افتراس النباتات الأخرى، بدلًا من تصنيع غذائها من المياه الفقيرة وأشعة الشمس. وهكذا تنشأ الحيوانات الأولى؛ حياة تسرق حياة؛ القتلة.

بمجرد ظهور تلك الكائنات الأولى الدخيلة، فإنها تُظهر بدايات الحاجة والغرض والإرادة؛ علامات الهوية التي لا لبس فيها، العلامات الحقيقية الأولى للذات. لقد ترسَّخ شيء جديد في الطبيعة؛ شيء لا تحركه قوى خارجية، بل يتحرك من الداخل، مدفوعًا بذاته ولا شيء آخر.

تنشأ مستعمرات من الحيوانات تُقسّم فيها وظائف الحياة بذكاء. تنتشر المخلوقات متعددة الخلايا عبر البحار مُستخدمة كل موطئ قدم يمكن أن تجده لتأسيس وجود لها، بغضِّ النظر عن مدى ضيقه أو تقييده في البداية.

لا نرى الخلق كحدث في الماضي البعيد، نتيجة لفعل منسي ومنتهي، بل كشيء يحدث في كل لحظة من الزمن: لا يقلُّ إعجازًا الآن، في هذه الساعة الحالية، عما كان عليه في البداية.

الفيلم مثل غربال، يغربل البذرة من أكوام قشور المظاهر، والثابت من المتغير.

الطحلب المدور، الاسفنج، المرجان المروحي، شقائق البحر، المرجانيات وقناديل البحر: هذه المخلوقات تملأ المياه المضيافة حديثًا بأعداد لا تنضب. لا توجد أسماك حتى الآن؛ لا يوجد سرطان البحر أو الجمبري أو جراد البحر. ومع ذلك، فهو عصر الفرص اللا مثيل لها؛ ولأول مرة، الآن وليس مرة أخرى، عالم خال من المنافسة. أعنف خيال مسموح به؛ أي شيء يمكن أن يجد مكانًا. كائنات غريبة تنبثق من خيال البحر، ثم تختفي إلى الأبد: الهالوسيجينيا والأوبابينيا، والأنومالوكاريس.

تظهر الديدان الشدفية، وبعدها الفقاريات الأولى؛ سمكة بسيطة. تسمح الأشواك والفكَّين للفقاريات بمغادرة قاع البحر، والتخلي عن المضغ في الوحل طلبًا للغذاء، من أجل افتراس المخلوقات الأكبر حجمًا.

تشكل الحيوانات المفترسة فرائسها، وتدفعها إلى تطوير درع أقوى، ومزيد من البراعة والسرعة. الحقيقة العجيبة هي أنه لو لم تكن الحياة مجبرة على مواجهة خطر الموت العنف، لما كانت لترتفع أبدًا فوق الوحل.

يأتي الموت متأخرًا إلى الخليقة، ليمنح الحياة قدرة ونطاقًا أكبر – وللمفارقة، لجعلها أقوى وأكثر ديمومة.

يومض الضوء على سطح الماء بالأعلى، ويدعونا إلى الأعلى. تنتشر الطحالب من البحر. تظهر الطحالب وحشيشة الكبد. هنا، على اليابسة، لا تحتاج النباتات إلى التنافس من أجل الضوء. يبدو أنها تبتهج باستقلالها الجديد، لتتواصل بقوة مع كائنات غير متوقعة مُحررة. ومع مرور الوقت، تُغطى التلال بسجادة من النباتات الخضراء الصغيرة.

يقوم الصقيع والأشنات بتكسير الصخور إلى تربة مناسبة للنباتات الأكثر تطورًا التي لا تزال تنتظر على الشاطئ.

تصعد سرطانات حدوة الحصان إلى الشاطئ لتضع بيضها. مياه البحر الغنية كالجعة ترغي وتزيد من حولها. وفي حين لم يكن هناك أي صوت للحياة في السابق، نسمع الآن جوقة الحشرات الخافتة والمألوفة. تتغذى أمهات أربعة وأربعين على المسطحات الطينية. تخرج العقارب وسرطانات الأشباح من الأمواج لتفترسها. تتبعهما السمكة الفضية، وسرعان ما تظهر أقاربها المجنحة. بفضل قوة الطيران، يمكن للحشرات أن تتنقل لمسافات بعيدة بحثًا عن الطعام، وتنثر بذورها وتهرب من أعدائها، بالرغم من عدم ظهور أي عدوٍّ حتى الآن.

هل الطبيعة مجرد طقس، فعل وانكفاء بلا نهاية؟ ما الذي تعمل من أجله؟ ما الغرض الذي تهدف إليه؟

لا شيء يقف ساكنًا أو يحتفظ بمكانه. كل شيء هو النمو والتكشف المستمر. قوة واحدة تعمل في الكل، تتقدم بسرعة من شكل إلى شكل، ولا تركن أبدًا إلى شكل واحد، مندفعة أبدًا، موجودة داخل كل الأشياء، ولكنها ليست منغلقة؛ خارج جميع الأشياء، ولكنها ليست مُستثناة.

من وقت لآخر، حتى لا ننسى أننا نشارك البطل وجهة نظره، نعود مع جاك إلى المدينة، ونتابع حياته اليومية.

وصلت الأسماك الأولى ذات السمات البرمائية إلى الشاطئ. وحلت المستنقعات والسبخات محل السهول الواسعة والرياح في العصور السابقة. أشكال النباتات بسيطة وقليلة. لا قصب أو أعشاب. ولا زهرة تخفف من وطئ الظلام. الأرض عدن واسعة رطبة. ما عدا القطبين وجوارهما، لا فصول. كل عام مثل السابق.

من البرمائيات تخرج الزواحف، ومن الزواحف الديناصورات. نكتشف بين الديناصورات العلامات الأولى للحب الأمومي، حيث تتعلَّم المخلوقات رعاية بعضها البعض.

أليس الحب بدوره عملًا من أعمال الخليقة؟ كيف سيكون حالنا من دونه؟ وكيف ستكون الأشياء حينها؟

صامتًا كالظل، دلف الوعي إلى العالم.

وتتطور المملكة النباتية أيضًا مع ظهور النباتات البذرية الأولى: السيكاديات والأروكاريا والصنوبريات والجنكة. تتناوب الموسيقى الرائعة مع فترات طويلة من الصوت الهادئ؛ الرياح والأمواج والجداجد.

يبدو أن الطبيعة في كل مكان تمضي نحو شيء ما. لماذا هذا التأخير في الوصول إلى غاياتها؟ لماذا تتحسس طريقها – تتجول، تتباطأ، تتأخر؟ لماذا تلتف وتدور وتتراجع، كما لو كان تجد طريقها عبر متاهة؟ لماذا تضع العوائق والعقبات لتضع نفسها في مشكلة ابتكار الحيل للتغلب عليها؟

تبرز الثدييات من مخبئها، بين الأشجار، تنتظر هبوط برد الليل ليجعل الزواحف في حالة من الخمول. ليس بينها من هو أكبر من السنجاب، ولا شيء أكبر من الفأر. إنهم سلالة نحيلة وقلقة – وغير ملحوظين في المشهد العام، صامدين أمام مخاطر كبيرة، ويواجهون خطرًا دائمًا بالاندثار تمامًا.

هذا هو المصير الذي يحل بالديناصورات آن يصطدم كويكب كبير بالأرض، ويغطيها لسنوات بغطاء من الغبار. تموت النباتات. الزواحف الكبيرة تتضور جوعا. لسنوات طويلة تبقى الأرض بورًا. وتدريجيًّا، تتقدم الثدييات لتشغل تلك المواضع التي تركتها الديناصورات شاغرة.

تبدو الطبيعة مقفرة وموحشة. وبرغم ذلك، لولا هذه الكارثة، لربما هيمنت الديناصورات على الأرض حتى يومنا هذا. كم هو غريب أن الكارثة والمرض من شأنهما أن يقودا الحياة إلى الأمام، لا غنى عنهما لتفتحها. أن مثل هذه العظمة متجذرة في الألم والموت والخراب!

النمسيات، والتمساح، وسمك القرش – يتراءى لنا أنهم أيضًا كانوا ثمرة عمل وحسابات طويلة ومضنية – فقد خرجوا بنفس القدر من العناية! ويتراءى لنا أيضًا أنهم الآن يمضون بصبر في أداء مهامهم، ويحترقون بحياة حقيقية مثل حياتنا!

تظهر الآن الأعشاب والطيور الحديثة. وبعد ذلك بوقت قصير، الرئيسيات الأولى. وأخيرًا الإنسان، مجد الأرض، ومثال المخلوقات، ومعجزة المعجزات. يمشي ورأسه مرفوعة، وأكتافه عريضة وقوية، ونظره مثبت على السماء، تاج الخليقة ومجدها.

ونقترح، في تتابع سريع، الخطوات التي انتقل بها من حياة الوحشية البدوية إلى ثقافة مستقرة وقارّة.

يروض الرنة والأغنام البرية. يسقف بيته بالقشِّ لدرء الأمطار. يصنع أخاديد في الأرض، ويوجه الماء إلى حقوله.

يا له من وقت قصير قضاه جنسنا على هذه الأرض، ويا لوصولنا المتأخر بعد كل شيء – بداية – مخلوقات للمستقبل أكثر منها للماضي! قد يكون هذا مستقبلًا عظيمًا بشكل يوصف، ومع ذلك، وبرغم أن الطبيعة يجب أن تكون كافية لتلبية احتياجاتنا، فقد وضعنا أنفسنا ضدَّها، وضدَّ بعضنا البعض.

كل شيء يغني في الجوقة العظيمة، الكل يعرف مكانه ويشعر بالسعادة. إلا الإنسان، لماذا؟ حتى الآن نحن نعيش في اليوم الأول. البداية البعيدة لروعة الطبيعة تشرق في داخلنا. ومع ذلك فقد فقدنا طريقنا بطريقة أو بأخرى.

يبدو الزوان بين الحبوب: الخشخاش الأحمر الزاهي، والأشواك. الأرض المنكوبة. أنقاض المدن القديمة. أسوار عظيمة أسقطتها الحرب. الآبار الجافة والمهجورة. الرأس الحجري لبعض الآلهة القديمة مدفون إلى رقبته في الرمال. معبد غمره البحر.

لماذا العالم مكسور ومنهار؟ أين بدأ الخطأ؟

بطلنا باقٍ، وإن لم يكن تمامًا حيث كان من قبل، مع ذلك ينتابه الشك والارتياب. لقد وثق في الطبيعة للإجابة عن أسئلته. أجابت عن بعضها ولكنها أثارت بعضها الآخر بدورها.

لقد فقدنا الأبدية – في داخلنا وخارجنا.. كيف حدث ذلك لأول مرة؟ وهل يحدث هذا حتى الآن، اليوم، في حياة الجميع؟

سُلَّم يؤدي إلى شجرة. نبع ينبثق من صخرة. وردة.

كيف يمكننا استعادة الأبدية التي نسعى إليها بشكل متزايد، من دون أن نعرف كيف الطريق إلى ذلك؟)

 

الجزء الثاني

خارجي.

 

الشاطئ، المنزل، الجسر، البوابة، الشرر.. BOMARZO, COLLODI, BAGNAIA, ETC. – STARLING

(لقطات سريعة من زاوية واسعة؛ الإيقاع سريع وحيوي بعد موسيقى الطبيعة المتمهلة (أداجبو).

شاطئ. ووراءه سهل مظلم ممتد. شخصيات في الضباب. أرواح كأنها لم تولد بعد. أطفال من جميع الأجناس، بعمر خمس أو ست سنوات. أمامهم مصباح مشتعل.

يحيطون المصباح، وكل منهم يحمل شمعة يشعلها منه. واحدًا تلو الآخر، يحمون اللهب، ويخرجون من الظلام.

حديقة قديمة محاطة بسور. طاووس. يتدفَّق الماء من مزراب وسط الحديقة ويتدفق إلى بركة. يشربون منه. يمرون عبر بوابة. يعبرون جسرًا).

 

خارجي

سرداب، كهف، كتاب، عصا قياس. أيسلندا

(الأرواح قريبة من بعضها البعض. يأتي واحد من بين الباقين: صبي. – لا نستطيع رؤية وجوه الباقين – يهمسون في أذنه. يشير إليه أحدهم ليأتي نحو الباب. يتردَّد.

امرأة ترتدي ثوب الزفاف، ووجهها مغطَّى بحجاب، تظهر له خاتم زواجها؛ حقل عباد الشمس. تعطيه كتابًا صغيرًا ليلتهمه).

 

خارجي

الأشجار، ضوء الشرفة، النهر، تخرج الكاميرا من الكهف.

(في مقاطع سريعة، ينظر الطفل إلى المنزل الذي أتى منه. يبدو بعيدا للتو. يرى ضوء شرفة منزله المستقبلي. يحوم الفراش حول المصباح الأصفر. يتطاير الغبار من أجنحتها.

يهمس أحدهم في أذنه. تدفعه يدٌ إلى الأمام. يقف الآن على ضفة نهر عريض. يبدو من وجهة نظره كما لو أن قاربًا يخرج من ظلمة الكهف- البحر إلى الضوء.

 

خارجي – بيت أوبراين

(نعود إلى افتتاحية الفيلم: إلى البلوطة السامقة في فناء بيت أوبراين.

آلاف العصور لصنع سرير من طين، وأخرى مثلها لتشكيل ورقة أو بناء شجرة.. وكل هذا العمل لإعداد روح حية!

الروح: تاج الخليقة وذروتها: الذات، مركز الطبيعة وقلبها. عظيمة ليس في المكان والزمان، ولكن في القدرة والعمق وقوة البصيرة. من أين أتت؟ متى ولدت لأول مرة؟ كيف ارتقت؟ وبأي اتجاه؟

كيف يحدث أن أكون أنا وأنت أنت؟

ميلاد الروح، الغامض والبطيء أعظم وأكثر غرابة من ميلاد العوالم برمتها.

 

داخلي

غرفة النوم – ليلًا

(منزل مظلم. الليل ينبض بالجداجد. نافذة مضاءة بنور القمر. ستارة تهسهس فوق النافذة. زائر. صوت حفيف قماش.

تنظير الرحم – الجنين – موسيقى دافئة ورقيقة..

أولى علامات الحياة: القلب الجنيني، بذرة القلب ومادته الأم، تنبض خفقات حادة. انقباض وانبساط. ببطء ينمو الجنين، ويتماسك. القدمين والعينين والأظافر. الطبيعة المسرفة جدًّا بعجائبها خارجنا، وضعت أعظمها داخلنا.

صبي. يتغذَّى من دم أمه، وينام في ليل جسدها الدافئ.

يضيق أذنه، يستمع إلى أصوات العالم الآخر. في مكان ما ثمة ضحك. رنين أجراس. يغفو).

 

داخلي

غرفة مغمورة – أدوات خاصة – مصباح عادي مضاء، إلخ.

(سطح الماء يستهويه. أصوات محبة تهمس له مُشجعة. ما هو العالم الذي يكمن هناك – غير مُتوقع أو غير مرئي؟ ببطء، يرتفع نحوه. يده تتحسس هنا وهناك، تدفع الباب، تضغط.. تضغط.. تضغط..

لقد استحال الرحم – ذلك الملاذ حيث كل حاجاته معروفة ومُستجابة- سجنًا، أو قبرًا. يجب عليه أن يهرب مهما كان الثمن. لم يعد بإمكانه الانتظار. إلى الأمام، خارج الليل إلى أرض الأيام!

الولادة. الصوت البشري الأول. النفس الأول.

الأم تلهث، شُجاعة تجاه الألم. حبات من العرق تتلألأ على شفتيها. وأخيرًا يبرز الطفل مُعمَّدًا بالدم. يأخذ شهيقه الأول. صرخاته مختلطة مع صرخاتها.

وجهة نظر الطفل، ابتسامة الأم، يديها.. إلخ

ابتسامة أمه: أول شيء يبصره. تغمره بالضوء. إنها الخير، السلام، ينبوع الحياة: أنفاسها هي نسائم الجنة. تتحدث مع روحه بلا كلمات. لا يستطيع أن يقول أين تنتهي هي، وأين يبدأ هو. منذ البداية تتجاهل اهتماماتها وراحتها لخدمة مصالحه.

ولكن من هذا، أبوه؟ علاقتهما ليست واضحة. ينظر السيد أوبراين إلى زوجته بينما يوضع الطفل بين ذراعيه. دموع الفرح تنهمر من عينيه. وعلى وجهه يلوح السؤال: هل هذا صغيرنا حقًّا؟

لقد نهض الطفل من العدم، قام من التراب الجاهل. لماذا الآن؟ وليس قبل ذلك، أو بعد ألف سنة؟

ينظر بقلب مفعم بالثقة. لا أسئلة لا تستطيع الأم الإجابة عنها، لا ألم، ولا حاجة تستدعي القلق. لمستها تبدد الخوف. مُحاط بالحب المثالي. يتكلم الأب والأم كما لو أنهما واحد. يعيش في عالم خالٍ من التناقضات.

ألوان وأشكال وأصوات غريبة: لا شيء مترابط في البداية، ومن ثم رويدًا رويدًا تتَّخذ الأشياء معنى ما. يتهجَّاها حرفًا حرفًا، أي حلم جديد هذا؟

تنظر إليه بتعجب. أذنه مثل صدفة بحر طازجة قذفتها الأمواج؛ يداه وذراعاه وفمه، ترتجف من وقت لآخر كما لو من الخوف.

ذاك العالم الذي لم يعرف الموت!

يقبض على إصبع أمه. يداها تحتضنان قدميه. حدود العالم هي حدود ابتسامتها. الشمس لعبة).

 

داخلي

 غرفة نوم آل أوبراين. مرحلة الطفولة. موسيقى

(تنظر إليه في سريره. يصرخ بسرور. كل شيء يمضي في آنٍ معا: غشاوة، حلم. يضع يده بالقرب من وجهه. تتألق الأضواء على الشجرة في غرفة المعيشة باللون الأحمر والأخضر والأزرق. والده يعزف على البيانو.

تنحني عليه.. منها تنبع البركة والغذاء والجمال. “الوعد بالفرح العميق!”.

في الخارج شجرة البلوط مأهولة بالزيزان. رشاش الماء يتكتك ذهابًا وإيابًا.

أزهار وحيوانات وأولاد – منظور إلزامي

كل شيء أكبر وأكثر حيوية سيظهر لاحقًا. الأشياء تتحدَّث معه مباشرة. ينظر إليه اليعسوب، ثم ينطلق. في الليل، يطل القمر الفضولي من خلال نافذته. تأتي الأم! أين أنا الأن؟)

– جاك: أمي..

(تتدحرج الكرة أمامه. لا يستطيع أن يمسكها. يبلغ دلوًا فيه أسماك صغيرة. تغني السمكة الصغيرة وهي تهرب من يده.

تراقبه أمه بينما يخطو خطواته الأولى. تشعر بوخزة في صدرها، وبضيق: أن ترى محاولته الأولى ليكون مستقلًّا، حرًّا ومنسلخًا عنها.

يطارد السماء. يعابث الضوء. يضحك بسرور لحظة تحمله بين ذراعيها.

الطاولة تمشي، والصنبور يغني. سعادته لا نهاية لها.

ولكن في صورة من كتاب قصصي، يسحب التمساح الفيل من أنفه. لماذا؟ لماذا يفعل ذلك؟

والده. موسيقى. يلمس لحية والده. والده يسحب قطعة نقدية من أذنه، كيف؟ يجلسه على ركبته، ويلعب دور الحصان. جيئة وذهابًا. يصرخ بسرور.

لقد جاء الجيران. السيد بيجدن يصنع وجوهًا كبيرة. الكبار هم الأبطال والعمالقة في الأرض).

– الأب (مستمرًّا): لقد اصطحبنا القائد لتناول العشاء، هذا الشيطان الصغير عضه في كاحله

 

داخلي – الصالة -موسيقى

(يريد النزول إلى الصالة المظلمة، لكنه يخاف من ذلك بمفرده. يلجأ إلى والدته. تفهم، وتتقدم لتأخذ يده).

 

خارجي

 الشرفة الأمامية – وجهات نظر أخرى للطفل

(يقطف زهور التوليب من الجيران، ويحضرها لها في كرّاجة).

– الأم: آه يا حبيبي، هذه الورود تعود إلى جيراننا. كم أنت لطيف إذ تحضرهم لي.

(لا تتجهم ولا توبخه. تكركر قدميه. تنحني وتنفخ على بطنه لتجعله يضحك. تُلبسه بيجاماته. هو يرقد بالقرب من قلبها، ويسمع وجيبه الخافت، يشعر بالسلام. تناغمهما يعظم. مرتبطان معًا مثل كرمتين. روح واحدة.

يرمي زجاجته على الأرض، تجلبها له بصبر. تضع كرتين ملونتين أمامه. يلمسهما، فتتدحرجان بعيدًا، كما لو كانتا تموران بالحياة.

غيوم، عشب، شمس، ماء، زهرة: العالم لغز. يتحدَّث إليه بلا كلمات).

 

داخلي – مهد طفل جديد – نافذة

(ضوء ينسرب من نافذة ويقع عل مهد. فيه طفل جديد. شقيقه RL

كم يبدو الكون ودودًا لأمه الآن. هدية من نور. ما ألطف الله الذي حباها كل هذا.

ولدت في الوقت نفسه الذي وُلد فيه أطفالها. تتعلم من ضحكهم. تكبر معهم.

تباركه هامسة.

ينظر جاك إلى أخيه الجديد. في البداية لم يشارك بهجة والدته. متى ستفعل شيئًا؟ هل ستعود إلى المستشفى؟

يسمع صيحات الطفل من الفرح، وصراخه وزقزقته. الآن يجب عليه أن يشاركها حبها. إنها تحمله بدلًا منه.

يقبض على كتاب الحيوانات

الأسد، النمر، الكلب، الطير: يسمِّي الكائنات. تعرضهم له في كتاب، فيسميهم واحدًا تلو الآخر.

مكعبات الأطفال. حروف تتشكل في مجموعات جديدة. العالم يأخذ معنى ما، وشكلًا ما).

 

خارجي – الفناء الأمامي.

الحركة في الخارج للمرة الأولى.

(الأم والأب يزرعان شجرة عنبر بمناسبة ولادة الطفل الجديد. يلتقطون صورته بجانبه. سيكون نمو الشجرة بمثابة مقياس لنمو الأطفال.

بعيدًا يرن الجرس. يندفع للبحث عن شاحنة الآيس كريم. تناديه جدته ليبتعد عن الشارع. تبحث عنه فلا تجده. يفهم أنه يستطيع الاختباء منها. التوتر كبير جدًّا)

– جاك: أنا هنا

(نتحرَّك في دوائر متسعة، أبعد فأبعد عن عالمه الأول المألوف.

لقطة من تحت الماء. بركة السباحة

عديم الوزن. ينطُّ عبر الطرف الضحل لبركة السباحة. قدماه تدفعان القاع).

– الأم: أغلق أنفك. ليس في الأعماق

 

داخلي – غرفة نوم الأبوين

(يتسلل إلى غرفة نوم والديه. في خزانة ذات أدراج، يكتشف عصابة الحملة الخاصة بوالده، وثناء من الأميرال، وشارة كتفية من راهبات القديسة آن، ونقود صينية بتسميات رائعة. وينتابه العجب من لغز حياتهم المنفصلة. فجأة يسمع ضجيجًا. يستدير ليكتشف والدته عند الباب).

– الأم: هنا نحتفظ بأشيائنا، يا صغيري. أرجوك اتركهم حيث هم.

(يومئ برأسه. لقد نظرت إلى أخطائه، إلى نوبات عناده ومزاجيته. تغمر الموسيقى كل شيء بالحب).

 

خارجي – أول تساقط للثلوج.

(يمدُّ يده ليشعر بأول ثلوج يرى تساقطها. تقف خلفه وتبتسم.

يوم آخر – ستيف

يستدير عند سماعه صوت بكاء طفل).

– جاك: أين أمه؟

– الأم: إنه أخوك الجديد

– جاك: كم سيكون لدي منهم؟

(عند الفحص الدقيق يجد الطفل رائعًا. يلمسه، ويمسح على وجهه.

 

خارجي

كلب تشاو – الغسق

(يخشى كلبًا يعيش في الشارع مع هوارد وروستي ويلز، وهما جاران في نفس عمر الصبي؛ كلب من نوع تشاو بلسان أرجواني وذيل مجعد. ثمة تهديد في عينيه. يُصاب بالذعر لحظة ظهور الكلب. تشعر أمه به يقبض على يدها بقوة أكبر، وكأنه يفهم أنه صغير وضعيف. تنظر إليه لتقول: سأحميك).

 

داخلي

بيت أوبراين- مهد الطفل الجديد

(يريد جاك أن يداعب الطفل الجديد، وأن يسكب عليه كوبًا من الماء. نظرة من والدته تمنعه).

 

خارجي – حدود المزرعة

(في البيت المجاور، مقابل قطعة أرض خالية تعج بالثعابين والسحالي، يوجد منزل متهدم. لم يسبق لأحد أن رأى أصحابه يدخلون أو يخرجون).

– الأب: ابق بعيدا. لا تزعجهم. هذه المزرعة ملك لعائلة ستيكلز Stickleys. بدءًا من هذا الخط.

(ينظر إلى الأرض.ولكن أين تنتهي قطعة الأرض الشاغرة؟ وأين يبدأ فناء آل Stickleys، هذا ما لا يعرفه ولا يهتم له.

وجهة نظر جاك

يحرسه والداه بعناية من رؤية أي شيء قد يزعجه. في أحد الأيام، عندما رأى رجلًا يتدحرج بعنف على الأرض، وضعت والدته يديها على عينيه. تضعه بين ذراعيها وتحمله بعيدًا.

ينظر إليها عابسًا. ما خطب ذاك الرجل؟

وقت الاستحمام. لم يعودوا يأبهون للخوف. الأولاد لا يبذلون أي جهد لتغطية عريهم.

كل شيء طاهر ولا تشوبه شائبة. كل الخلافات مخفية عن عينيه. كل المرض والمعاناة والموت. يعرف ما فعله آدم.

يسمع أمه تغني في المطبخ.

تمسكه من يديه وتدور به حول نفسها، حتى يشعر بالدوار لدرجة أنه لم يعد قادرًا على الوقوف، يترنَّح في مشيته، ويسقط على العشب.

رشاش الماء الدوار. يتدفق الماء من الخرطوم. يحب كلَّ ما يتدفق.

الرابع من تموز: الألعاب النارية تصنع أشكالًا جميلة في الليل.

البهجة هي الموتيف المهيمن في هذا القسم. المعرفة مُبهجة بدورها والحزن عابر، كل شيء يتوهج من الأعماق.

يسقط ويجرح ركبته. تؤلمه عندما تضع تلك القطرات، لكنها تزيل الألم بعد ذلك).

– الأم: هل كل شيء على ما يرام الآن؟

(يضحك. بلمسة من يدها تشعره بالسلام.

فقاعات الصابون. ينفخ فقاعات الصابون في الهواء. يا لروعة ألوانها القزحية. تطير بعيدًا. البهجة لا تدوم.

وتدريجيًّا، يمر الشعاع الخافت خلال الأشياء، كما لو أن طبقة من السحب قد غطت الشمس. وببطء مثل الفجر، يكبر الصبي. تساعد الموسيقى في الإشارة إلى هذا التغيير.

يضايقه شيء عنيف وغير مألوف عندما يرى والدته تهتم كثيرًا بأخيه الصغير.

تدريجيا يدخل العالم حياته. شيئًا فشيئًا، سوف يولي أهمية كبيرة للأشياء التي لم يحلم بها من قبل.

ينتزع لعبة من أخيه RL)

– جاك: هذه اللعبة لي

(يرى RL قطة)

– RL: هل تخاف من الأطفال؟ ماذا تفعل للأطفال؟ هل تلعقهم؟

(جاك ينقر المصباح. يسقط على الأرض وينكسر. تدخل والدته الغرفة)

– الأم: هل أنت من فعل هذا؟ ما لكم تتعفرتون أيها الأولاد؟

(جاك يومئ برأسه).

أنت دائمًا تقول الصدق. انتبه أكثر في المرة القادمة يا ولدي الطيب.

(الرسوم الملونة

تُثني على RL من أجل الرسم الذي أنجزه. يضع جاك ما رسمه جانبًا, RL هو الرسام المثالي).

– جاك: من تحبين أكثر؟

– الأم: أحبكم كلكم بالقدر ذاته.

– جاك: ثلاثتنا؟

(تومئ برأسها).

هل أستطيع إخبارك بشيء فعله؟

– الأم: هل يُمانع أن تخبرني؟

(لم يخالجه الشك أبدًا. يتعلم منها معنى الشرف والصدق.

أعظم متعة يمكن أن تقدمها الحياة هي رؤيتها سعيدة، كما هو الحال عندما يقوم المرء بعمل جيد في المدرسة، أو عندما يقول الحقيقة).

 

خارجي – بيت أوبراين -الفناء الأمامي.

(عندما يقوم بعض أطفال الحي بدفع RL إلى بركة مياه، يندفع جاك نحوهم بعصا، ويدفعهم إلى الهروب).

– جاك: انهض

(يرميهم بالحجارة. ينظر إليه RL بامتنان. وعندما يعودون إلى المنزل، يضع ذراعه حول خصر أخيه الأكبر. موسيقى).

 

خارجي – بيت أوبراين

. الفناء الخلفي – موسيقى -الغسق

(تجلس العائلة في التراس الخلفي. يُطهى الدجاج في المـُدخِّن. تأخذ RL بين ذراعيها وتشير نحو الأفق. لقد غربت الشمس للتو؛ السماء متوهجة كالأتون).

– الأم: هناك يعيش الله

(العالم الآخر. موسيقى

العالم ليس شيئًا معروفًا وحقيقيًا تمامًا بعد. لا يزال الأمر يبدو كما لو أن بعض الزوايا أو الممرات قد تتيح لهم الوصول إلى أرض أخرى. يمكن للمرء أن يرفع لوحًا أرضيًا، أو يكتشف في الجزء الخلفي من الخزانة غرفة غير متوقعة.

ذلك العالم الآخر: أين يكمن؟ داخل الجدران، في القبو أسفل المنزل: من قد يعيش هناك؟ ينزل على ركبتيه وينظر من خلال فتحة التهوية. وهو ينظر إلى زاوية بعيدة من العلية.

يبدو أن هناك عالمـًا آخر داخل عالمه، مجرة من العوالم).

 

داخلي. غرفة الأولاد. مساء.

(هبط الليل).

– (تجلس السيدة أوبراين بجانب سرير الطفل وتغني ترنيمة):

وداعًا يا طفلي الكربوج

لقد ذهب الأب للصيد

وذهبت الأم للحلب

(تقبل RL وتتمنى له ليلة سعيدة. تطفئ الضوء. تدور المروحة يمنة ويسرى. هي صورة الله في قلوبهم الصغيرة).

– جاك: اتركيه مُضاءً

(يراقب ضوء الليل الصغير نومهم، ويحترق بهدوء خلال الساعات الطويلة حتى الصباح.

في ضوء القمر تتَّخذ الشجيرات والآجام حجمًا هائلًا. تبدو الأوراق فضية اللون. قد يعتقد المرء أن القمر اختار تلك الأوراق ليضيء عبرها.

تعود السيدة أوبراين لتعطي RL حبة أسبرين مطحونة في ملعقة من العسل الأسود).

– RL: ما تلك الضجة؟

– الأم: لا شيء

– RL: هل يمكنكِ دفع تلك الخزانة إلى الحائط؟

(هناك فراغ ضيق بينهما. ما الذي يمكن أن ينزلق من خلاله؟ يشعر جاك بالضعف والوحدة في مملكة الليل الهائلة).

– الأم: نم الآن مثل الأطفال الطيبين

(الظلال تتراقص على السقف، كما لو أنها على قيد الحياة. وجوه غريبة تطلُّ عليهم من الظلام. لا شيء يقف ساكنًا. الأشياء تأتي وتذهب، تنحسَّر وتتدفق).

– ستيف: لماذا يلاحقني القمر؟

(ما إن غادرت الغرفة حتى استفاق الأولاد. يثبون على أسرتهم. يفحصون الأنابيب المتوهِّجة في الجزء الخلفي من الراديو. يقومون برحلات تحت الأغطية والبطانيات. يحملون مصباحًا يدويًّا تحت وجوههم).

 

زاوية جديدة

(عندما تأتي والدتهم لاحقًا، لم تتمكَّن في البداية من تحديد مكانهم. طفل تحت سريره، وآخر ينام على الأرض. ترفعهم وتعيدهم إلى أماكنهم، تُقبِّلهم وتغلق الباب.

ينسرب الضوء من خلال ثقب المفتاح. لقد مرت طفولته، كما لو كانت كلها يومًا واحدًا. انتهت براءته).

 

داخلي – غرفة الأولاد.

بعد خمس سنوات

(جاك يستيقظ. كل شيء كما كان من قبل. أين كان؟ شجرة العنبر التي زرعت عند ولادة أخيه تشير إلى مرور خمس سنوات.

عيناه حتى الآن لا تريان الشر والمعاناة والموت؛ عائلته متحدة دون أدنى إشارة إلى وجود تناقض بين أمه وأبيه.

يبدو العالم متناغمًا. تأخذ الأشياء أسماءها التقليدية وأماكنها المعتادة. نلج الآن الزمن الرئيسي للقصة.

يبلغ جاك الآن 11 عامًا، في الصف السادس، وأخواه 9 و6 أعوام. RL فتى لطيف، محبوب من الجميع، هادئ وكريم، ويتمتع بروح الدعابة. ستيف مقاتل، جامح، ولكنه شجاع ومخلص أيضًا. تكساس. 1956.

بيت العائلة ذاته. ندخل أبعد فأبعد في الحي ومن ثم إلى المدينة الواقعة وسط تكساس، حيث تقطن العائلة بعيدًا عن العالم.

أشجار البلوط تظلل أفنية الجوار التي تحيط بها سياجات منخفضة أحدث فيها الأولاد فجوات. يقع بيت أوبراين مع خمسة أو ستة بيوت أخرى في الشارع الأخير في حي على الأطراف. واجهته تطل على البيوت الأخرى. وراءه الغابة: تلال العرعر المتماوجة، المتكسرة هنا وهناك بفعل رعي الأبقار).

 

خارجي – مروج الجيران.

أوقات أبسط

(والآن بعد أن انتهى قيظ الظهيرة، قام الجيران بتوزيع خراطيم المياه. تبدأ الرشاشات بنفث الهواء. يقف الرجال وأكمامهم مرفوعة، وينظرون إليها بجدية، ويضبط كل منهم صنبوره حتى تسقط المياه بدقة على محيط المرج.

يراقب جاك بتركيز الرشاشات بينما تدور وتدور، إلى أن يسمع والدته تدعوه إلى المنزل).

 

داخلي – بيت أوبراين.

(تحضّر العشاء. تلاحظ أن أطفالها أصبحوا أكثر هدوءًا ويقظة بشكل مطرد).

– الأم: هل كنست الفناء عزيزي؟ هل رتبت غرفتك؟

(يمضي الأولاد بسرعة إلى أعمالهم المنزلية. يقومون بكنس الفناء وتبليله بخرطوم لجعله يبدو منعشًا. يسحبون حفنات قليلة من الديجيتاريا (نوع من أنواع الأعشاب) ويتركونها في مكان واضح للعيان.. ثم، من بعيد، يرون سيارة ستودبيكر تقترب).

 

زاوية جديدة

(تهسهس الإطارات على الإسفلت. يقف الأولاد ساكنين ومترقبين. بعد لحظة يترجل والدهم من الباب الأمامي).

– الأب: مرحبًا أيها الفتية

(يُقبِّل والدتهم ويستدير لمواجهتهم. لا يعرفون تمامًا كيف يتصرفون معه. يمسك بهم بين ذراعيه – ويظهر لهم كل علامة على المودة – لكنهم حذرون منه ويتراجعون إلى الوراء. يفهمون أنه مخلص لهم، وأنه لن يتخلى عنهم أبدًا، لا، بل يحميهم دائمًا. وما زالوا لا يثقون به.

يصبُّ لنفسه جرعة من الجاودار، ويمرر الكأس ذهابًا وإيابًا تحت أنفه، ثم يرميه أرضًا. بمجرد أن يدير ظهره، يهرب الأولاد بعيدًا).

– الأب: انتظروا قليلًا.

 

خارجي. بيت أوبراين ـ المرج

(يُشير لجاك إلى قطعة من حديقتهم مغطاة بالديجيتاريا والنبات الشوكي).

– الأب: هل جززت العشب الموجود على جانب البيت؟ أو فقط حيث أستطيع أن أرى؟ (جاك يهز رأسه) لقد عادت إلى النمو من جديد. ينبغي أن تقتلعها من جذورها لا أن تقطع رؤوسها فقط.

(يُظهِر لجاك ما يعنيه. يبدو للطفل أن الحشائش تمتد إلى أقصى الأرض؛ عمل يفوق قدرته).

 

داخلي – غرفة العشاء.

(ينظر الأولاد إلى بعضهم بعضًا بطرف أعينهم، بينما يتلو والدهم صلاة المائدة).

– الأب: يا رب، بارك هذا البيت وكل من يعيش فيه. بارك هذا الطعام لنستفيد منه، وباركنا لخدمتك المحبة والأمينة، واجعلنا نهتم دائمًا باحتياجات الآخرين. آمين.

(العشاء هو وقت عصبي، وغالبًا ما يكون جحيمًا إلى حد ما. تُعزف سيمفونية على مشغل الأسطوانات. من وقت لآخر، يقفز السيد أوبراين من على الطاولة ليؤدي فقرة ألهمته).

– ستيف: هل أحلم؟

– جاك: أعطني الزبدة، أرجوك

– الأب: أعطه الزبدة، أرجوك سيدي

– جاك: سيدي

– الأب: إذًا ماذا فعلت اليوم؟

– جاك: ذهبتُ إلى المدرسة

– الأب: ثم؟

– جاك: لا شيء

– الأب: هل تمرنت على البيانو؟

(جاك يتمعن في الرطوبة الراشحة من كأس الألمنيوم أمامه)

– الأب: ماذا عن الفناء؟

– جاك: لقد جززت العشب حيث قلت لي

– الأب: هل وضعت المزيد من المزالق؟

-جاك: نعم

– الأب: ولكن لا يبدو الأمر كذلك يا سيدي. سوف نرى

(ينظر إليه الأولاد بحذر. كلماته حادة وساخرة وأوامره غير عقلانية لدرجة أنه بالكاد يتوقع أن تُطاع.

لا يسألهم أبدًا عما فعلوه في المدرسة. ولا يعرف أسماء أصدقائهم. وإذا سأل، فسوف يشتبهون في أنه فخ.

يزدرد الأولاد طعامهم. عينا جاك تغيمان بينما يُوبّخ RL. ترى والدته ذلك، وتمد يدها لتداعب شعره. يطيب خاطره).

– الأب: هل تحب تلك البلوزة التي ترتديها أمك؟

– RL: نعم سيدي

– الأب: ابتعتها لها من سالتيلو. البلوزة نفسها ستكلف 40 دولارًا هنا.

– RL: جيد

– الأب (مخاطبًا السيدة أوبراين): وصلتني رسالة عاجلة من تامبيكو. زميل هناك يريد التشاور معي. يريد أن يأخذني للصيد على يخته ويطلب نصيحتي. قلت له إنني مشغول جدًّا.

– الأم: لقد أعجب السيد ريس بتقرير كتاب جاك، وقال إنه يريد منه أن بصنع نموذجًا. عرض أن يأتي و..

(الموسيقى شتت السيد أوبراين. يقفز من كرسيه ويرفع الصوت)

– الأب: لمن هذه القطعة يا عزيزتي؟ الإسم يبدأ بحرف “ب”.

(تهزُّ رأسها. طاقته العاصفة تجتاح كل شيء أمامها؛ نادرًا ما ينتظر إجابة).

– الأب (مستمرًّا): ما طعامي المفضل؟

– الأم: لحم الضأن؟ البازلاء الطازجة؟

– الأب: لا، لا، تابعي

– الأم: الأرز؟

– الأب: تمامًا. حسنًا، ابدئي من هناك. ب. ر.

(لا يمكنها أن تخمن، يعبس. هل تتحداه؟).

– الأب: برامز. برامز.

(تجاوب مع الموسيقى بإيماءات عاطفية. ويشير إلى صور توسكانيني الموجودة على غلاف الألبوم. في بعض الأحيان يتصرف كطفل لدرجة أن الأطفال أنفسهم يشعرون بالحرج.

وإذ يرى الغضب البارد في عيني جاك يأتي ويقبله.يعلم أن الأولاد لا يحبون التقبيل. إلا أنه يقبلهم على أية حال. وهم يشكون أنه يقبلهم لهذا السبب بالذات).

– الأب: لقد كتب هذه القطعة عام 1883. أخبره الجميع أنه قد انتهى، وأنه لن يكتب مقطوعة موسيقية جيدة مرة أخرى، لذلك عمل بجد وذهب إلى الحديقة – وجلس تحت شجرة. ورأى غزالًا يركض في الغابة، وهذا ما ألهمه هذا العمل.

(ينظر الفتية إلى بعضهم البعض. الجميع يعرف أنه يكذب، ولكن ألا يأبه لهذا؟).

– الأم: قرأتُ مقالًا حول هذا.

 

داخلي – المطبخ

(بعد العشاء يضعون أطباقهم في الحوض لنقعها. ويخرجون من المنزل راكضين خوفًا من أن يطلب إليهم العودة).

 

خارجي – الجوار

(يشبك الصبية معاصمهم ويدورون، إلى أن يُصابوا بالدوار الشديد، ويسقطوا على العشب).

– RL: شيء آخر يمكنك القيام به، اضغط لأسفل على أعلى رأسك بهذه الطريقة، سوف تكبر..

(يمارسون صيد الغطس).

– ستيف: اربطوني بالشجرة. المساعدة ممنوعة.

(بمجرد الانتهاء يصرخ طالبًا المساعدة. أخيرًا يأتي RL ويفك قيده.

يضغط RL على جذع الشجرة. يشعر باهتزازها ذهابًا وإيابًا بين ذراعيه – يستشعر الحياة الوحشية تحت لحائها.

يربطون الكلمات مع بعضها لتكوين جملة سحرية تمكنهم من الاختفاء في الهواء).

– RL: كاليشا ماكيشا

(لاحقًا

تظهر اليراعات تحت الفروع. تتخبط الضفادع في العشب البارد المـُستنقِع. يقوم الصبية بنزع الغطاء الحديدي عن عداد المياه. تحته، يجلس الضفدع ساكنًا كالحجر.

في السماء المظلمة، في مكان ما وراء الأفق، بدأوا في رؤية الأضواء الحمراء لبرج الراديو.

يذهب جاك وRL للبحث عن أولاد آل بيتس. يناديهم ستيف لينتظروه. يريد أن يأتي معهم أيضًا. جاك يهز رأسه. سوف يبطئهم فقط).

– جاك: اذهب وانتظر على الشرفة وعدّ حتى الخمسين ثم تعال.

– RL: دعه يأتي

(جاك ينظر في ما قاله RL. ربما يمكنهم استدراجه إلى الفخ أو دفعه من السطح. سوف يفعل ستيف أي شيء يطلبونه منه).

– ستيف: هل أنا في حلم؟

– جاك: تعال

(ألعاب

الفجوة التي تحدثها صخرة كبيرة مُلقاة في الماء. متعة تدمير عش نمل. الحروق التي يحدثها سباق شد الحبل على يديك.

يلعبون لعبة آني آني أوفر مع هاري وجو بيتس. كايلر، الفتى من أوك ريدج لين، يتجه نحو المكان. يتبعه آخرون).

– هاري: أنت نحيل

-كايلر: وإذًا؟

-هاري: الناس يقولون أني قصير

(يركبون دراجاتهم وينزلقون إلى الأجزاء الناعمة من الشارع. حركة المرور قليلة في هذا الجزء من المدينة.

يظهر هوارد ويلز، وهو طفل هزيل يعيش في آخر منزل في الشارع، حيث يتحول الطريق إلى حصى.

يضعون سيقان الدوالي في أفواههم ويدخنونها

يقطعون المروج وحقول الأزهار. الأسوار لا تعني لهم شيئًا؛ ولا يميزون بين الممتلكات. يلعبون بدون إذن أينما شاؤوا).

 

خارجي – بيت آل ستيكلز – الغسق

(ينظرون من خلال بوابة منزل ستيكلز. حتى بعد حلول الظلام، لا يوجد ضوء بداخله. يشتبه الأولاد في أن شاغليه إما أن يكونوا غريبين للغاية، أو أن لديهم ما يخفونه).

– هوارد: لقد كانوا هنا قبل أن ينتقل أي شخص آخر للعيش هنا. ولم يرهم أحد من قبل!

– جاك: لن يمانعوا في زيارة زائر، هوارد

– كايلر: ربما عليك النزول

– RL: لقد كانوا في انتظارك

(يصرخ هوارد بينما يدفعونه نحو البوابة. يضحكون ويهربون)

– الأطفال: ليس ذلك. ليس ذلك

(يعرفون العالم الآخر في لهوهم. يدعوهم، يستدعيهم. يبدو أنه يريدهم أن يجدوه.

يركضون عبر الرشاشات ليشعروا برذاذ الماء تحت ذقونهم.

يرمون كرة البيسبول ذهابًا وإيابًا فوق السطح، حتى لا يكادوا يرونها بسبب الظلمة.

يلعبون لعبة Kick-the-Can. إنهم في الخارج حيث ينتهي الرصيف وترتفع المنازل الجديدة، عندما يبدؤون في سماع أصوات أمهاتهم).

– السيدة بيتس: هاري.جو

(يمضي الأطفال الآخرون ؛ أولًا أولاد بيتس، ثم كايلر. أخيرًا لم يتبق سوى هوارد ويلز).

– الأم: RL. ستيف

(صوتها الجميل يطفو مع نسائم المساء).

– جاك: علينا أن نذهب، هوارد

– هوارد: لا يزال بإمكاننا اللعب على الشرفة                             

(يبدو مترددًا في المغادرة، فهو يتسكع، كما لو أنه ليس لديه مكان آخر يلعب فيه)

– RL: ألا تأبه والدتك متى تعود إلى البيت؟كم أنت محظوظ!

(يهز هوارد كتفيه. ربما كان الأمر كذلك).

– جاك: علينا أن نعود

(ينظر إليهم هوارد نظرة فارغة ومضطربة. ومن ثم ودون أن ينبس بكلمة، يستدير ويتجه إلى البيت.

بالكاد يستطيع الأولاد معرفة مكان وقوفها بجانب ضوء الشرفة في الظلمة الدامسة. كم هو ممتع أن تتحداها، وتتظاهر بأنك لم تسمع، وتذوب في الليل، حيث تبدو حتى الكلاب عمياء).

– الأم: هيا تعالوا

(يتسابقون في الظلام ويصدرون أصواتًا. تندفع الريح أمامهم. لا تزال تريد اللعب).

– ستيف: العقارب. رقصة العقارب.

(يرقصون في مكانهم، لمنع العقارب التي تأتي إلى الفناء الدافئ عند الغسق من لدغهم، يدورون مثل الدراويش، يدورون ويصرخون من الضحك والخوف. أن تتلاشى في شيء أعظم، لمعرفة المزيد: هذه هي السعادة)

– الأم: تعالوا في الحال، أيها السعادين..

(صبي اسمه روبرت يراقب من بعيد).

 

داخلي – غرفة المعيشة – مساء

(يدخلون بهدوء إلى غرفة نومهم، على أمل تجنُّب والدهم، الذي يجلس بجوار مصباح معقوف يقرأ الجريدة).

– الأب: بُني. تعال هنا وأعطني ولاعتي.

(يمكنه أن يتناولها بكل سهولة. يبدو أنه يريد أن يُضايق الولد، لإثبات سلطته.

ينظر جاك إلى والدته التي تنظر إلى الأرض حالما تلتقي عيونهما).

– جاك: ألا يمكنك تناولها؟

(والده لا يجيب. يلتقط جاك الولاعة ويعطيها له، ويتجه نحو غرفة النوم).

– الأب: ألم تنس شيئًا؟ (يشير إلى خده. يعطيه الولد قبلة ويذهب إلى النوم).

– الأب: هل هذا كل ما أحصل عليه؟ (يقبله جاك مرة أخرى ببرود ويعانقه)

– الأب: هل تحب أباك؟

– جاك: نعم، سيدي.

– الأب: جيد

 

داخلي – غرفة الأولاد

يتمنى جاك ليلة سعيدة للصخور في مجموعته الصخرية هامسًا بأسمائها:

– جاك: الأباتيت الفوسفوري، العقيق الأبيض، اللازورد، السبج.

– RL: أرجوك لا تدع أي مصائب تحدث بينما أنا حي. آمين.

 

داخلي – مساء

وجهة نظر جاك عن والده

(يذهب السيد أوبراين إلى غرفة المعيشة ليعزف على البيانو. يراقبه جاك من خلال شق في الباب.

والدهم موسيقي بارع. لا يكون منزلهم أبدًا أكثر ألفة وسلامًا مما يكون عليه عندما يجلس على البيانو ويعزف باخ أو شوبان).

 

داخلي – غرفة الأولاد – نهارا

(يتدفق النهار عبر النوافذ. ضجة العصافير في الفناء).

– الأم: أكسل أولاد رأيتهم على الإطلاق.

(أقدامهم تحت الأغطية. عندما لا ينجح هذا، تعود بصينية بها مكعبات ثلج ملفوفة بمنشفة أطباق وتضعها على ظهورهم).

– RL: هذا ليس عادلًا.

(جاك ينظر للخارج. لقد ذهبت سيارة الستوديبيكر. ضحك في المطبخ)

– جاك: سيتف

(ينادون أخاهم الصغير. عندما يأتي وهو يركض في القاعة، يسحبون الحبل الذي أخفوه في قطعة من السجادة، ويقع على الأرض منبطحًا.

يصمت لحظة، ثم ينهض سريعًا وهو يضحك. يتسابق مع الكلب شيب في إثارة جنونية).

– الأم: اسرع، وإلا سوف تتأخر

– RL: أمي، هل تكبرين كل ليلة؟ أمي، لنفترض أن أحدهم سرق ملابسنا؟

– الأم: عندها لا عليك إلا أن تهرع إلى البيت عاريًا

(تربت على خده. إنه ألطف إخوته. عندما كان طفلًا لم يكن يريد سوزى الجلوس في حجرها. جاك يشتبه في أنه المفضل بينهم لديها).

 

خارجي – شارع واكو.

(جاك وRL يركضان إلى المدرسة).

 

خارجي – المدرسة

(لقد افترقوا على مضض عندما رن الجرس الأول. لا يمكن لصديق المدرسة أن يأخذ مكان الأخ).

 

داخلي – الفصل الدراسي للصف الخامس

(مدرس جاك، السيد ريس، رجل أنيق ذو صوت عالٍ وشارب كشارب كلارك غيبل. جاك ينظر حوله بعصبية. لديه صعوبة في التركيز على الدروس؛ ومشكلة أيضًا في الانسجام مع الأطفال الآخرين. وهو لا يعرف السبب.

هناك فتاة نمشاء يود بشكل خاص أن يترك لديها انطباعًا طيبًا. اسمها مارشا. رشيقة ويبلغ طول شعرها نحو 90*-100 بوصة. تتركه ابتسامتها في حيرة من أمره.

يستمع بنشوة بينما تقف مارشا أمام الفصل بأكمله، وتغني ” كان لدي حب سري ذات مرة”).

– طالب في الفصل: إنها لطيفة ومكتنزة. لقد وضعتُ صرصورًا في مقعدها.

(وحدها في القاعة بينما يمر بها- الفرصة التي كان ينتظرها- قلبه يصعد إلى حلقه. يمر بجوارها دوان أن ينبس بكلمة)

 

خارجي – شارع وسط المدينة

(بعد ظُهر أحد الأيام، جاك مع والدته يرى رجلًا أعرجًا يظلع على الرصيف.

يراقب بأسى ورعب الرجل بينما يعرج بعيدًا. يمكن أن تكون هذه العاهة عاهته. لا شيء يعرفه أو يملكه يمكن أن يحول دون هذا المصير. يمكن لهذا الأمر أن يحدث في أية لحظة. دونما سياق أو سبب. وقد يكون قاب قوسين أو أدنى، وربما جاء غدرًا… يلتفت إلى أمه)

– جاك: هل هذا شيء نادر؟ هل يمكن أن يحدث لأي شخص؟

(تنظر إليه وتومئ برأسها. مشكلة تعصف برأسه، لا يعرف لها سببًا.

يمكنها أن تحميه وتطامنه ولكن ماذا عن المرض؟ ماذا لو مرض واحد منهم؟ وماذا لو مرضت هي.

يتذكر رجلًا في محل الحلاقة بحذاء أكبر من الآخر. ماذا أخفى ذلك الحذاء الكبير؟)

 

داخلي – غرفة المعيشة.

(بعد بضعة أيام تزورهم جدته. لا تصرفه روحها المشرقة عن ملاحظة يديها المصابتين بالتهاب المفاصل، والأوردة في ذراعيها، وقدميها المتورمتين تبرزان من نهاية حذائها. مرة أخرى، يشعر بشفقة غريبة، ممزوجة بنوع من الرعب أيضًا. فهل هذا هو مصيره؟ ومصير والدته؟ لماذا لا أحد يتكلم عما يؤرقه؟ لا يستطيع أن يصدق أنه قد يموت، أو يرقد في القبر. لا، الموت لا ينطبق عليه. والدته تطمئنه:)

– الأم: جميعنا نهرم. لا شيء مخيف في الأمر

– جاك: بمثل هذه الطريقة؟ هل ستهرمين؟ (تومئ برأسها) هل سأهرم أنا؟

– الأم: الجميع، انظر إلى شيب

(يتذكر أوستن، الصبي النحيل الذي لم يستطع التوقف عن ذرع الطريق جيئة وذهابًا. يتذكر امرأة تصرخ على صديقها في أحد شوارع وسط المدينة، وامرأة مجنونة نادته لرؤية عربة أطفال بداخلها دمية.

يبدو أن هناك أشياء لم يعد بإمكانه الهرب منها بالقفز في حضنها. العالم منزل محترق.

ولا تزال ابتسامتها تُبهجه بسرعة. وينسى ما رآه).

– الجدة: لقد تركتِ هؤلاء الأولاد ليصبحوا بريين.

– الأم: إنهم فضوليون جدًّا يا أماه.. متلهفون جدًّا للتعلم. أقضي معظم وقتي في محاولة إيقاف الشجار بينهم. إنهم مثل الخيول البرية.

– الجدة: إنهم غير منضبطين. أرى تغييرًا كبيرًا في سلوكهم حين يعود والدهم. يا لهم من شياطين صغار. (إلى ستيف) أعرفك

 

خارجي – الحي – شاحنة الدي دي تي

– ستيف: إنها شاحنة ال دي دي تي

(يركض أطفال آخرون خلف الشاحنة التي تمر بشكل دوري عبر الحي لرشِّ البعوض. يضحك جاك وRL ويصرخان ويلوحان بأذرعهما، ويركضان بفرح داخل وخارج سحابة المبيدات الحشرية. يضحك السائق ويلوح وكأنه يقود شاحنة الآيس كريم. هوارد لا ينظر إلى جاك عندما يسأل:)

– هوارد: هل تود أن نقضي الليلة في منزلي؟

 

خارجي – منزل آل ويلز – الغسق

(هوارد يقود جاك نحو منزله. يبدو مهجورًا في الضوء الشاحب، ولا ضوء يشعُّ من الداخل).

 

داخلي – منزل آل ويلز

(كان جاك يتطلع إلى المجيء إلى هنا. لكن قلبه يغرق عندما يدخل المنزل لأول مرة. الستائر ثقيلة ومغلقة بإحكام. يتنفس المرء هواءً عطِنًا وكئيبًا بشكل لا يُحتمل. مجرد التأمل في الأثاث الإسباني الداكن ورؤوس الظباء والمجلات المغبرة يثير أعصابه.

أكوام من الأوراق القديمة هنا وهناك. صناديق من الورق المقوى في الزاوية، ولكنها فارغة. غرفة المعيشة تشبه العلية. الأضواء خافتة، ومظلات المصابيح صفراء وقديمة. هناك وردة ذابلة في مزهرية. لا حياة هنا، فقط ذكرى حياة.

هوارد خجول بما فيه الكفاية عندما يلعبون، لكنه الآن يبدو صامتًا وخائفًا بشكل خاص. ينظر حوله بفارغ الصبر بحثًا عن لعبة يلهو بها.

السيدة ويلز تدقُّ أشياء في المطبخ، وتتحرك كما لو أنها تعدُ العشاء. ترتدي رداء الحمام. جاك لا يمعن النظر إليها).

– هوارد: قالت إنه يمكننا أن نفعل ما يحلو لنا.

(يمشون على الطاولة. يشربون مشروبًا غازيًّا ويلعبون بالسكاكين. حتى أن هوارد ألقى سكينًا وراء الباب).

– جاك: أين والدك، هوارد؟

(يومئ هوارد وكأنه يقول: لقد رحل للتو! ذهب! يرى جاك أن السيدة ويلز في منامتها، على الرغم من أن الوقت لم يحن للنوم. يلتفت إلى هوارد الذي ينظر بعيدًا. ينظر إلى السيدة ويلز بدهشة وخوف. إنه حريص على الحفاظ على مشاعر هوارد ويبتسم بشكل محرج.

بعد بضع دقائق يسأل هوارد إذا كان يمكنه استعمال الهاتف. يومئ هوارد. يتصل بوالدته. يحرص على التحدث بهدوء. يقف هوارد في مكان قريب، ولكن باهتمام رائع. يبتعد)

– جاك: أمي، هل أستطيع العودة إلى المنزل؟

– الأم: ما خطبك يا صغيري؟

– جاك: لا شيء، يمكنني أن أمشي.

(لا يبدو هوارد متفاجئًا ولا يعترض. يصافحه جاك في محاولة محرجة لطمأنته على صداقته. الشحوب يلوح على أقرانه الأكبر سنًّا عند خروجهم من الغرفة. لقد كان هادئًا طوال الوقت).

 

خارجي – منزل ويلز – الغسق

(يعود جاك إلى المنزل متدثرا بشاله. يراقبه كلب آل ويلز لكنه لا يطارده. يلوح المنزل التعيس في الخلفية، بينما تخترق صافرة القطار البعيد الصمت).

 

داخل – بيت أوبراين – ليلًا

(يلقي جاك بنفسه بين ذراعي أمه).

– جاك: لا يوجد شيء من هذا القبيل، أليس كذلك؟

(تعبس. لا يمكنه أن يخبرها ما الذي أزعجه. لم تعد الأشياء تتَّخذ مظهرًا واحدًا. لقد نزل إلى عالم الثنوية).

 

داخلي – غرفة الأولاد

(هذه الليلة تصلي أمه بجوار أسرتهم. حدث نادر. وبينما تسمع صلواتهم، فإنها لا تشاركهم الترتيل. ينظرون إلى بعضهم البعض).

– جاك: أمي، أيُّنا أحب إلى قلبك؟

– الأم: أحبكم سواسية

– جاك: لكننا.. لا نأبه.. أي منا؟ (تبتسم وتقبل قدمي RL)

– جاك: كيف يمكنك أن تفعلي هذا؟ هذا مقرف.

– الأم: أنا آسفة. كانت قدماه باردتين.

– جاك: RL ينظر إلى أخيه نظرة خاطفة.

(تقرأ قصة بيتر رابيت للأولاد الصغار. لقد فعلت ذلك مائة مرة من قبل. إنها القصة الوحيدة التي يطلبون سماعها).

– الأم: … لكن لا تدخلوا حديقة السيد ماكريغور. لقد تعرض والدكم لحادث هناك؛ لقد استجوبته السيدة ماكريغور عن ذلك.

(جاك فقط كان لا يزال مستيقظًا الآن)

– الأم: ما أكثر الأشياء التي تحبها في المدرسة؟

– جاك: الغداء.

– الأم (تنظر إلى RL الذي ينام بالقرب.).: ألا تحب أخاك الصغير؟

– جاك: آهها.. لا أعرف إلى أين سينتهي به الأمر؟

– الأم: ماذا تعني؟

– جاك: عندما نكون في الغابة يحب فقط التحديق في الأسماك. وفي بعض الأحيان..

– الأم: ماذا؟

– جاك: فهو لا يدافع عن نفسه، أو يرد. ماذا سيحدث له؟

– الأم (تبتسم): يُمكنك التحدث معه عن ماله أو كل ما لديه في جيبه. وقد احتفظ بأسماك ميتة في محفظته. مجرد التفكير في الأمر يجعلني أرغب في التقيؤ. أنا لا أمزح.

(تضحك، وفي الوقت نفسه يزعجها أن ترى أولى علامات ذاتها فيه، تعرف إلى أين يؤدي هذا الطريق.

سواءً كانت جدته، أو السيدة ويلز في غرفها المـُسدلة الستائر، أو الرجل الأعرج في وسط المدينة، سرعان ما ينسى جاك كلَّ اضطراب في لغز الحياة في الموعد المحدد في نهاية اليوم، عندما يذوب العالم ويدخل أرض النسيان).

 

داخلي. غرفة الطعام – مع صور مثالية لمنازل أخرى

(يقرع السيد أوبراين كوبًا بملعقته لجذب انتباههم).

– الأب: أبانا، بارك هذا البيت. وليحل السلام فيه، وليكن كل من يعش فيه صادقًا مع الآخرين. وارفق بأخي إد؛ فقد كان طيبًا مع الكثير من الناس. آمين. (بعد وقفة) ارفع مرفقيك عن الطاولة.

– جاك: كنت على وشك أن أفعل

– الأب: أنت تتحداني

– جاك: ماذا تعني؟

– الأب: أنت تعرف

(لا يشعر المرء أن سبب غضبه هو ذاك التفصيل البسيط المتمثل بوضع المرفقين على الطاولة، لكن هذا شكل مناسب للبداية. لا يستغرق الأمر طويلًا. فبعد دقيقة قد يُظهر لهم الود. يقبلهم، يناكفهم. هم لا يحبون ذلك، ويبدو أنه لا يكترث).

– الأب: هكذا نشأتُ (يحبُّ الفلفل الحار. قبلاته تحرق خدودهم)

– الأب: لماذا تتذَّمرون؟

– ستيف: شعرت بعقرب يزحف على ظهري

– الأب: هذا هراء

– ستيف: حدث ذلك في الليلة الأخرى. لقد ضغطت عليه حتى مات. (يضحك الأخوان الأكبر سنًّا).

– الأب: اترك الطاولة من فضلك.

(يلتفت إلى جاك): هل تتحداني مرة أخرى؟ أريد أن أعرف. إما أن أكون محل ثقتك، كما ينبغي للابن إزاء والده، أو..، انتظر؛ أنت تكرر مقاطعتي.. لم أنته بعد. هل تعتقد أنني أستطيع الانتهاء؟ شكرا لك يا صاحب الجلالة. (يكزُّ جاك على أسنانه).

يمكنك القيام بهذه الأشياء البسيطة إذا كنت ترغب بذلك حقًا. قل “سيدي”. لا تصفق الباب الشبكي. سأعطيك فرصة أخرى. هل أنت ابن صالح؟ ثم افعل ما أقوله لك. أطع والدك.

(يحكم العالم من كرسيه على رأس الطاولة. رأيه صحيح. يمكنه أن يخبر الآخرين كيف ينظمون حياتهم، وماذا ينبغي أن يفعلوا. وكل رأي آخر متعنت وغاضب).

 

داخلي – الصالة.

في وقت لاحق، سمع جاك والدته ووالده يتهامسان في غرفة المعيشة.

– الأم: لم تقم بتقديم إقرار ضريبة الدخل لآخر ثلاث سنوات… راهنت بمدخراتنا بعيدًا… بطاقات..

– الأب: فرصنا متعادلة. وعلاوة على ذلك، قد أنكرت نفسي. لدي الحق في بعض الملذات!

(يقترب جاك من باب غرفة المعيشة الموارب قليلًا.).

– الأم: أنت لا تتواجد في البيت أبدًا، لا أعرف إن كان هذا جيدًا أم سيئًا

– الأب: إذا فأنت تلقين بالمسؤولية علي

– الأم: لقد أجببنا بعضنا. ظننت أن هذا سيستمر إلى الأبد. أردت أن أموت بين ذراعيك. ألا تذكر كم كنا سعداء. ألا تتذكر..

(جاك لا يحرك ساكنًا. كان يعلم أن هناك شيئًا ما ليس على ما يرام. لم يشك أبدًا في أنه قد يكون شيئًا مُقبضًا وغير مفهوم).

– الأم: ظننت أن بإمكاني جعلك تحبني.. لكنني أرى أنك لا تستطيع. لا أعرف ما قد يجعل أحدهم يحبك.. لكنه بالتأكيد ليس شيئًا تفعله. لا يمكنك الحصول عليه “الحب” من خلال كونك طيبًا أو كريمًا أو أي شيء من هذا القبيل..

(ترتطم الحشرات بالمنخل، وترتد بصوت عالٍ. يتعمَّق الخلاف. بينما يقترب جاك من الباب، تصبح كلماتهم أكثر ترابطًا، حتى نصل إليهم أخيرًا في غرفة المعيشة).

– الأم: يشعرون بالقلق عندما يعرفون أنك في طريقك إلى المنزل. يقفزون حولك. أنت تقوم بتأديبهم كثيرًا. تتوقَّع منهم أن يتصرفوا مثل البالغين. تتوقع منهم أشياء لا يمكنهم تحقيقها.

– الأب: أنا أعلمهم الاحترام

– الأم: هذه ليست الطريقة التي تجعلهم يحترمونك. ألا ترى أنهم خائفون منك؟

– الأب: أنتِ لا تدعميني أبدًا. هم أكثر حظًّا منا بعشرات المرات

– الأم: أنت لا تسعد مهما فعلوا. (تواصل) ثمة دائمًا مشكلة ما. حتى أمك قالت لك الشيء ذاته.

– الأب: دعي أمي جانبًا

(يرى جاك أن RL قد استيقظ. يجلس إلى جانبه ويضمه. يعاين RL البوصلة. تتحرَّك الإبرة دون أن تُلمس).

– الأم: لا يمكن أن نواصل على هذا النحو. كلانا يسوق الآخر إلى الجنون. لماذا تتصرَّف مثل طاغية؟

(تعاني من قسوته وظلمه لأطفالهما. من غضبه المكفهر الذي لا يمكن تفسيره. تشعر أنه سحقها وسحق عالمها وأشياءها. لقد فقدت حريتها).

– الأب: هل تريدين أن تري كيف يكون الطاغية؟

(لا يمكنه أن يهرب منها. إنها الصخرة التي يقف عليها. وبرغم ذلك هما مختلفان).

(يبدو أنه يتمزَّق في داخله. شهوة التدمير تفور في دمه. ولكن ماذا لديه في الحياة سواها؟ لا شيء).

– RL: لماذا تبكي أمي؟

– جاك: إنها لا تبكي

– RL: استمع

– جاك: حسنًا، لن تستمر بالبكاء طويلًا

– RL: لماذا هما مختلفان

 

داخلي – غرفة المعيشة

(في اليوم التالي يهتم الأولاد بأمهم. يعدون لها فطيرة، ويحضرون لها كوبًا من الشاي.

تحتفظ بألمها لنفسها. بمن يمكنها أن تثق؟ يثرثر الجيران، وكانت تُبلغ من تحبهم. إنها وحيدة، بعيدة عن أهلها. وباختصار، من أجل التكتُّم، تكتب أفكارها).

 

خارجي – بيت أوبراين – حبل الغسيل

(يراقب جاك أمه تنشر الغسيل)

– الأم: بماذا تفكر يا عزيزي؟

– جاك: لا شيء.

(تبدأ بملاحقته. فتاة مرة أخرى. يركض حول المنزل، لاهثًا من البهجة. ثم فجأة لا يسمعها. عندما يعود للبحث عنها، تقفز من الظلِّ).

– جاك: لا تتشاجري مع أبي.

(تنظر بعيدة بفعل شعورها بالحرج. ما الذي يعرفه؟ قلبه ينفطر من أجلها. تشعر بمساندته لها، وبمشاركته لهمومها وأعبائها).

 

خارجي – بيت أوبراين – المرج

(السيد أوبراين يعاين المرج)

– الأب: امضِ حتى الحافة

– جاك: هناك الكثير من العشب. لا أستطيع. لا أريد

– الأب: هل أنت واثق؟

(ينظر جاك بعيدًا، يتراجع. يكره نفسه لذلك. لاحقًا، يشاهد والده يسنً موس الحلاقة).

 

خارجي – نهر برازوس

(يعلمه والده السباحة، يسخر من مخاوفه، ويدعوه إلى المضي أبعد فأبعد إلى الأعماق. قدميه بالكاد قادرتان على لمس الصخور الموحلة في الأسفل. لا أحد على الضفة الأخرى. لا أحد يرى).

 

– الأب: اقترب

– جاك: لماذا؟ (يلهث طلبًا للهواء. هل والده… لماذا إلى هذا الحد؟).

– الأب: اسبح

زاوية من الأعماق. ماذا يوجد في الأسفل؟

– جاك: هل تلك أفعى ماء؟

– الأب: هل ترى رأسها وجسمها؟ إنها سلحفاة

(لاحقًا، بينما يرتديان ملابسهما، ينظر إلى جسد والده القوي. إنه ضعيف وهزيل بينما والده قوي)

 

خارجي. بيت أوبراين. المرج. الغسق

(يجز العشب من حافة الفناء. تدمع عيناه. شجرة البلوط تنظر إلى الأسفل كما لو أنها تتعاطف معه)

 

داخلي. غرفة المعيشة. الغسق

(كان يمر عبر غرفة المعيشة عندما قام والده بوضع الصحيفة جانبًا).

– الأب: هل جززت العشب كله؟

(يومئ برأسه. يخدع والده. هذه الطريقة أفضل، وإن كانت تؤذي كرامته. لا يخبر والدته بالحقيقة)

– جاك (بمفرده): لقد كذبت عليه

– الأم: لا تفعل. لقد قلت الأكاذيب بنفسي. حاولت ذلك. إنها ليست الطريقة الأفضل.

 

داخلي – المطبخ.

(يقطع جاك الكب كيك الذي صنعته والدته، ستيف ينتظر حصته. تلتفت إليه والدته وتسأله):

– الأم: هل القطعتان متساويتان. أعطه القطعة التي قطعتها لنفسك.

– جاك: هذا إلهام

 (ترسل توتا مع الأولاد، وتوصيهم بتركه على عتبة السيدة ستيكلي الأمامية).

 

داخلي – غرفة الأولاد – ليلًا

(الليلة يأتي والدهم لزيارتهم قبل أن يناموا. يدير المصباح المعقوف نحو الحائط ويسليهم، من خلال عمل صور ظلية عليه بيديه. بطة! دب! كلب! يطلي وجوههم بالفحم. يتمكن ستيف من المراوغة. الآن يبدو الخلاف حلمًا. لماذا لا يكون الأمر على هذا النحو كل ليلة، وفي النهار أيضًا؟)

– الأب (إلى جاك): أتذكر عندما ولدتَ. لم يسمحوا لي في البحرية بالعودة إلى البيت، وقالوا إن الحري بالضابط أن يكون حاضرًا عند وضع القارب لا عند الإطلاق.

(ينهض ليغادر)

– RL: ابقَ معنا

(يهز رأسه ويتجه إلى الباب).

– ستيف: لا تغلقه تمامًا

(يستمع جاك، بينما يعزف والده على البيانو. أخواه يغطان في النوم. كم تبدو الموسيقى أثيرية، بينما تطفو في الصالة. كم هو غريب أن يصدر مثل هذا الحنو عن رجل شديد الخشونة وغير عقلاني! رجل يزعم أنه يحبك، ويسبب لك برغم ذلك الأذى والمعاناة.. ولكن يبدو أنه لا يكترث لما يفعله.).

 

زاوية عالية. لقطة هليوكوبتر. بومة تصرخ

(تتدفق الموسيقى عبر النوافذ في الليل. ترتفع الكاميرا فوق الحي الذي ينعم بالسلام تحت النجوم)

 

داخلي – غرفة نوم الأبوين – الصباح التالي

(يتحدث السيد والسيدة أوبراين بصوت خفيض. لقد قاما بتشغيل المروحة لضمان خصوصية محادثتهما).

– الأم: تتشاجر مع مدرائك، وتضحك عليهم، ثم تتساءل لماذا لا يقومون بترقيتك.

– الأب: يا لهم من حمقى.. وكذابين.. إنهم يتجاهلونني..

– الأم: وتتعامل بقسوة مع زملائك الأدنى منك..

– الأب: المعنويات عظيمة. أحيانًا يعملون ستة وثلاثين ساعة متواصلة.. ولا يطلبون حتى أجرًا إضافيًّا! أنت لا تعرفين كيف يبدو الأمر. دائما اتباع أوامر رجال لا يمكنكِ احترامهم. يريدون من المرء أن يخطط لصالحهم. وهذا ما يجعل منه أقل من رجل

 

خارجي – بيت آل كيمبالا.

(بعد ظهر اليوم التالي، ظهر طائر أسود كبير في شجرة البلوط، وبعد فترة وجيزة لاحظوا جلوس روبرت على السياج؛ طفل لئيم يبدو أنه يعيش في شارع بعيد؛ لكنهم ليسوا متأكدين تمامًا أين.).

– RL: من هذا؟

(من مكمن يطلق روبرت النار على كلب الراعي الألماني لعائلة Kimballs بمسدس BB. ينظر المخلوق المسكين، الذي عادة ما يكون فخورًا ومهددًا، حوله ويتساءل من أين تأتي الطلقات؛ لقد تحول الآن إلى كتلة تتأوه وتتذلل. روبرت يبتسم).

 

خارجي – بيت آل ستيكل

(لا يرقى بيت آل ستيكل إلى مستوى باقي بيوت الحي. الكاراج غير مطلي والنوافذ معتمة).

– روبرت: دعنا نرهبهم

– جاك: لماذا؟

– روبرت: لماذا؟ لمجرد التسلية

(يتمتم جاك ببعض الكلمات حول منع والدته له.).

– روبرت: هل أنت خائف يا فتى (بعد توقُّف).لا داعٍ لأن تخبرها، أليس كذلك؟ لا داعٍ لأن يعرف أحد إلا نحن الصغار. لقد كسرت نافذة ذات مرة ولم يحدث لي شيء. الدجاج ليس إلا طائر! (بعد وهلة) لماذا تسمح لهم بمنعك من الاستمتاع؟ لماذا لا تفعل ما تريد أن تفعله؟

(روبرت يلكم صبيًّا آخر على ذراعه. الصبيُّ يهرب وهو يئن).

– جاك: لماذا فعلت ذلك؟

– روبرت: أنا لستُ هو. لماذا أهتمُّ؟

(يبهر الصبيُّ الغريب جاك باستمتاعه باحتقار الآخرين، ولا مبالاته، وحساسيته تجاه أي شيء يجرح كبريائه، ورفضه لعب دور المتملق… لاحقًا، يجدان نفسهما وحدهما)

– روبرت: مدّ مرفقك

 (إنه واضح وهادئ وساخر. هناك خبث غريب لا دافع له يبدو على محياه)

– روبرت: قلت لك أمدده

(يمد جاك مرفقه كما لو أنه منوم مغناطيسيًّا. روبرت يضربها بمقبض مفك البراغي. جاك يدفعه بعيدًا متفاجئًا. روبرت يدفعه للخلف. هل يريد حقا القتال؟

جاك يتردد. عندما يضربك شخص ما، هل من المفترض أن ترد له الضربة؟ وإلا كيف تمنعه من القيام بذلك مرة أخرى؟. مرتعشًا، يستدير ويبتعد)

 

داخلي – غرفة المعيشة – مساء تلك الليلة

(والدته ترتدي ملابسها للخروج. لقد جاءت لتقول لهم ليلة سعيدة. إنها جميلة جدًّا، لكن قفازاتها السوداء وحجابها يجعلانها تبدو غير مألوفة للأولاد)

– الأم: ما خطبكم؟

– RL: لماذا ترتدين هذا؟

– الأم: نحن خارجان

– RL: اخلعيهم (تخلع قفازيها. عادت يداها إلى جمالهما الطبيعي).

– ستيف: هل يمكنني أن ألمس أقراطك؟ (تسمح له. الأولاد ينظرون إليها بحزن)

– جاك: لا تذهبي. يمكننا أن نعدَّ لك العشاء

– الأم: سنعود عند الثانية عشرة

 

داخلي – بيت أوبراين.

 وجهة نظر جاك

(تبدو سيارة والدهم أصغر إذ تبتعد. هل يا ترى سيكون هناك يوم يمكن أن ينفصلوا فيه عنها إلى الأبد؟

يقفزون على الأسرة، ويتقاتلون على الوسائد. عمهم معهم. يسمح لهم بفعل أي شيء يحلو لهم، بينما يتحدث في الهاتف في الغرفة الأخرى).

 

داخلي – بيت أوبراين – لاحقًا

(في وقت لاحق من تلك الليلة، يستيقظ جاك على ضجيج غضب مكتوم في غرفة المعيشة. يجلس في سريره. في الخارج، تتمايل الأشجار، مما يُشعره بالرعب. ينهض من السرير، وينظر من خلال شق في الباب إلى غرفة المعيشة)

– الأم: نحن بحاجة إليها

(يستشيط السيد أوبراين غضبًا. يتأرجح في سلوكه العنيف، فيتصرف في لحظة كالأحمق، ثم يتذكر فجأة أنه أب لأسرة. لكن كفاحه النبيل ضد عيوبه لا يدوم طويلًا. فطبيعته متهورة للغاية. فهو ببساطة لا يستطيع أن يتحمل حياة النادم البليدة في حضن عائلته، وينتهي به الأمر دائمًا بالتمرد عليها.

يرى جاك إخوته مستيقظين. يربت على ظهورهم لطمأنتهم. ماذا فعل والدهم؟ ما الذي يمكنه فعله؟ ينغلق الباب الشبكي بقوة. يرى جاك الدموع في عيني أمه. تنظر إلى الأعلى مجفلة. يمسك جاك يدها).

– الأم: حسبتك نائمًا

– جاك: لماذا تبكين يا أمي الجميلة؟

– الأم: كنت أفكر في والدك. أفتقده

– جاك: أعلم أنك تبكين الآن، لكن ذات يوم ستكفين عن البكاء. يومًا ما سوف نقوم بمساعدتك (كيف؟) هل أحضر لك شيئًا تشربينه؟

 (كيف تتقرب من زوجها؟ هذه مجاعة بطيئة. لقد استسلمت تقريبًا للوحدة والعزلة. إنها مصممة على ألا يعرف الأطفال شيئًا عن مشكلاتها. إنهم قلقون بما فيه الكفاية من هذا الوضع.

يركض جاك إلى غرفة نومه، ويجمع مدخراته، عشرين أو ثلاثين دولارًا، ويعطيها لها في مرطبان،

تداعب خده وتتجنب عينيه، يعلم بؤس لياليها. يرى عينيها مطفأة وقد أضناهما العذاب. هي التي يحبها أكثر من الحياة؛ هي التي سيموت لينقذها من أي أذى).

– جاك: نحن بخير. لن نتركك أبدًا يا أمي

– الأم: شكرًا لك

– جاك: لن نفعل أي شيء أبدًا لنجعلك غير سعيدة. أعدك. (لاحقًا، عند سماع صوتها في الغرفة الأخرى، يخطر له أنه في يوم من الأيام قد يُترك لنفسه في هذا العالم. يصلِّي بصوت هامس:) ساعدني على ألا أكون لئيمًا. ساعدني على ألا أكون وقحًا مع والدي

 

خارجي – بيت أوبراين – المرج

(في اليوم التالي، يعاين السيد أوبراين أعمال جاك في الفناء)

– الأب: انفض التراب عن الجذور حتى لا تترك حفرة مكانها. هذا صعب كما أعتقد… وهنا، لماذا لم تسقي الزوايا؟ لم يكن لديك الوقت، بالطبع! انظر، هذا العشب مقصوص بشكل قريب جدًّا وسوف يحترق. ابقِهِ رطبًا. لماذا هذه البقعة عارية؟

– جاك: لا ينمو العشب تحت الأشجار (روحه تتلظى غضبًا. لا شيء كافٍ)

– الأب: لكنه ينمو في مرج آل كيمبالا

– جاك: لديهم بستاني

– الأب (بشكل تبريري): لديهم المال. ورِثها كيمبالا. طوال اليوم أنا في المكتب! لديك ما يكفي من الوقت لتقضيه هنا. هل تريد مني أن أتجاوز الأمر مرة أخرى؟ لماذا تبتسم؟ أعلم بما تفكر.

– جاك: حقًّا؟

– الأب: لا أريدك أن تقول كلمة واحدة حتى تنتهي. سأصاب بخيبة أمل كبيرة إذا فعلت ذلك. وأنا لن أعرف عن ذلك بالطبع. يمكنك خداعي.

(لديه اعتقاد لا يتزعزع بأن عليه استحسان أو تعديل كل ما يفعله الأطفال. ولا يصدر عنه إلا التحذيرات التافهة والمثيرة للغضب. شاهد هذا! خطوة هناك. افتح الباب!)

 

خارجي – كاراج – قطة

(يجد الأولاد قطة ويأخذونها إلى سطح المرآب. تتلوى في أيديهم. مظهرها المرعب يمنحهم قليلًا من المتعة).

– RL: قد نؤذيها

– جاك: إنها تسقط واقفة دائمًا

(يومئ كايلر. هو أيضًا يشعر بالفضول لمعرفة رد فعل القطة على السقوط. تموء وتهبط بصوت مكتوم. تهزُّ نفسها وتمشي ببطء. ينظر RL إلى جاك بريبة.

جاك ينظر بعيدًا.. كان يبدو في السابق أن كل الشر يكمن في الخارج، الآن يشعر بخوف متزايد أنه قد يكون موجودًا بداخله أيضًا.

يغشُّ ليفوز، لكنه يغضب عندما يخدعه الآخرون).

– RL (يلعبون بالمسدسات): قتلتك

– جاك: لا لم تفعل، لقد أصبتُ فقط.

(كيف له أن يعترض على شرور الآخرين، في حين أنه يفعل تلك الأشياء ذاتها التي يستنكرها.

روبرت يراقب من بعيد)

 

داخلي – غرفة الأولاد

(تجيبه والدته. معظم كلماتها تنتقد مشاهد من حياتهم اليومية).

– الأم: عاملوا الجميع كما تحبون أن يعاملوكم. ساعدوا بعضكم. شجعوا بعضكم. أحبوا الجميع. كل ورقة وكل شعاع من الضوء. أنتم أيها الأولاد فخر حياتي!

– الأم (مستمرة): أقول كل هذا لأنني لا أريدكم أن تضيعوا عشر سنوات من حياتكم في محاولة معرفة أنفسكم وسبب الصعوبات التي تواجهونها، كما فعلتُ. من الصعب أن تقف مكتوف الأيدي وترى أطفالك يرتكبون نفس الأخطاء التي ارتكبتها. آمل أنكم لن تفعلوا ذلك، أحبائي.

(يتذكر جاك أنه كان يحمل لعبة تعود إلى RL، ويدعوه لأخذها، ثم يخطفها بعيدًا مرة أخرى، ويضايقه، ويتوقع منه أن يبكي، ويفاجأ أنه يبتسم بدلًا من ذلك).

– الأم: حلمتُ ذات مرة أن أصبح طبيبة

– RL: ولماذا لم تفعلي ذلك

– الأم: لم تمضِ الأشياء كما أردت

– جاك: لم أفهم

– الأم: ما الذي لم تفهمه؟

– جاك: كل شيء

– الأم: حسنًا، لديك الكثير لتتعلمه، ولا يمكنك تعلمه كله دفعة واحدة..

 

(وجهة نظر الأب)

(يرى السيد أوبراين كيف يتحلق الأول حول أمهم. يدعو جاك وRL إلى السيارة)

 

داخلي – في السيارة – حي ثري

(خرجوا للنزهة. يمرون بمنزل كبير).

– جاك: من يعيش هنا؟

– الأب: فرانك جونسون. لقد بدأ عمله كحلاق، لكنه بنى شيئًا كبيرًا. لا يدع أي شيء يوقفه أبدًا

– الأب (مستمرًّا): بوكي، هو من يدير الشركة الآن، بدأ عمله بشاحنة ثلج. حتى أنه طُرد عدة مرات

(لم ير جاك وRL أيًا من هؤلاء الرجال من قبل، لكنهم شخصيات أسطورية في مخيلة الأولاد)

– الأب: سألني بوكي ذات مرة إذا كنت أرغب في الذهاب معه لصيد الغزلان. فرفضت. أمام رجاله! سألني لماذا. قلت إنني لا أستطيع تحمل الصيد، فهذا يجعلني أشعر بالغثيان. لو ترى النظرة على وجوههم! هل تعلم ماذا قال لي بوكي؟ ظل هادئًا لمدة دقيقة، ثم قال: “أتعلم. لم أحب هذا الأمر كثيرًا أيضًا. ربما لن أذهب هذا العام”

(جاك ينظر بعيدًا، ومُحرجًا. الأولاد لا يحتاجون إلى دليل على تفوق والدهم)

– الأب: ليس للشركة روح، سوف يقطعون حنجرة جدتهم إذا ما تطلب الأمر. هكذا هي الأمور. بلا رحمة. ولكن، إذا أخذت أموالهم، عليك أن تأخذ..

 

داخلي -.مطعم

(يشعر جاك بالحرج عندما يشتكي السيد أوبراين للنادلة بشأن طعامهم، ثم يقبل يدها لأنها تقدم لهم خدمة جيدة. يستعرض من خلال إعطائها إكرامية، والاحتفاظ بالمال ثم سحبه بعيدًا عنها عندما تصل إليه. من الغريب أنها لا تهتم بكل هذا بقدر ما يهتم به جاك، لكنها تضحك كما لو أن الأمر مجرد لعبة.).

 

داخلي – في السيارة – لاحقًا

-جاك: لماذا تعمل بجد؟

– الأب:

(سيكون لديكم أرض صلبة لتقفوا عليها. قد لا أتمكن من تحقيق أي شيء، لكنكم ستفعلون. أيها الأولاد سوف تقفون على كتفي

وجهات نظرهم. وسط البلدة والأحياء الفقيرة على أطرافها. (بارتليت، الخ)

المدينة التي بدت لجاك متألقة للوهلة الأولى، هي لغز بالنسبة إليه الآن، بساحات الشحن وصوامع الحبوب المتناثرة هنا وهناك، بعميانها ومُعاقيها وسكيريها الصارخين من المداخل)..

– الأب: العالم يعيش بالخداع. إذا كنت تريد النجاح، فلا يمكنك أن تكون طيبًا

(يصلون إلى المناطق الفقيرة في المدينة. لقد جاء والده لشراء بعض الشواء. أكواخ متهدمة وسيارات متوقفة في الساحات الأمامية. رجل أسود يحدق به).

– الأب: أن تنتمي إلى نفسك: هذا هو كل شيء في الحياة. تعلم كيفية السيطرة على نفسك وإرادتك. إرادتك تجعلك حرًّا. اجعل إرادتك قانونًا عليك!

(لاحقًا يرى جاك فريقًا من العمال يحفرون خندقًا. ترقد الديدان على أكوام التراب، مقطعة إلى قسمين بواسطة مجارفهم. يذوب قلب جاك رأفة عند رؤية المخلوقات المتلوية، ومن ثم لمرأى هؤلاء الرجال بأجسادهم المنحنية، وشعورهم الشعثاء، ووجوههم المتلألئة بالعرق، وأيديهم وأذرعهم المغطاة بالطين.

يبدو أن المعاناة كامنة في صميم الحياة، وليست طارئة. إنها ليست مجرد صدفة تواجه البائسين فقط. لا، التحول هو القاعدة. الوردة الذاوية. الشجرة المُقتلعة).

– الأب: انظروا إلى هؤلاء الناس. لشخص ما اليد الطولى عليهم. لا تدعوا ذلك يحدث لكم. عليك أن تتقدم على الرجل الآخر. سيبذل كل ما في وسعه ليفعل الشيء نفسه معك.

(يتبادل جاك النظرة مع شقيقه الجالس في المقعد الخلفي. يلاحظون كل ما هو مثير للسخرية فيه، ثم يقلدون هذه الميزات ويبالغون في تقليدها).

– الأب: المال سيحطم كل العقبات في طريقك. تمسَّك به. إنه الشيء الأكثر موثوقية في هذا العالم. من المحتمل أن يخونك أحد الأصدقاء. المال لن يفعل ذلك أبدًا.

– الأب: ابحث عن الشيء الذي لا يمكنهم الاستغناء عنه. براءات الاختراع!

(بينما يمضي الأب في كلامه تذهب أفكار جاك إلى كلبهم. حب شيب حب مثالي. إنه صديقهم ومهرجهم، حارسهم وحاميهم. يقبل أن يُضايق ويُهان ويُتجاهل. لا يعرف التعاسة مثله مثل الكلب ذي الأرجل الثلاثة الذي يعيش أسفل المبنى، ويركض كما لو لم تصبه أي مصيبة على الإطلاق).

 

داخلي – غرفة المعيشة.

وجهة نظر جاك. لاحقًا

(يستمع جاك بينما يسأل والده والدته عن ملعقة منحنية)

– الأب: من فعل هذا؟ (يستدير إلى RL) قد أستمتع بالتكاسل أيضًا. يمكنني أن أخرج من الباب الأمامي وأقول إنني سأختار التوت الأسود! فقط قل وداعا وتجول. ولكن لا، أنت تريد أن تحصل على الخدمة، لكنك لا تريد أن تتحمل أي مسؤوليات في المقابل. سيكون لديك سجل، وسوف يلازمك طوال بقية حياتك. وستدون فيه الدرجات التي حصلت عليها، ما أنجزته وما أخفقت فيه. سيقرؤه الناس.. إذا أخطأت، سوف يسأل الناس لماذا.

(يعلم المرء أنه سوف يستيقظ، ويؤوب إلى نفسه أخيرًا. سيكون الأمر مروعًا عندما يفعل. هل يمكنه تحمل الصحوة الكاملة؟ هل سيؤدي ذلك إلى تدميره؟).

 

خارجي – شجرة البلوط

(يتسلق جاك شجرة البلوط. يمضي أعلى فأعلى إلى أن يقف مثل بحار أعلى السارية، وهناك يناجي نفسه، والعالم في الأسفل يبدو صغيرًا ووهميًّا.

الباب ينفتح. يجلس والده الهائج على الشرفة. وبعد لحظات قليلة، يأتي RL إلى الخارج. يجلس بجانب والده ويسند رأسه على كتفه.

جاك يراقب، يتساءل إن كان يمكنه أن يحب والده أيضًا.).

 

خارجي – منزل بيتس.

سلسلة من الزوايا

(يعيش آل بيتس في وئام. لا يمر بمنزلهم أبدًا دون أن ينال المباركة. يلعب السيد بيتس كرة القدم مع الأولاد، وتقدم لهم السيدة بيتس الكعك في نهاية فترة ما بعد الظهر. إنهم سعداء، وليس لديهم ما يخفونه)

– السدة بيتس: هل أنت متأكد أن والدتك لا تتساءل أين أنت؟

– جاك: لا.. إنها بخير

(يرى كيف يدنو السيد بيتس من أبنائه، ويعانقهم بحنوٍّ، ويمسح على شعرهم)

 

داخلي – الكنيسة

(صباح اليوم التالي، يجلس السيد أوبراين إلى الأرغن في الكنيسة. يبدو هادئًا وراضيًا. يحب نغمات التوكاتا والفوغ المتعرجة، والشموع، وسكينة الدور العلوي للجوقة قبل الخدمة، والموسيقى تتصاعد بشكل مهيب بينما يضغط على المفاتيح. يسترخي. يتوقف عن القلق. كل شيء كما ينبغي أن يكون. لماذا لا تمضي الأمور دومًا على هذا الحال..

لماذا يظلم الناس بعضهم البعض؟ لماذا لا يصغون إلى أفضل ما في ذواتهم؟

ترتفع الكاميرا فوق صفوف الأنابيب، فوق الزنابق والنوافذ الزجاجية الملونة. يتعجَّب جاك من هذا الأب: الرجل الذي يعاني، رغم إيمانه وحيويته، من قلق عميق، وكأنه لا يمكن حتى لخوفه من الله وتقواه أن يجلبا السلام إلى روحه

تلعب أصابعه على المفاتيح وتدوس قدماه على الدواسات. يقرأ جاك الموسيقى، ويقلب الصفحات، ويتوقف. في مثل هذه اللحظات يتناغمان معًا..

لاحقًا، يمشي جاك في الكنيسة وحيدًا. تضج خطواته في الصمت. يطير عصفور عالق في فضاء الكنيسة، ويضرب النوافذ بأجنحته بحثًا عن مخرج).

 

خارجي – أرض الكنيسة – جرس

(القندلقت سينغ ينزل العلم)

– RL: يُقرع الجرس عندما تموت

(يراقب جاك والده يتحادث مع عضو في مجلس الكنيسة. يُظهر السيد أوبراين لباقة ورغبة بإبهاج الأولاد لا عهد له بهما. في النهاية يودع الغريب وداعًا متزلفًا).

– الأب: إنه صديقي. يملك نصف العقارات في المدينة

(الأحد يوم راحة واسترخاء. وقد تزور العائلات بعضها من دون إشعار. المتاجر مقفلة والناس مسترخون. وبرغم ذلك فإن السيد أوبراين لا يهدأ ومتوتر. يتناولون الغداء على الشرفة بينما يلتفت إلى RL)

– الأب: هل تقوم بشيء من أجلي؟ لقد وعدتني أنك ستقوم به من دون أن تسأل ما هو؟ فقط كن على ثقة أن ما يطلبه والدك منك هو الصواب. (يومئ لـ RL) هل تصمت عن الكلام خلال نصف الساعة القادمة، إذا لم يكن لديك شيء مهم لتقوله؟ (يلتفت إلى ستيف).وماذا فعلت اليوم، يا صديقي الأزغب؟

(كان كل طفل، واحدًا تلو الآخر، مدعوا لتبرير نفسه. من أين له هذا التلذذ بالإذلال؟ هذه اللامبالاة بكرامتهم، وبكرامته أيضًا؟ يخدع الآخرين ويحط من قدر نفسه لإثارة إعجابهم، ويختلق القصص والوقائع وأصول الكلمات من دون أدنى خجل).

– الأب: اجلس على البوصتين الأماميتين من كرسيك. هذا جيد لموقفك. قرأت ذلك في الصحيفة.

(يحمل حجرة أمام عيني جاك، وبيضة رعد من مجموعته الخاصة، نوع من العقيق المصقول).

– الأب: هل اشتريت هذا فعلًا من السيد ليدبيتر؟ لا تشرح. أومئ فقط. نعم أو لا

– جاك: أعطاها لي. إنها الحجرة المفضلة لدي

– الأب: لا أعلم إلى متى سأستمر في دفع ثمن هذه الحجارة. نحن نعيش في حي فاخر، لكننا لا نستطيع تحمل تكاليف هذا المنزل. لو عرف كيمبالا المجاور لنا ما هو وضعنا، لضحك. وبطبيعة الحال، لقد حصل على كل أمواله من حموه.

– RL: التزم الهدوء لو سمحت.

– الأب: ماذا قلت؟

(يتناول السيد أوبراين حفنة من الفلفل الحار ويفرك بها شفتي الطفل. السيدة أوبراين تستشيط غضبًا).

– الأب: سوف تستقيم وتعدل سلوكك

(لم ير جاك والده ممسوسًا بهذه الطريقة من قبل. صرخات أخيه لا تُحتمل. الأبرياء لا يمكنهم الدفاع عن أنفسهم)

– جاك: اتركه وشأنه

(ينظر والده مذهولًا. يضربه جاك بقبضته، ويتراجع للوراء ويحدق به بتحد. يصفعه والده على وجهه)

– الأم: توقف

– الأب: ابقِ صوتك منخفضًا؛ لئلا يسمع الجيران. الأطفال غير منطقيين، ولا يمكن إلا للخوف أن يضبطهم

– الأم: كيف يمكنك أن تكون قاسيًا هكذا؟

– الأب: أعطيتهم حياتي. دمي. تركتهم يأكلون قلبي. هل أربطهم بشجرة، هل أخلع حزامي وأضربهم به مثل ماكيفر؟ أنا من وهبهم حياتهم

(سيجبرهم على أن يحبوه، سواءً أرادوا ذلك أم لم يريدوا..

RL يوضع في المرحاض عقابًا له. برتفع ضغط دم السيدة أوبراين بشكل محموم، بينما تحمل ستيف بين ذراعيها. تتساءل إن كان زوجها لا يجد بعض اللذة في معاقبة الأولاد. التعذيب الأخلاقي أقسى عليهم من العقاب الجسدي. نظراته المـُشككة، وفمه الملتوي بازدراء، والعاطفة التي سرعان ما تتحول إلى قسوة.

ماذا عليها أن تفعل؟ مواجهته ستزيد الطين بلة. لن يوقفه أي شيء في سبيل تأكيد صواب موقفه).

– الأم (لاحقًا): أنت بالكاد تعرفهم، أنت في الخارج طوال الوقت

– الأب: علي أن أقوم بأود عائلتي

– الأم: أنت تتكلَّم من دون أن تصغي إليهم. أنت لا تصغي إلى أحد. وأنت تقاطع الآخرين. لا يوجد مكان لن تذهب إليه لتحقق مآربك

(تنظر إليه باعتباره الشخص الذي أحبته ذات مرة ولم تعد تفعل، هكذا يبدو الأمر له).

– الأب: إن كان هذا جحيمًا، فما الذي يمنعك من الرحيل؟

(تشتبه في أنه يهينها؛ لأنه لم يتمكن من امتلاك روحها أبدًا. لقد تمكنت دائمًا من التحرك بعيدًا عن متناوله).

– الأم: ماذا عنهم؟ ألم أكن لأرحل منذ زمن طويل، لولاهم! وكم أشعر بالأسف لأنني لم أفعل

– الأب: ماذا تنتظرين؟

– الأم: سأكون سعيدة جدًّا بالابتعاد عنك..

(لا يمكنها أن تتحكم بكلماتها، تتطاير من رأسها مثل الشرر.).

– الأب: لقد تركتني منذ فترة طويلة

– الأم: اخفض صوتك

– الأب: لقد ابتعدتِ عني يوم وُلد طفلك الأول..

(يشك في أنها تكرهه. وهذا ما يجعله يسيء إليها بعنف).

– الأم: تعود إلى البيت في وقت متأخر. تقامر بمستقبلهم. أخذت النقود التي ادخرها RL من توزيع الصحف..

– الأب: لقد أعدتها.. أنا غريب بالنسبة إليك.. ألستُ كذلك؟ تشعرين بتميزك وتفخرين بفضيلتك. تريدين أن تجعليني أفضل مما أنا عليه.

(لماذا لا ترضى بما هو عليه؟ ولماذا لا تقبل به إلا كما ينبغي أن يكون؟).

– الأم: أنت دائمًا غاضب جدًّا. لماذا؟

– الأب: أريد حياة من دون أكاذيب

– الأم: ما الذي يتأكلك؟

– الأب: لا شيء. هل أثير اشمئزازك؟

– الأم: أحبك

– الأب: ربما لا

(إنها تخاطر أقل مما يخاطر به. لديها قيمتها، التي لا يمكن أن تفقدها أبدا. والأولاد الذين لا يملكهم أبدًا.).

– الأب: هم واقعون تحت تأثير حيلك وألاعيبك. لقد علمتهم أن يكرهوني، أنا أبوهم..

(ضربات قلبها تتواتر ودمها يغلي.. جاك يستمع. هل ستكون عائلتهم مثل عائلة هوارد يوما ما؟ العالم أكثر اسودادًا مما كان يعتقد..

كيف له أن يطيب خاطر أمه؟ أن يفتدي حزنها؟ يفكر في عيد الميلاد، عندما كان بيتهم بيتًا ذات مرة، عندما كانت عائلتهم عائلة، بالألوان المشرقة تحت الشجرة، والأضواء المشعة في الليل.. يلعب بمصباح يدوي، يضيئه بيده.. ويبرز عظام أصابعه.).

 

داخلي -غرفة الأولاد – لاحقًا

(ينكمش الأولاد خوفًا في غرفتهم.. يضرب السيد أوبراين بقبضته على الفورميكا بينما تبكي السيدة أوبراين).

– الأب: ألا يُفترض بالزوجة أن تحب، وتحنو وتطيع؟

(يخاف جاك من طاقة أبيه البرية. عليه ألا يكف عن القتال معه على طول الطريق؛ لئلا يغرق ويُبتلع.. ليبقى على قيد الحياة.. إنه متعلق بأخويه RL وستيف.. لن يترك أخويه مهما حدث.).

– جاك (هامسًا): نحن معًا

(عودة إلى الأبوين، لحق العار بالسيد أوبراين. لقد سقط. إنها تعرف ذلك، وهي تعاني من سقوطه أكثر من معاناتها مما فعله.).

– الأب: أبناء باخ وقرّوه وقبلوا يديه.. عزفوا الموسيقى معا لساعات في النهاية.. كان بيتهم جنة من السلام.. يا للبهجة.. لم أتمكن حتى من جعلهم يلمسون البيانو..

كم هو عديم الرحمة، لكنها لن تتأثر. نقاء سلوكها هو قوتها. ولن تعطيه الحق في امتهانها..

يلمس خدها، يقبلها. لا شيء يُرتق. لقد اتخذ قراره منذ فترة طويلة بعدم الفهم.

لاحقًا، ينتابها شعور بالوحدة بينما تقرأ رسالة من شقيقها).

 

خارجي – بيت آل كيمبالا – حبل الغسيل

(وحيدًا، جاك يمر عبر حبل غسيل أحد الجيران. ملابس داخلية بيضاء معلقة بين الأغطية والمناشف.

يتذكر جاك مروره بعائلة براون ذات ليلة بحثًا عن كرة مرمية بعيدًا، وكيف رأى السيد براون يضرب زوجته أمام أطفالهما. ولم يشهد أي شخص آخر هذه الحادثة. كانت سعادة عائلة براون أمرًا مفروغًا منه. يبدو الآن لجاك أنه خلف الواجهة الهادئة للحياة العادية، قد يكون هناك شيء مظلم ومخزٍ).

 

خارجي – الغابة

(الغابة مليئة بالبقايا. مثل نبع يُغذِّي بركة ماء. يمشي جاك تحت الأشجار بحثًا عن وجود أحس به هنا من قبل.

الطبيعة حرة وبلا شوائب. حفيف أوراق الشجر ينعش أعصابه المحطمة. روح تلك الأوراق هي روح أمه. الوجود يتجلى ويتمظهر، يهمس له: جدني. سوف تكتشف في داخلي ما لا يفشل أو يخيب. يد غير مرئية تمس وجهه وقلبه بلا توقف…. كيف للمرء أن يرى مثلما ترى شجرة البلوط؟)

 

خارجي – بيت أوبراين

(الأخوة يلعبون بعد المدرسة).

 

– RL: يبدو أنها ستمطر

– جاك: من يقول؟

– RL: يمكنني أن أجعلها تمطر

(السماء زرقاء. لكن RL قام برقصة بسيطة داعيًا الغيوم للمجيء. لاحقًا تلبدت السماء بالغيوم وانهمر المطر. RL محتشم في التعبير عن نصره. جاك يضحك. تبدو المشكلات الآن حلمًا.).

– RL: أنا لا أكذب كثيرًا

(وهو يحدق في أخيه، ويسمع نفس الصوت الذي سمعه بين الأشجار. إنه يناديه. أين؟)

 

اليوم التالي

(يبدو أن السيد أوبراين قد نسي مشهد الليلة الفائتة على طاولة العشاء. لكن الأطفال لم ينسوا ولا زوجته، فهذا المشهد يظلل العائلة.).

– الأب: أعطني قبلة (يعطيه RL قبلة)

 

خارجي – بيت آل كيمبالا – هسيس الريح

(بعد بضعة أيام، يسمع جاك هسيس الريح في منزل عائلة كيمبالا. يمضي نحوه ويلاحظ أن سيارتهم تبتعد. ينتظر، ثم يدخل بحذر إلى مرآبهم. يؤدي الباب من غرفة الغسيل إلى المنزل. ينظر حوله ليرى إن كان أحد ما يراقبه، ثم يفتحه بهدوء).

 

داخلي – بيت آل كمبالا

(يتجول في الغرف غير المألوفة. المنزل يتكتك من الحرارة. هناك نقود على طاولة المطبخ، لكنه يتجاهلها. بخوف متزايد يقترب من الدرج المؤدي إلى أماكن النوم.

ما الذي يكمن هناك؟ يلمس الدرابزين، لكنه لا يجرؤ على الذهاب أبعد من ذلك. وبعد لحظة، يتراجع إلى حيث كان… يقف في الخارج تحت ضوء الشمس، مذهولًا. إلى أين يمكنه المضي بعد؟).

 

داخلي – المطبخ

(ترى أمه اضطرابه)

– الأم: ما خطبك؟ أخبرني

– جاك: لا شيء

(عادت إلى ما كانت تفعله. يشعر بالانزعاج والارتباك لأنه كذب)

– جاك: دخلتُ إلى بيت آل كمبالا.. لم يكونوا هناك

– الأم: ولماذا فعلت ذلك؟ لا يمكنك الدخول إن لم يكونوا هناك..

– جاك: كان الباب مفتوحًا

– الأم: لقد تركوه مفتوحًا لأنهم يتوقَّعون أنك لن تدخل. لا تُعد الكرَّة. عِدني. شكرا لك

– جاك: هل ستقولين لأبي؟

(تتردَّد للحظة، ثم تهزُّ رأسها. معها هناك المغفرة. سواءً طلبتَ ذلك أم لا. سواءً كنت تستحقُّ ذلك أم لا).

 

لاحقًا ذلك المساء

(شخص يقف بجانب سريره في تلك الليلة. يلمس رأسه).

 

داخلي – غرفة المعيشة

– الأب (يعطي جاك محاضرة): لا تحاول أن تجعل الناس يحبونك. اجعلهم يخافون منك. إذا قام شخص ما بضربك ضربة خفيفة ادفعه إلى الخلف. بمن يمكن أن تثق؟ عائلتك الخاصة. كن جيدًا معهم. هذا يكفي. والدتك ساذجة. يتطلب الأمر إرادة قوية للمضي قدمًا في هذا العالم. لا تدع أي شخص يقف في طريقك.

– الأم (تنظر إلى الداخل): يجب أن يذهب إلى المدرسة

– الأب: هذا أكثر أهمية. هنا المدرسة. أرجوك. (بعد أن تغادر) لا تترك كسلك يعيقك. لا يجب أن تعفو إذا ما قال لك أحدهم قبّل قفاي. النبل ترف. تجنب الجدل. هل تعرف كيف وصل هؤلاء المسؤولون التنفيذيون الكبار إلى ما هم عليه الآن؟ لقد أمسكوا العصا من منتصفها.

(أمه وأبوه يعيشان بداخله. يتصارعان من أجل روحه. يسعى إلى المصالحة بينهم، لكنهما عصيان على المصالحة. ولماذا لا يستطيع التوفيق بينهما؟ لأي منهما يميل؟ فليكن هذا أو ذاك: وليس فوضى صراعهم الأعمى.

يتذكَّر ما قالته أمه

– الأم: كن طيبًا يا بني. وإذا ما آذاك أحدهم اغفر له).

– جاك (مقاطعًا): لماذا لا يجب أن أحصل على ما أريد؟ لقد فعلًا. ماذا عني؟

– الأم: الناس يؤذون بعضهم. سيكون من السهل أن يكون المرء سعيدًا إذا لم يفعلوا. عليك أن تتغاضى عن الأمر، وتستسلم أحيانًا، حتى لو كنت على حقٍّ.

– ما هو مآل مَن يعيش بالحبِّ.. هذه القاعدة الذهبية؟

(يلعب ستيف برشَّاش الماء في الفناء. سعيد مثلما كان جاك يشعر بالسعادة من قبل. لا يزال على الضفة البعيدة للنهر التي عبرها جاك بالفعل).

– جاك: هل ستغادرين؟ (تهزُّ رأسها) هل سيفعل؟

(يتساءل جاك عما إذا كان يرغب في ذلك حقًا).

 (وعندما خرج من حلم يقظته، كان والده لا يزال يتحدَّث).

– الأب: إذا كنت طيبًا، سيستغلك الناس. فكِّر في نفسك كشخص وقع خلف خطوط العدو. اعمل! قاتل! أراك تضيع وقتك- تحدق من النافذة- تلعب! أقدم التضحيات من أجلك. فلتكرم تلك التضحيات بما تفعله. هذه هي الطريقة التي تعمل بها الأسرة.

(يتحرَّك جاك بشكل غير مريح في كرسيه)

– الأب: أود أن أفعل ما أريد أيضًا. حلمت أن أكون موسيقيًّا عظيمًا ذات يوم. ولكن كيف يمكنني أن أكسب لقمة العيش لعائلتي؟ ولذلك لا بدَّ لي من الذهاب كل يوم. (بانفعال) فقد والدي وظيفته، وكان إد في فيجاس، ولم يرسل شيئًا إلى المنزل. اضطررت إلى ترك المدرسة والانضمام إلى سلاح الجو في الجيش؛ حتى تتمكن جدتك من تناول شيء ما. وقد أطفأوا الأضواء لأننا لم نتمكن من دفع تكاليف الكهرباء، وكان عليها أن تستقبل بعض المستأجرين.

(يفكر جاك في الحب الذي يشعر به غالبًا تجاه والده، بينما يكون نائمًا ليلًا أو يعزف على البيانو)

– الأب (مواصلًا): هل ترى هذا. هل تعرف لماذا احتفظ به هنا؟ كان هذا الختم الرسمي لشركتي الخاصة، الشركة التي أسستها.. وأملك أوراقها.. حتى أصبت بالتهاب الكبد نتيجة شرب البيرة غير المبسترة في الصين. لقد أخذوها مني.. كلب يأكل كلبًا.. لا تنسى ذلك. لا تدع أحدًا يخبرك أن ثمة أي شيء لا يمكنك فعله! لقد قمت بحمايتك بأفضل ما أستطيع. لكنني لستُ متعلمًا.. لكنك ستتعلم.. لا بدَّ أن تنجح.. بحق الله. لا يمكنك أن تخدعني.. اعرف أنك تحب الكتاب..

(يتخيل جاك أنه يعانق والده.. وأن الفروق بينهما تتلاشى. ثم ينقطع هذا المشهد الرائع ويعود إلى غرفة المعيشة، غارقًا في الصمت.).

– الأب: هل تعرفُ ما فعلت عندما ولدت؟ لقد خرجت ورقصت على المرج.. وأطلقت النار من مسدسي.. أنت حريتي! في كل مرة أرى شابًا يمرُّ بقميص وربطة عنق، ويبدو حاذقًا، أرى طفلي الذي أنظر إليه. لا تفعل كما فعلت، عِدني بذلك. لقد سمحت لنفسي بالانحراف. بينما تبحث عن شيء ما ليحدث، كان هذا هو الحال! تلك كانت الحياة! لقد عشتها.

– الأب (يهزُّ رأسه مواصلًا): لقد سمحت لشيء تلو الآخر أن يجرني إلى الوراء. وبرغم ذلك تشبثنا ببعضنا. عندما لا تملك شيئًا، فلا يزال لديك شرفك وكرامتك. لا يزال لديكم بعضكم البعض!

 

خارجي- الشارع – كلب ضال

(كلب ضال. غريب عن الحي. إنه يصطدم بالأشياء. ويبدو أنه قد يكون أعمى، إنه فضولي وغير مبالٍ، وهو يهرول في الشارع حتى يظهر كلب آل هوارد ذو اللسان الأرجواني فجأة ويهاجمه. ينظر الأولاد برعب لحظة ينضمُّ كلبهم شيب للقتال. أذهلهم عداؤه تجاه مخلوق ضعيف وعاجز. يبدو أنه لا رحمة للضعفاء والعاجزين. لا رحمة تُعطى. والحقيقة هي أن جاك نفسه لا يمانع في رؤية الأمور تزداد سوءًا. ولم يؤب إلى ذاته ويسحب شيب بعيدًا، إلا بعد أن قام بعض البالغين بإخراج خرطوم، وبدؤوا برش الماء على الكلاب).

– السيد بيتس: لا بدَّ أن شخصًا ما أطلق سراحه. لقد تقدم في السن وأصبح أعمى. لعل قلبهم لم يطاوعهم على قتله. ربما يجب أن أطلق النار عليه.

– جاك: ابق هنا.

(لن ينظر “شيب” في عينيه، بل يتقلب ويتلوى، متلهفًا للعودة إلى النزاع

في وقت لاحق من بعد ظهر نفس اليوم سمعوا صرير الفرامل وصياحًا غريبًا عاليًا. ثم، بعيدًا، عويل ناعم أو أنين. ستيف يبكي بحرقة).

 

خارجي – أرض مقفرة – الغسق

(يخوضون عبر الأعشاب في قطعة أرض مقفرة، حيث ذهب الكلب ليموت. ومن وقت لآخر يسمعون صراخه المؤلم. لا يمكنهم العثور عليه. مجرد أثر من الدم. مجروحًا وخائفًا، يستمرُّ في جرِّ نفسه بعيدًا عنهم).

 

خارجي – بيت أوزبراين – الفناء

(جاك يستمع بينما يطرح ستيف الأسئلة على أمه).

– ستيف: ماذا يحدث عندما نموت، هل الموت مؤلم؟ هل يحدث ذلك للجميع؟

– الأم: عاجلًا أو آجلًا.

– ستيف: ألا يوجد شيء نفعله تجاه الموت؟ وهل ستموتين أنت أيضًا؟

(لا يبدو أن الكبار يفهمون الأشياء أفضل منه).

– الأم: ليس لوقت طويل.

– ستيف: وهل سأموت انا؟

– الأم: لست كبيرًا بعد يا صغيري..

-ستيف: وإلى أين تذهبين؟

 (الآن يرى جاك أمه بعينين جديدتين. قد يأتي اليوم الذي ينبغي عليها فيه تركهم).

– ستيف: من وضع المسامير على الشمس؟

(يتذكَّر عندما علقت أصابعها في جهاز Mixmaster (خلَّاط للكيك) وكيف صرخت عليه لإخراج السلك الكهربائي من الحائط. ومضة سريعة).

 

خارجي – بيت أوبراين

(يتذكَّر أيضًا يوم كانوا يتناولون الطعام في الخارج مع الجيران، وفجأة سمع أحدهم يصرخ. كان هناك ثعبان مرجاني على الأرض. لقد مشت بمحاذاته.

شاهده كيف يزحف دون عوائق على الأرض، كما لو كان حرًّا من الاحتكاك أو الكوابح، خارج نطاق سيطرة أي قوة بشرية، غامضًا، ولغزًا مظلمًا بعيون عارية من الأجفان).

– السيدة بيتس: لقد مشت بمحاذاته تمامًا

– السيد بيتس: احصل على فأس. لا بدَّ أن رفيقه هنا، انتظر يومين وسيظهر.

(يقطع السيد باجلي الثعبان إلى قسمين باستخدام المجرفة. السيد بيتس يختم على الرأس المقطوع).

– السيد باجلي: لا يمكن عمل شيء إذا عضك أحدها. لديك فرصة للنجاة إذا ما عضتك الكوبرهيد (حية سامة) ولكن ليس هذا. بمجرد أن يُطبق فمه لا يمكن له أن يفتحه مرة أخرى، حتى لو أراد ذلك. هذا النوع الأحمر المُصفّر أخطرها.

 

خارجي – الفناء

(في الصباح التالي يتحدث RL إلى أمه).

– RL: أبن أبي؟

– الأم: ذهب في رحلة

(فرح وحشي ينتاب الأولاد. يزحفون على الأرض، ويقفزون على الأسرة، ويصفقون الباب الشبكي خلفهم بلا مبالاة. لا يمكنها ضبطهم).

– جاك: سنبقى مستيقظين إلى وقت متأخر.

– الأم: لا، لن تفعلوا.

– ستيف: طوال الليل. لا تقولي لا، لأن تعلمين أن ذلك يُغضبني. انظري إلي، أنا أعني ما أقول.

 (يركضون عبر رشاش الماء – ويعثرون على سحلية، ويطاردونها إلى الحمَّام. يضحكون، ويتجاهلون توسُّلاتها، وعندما يسمعون صوت القفل يغلق، يضعونها تحت الباب).

 

مونتاج. بينما والدهم في الخارج

(تُريهم الزهور، والألوان المتوهجة، والطيور المغردة، وشجرة الفاكهة الموجودة على حافة الغابة، ونباتات الغردينيا، وأجنحة المخلوقات الصغيرة تحت عدسة مكبرة. الكثير من الألغاز! لقد أرتهم عشَّ السنونو في الحظيرة).

– الأم: تلك الطيور تثق بنا.. لا تمسوا العشَّ.

(تعطيهم كتاب عن التاريخ الطبيعي. يداه تقلبان الصفحات. هناك ديناصورات وضفادع وأسماك مدرعة بأسماء طويلة جدًّا، بحيث لا يمكن نطقها. عجائب العالم القديم السبع.

تُريهم ورقة شجرة خرنوب طويلة وتضعها بجوار ورقة بازلاء، وتوضح لهم العلاقة العائلية التي توجد أحيانًا بين الأشياء الكبيرة والصغيرة. لبعض الوقت بدا العالم كما هو عليه. تمرُّ الساعات بلا حساب).

– ستيف: هل يمكنني أن أتزوجك عندما أكبر.

– الأم (تضحك): لا تخبر أحدًا آخر بذلك.

(جاك يشعر بالارتياح لرؤية والدته تحتضن ستيف).

– جاك: لقد شرب الحليب كله ولم يترك لنا أي شيء.

(يخرج ستيف من الباب، ويركض عاريًا تحت المطر. الرعد والبرق يبهجانه. يتدفق الماء البارد عبر المزاريب، ويغرقه حتى الكاحلين).

– الأم: تعال هنا أيها الشيطان الصغير

– RL: أمي، أني أرى ذاك الشيء مرة أخرى

– الأم: أي شيء؟

– RL: تلك المعزاة الرضيعة

– ستيف: سوف تجذبك إلى تلك الحفرة بجوار السياج. ستنال ما تستحق. أضيؤوا الأنوار..

(لاحقًا، ومن غرفة أخرى راقبوها بينما ترقص على أنغام موسيقى تنبعث من الراديو..

يتذكَّر جاك حلمًا راوده ذات مرة عن والدته مستلقية، مثل بياض الثلج، في نعش زجاجي. خدودها وردية جميلة، وشعرها أسود حالك. كيف سيواجه العالم بدونها؟ لا يحتمل فكرة أنه قد يكون له مصير منفصل.).

 

خارجي – بيت أوبراين

(يقوم جاك بإحضار وعاء من الماء المثلج وطبق من السندويشات إلى o.c، وهو عامل استأجره والده لنشر بعض التربة المخصبة في المرج).

– o.c: هل أمك من أرسلت هذا؟ إنها ألطف امرأة. إنها أم طيبة وامرأة طيبة. لم أعمل أبدًا لدى أي شخص يراعي مشاعر الآخرين.

(كفاه اللتين بلون السلمون تمسكان بالمجرفة. يعمل طوال اليوم في الشمس الحارقة. لا يشتكي أبدًا. يبدو أن هناك فرحًا يتساوق مع المشقة وسوء الحظ).

– جاك: هل رأيت اليراعات الخاصة بي؟

– o.c: إنها أرواح الموتى. ينبغي لك أن تخليها لتطير.. هل أفزعتك؟ لم أكن أقصد..

 

خارجي – سقف البيت

(إنهم على سطح البيت. لا عمل لديهم هناك.جاك يوميء ل RL أن يقفز)

– جاك: يجب أن تقفز إذا كنت تريد الانضمام للنادي

– RL: لماذا لا تقفز أنت؟

– جاك: لقد قفزت فعلًا.

– RL: متى؟

– جاك: لم تكن في الجوار

(يضحكون. لاحقًا، يتحدى شقيقه أن يضع علَّاقة الثياب في مقبس الكهرباء)

– جاك: لقد فصلت الكهرباء، لن يؤذيك.. لقد جربته للتو..

(يبتسم RL عندما لا يحدث شيء. ولكن بعد ذلك، أثناء تجوالهم، انتزع جاك عصا من يد RL الذي لا يحتج).

– RL: احتفظ بها

(روح أخرى تسكن أخاه غير تلك التي يلمسها جاك في نفسه. يشعر بالخجل، ويعيد العصا عند سماع صوت والدتهم تناديهم، عادوا إلى المنزل)

 

خارجي – الجوار – روبرت

(عاد روبرت للظهور في حياتهم. يقودهم في موجة من التخريب. يُشجِّعهم على سرقة الخوخ من شجرة ماكيفر)

– روبرت: ذاك الخوخ للجميع.. لا أحد يقول لي ما أفعل … أفعل فقط ما أريد..

(بدلًا من أكل الخوخ، يرمونه بعيدًا. ينفجرون بالضحك واحدًا تلو الآخر، حتى يتدحرجون جميعًا على الأرض.

جاك يقطف الزهور من حديقة آل كمبالا، ويحظى بتشجيع الأولاد. يخجل من أن يكون مذنبًا بوقاحة أقل من الآخرين، ولكن عندما أومأ روبرت برأسه على نوافذ مرآب عائلة ستيكليز، يتذكَّر أمر والدته الصارم ويهز رأسه).

– روبرت: لماذا لا؟

(قذفوا ضفدعًا عاليًا ثم هرعوا لرؤية إن كان قد نجا من رحلته الفضائية تلك.. لا يجدونه.. شعروا بحياته تنبض في أيديهم… وضعوا سلحفاة نهاشة على أذن الخروف.).

– هاري: لن تتركه حتى مغيب الشمس.

(يصيح الخروف من الألم ويهرب، ويلقي نظرة خاطفة على كتفه بنظرة اطمئنان مكلومة..

يدوسون القواقع، ويحرقون الدبابير. يصنعون مجدًا لعارهم وأكاذيبهم)

– كايلر: أنا بطول ستة أقدام. لقد قتلت رجلًا

 

خارجي – مبنى المحكمة وسجن

(في يوم آخر، خارج قاعة المحكمة، ينظر جاك إلى الأعلى، ويرى رجلًا يصرخ من نافذة في الطابق الثاني. هناك قضبان على النافذة. تتدافع الأيدي من خلالها..

في مكان قريب، على الرصيف، يرى سجينًا يُقتاد إلى أسفل الدرج الأمامي لقاعة المحكمة من قبل رجلين يتنكبان الأسلحة..

المجموعة تمرُّ بالقرب، معصما السجين مربوطان بحزام تقييدي. يرد على أعين المتسكعين الساخرة في المحكمة بسخرية من التحدي الفخور. بطريقة ما يشعر جاك بالقرب من هذا الغريب أكثر مما يشعر تجاه عائلته).

– الأم: إلى ما تنظر؟ تعالَ.

(يحدق أحد رجال الشرطة به. ماذا يعرف أو يخمن؟، يقف الرجال بينما تمرُّ السيدة أوبراين)

 

خارجي – بيت أوبراين

(السيد أوبراين يعود من رحلاته. الأطفال ينظرون إلى بعضهم البعض وكأن غريبًا قد حل بينهم. انتهت البهجة. سيعودون مرة أخرى المخلوقات الماكرة، الغشاشة، المذنبة التي كانوها من قبل.. يربت على رؤوسهم بقوة)

 

داخلي – غرفة العشاء

(يروي السيد أوبراين عن أسفاره، ويظهر لهم المناشف التي حملها معه من الفنادق، والأموال من فئات كبيرة جدًّا والتي لو كانت بالدولار، لأصبحوا أثرياء).

– الأب: كان الأسقف شين ودودًا للغاية. الفرنسيون مقربون جدًّا، لكنهم سوف يسرقونك بشكل أعمى. المال مربك: فرنكات جديدة، فرنكات قديمة؛ أنت لا تعرف أبدًا ما الذي في يدك. اشتريت صحيفة بأربعة دولارات. في منتصف الطريق إلى الفندق أدركت أنني تعرضت للسرقة. كان معركة كبيرة مع السيدة. واستدعينا الدرك الذي جعلها تعيد المال..

– الأب (يواصل إلى السيدة أوبراين): أنا واثق من أن صفقتي قد تمَّت. إذا لم يكن الأمر كذلك، فيمكنهم نسيان الأمر. سأقول لهم جميعًا أن يذهبوا إلى الجحيم.

– الأم: انتبه.

– الأب: لن أسمح لهم بالتآمر علي.

– RL: هل يمكن لكايلر أن يأتي؟

– الأب: أليست عائلتك جيدة بما يكفي بالنسبة إليك؟

(ينظر جاك إلى أخيه مندهشًا. فهو لن يجرؤ أبدًا على دعوة أي شخص. غالبًا ما يزورهم الأقارب، ولكن لا يأتي أي صديق على الإطلاق).

– الأب: والدتك من عائلة أيرلندية مزارعة، كان يعمل لديهم أشخاص من شيكاغو في نهاية كل أسبوع. ولهذا السبب لم يزيلوا الأعشاب الضارة من حقولهم أبدًا. وكان النرويجيون يمرون بالسيارة ويضحكون! (تبتسم) أنتم لا تدركون هذا أيها الأولاد.. كانت حياتنا محفوفة بالمخاطر.. أما أنتم فتعشون بسلام وهدوء ودفء.. انظروا إلى طعامكم.. لا يزال في أطباقكم.. يا لها من وفرة.. عندما كنت في مثل عمركم كنت أبيع التذاكر في مسرح كلارك في شيكاغو (جاك يرتبك) هل أنتم في عجلة من أمركم؟ بعد المعارض كنت أقوم بتنظيف الحمامات ولم يكن لدي سوى زوج واحد من السراويل لسنوات، ولطالما اضطررت إلى الركض بسروايلي القصيرة عندما كانت أمي تغسلهم.. ومع ذلك، ومن أجل كل ذلك، كان أبي هو أبي.. لا أحد يعرف ما يعنيه هذا هذه الأيام.. هل يمكن لولد أن يفهم؟

(يبدو لجاك أنه وإخوته قد استمروا على قيد الحياة بسبب من تضحيات والدهم، ويتحملون حيواتهم كهدية غير مستحقة منه. لقد ربى فيه أبوه شكًّا عميقًا بالنفس، شكَّ بكل ما يفعله، شك بالآخرين أيضًا وبدوافعهم. يغدو قلقًا بخصوص كل شيء، مرتبكًا وغير قادر على التفكير..

صوت تحطم عال. لقد صفق الباب الشبكي).

– الأب: ألا يمكنك أن تغلقه بهدوء؟ بالتأكيد لا، هذا صعب للغاية بالنسبة إليك.. لا وقت لديك. هذا كثير جدًّا لنتوقعه من ابننا الصالح. يا للهراء!! أريدك أن تغلقه بهدوء خمسين مرة. ولا أريد أن أسمع أي اعتراض.

(يبدو له أن هناك ثلاثة عوالم، عالم يعيش فيه مع إخوته خاضعين لوالدهم في ظل قواعد اخترعها لهم خصيصًا، والتي لا يمكنهم أبدًا، من دون أن يفهموا السبب، إطاعتها، وعالم ثانٍ ينتمي إليه والدهم وعالم ثالث يعيش فيه الجميع بسعادة، أحرار من الإملاءات وإكراهات الطاعة)

– الأب: تعال هنا (يقرصه) أنا أحبك.. وإن لم يبد الأمر دائمًا على هذا النحو فلأنني لا أستطيع التظاهر كما يفعل الكثير من الناس. قبّلني، قبّل أباك..

(تلتبس الأمور على جاك ويحتار عقله من صحة والده وشهيته، وغروره، وحنكته، وعدم مبالاته بالأعباء التي يفرضها على الآخرين؛ من غياب أي وعي بالنفاق عندما يخالف تلك القواعد التي يفرضها على الآخرين).

– الأب: ماذا تظن حقًا؟ أن هناك أشياء لا يمكنك القيام بها؟ حسنًا، هناك أشياء لا يمكنني القيام بها أيضًا

– جاك (بتردُّد): أبي؟ لماذا..

– الأب: لا ينبغي لك أن تدعوني بابا.. بل والدي.. سيدي.. يجب أن تحترم والدك دائمًا. كل يوم أخرج من ذاك الباب..أخرج وأكدُّ في العمل من أجلك. أظهر الاحترام ولا تقاطع..

– جاك: أنت من قاطع..

– الأب: أفضِّل أن أكون متسولًا في شوارع القاهرة على ألا أحظى باحترام عائلتي. (بعد توقف) تذكر، أنت الولد..

– جاك (يتابع تنفسه) هذا بيتك. يمكنك أن تلقبيني خارجًا وقتما تحب. (مرتجفًا) تريد قتلي

– الأب: وأنا أيضًا لم أكن أحترم أبي، ليس في البداية..

(ما الذي يعرفه أبناؤه عن الحياة.. عن غطرسة الأثرياء وتبختر الحمقى؟).

– الأب: رأيت والدتي، وكانت لا تجيد القراءة ولا الكتابة، تعتمد على بائع لا يستطيع تحقيق مبيعات، وخجلتُ من إخبارها بذلك.. ثم عرفت كيف كانت الأمور بالنسبة له! لقد مات قبل أن تولدوا أيها الأولاد- في حادث سيارة. كان يرقد طوال الليل في الشارع. لم يعثروا عليه حتى الفجر. افعلوا ما تشاؤون. بقدر ما يتعلق الأمر بي، أنتم أحرار. لا نصيحة لديَّ أقولها لكم. ولكن إن أردتم حقًّا أن تكونوا أحرارًا، لا تعودوا إلى هذا البيت مساءً..

(أعصابه تغلي. يبدو أن أولاده يدمرونه. إنه مجبر على تنفُّس هواء موته بالذات)

– جاك: أكرهك

– الأب: أعرف. لكن السؤال هو، هل ستفعل ما أقول لك؟ هل تريد أن تكون الشخص الوحيد االناشز- وتجعل الجميع غير سعداء- فقط لأنك مصمم على أن يكون لديك طريقك الخاص؟ ثم ستبقى في الداخل

– الأب: لقد تناولت عشاءك للتو، أحد منا لم يتناول عشاءه بعد..

(ينظر جاك إلى أمه، لا يريد أن يسبب لها أي تعاسة بعد.).

– جاك: أنا أسف، سيدي

– الأب: شكرًا لقولك سيدي. (إلى زوجته) هل تعرفين ماذا يقولون في البحرية، إذا كان لديك طاقم متذمر، فلديك طاقم لائق. عندما لا يتذمرون، فهناك خطأ ما

(سوف يتعلَّم الخداع. سوف يستخدم المكر والرياء للدفاع عن نفسه والحصول على ما يريد

لن يتحدى والده ظاهريًا أبدًا. سيكون تحديه داخليًا، وبالتالي سيكون من الصعب استئصاله؛ أولًا يجب اكتشافه. سوف ينتقم لنفسه بأذكى طريقة، دون أن يعلم والده بذلك).

 

داخلي – غرفة النوم

(السيد والسيدة أوبراين وحدهما)

– الأب: أريد أن أجعله قويًّا. أريده أن يتوقع أشياء عظيمة من نفسه. أن يُوطِّن نفسه على الأفضل.. أب يقوي ابنه..

– الأم: إنهم يخافون منك.

– الأب: إنهم يحبونني. سأجعلهم يحبونني. كان بإمكاني أن أمتلك شركتي الخاصة، وأن أكون رجلًا ثريًا. ولكن لا، لدينا أطفال.. كان علي أن آخذ أول وظيفة جاءتني.. هل أنا أب أم صنبور؟.

– الأم: لماذا لا تسمح لنفسك.. بالحب؟

– الأب: أنا أفعل

– الأم: لماذا لا تعبر عن حبك؟

(ينظر بعيدًا. يخاف من حبها له. حبها جيد جدًّا بالنسبة له. ولا يستطيع أن يرقى إلى مستوى هذا الحب.. يبدو له أنها لا تريد سوى روحه.).

 

داخلي – غرفة المعيشة

(عندما يرون والدهم لاحقًا، يتظاهر بأن كل شيء على ما يرام.. هل يعتقد أنهم لا يسمعون؟).

– الأب: ماذا تريد من أجل عيد ميلادك؟

– RL: أنت

(ينظر والده إليه مندهشًا.. هذا الطفل، وبخلاف الآخرين، لطيف كحكيم.. ثم يقبله. RL

وحده من لا يجعله فيض الحب الأبوي قاسيًا وصلبًا. يشعر السيد أوبراين أنه يفهم ولديه الآخرَين أيضًا لكن ثمة شيء بخصوص RL يثير بعض الرهبة فيه.

يخاف على هذا الطفل، ويخشى عليه لكونه غير عملي، حالم، وبطيء. يستحوذ عليه بسبب مشيته المضحكة، بسبب ابتسامته الطويلة وتردده قبل أن يتحدث.

هل تحبه أمه لأنه الأضعف، الأرقُّ، الأصدق؟ الصادقون يُستغلون والحالمون لا ينتهون إلى شيء.).

 

خارجي – المرآب

(جاك يراقب والده بينما يعمل على سيارته التي رفعها بواسطة رافعة.. ما الذي قد يحدث إذا ما دفع الرافعة بعيدًا؟

مشاهد الميلاد.. بيوت أخرى في الحي.. كل منها بيت.. هل بيتهم بيت؟ الغناء، الأضواء – التي أفسدها الجدل والخلاف..

سلسلة من الزوايا. موس حلاقة. ثعبان أخضر جلف

حمم غضبه تتلظى في أعماقه. يعاين موس الحلاقة الخاصة بوالده، بمقبضها الذي يشبه صدفة السلحفاة. يخاف من ظلمات روحه، يخفي الموس تحت الملاءات في الخزانة. وهو يصلي وحده في غرفة نومه:)

-جاك: أرجوك يا ربي، فليمت..

(ينزلق ثعبان عبر شجرة البلوط، ويتمايل مع هبوب الريح، ليتوافق مع حركة الأغصان)

 

خارجي- بيت أوبراين – الفناء الأمامي

(السيد أوبراين يتمشى في الخارج. جاك وRL يلعبان).

– الأب: ما الذي تفعلانه هنا؟ اذهبا للعمل.. (يلتفت إلى RL) هل تعزف على جيتارك؟

 

داخلي – غرفة لمعيشة.

(RL مع جيتاره. غيرة جاك وهو يشاهد RL يتدرَّب على جيتار صغير. إنه موسيقي حقيقي على عكس إخوته.

تستمع أمهم منتشية، بينما يجلس ستيف على ركبتيها. وتواسي RL عندما يشعر بالإحباط بسبب أخطائه).

– الأم: لا بدَّ من الأخطاء.. الكمال ليس مهمًّا.. الخطأ جميل.. حتى أنه أكثر جمالًا..

(يجلس السيد أوبراين على البيانو ويرافق لحن RL. الغيرة من أخيه الصغير تنشب مخالبها في جاك مرة أخرى، حتى عندما تعيده الموسيقى إلى حضور لم يعد يؤمن به)

 

خارجي – شارع الحي

(يتذكر بينما كان يمشي مع RL باكرًا ذاك اليوم.. واقترح أن يركضا.).

– RL: سوف نتعب

– جاك: أنا لا أتعب أبدًا

– RL: لكنك تعبت هذا الصباح

– جاك: لا.. كنت أتظاهر فقط.. هل تتَّهمني بالكذب؟

– RL: لا.. لا أريد الشجار..

– جاك: هل تخاف؟

– RL: لا.. فقط لا أريد الشجار..

– جاك: إذا قلت أنك خائف، هل تريد أن تدعوني بالكاذب؟

– RL: لا

– جاك: إذا فأنت خائف، ألست كذلك؟

– RL: أعتقد ذلك.. لماذا يطن النحل؟ (يهز جاك كتفيه) لأنه لا يعرف الكلمات..

(عقابًا لنفسه، يتمتم جاك معتذرًا. يحل الحب محل الحسد في قلبه. كل الطبيعة تنبض بالحياة وتجيبه بالاستحسان

تشعر السيدة أوبراين بالقلق على بكرها.. نزاعه مع والده جعله متجهمًا، غافلًا ومتمردًا وعازمًا على الفرار دائمًا..

أصبحت حياته نسيجًا من الأكاذيب والحيل، من السرقات والاشتهاءات والرغبات الوحشية)

 

خارجي- الفناء الأمامي

(يقف جاك مع والدته في الفناء الأمامي)

– الأم: انظر إلى الشجرة، لا تآبه كيف تبدو للآخرين, إنها ما هي عليه، تتحمل الأمطار والعواصف والطقس السيء..

(تلعب الكاميرا على الأوراق والفروع. روح واحدة تعيش في الجذر والجذع والأغصان والأوراق.).

– الأم: قد تظن الورقة أنها منفصلة ووحيدة.. لكن الأوراق كلها جزء من التفتح نفسه، وجميعها بدأ من البذرة نفسها..

– جاك (يقاطع أمه): هو يقول لي شيئًا وأنت تقولين شيئًا آخر

– الأم (داخليًا، تذعن لفقدان بكرها): كل شيء سيكون على ما يرام

– جاك: إذا لماذا أنت غير سعيدة؟

– الأم: ما الذي يجعلك تقول هذا؟

(يرى البراءة التي ينتهكها الألم في هذا العالم، والتبعات المؤلمة لمشيه في طريق أمه. إلى أين يقود هذا الطريق؟ إلى حياة الحزن، إلى كل ما يمكنه قوله..

ما قيمة الطيبة والبراءة؟ وكيف للطيبة أن تقف في وجه تنمُّر القوة؟ القاعدة الذهبية تسمح للآخرين باستغلالك والقيام بما يحلو لهم. ويمكن لها أن تعارض سعادتك وحتى أن تدمرها..

يتذكَّر السيدة كمبالا تقول لوالدته):

– السيدة كمبالا: أنت لطيفة جدًّا.. كم أتمنى لو يمكنني أن أكون مثلك..

 

وجهة نظر الأب عن الأولاد بينما يلعبون

(يراقب السيد أوبراين الأولاد بينما يلعبون في الفناء الأمامي رفقة والدتهم. هل سيصبح لئيمًا وحقيرًا؟ هل سيتهاوى سريعًا؟ لكم تشبه ضحكاتهم موسيقى عدن المفقودة.).

 

داخلي – غرفة المعيشة

(أخوها، خالهم راي، جاء لزيارتهم. السيدة أوبراين تُسرُّ له غير مدركة أن جاك يستمع من الغرفة الأخرى)

– الأم: ظهر رجل بالباب. كان جامع الفواتير. شخصية مشبوهة. لقد كان يقامر مرة أخرى

(الكثير مما تقوله يشتغل خارج الشاشة. حيث توضح ذكرياتها بدءًا بمشاهد من لاس فيغاس، وومضات سريعة من تجربتهم الماضية).

– الأم (تواصل): إنه مولع بورق اللعب. يقول إنها تجعل الجميع سواسية. إنه يبالغ في المراهنات.. كما تعلم شقيقه مقامر في لاس فيغاس. رجل لطيف وموهوب.. (بعد وقفة)

يريد استعادة شرفه ومكانته. يمكنني الحصول على وظيفة، رغم ذلك هو لا يريدني أن أحظى بواحدة..

-الخال راي: الأمر صعب بوجود ثلاثة أولاد

– الأم: لا أريد أن أزعجهم أو أن أغير حياتهم.. أريدهم أن يستمروا في تعليمهم.. (تتنهد)

بالمقارنة مع عائلتنا، بدت عائلته دافئة وحيوية للغاية. لقد كان واقعيًّا ومبهجًا. كنا سعداء لبعض الوقت. (بعد وقفة) أرتجف عندما أطلب منه المال، أقترب منه مثل شخص مذنب. يفتعل مشكلة من أجل ملعقة ملوية. لن يفعل أي شيء ليتغير.. أخاف أن يدخل الغرفة..

– الخال راي: أخبريه، إما أن يتعلم التصرف مثل أي شخص آخر، وإما أنه لا يعرف الحب بأي حال..

– الأم: لماذا تقول ذلك؟

– الخال: غادري.

(جاك ينظر مصدومًا، هل تغادر؟ فهل أسهم، بشكاواه من والده، في بلورة هذه الرغبة؟ كم يخشى أن يكون قد تسبَّب في تفكُّك عائلته.).

– الخال راي: خذي الأولاد معك. أنت صبورة، ولكن ماذا لو قتلك هذا الصبر؟

– الأم: لا أستطيع مقايضة سعادتهم بسعادتي.. لن يُزايُلني الإحساس بالذنب.. لقد فكرت في الأمر..

– الأم: لا أزال أجيد التحرير والاختزال. عندما عملت في Bendix قبل أن نتزوَّج، كان بإمكاني كتابة مائة كلمة في الدقيقة.. لا أعرف ماذا يمكنني أن أفعل الآن. مع ثلاثة أطفال… لا تذكرني أنني تحدثت بهذه الطريقة من قبل. أنت صديقي الوحيد. الآخرون لطيفون جدًّا، لكن لا أستطيع التحدث معهم حقًّا. إنها مدينة صغيرة.

– الخال راي: لا يمكن أن تتركي هذا الأمر يمنعك من العيش.

– الأم: لم يقدم إقرار ضريبة الدخل لثلاثة سنوات.. أخشى أن يفقد عمله.. يقسو جدًّا على الرجال الذين تحت إمرته.. لا أحد يحبه.. ليس أنانيًا ولا عديم المشاعر.. ولكنه يؤلب الناس ضده.. إنه يسيء إليهم، عن قصد تقريبًا.. يحبني بقدر استطاعته. لا يمكن أن أنسى اليوم الذي رأيت فيه طبيعته الحقيقية.. لكنه مُعيل جيد.. هناك شخصان في داخله..

(تكره أن تفضي بمكنون نفسها حتى لأخيها.. عن مدى تعاستها.. أو أن تخون ثقة زوجها.).

– الخال راي: هل لا تزالين تحبينه؟ (تومئ برأسها) يمكن لبوب أن يساعدك.

– الأم: قال إنه لن يدفع هذا المبلغ مرة أخرى. إنه يستاء عندما أسأل.. أتمنى لو أنهيت الكلية. كنت أحلم بدراسة الطب.

 (يضحكان.. ومضات من شبابها الهانئ: ركوب الطائرة.. والدوران أثناء الرقص)

– الأم: كلنا كان لدينا أحلام ذات مرة.. أريد أن يتمكَّن أطفالي من الالتحاق بالجامعة.. كم أنا سعيدة برؤيتك..

(لم تجد أبدًا زملاء في واكو.

لاحقًا يسمع الأولاد والدهم يتجادل مع خالهم.).

– الخال راي (خارج الشاشة): لقد أرهقتها واستعبدتها..

– الأب (خارج الشاشة): أنت تأتي وتذهب.. لقد احتملتك لسنوات.. اخرج وابحث عن عمل..

– الأم (خارج الشاشة): لقد أهنته..

– الأب (خارج الشاشة): لن يضيره ذلك.. ينبغي لكل واحد ـن يقوم بما عليه. يأتي إخوتك لقضاء ثلاثة أيام، وينتهي بهم الأمر بالبقاء لمدة ستة أشهر.

(تراقب بينما يخرج شقيقها.).

 

خارجي – بيت أوبراين – المرج.

 شجرة البلُّوط. مساء

(فقط ضوء الشرفة مُضاء. جاك خرج من المنزل ويجز الأعشاب.. الليل حالك: يبدأ بالبكاء.. يضع وجهه بين يديه.. وينحني على شجرة البلُّوط… تظهر أمه. يستدير مذهولًا.. تبدو جميلة في ثوبها الليلي.).

– الأم: ماذا تفعل؟

– جاك: أجز العشب.

– الأم: الآن؟ ليلًا؟ لماذا؟

– جاك: ربما تتوقفان عن الشجار.

(هل ستغادر؟ لقد بدأ يخمِّن عمق تعاستها. تأخذه بيده وتقوده إلى البيت)

– جاك: أمي.. أسمعي.. سأجعلك فخورة. سعيدة. هنا في المنزل، وفي المدرسة. لن أتوقف حتى أفعل!

(سيكفكف دمعها.. تهز رأسها.. ليس هذا ما تريده.)..

– الأم: لكني أريدك أن تكون سعيدًا.. لا أريد أن أشعر أن عليك أن تفعل أي شيء من أجلي..

(إن جهوده لجعلها فخورة كان لها حتى الآن نتيجة مثيرة للسخري؛ حيث تسببت في تواتر قلقها.).

– جاك: هذا غير كافٍ. يمكنني أن أقوم بالمزيد..

– الأم: كن طيبًا مع إخوتك.

– جاك: سأفعل. أُقسِم… ولكن هل تساعدينني؟

– الأم: طبعًا.

– جاك (يفكر في والده.).: أكرهه.. أتمنى موته (يختلج جسده.. يبدو كما لو أن النار تضطرم في قلبه.). سأقتله إذا أردتِ..

– الأم: والدك! لا أريد أن تكرهه.. أريدك أن تحبه..

– جاك: هل تريدين ذلك حقًّا (تهز رأسها) كيف؟ (لم تجب مباشرة. زاده صمتها حيرة.). لماذا؟ لماذا؟ لماذا دفعني جوني بادن؟ لماذا لم يعد العمُّ إد؟ لقد أخبرتني أن الأمر سيكون على ما يرام! لماذا يؤذينا؟ هل أنا السبب؟ هل يتعلق الأمر بي؟

– الأم: لا علاقة لك بالأمر. سامحه..

– جاك: وهل سامحتِهِ أنتِ؟

– الأم: فكر في الأشياء الطيبة التي يفعلها لنا.. وللآخرين..

 

خارجي – حمام سباحة. BARTON SPRINGS.

 (زوايا سريعة). ذكريات

(ميلتون ستون، صبي في عمر جاك، يسبح تحت الماء في سباق في حمام سباحة عامٍّ، وفجأة ينقلب على ظهره ويطفو إلى السطح، وذراعاه مفرودتان. يظن الأولاد أنه يمزح ويرشونه بالماء حتى يروا ازرقاقًا في شفتيه. يعم الذعر. لغط. لكن السيد أوبراين يتقدم ليتولى الموقف. يستدعي سيارة إسعاف. يجري تنفسًا اصطناعيًا للولد. يقف الأولاد على أطراف بركة السباحة، ويمسكون بأيديهم ويتلون الصلاة. ينظر جاك يمنة ويسرى، فخورًا بوالده الذي يحدق في السيدة ستون بتعاطف).

 

خارجي – الشرفة.

 استئناف المشهد السابق. ليلًا

(يتعجب جاك من والدته. يبدو أنها لا تريد شيئًا البتة. ليست مثل والده السيئ المزاج دائمًا).

– جاك: نحن لسنا عائلة سعيدة. كنا سعداء من قبل. هل ستكون عائلتنا مثل عائلة هوارد؟ (تقبله) الآن في المدرسة، حين أرى أولادًا طيبين، أرغب في أن أكون سيئًا.

– الأم (تصمت للحظة): لا أعرف كل شيء. ولم أكن كل ما ينبغي أن تكونه الأم. لكن الأم تتعلم. عليها أن تكبر أيضًا.. (الأم تواصل) هناك الكثير من المصاعب في هذا العالم. كم أتمنى لو يمكنني ان أنحيها جانبًا من طريقكم!

– جاك: هل ارتكبتُ أي خطأ اليوم؟

– الأم: لا. قد تبدو الأشياء سيئة الآن، ولكن لا يمكن أن تظل على هذا النحو.. نحن في طريقنا لنبلغ بعض الأشياء الجيدة.. سنذهب جميعًا هذا الصيف، ونستأجر مقصورة إلى جوار البحيرة.. سيخبرك أبوك عن الأماكن التي زارها.. وأنا سأروي لك يوم كنت فتاة وكيف فرَّ وحيد القرن من النار..

وحيد قرن يتجول في حقول الذرة في إلينوي.).

– الأم: سنشعل النار ونتحلق حولها ليلًا.. ونراقب النجوم ونغني..

 

داخلي – غرفة المعيشة

(يشعر السيد أوبراين بالحيرة من المعارضة التي يخلقها لنفسه. يجب أن يكون المنزل ملاذًا من احتقار العالم. إن جحود الأطفال يمكن أن يدفع الرجل إلى الجنون.

يحول دون جعل حياة الأسرة مريحة أو مملة.. يعيشون في حالة دائمة من القلق.. يضحكهم كثيرًا يوم يكون مزاجه في أفضل حالاته. يعزف على البيانو مثل هاربو ماركس في فيلم “ليلة في الأوبرا”. يُشعِل الفلين وينفخه ثم يضع الرماد الناتج عنه على شفته العليا صانعًا شاربًا جذابًا.. يبثُّ الأعمال الدرامية ويمثلها.. يجلس إلى البيانو، ويؤلف كل شيء مثل أوبرا صغيرة..

تضحك السيدة أوبراين وهو يقفز فوق الأريكة، ويقوم بالمبارزة. يعاني، مثل الطفل، من تشنجات مفاجئة من الرغبة الشديدة في المودة الجسدية – من أجل إثبات الحب العاطفي.

يتذكر جاك أوقاتًا أخرى شعر فيها بالقرب من أبيه. كم كانت هذه الساعات رائعة وثمينة. مستلقيًا على مقعد السيارة يستمع إليه يغني خلف عجلة القيادة أثناء ذهابهما في إجازة).

– الأب: اقترب. 345×78 تخيل الناتج. جرب مرة أخرى في ذهنك. أنت لا تحاول. ثق بي أنا أفعل هذا من أجلك….. ما الحاصل؟ أريدك أن تقف هناك إلى أن تخبرني.

(يقف RL في مكانه حتى تغرب الشمس. يلتفت ستيف إلى والده.).

– ستيف: من أنت؟

(السيد أوبراين ينظر إليه مندهشًا.)..

 

خارجي – بيت آل كمبالا – صوت الريح

(يلاحظ جاك كيف أن فستان السيدة كيمبالا القطني الرقيق يلتصق بها في الحرِّ، تشرب من خرطوم، والماء يتدفق على قدميها العاريتين).

– السيدة كمبالا: هل تريد شيئًا تشربه؟

(يهز رأسه. إنها امرأة لطيفة وجميلة وخجولة… لاحقًا، يمشي ذهابًا وإيابًا خارج بيت كيمبالا، حتى يراها من خلال الستائر المفتوحة.

في وقت لاحق ومع حلول الليل، مرَّ بالقرب من منزل عائلة بيتس، متلهفًا لرؤية المزيد. وميض رمادي غريب يضيء سقف غرفة المعيشة. لقد دخل التلفزيون إلى الحي، على الرغم من أن لا أحد يفكر فيه كثيرًا، ولا أحد يملك جهازًا سوى عائلة بيتس).

 

خارجي – منزل ويلز

(تبدو علامات الفزع على وجه هوارد. جاك عابس الوجه).

– هوارد: عاد أبي.

(ينقل جاك إلى مكان الحدث بينما يرويه هوارد).

السيد ويلز (خارج الشاشة): ماذا أفعل، أتدبَّر أموري؟ أذهب وأخضر قضيبًا..

(يقطع هوارد قضيبًا من شجرة صفصاف. تغلق السيدة ويلز على نفسها داخل غرفة نومها.

يشاهد هوارد والده يتجه نحوه. لا، ليس أبًا، بل وحشًا شبقًا غاضبًا مخمورًا. بينما تتوالى الضربات تدفعه صرخات الصبي إلى مزيد من القسوة)..

– السيد ويلز (يمضغ العلكة): العق الأرض بلسانك. ادفع، شخص ما ينبغي أن يدفع..

(يأخذ هوارد إلى الخارج ويدفعه إلى القبو، ويغلق الباب ويضع الكلب لحراسته. ينتحب هوارد ويبكي في ظلمة القبو، ويضرب وجهه بقبضتيه. أبي، أبي، أرجوك أبي.. يشبك قبضتيه ويضرب صدره بقوة ويتوسل إلى السماء أن تحميه. يمضي الأمر على هذا النحو إلى أن لا يستطيع الصراخ بعد بل يلهث فقط من أجل التنفس.)..

– هوارد: إلهي.. ساعدنا أرجوك..

 

(اليوم التالي)

(في اليوم التالي يستمع جاك إلى RL يكلم أمه).

– RL: علمونا في المدرسة ان الشمس ستموت والأرض كذلك، هل هذا صحيح؟

– الأم: ربما.. ولكن بعد وقت طويل من الآن لا يهم.

 

داخلي – المدرسة – جاك

(الرياضيات والجغرافيا. الحدود والقواعد. يوما بعد يوم، ينغلق عالم الكبار دونه.

ينظر إلى مارشا. هذا هو الحب. إلى أين يمكن أن يقوده؟ إنه كما لو أن المرء يعود إلى حالته الأصلية. كما لو أن المرء يشفى)..

 

خارجي. المدينة – ما بعد الظهيرة – أيار

(الأولاد يلعبون خارجًا بينما تهب الرياح.. وفي الجنوب تلبدت السماء.. تهتز أغضان شجرة البلوط.. تشتد الرياح.. وكلبهم شيب ينظر مذهولًا.. تتطاير جريدة في الشارع.. يلتجأ الأولاد إلى الداخل.. تهتز النوافذ كما لو أنها تتنفس.. ويعلن الراديو عن عاصفة وشيكة)..

 

إعصار – الغسق – الليل

(يهب إعصار على المدينة. برق وبرَد.. حبات برد كبيرة ترتد عن الإسفلت.. تزأر الرياح مثل قطار..

إكسسوارت وأثاث الحديقة، الألعاب، وصناديق القمامة تنساب في الشارع. يهتزُّ الباب الأمامي حتى يكاد الزجاج يتحطم.. حبل الغسيل يتطاير مثل علم..

تسقط شجرة في وسط الشارع، بينما تضيئها المصابيح الأمامية لسيارة منحرفة.. أسلاك الكهرباء الساقطة تطلق الشرر. الكل متجهِّم.. يبدو أن بعض العنف الأولي قد ظهر ليهدد الأخيار والأشرار على حدٍّ سواء؛ قوة عظمى مستعدة في أي وقت للانقضاض على الناس بقسوة لا حدود لها، فتنتزع منهم الحياة والأمل، وتدمِّر كدح حيواتهم.

حبات البرد تهشِّم الزجاج الأمامي للسيارة.. تكسر أغصان الأشجار وتبدد أوراقها.. الأبواب المُرتجة تُفتح والستائر تغرق بالماء.. فوضى من البرق والرعد.. تنقطع الكهرباء مطولًا.. تظهر أمهم حاملة شمعة، وتبعدهم عن النوافذ.. لهب الشمعة يرتجف ويكاد ينطفئ..

يتكفل الراديو برواية ما تبقى: كيف سقط كهربائي يعمل على سطح مبنى في وسط المدينة من خمسة طوابق عندما انهار..كيف تفحم كل شيء عندنا فرقعت أسلاك الكهرباء كالأوتار.. استدعاء الحرس الوطني.. بوق الشاحنة المفلطحة الذي كان لا يزال يزمِّر.. إلخ.)..

 

خارجي – الحي. دليل على مرور الإعصار

(اليوم التالي، خرج الأطفال إلى الشوارع مع الكبار، ولاحظوا علامات مرور الإعصار: ثياب الغرباء المعلقة على أغصان الأشجار.. كرسي ودراجة بثلاث عجلات أيضَا.. سمكة سلور شفطها الإعصار من البحيرة، وحطَّ بها على المرج.. شجرة ضربها البرق قسمها نصفين، وعرّاها من أغصانها وأوراقها..

منزل قذفه الإعصار إلى حقل بجوار الطريق وتناثر أثاثه ومحتوياته في كل مكان.. سيارة محطمة وإلى جوارها سيارة لم تُمسّ.. مزهرية لم تُمسّ في غرفة نوم محطَّمة.. ينظر الغرباء إلى عائلة فقدت منزلها. لقد ابتلاهم غضب السماء وحدهم من دون الآخرين.).

– RL: ولكن كيف تختار؟

(الأشجار المقتلعة متناثرة مثل دبابيس البولينج. يبدو الأمر كما لو أن نسيج الواقع قد تهتك، وقُيض لهم على إثر ذلك أن ينظروا في هاوية اللامعنى والعبث والرعب).

– السيد بتس: لقد مات ماكيفر.

السيد كيمبالا: كان انسانًا طيبًا.

(مات جار لهم. جار نادرًا ما رأوه. ليس لدى جاك أي رد فعل على هذه الأخبار.. فقط الخوف من أن تكون قد ماتت. ماذا سيحل بهم عندها؟ وردت أنباء مفادها أن مائة وأربعة عشر آخرين تشاركوا مصير السيد ماكيفر

في تلك الليلة ظهرت شخصية الموت لجاك في المنام. وقادته إلى منزل مهجور، وأعطت السيد ماكيفر كوبًا ليشربه).

 

وجهة نظر جاك عن أمه

(يراقب جاك أمه تبتسم بينما تساعد RL في مشروعه العلمي وهو عينة أو نموذج للنظام الشمسي. تبدو وكأنها خانته بطريقة ما. يشعر بالغضب منها لهشاشتها.. وعندما تسأله حمل مشتريات البقالة يتظاهر بأنه لم يسمع ويمشي بعيدًا.).

 

لاحقًا. يد أخيه

(بينما يستمع جاك إلى RL يتدرب على الجيتار، يفكر في يد أخيه، كيف تداعب الهواء خارج نافذة السيارة – كيف تلمس أوراق الشجرة ولحاءها في الفناء الأمامي، الماء الجاري من مرش الماء عبر الخرسانة الملساء للممر)

 

داخلي – بيت أوبراين

(والدته تتحدث بصوت خافت في الهاتف.).

– الأم: لقد باع القليل من الأسهم التي بحوزتنا.. وجاك لا يتصرف كما ينبغي في المدرسة ويواجه المشاكل..

 

داخلي – المدرسة

(يتنافس جاك مع صبي يدعى بيلي على لقب مهرج الفصل. بينما كان السيد ريس يُعطي الإملاء، يقف ويسأل:)

– جاك: كيف تتهجى “ال”؟

(الجميع يضحك. ومع ذلك، لم يطلب ذلك على سبيل المزاح. لقد نسي بصدق. مارشا تنظر بعيدًا. من غير المرجح أن يثير هذا النوع من الأشياء إعجابها. لم ترد على تحيته في القاعة).

 

خارجي – منزل ستيكيلي

(يقف جاك مع روبرت وبعض فتية الجوار قرب كاراج آل ستيكلي)

– روبرت: إلى أين أنت ذاهب؟ يمكنه أن يقول إن جاك خائف منه

– جاك: لا يُفترض بنا أن نزعجهم

– روبرت: من قال ذلك؟ إنهم لا يستخدمونه على أية حال

(نظرا إلى بعضهما للحظة، سارع جاك بالتقاط حجر. الحجر الأول لم يصب، غير أن الثاني هشَّم الزجاج. انفجروا ضاحكين عند سماع صوت تحطم الزجاج).

 

خارجي – حبل الغسيل.

صوت الريح – منزل مارتن

(يمشي جاك عبر الملابس التي ترفرف بلا تحفظ على حبل غسيل آل كمبالا. اللون الأرجواني يرفرف حول منزلهم السعيد)

 

خارجي. منزل كمبالا.

 ظهور وعيه الأخلاقي

(يلعب جاك مع الصبية الآخرين عندما يرى بطرف عينه السيد كمبالا يخرج بسيارته. يعود إلى اللعب، شارد الذهن، يعرف أن عليه أن لا يدخل إلى المنزل. لكن الرغبة تعتمل في نفسه

الكاراج ساكن وبارد. عدد قليل من الزنابير تئز في الزاوية. يجرب فتح الباب، فيجده مفتوحًا. يسمع من بعيد صرخات زملائه في اللعب.

يتردد. قد تكون هذه المرة الأولى التي يختار فيها خيارًا بسيطًا بين الخير والشر، بين الصواب والخطأ.

من قد يتأذى من عقوقه؟ وبرغم ذلك، فإن هذا هو الشيء الوحيد الذي منعته والدته بشكل واضح وصريح. قلبه ينبض في صدره. يبتعد، لكن يبدو أن صوت الريح يجذب انتباهه مرة أخرى إلى الباب).

 

داخلي – منزل آل كمبالا

(عند عبوره العتبة، يشعر بنوع من الدوار، والفخر بذكائه، وبفرح جامح باستسلامه للممنوع

يتجول في المنزل يتفحص الأشياء، ويحرص على إعادتها إلى أماكنها. يتجنب عيون الصور المعلقة على الحائط. يمر بالخزفيات الفضية والصينية. يتردد أمام الدرج المؤدي إلى غرفة النوم. هل يجرؤ على الدخول؟.. ما الذي يعرفه هؤلاء البالغون ولا يعرفه هو؟ كم يتوق إلى ترك طفولته وراءه

كل شيء مرتَّب بشكل مثالي في غرفة النوم الرئيسية.

يفحص مستحضرات التجميل الخاصة بالسيدة كيمبالا، ثم يكتشف الخزانة التي تحتفظ فيها بملابسها. تتلاحق أنفاسه.. يفتح أحد الأدراج.. بنظر إلى الملابس المطوية.. يتناول قميص نوم

على حين غرة يسمع ضجيجًا.. يهم بالمغادرة.. ينتبه إلى أنه ترك الدرج مفتوحًا.. يغلقه بهدوء

وبمهارة اللص لا يغادر من حيث دخل، يفتح مزلاج إحدى النوافذ، وينزلق إلى الخارج وراء المنزل بين شجيرات الآس البري ذات الأوراق الحادة)

 

خارجي – منزل آل كمبالا

(في الخارج، يقف وحيدًا، لاهث الأنفاس.. هل رآه أحد؟ يلقي نظرة على الكرة المرمية في الفناء، لا يعرف على وجه الدقة ماذا يفعل بقميص النوم.. يخفيه تحت لوح على حافة الغابة.. تتحرك عيناه يمينًا وشمالًا.. إنه متأكد أن ما من فتى عادي سيقدم على فعل هذا. كان ينبغي ألا يدخل إلى المنزل. اختار ألا يفعل ذلك، وهو يعرف الطبيعة، التي غنت ذات يوم حوله، صامتة الآن.. ومع ذلك يشعر بتغيير طفيف في نفسه.. بحرية.. بقوى جديدة من العقل والفهم. هكذا يرون العالم! إذ يفتح عينيه، آمال جديدة تتخلق.. وعود متع جديدة.. مذاق تلك المتع شديد الحلاوة حسبما يتوقع، بحيث يبدو كل ما عرفه سابقًا بائتًا وبلا طعم).

 

خارجي – بيت أوبراين

(ينظر.. إنها أمه تناديه. صوتها يطفو على الهواء وبالكاد مسموع.. خلال الأفنية الخلفية والسياجات. يتظاهر بعدم السمع.

– الأم (خارج الشاشة): أين أنت؟

(تمشي خلال الفناء في الصباح البارد، مرددة السؤال. أين أنت؟، يشعر بالوعي لذاته.. بعري سريرته، يمشي بتثاقل إلى منزله. لا يبدو أنه المكان نفسه الذي عرفه من قبل. يسمع صوتًا كأنفاس أو خطوات شخص ما يمشي في أثره، صوت بعيد لشخص غريب).

 

زاوية جديدة – وجهة نظر الأم.

(تحدق فيه. ثمة خطب ما. وجهه يشي بالدناءة. لا حب في وجهه. تنظر إليه. هل تعرف؟ كيف له أن يخبرها بكل ما يختلج في قلبه؟ لقد خان ثقتها)

– الأم: أين كنت؟

– جاك: في الغابة. مع كايلر (ما إن يبدأ، لا يستطيع التوقف) وجدنا بعض الزجاجات وحطمناها.. زجاجات بنية اللون.

– الأم: ما الأمر يا صغيري؟

(لا يجيب. سحابة قد عبرت سماء حياته. أزعر، كاذب ولص، خاضع لقوى غريبة، العالم الطيب قد أصبح وإلى الأبد من ماضيه. ستسامحه، لكنه لا يجرؤ على السؤال. لقد أفلت من يدها.

طابع الصورة وأسلوبها البصري قد أصبحا أكثر صعوبة وواقعية وأقل جاذبية. لم يعد هناك إشارات ولا نداءات من العالم المتعالي الذي عرفه أثناء لهوه… أي سفينة حملته؟ وإلى أي أرض بعيدة؟

يتلقى إشارات التغيير من كل الجهات: ثمار الخوخ المتعفنة على الشجرة، الطيور التي تثرثر مع يعضها في مجثمها، البوابة المرتجة، الكلب المـُهدِّد، ضوء الشرفة، الرياح التي تهبُّ سدى هنا وهناك… النجوم والأشجار توارت. لم يعودوا بالنسبة له إلا كمثل ورق الجدران في غرفته. لن يعود طفلًا أبدًا).

 

خارجي – شجرة البلوط

(عندما خرج، لم تحدثه شجرة البلوط كسابق عهدها. وكلبه شيب بنظر إليه كما لو أنه غريب. عصيانه الذي كان كجدول صغير استحال نهرًا أغرق الأرض)

 

داخلي – غرفة الصف

(عندما تحدث جاك مع مدرسه مرة أخرى كان مبتهجًا وموقرًا، وإن كان غير صادق تمامًا.. حتى إن المدرس قد خُدِع بسلوكه).

– السيد ريس: عمل جيد

– جاك: شكرا

(وعلى هذا النحو تعلم أن يشق طريقه في الحياة. بدأ يعي كيف يبدو للآخرين وكيف ينظرون إليه. أنه يستطيع تشكيل انطباعاتهم عنه، تصرف بود وامتثال، ومن ثم واصل فعل ما يحلو له، ليتركهم أقل حكمة مما يتخيلون

سيُظهر موهبة صغيرة ونجاحًا في المدرسة ولكن للأسف! كبديل للقيمة الحقيقية التي كانت والدته تتمنى أن يحظى بها)

 

داخلي – غرفة المعيشة

(جاك يرى RL يرسم لوحة مائية).

– جاك: ما هذا؟

– RL: أرسمها من أجل عيد ميلاد أمي

– جاك: لقد جلبتُ لها ثقالة ورق

(لاحقًا، إذ ينظر جاك إلى ثقالة الورق التي ابتاعها لأمه شعر أنها لا تنطوي على الطابع الشخصي والإبداعي الذي تنطوي ليه لوحة RL بالرغم من أن كلفتها أعلى. هل ستفهم؟

تشكر جاك على هديته، ولكن يبدو أنها تقدّر هدية RL أكثر)

– الأم: ما أجملها

(في اليوم التالي يسكب جاك الماء على لوحة RL لتنساب الألوان على الورقة. لاحقًا عندما تطلب إليه ألا يصفق الباب الشبكي يجيب:)

-جاك: أنا لن أفعل كل ما تقولينه.

– الأم: سوف نرى.

– جاك: سأفعل ما أريد (بعد وقفة) ما الذي تعرفينه؟ لقد سمحت له بالسيطرة عليك

(يرى أن كلماته وخزتها. ينظر إليها: إنها الشخص الذي يعرفه تمامًا وبرغم ذلك لا يزال يحبه على نحو خارق)

– جاك: ماذا حدث لي؟ لقد كنت سعيدًا جدًّا من قبل

(لماذا يفعل بالذات تلك الأشياء التي تعكر سعادة والدته وتسبب لها القلق؟ لقد تعهَّد أن يجعلها سعيدة، أن يفتدي حزنها، الآن هو السبب الرئيسي في هذا الحزن. هل ستقوده طريقه أسفل فأسفل نحو الظلمات والليل؟ إنه يعيش بالفعل حياة جاسوس.

ترى السيدة أوبراين أنها خسرته. لقد انجرفت روحه بعيدًا. لقد أصبح صعبًا وشائك الطبع وتحول من أسلوبها في القيام بالأشياء إلى أسلوب أبيه، بالرغم من أنه أقل إعجابًا بأسلوب أبيه. هل سيمر وقت طويل قبل أن يتبعه الفتية الآخرون؟).

 

داخلي – غرفة المعيشة

(أمه وأبوه يتجادلان. تحاول أن تبقي صوتها منخفضًا).

– الأم: إنهم مجرد أولاد. لا يمكنك أن تتوقع أن يتصرفوا مثل الكبار.

– الأب: ألا يرون كل ما أفعله من أجلهم.

– الأم: مم تخاف؟ يريدون أن يحبوك. لماذا لا تخرج وتلهو معهم، وتمدحهم إذا ما قاموا بعمل جيد.

– الأب: لا أريدهم أن يصبحوا كسالى.

– الأم: أنت تؤلب الناس ضدك. دائمًا ما تقول أشياء غبين عن مديريك، كما ـأنك تسيء إليهم، عن قصد.

– الأب: يحتاجون إلي أكثر مما أحتاج إليهم

– الأم: لماذا لم تخبرني الحقيقة (بعد وقفة) لماذا عليك التظاهر دائمًا؟

– الأب: التظاهر؟

 

خارجي – منزل الجيران – الغسق

(جاك يتنصت على الأبواب. يتجسس على جارة لهم من فسحة مظلمة خارج منزلها. عدوه الضوء. يرى صورة معلقة على جدار محطة الوقود. شيء ما يجبه بعيدًا مما هو عزيز عليه.

عندما يدعوه RL للانضمام إليهم بينما يلعبون، يهز رأسه. لم يعد يهتم باللعب معهم واللحاق بهم إلى الغابة).

 

خارجي – شجرة البلوط – الفناء الأمامي

(يهمس RL لجاك وهو يلمس لحاء شجرة البلوط في الفناء الأمامي)

– RL: أعرف أننا غير سعداء الآن.. لكن إذا لمسنا هذه الشجرة، فسوف تخبرنا

– جاك: بماذا؟

– RL: بتلك الكلمات كاليشا ماكيشا

– جاك: أي كلمات؟

– RL: الكلمات التي ستدمر كل الشر في قلوب الناس وتجلب لهم السعادة. وسيكون الجميع أصحاء معافين، ولن يتشاجروا مجددًا.. أصخ السمع:

 كاليشا ماكيشا (يهمس الكلمات ليوقظ الشجرة، لإقناعها بكشف سرها)

– جاك: أنا لم أعد أؤمن بهذا الهراء

 

خارجي – منزل آل بيتس

(يلعب الأولاد على زلاقة في منزل آل بيتس. روستي ويلز في أعلى الزلاقة خائف من التزحلق)

– كايلر: الجميع خائفون

(يتسلل جاك إلى أعلى السلم، ويدفع الطفل المرتجف. صوت مكتوم يصدر عن سقطة روستي على الأرض. ينظر إلى جاك، الذي يمثل بالنسبة له صديقًا وحاميًا، ثم ينفجر في البكاء ويهرب. هوارد لا يحتج وإنما يحني رأسه ويقود روستي إلى البيت).

– جاك (مندهشا كما لو أن شيطانًا قد تلبسه): هل أنت بخير؟ كان يعترض طريقي.

(هناك الكثير من الأشياء التي لم يكن أبوه وأمه يعرفان عنها شيئًا، ولا كان بإمكانهما تخمينها، أشياء ارتكبها أسوأ بكثير من أي شيء عاقبوه عليه.

تلك الظلمة في داخله، تكمن في الآخرين أيضًا. يتذكر نفسه واقفًا في الغسق يصغي إلى صوت بكاء هوارد. كان والده قد عاد إلى المنزل وضربه بالحزام. لماذا يأخذ الإعصار رجالًا أفضل ويترك هذا الوحش يجول في الجوار؟

سمعت السيدة أوبراين بما فعله جاك لروستي)

– جاك: لماذا أفعل هذه الأشياء؟ سوف تكرهينني. أريد أن أكون كما كنت من قبل. أريد أن أعود صغيرًا.. (تضربه على ظهره، تؤاسيه) أريد أن أصبح شخصًا آخر. أفعل دائما أشياء غبية. أحيانا أريد الفرار. كما أنا خائف من أن أتحول إلى قاتل. عندها سأقتل نفسي. أنا مشتت ولا أعرف لماذا. يمكنني أن أخط كلمة على ورقة ولكن عندما يتطلب الأمر أن أتصرف بشكل صحيح أفشل. أنتِ لم تعودي تحبيني أبدًا. لا تأتين وتعانقينني كما اعتدتِ أن تفعلي. كيف يمكنني أن أصبح طيبًا؟ ولماذا الأمر صعب إلى هذه الدرجة؟ (تنظر إليه وتبتسم. يسمع صافرة قطار بعيد) منذ الغد سأبدأ بالتغير. السيد ريس سيعطي دولارًا فضيًّا لمن يقرأ أغلب الكتب. أريدك أن تكوني قاسية معي.. أن تصرخي علي. لن أصبح صبيًّا جديدًا غدًا.

 

داخلي – منزل أوبراين – برنامج إذاعي

(ينصرف عن العالم الخارجي ليشغل أيامه بالراديو وكتالوج سيرز وأشياء أخرى من العالم)

 

داخلي – الحمام

في وقت سابق، لم يكن يشعر بالحرج من العري في حضور والدته. الآن عندما تصادفه وهو خارج من الحمام، يغلق الباب بسرعة).

 

داخلي – غرفة الأولاد

(في إحدى الليالي، وبدون سبب، يبدأ RL في ترديد اسمه. يقرصه جاك على ذراعه ليوقفه).

– RL: أخي

– جاك: عندما أكرهك، لا ترد بكراهية مماثلة، لماذا؟

(أخوه أكثر لطفًا، ليس من المستغرب أنه المفضل.. تبرق الفكرة في رأسه. سيعاقب والدته من خلال ابنها المفضل. سيجعل من نفسه غير محبوب عمدًا. سيتباهى بحقارته كنوع من الاحتجاج.

 وحده.. وحده رفقة هشاشته، رفقة ذاك الصراع المرير بين الضوء والظلمة في روحه. يجرفه تيار بعيدًا عمن ينبغي أن يحبهم، والذين لم يتغير حبهم له على الأقل)

 

خارجي – باحة المدرسة

(طالب يقرع الجرس من أجل الالتحاق بالفصل)

 

داخلي – مكتب السيد ريس

(والدة جاك استُدعيت من أجل المداولة)

– السيد ريس: إنه يقاطع الفصل، ولا يستمع للتعليمات. خائف من إنهاء لوحته، أو كتابة جملة؛ خشية أن تكون خاطئة. لقد نسخ تقريره من كتاب العالم World Book

– الأم: هل غش؟

(لاحقًا رأته يضرب نفسه على وجهه بسبب الإحباط. قررت أن الوقت قد حان لاتخاذ خطوات)

 

داخلي – غرفة المعيشة

(يسمع جاك والديه يناقشان مستقبله)

– الأم (خارج الشاشة): ربما يجب أن نرسله بعيدًا إلى المدرسة

– الأب (خارج الشاشة): لا نملك المال. لن يكون بمقدور الأولاد الآخرين الذهاب. هذا ليس عادلًا.

– الأم (خارج الشاشة): يمكنني أن أعمل

– الأب (خارج الشاشة): سيتساءل الناس ما الخطب؟ سنريق ماء وجوهنا

 

خارجي – الحقل

(يقود جاك شقيقه إلى الحقل خارج المنزل)

– جاك: لدي شيء أريد أن تراه (RL يريد العودة. ثمة شيء غريب في أسلوبه) يمكننا أن نصطاد الزنابير (لقد أحضر جاك بندقيته BB. يحث شقيقه على وضع إصبعه على طرفها).ضعها هكذا. لن أطلق النار، ألا تثق بي؟

– RL: ألن تفعل أي شيء؟

(RL يبتسم. يضع إصبعه على فوهة البندقية. جاك يتردد. ثم يضغط على الزناد. يصيح RL من الألم والذعر، وينظر إلى أخيه، ثم يركض عائدًا إلى المنزل

ثمة خطب ما في قلب جاك. لا يمكن أن يكون هو من تصرف بهذه الطريقة. شيء ما يملي عليه ما يفعله. ولكن لا، لقد فعلها، بالرغم من أن أناه الغريبة من فعل ذلك لا أناه الحقيقية، ألم جديد ينسرب إلى روحه، ألم لا يمكن للمسة أمه أن تخففه)

 

داخلي – بيت أوبراين – لاحقًا

(RL لا ينظر إليه. لن يعود أبدًا مرة أخرى إلى تلك الحديقة، حيث امتزجت روحاهما معًا. لقد داس على كل ما هو عزيز عليهما).

– جاك: لقد وُشي بي.

(حتى ستيف يشعر بالقلق منه. والدته تشعر بالضيق)

– جاك: كانت حادثة

– الأم: لا لم تكن. ما خطبك؟

(يرغب في أن يعترف بكل الخطايا، باستثناء تلك التي يشعر بالخزي منها)

– جاك: دائمًا ما تحبينه اكثر (لن يثبطها)

– الأم: إن كنت قد أخطأت بحقِّ أخيك يمكنك أن تسوي الأمر. كن لطيفًا معه. هيا افعل شيئًا.

 

داخلي – غرفة الأولاد

(جاك يعطي RL حجرة بيضة الرعد العزيزة عليه. RL مسرور ويقفز على السرير)

 

خارجي – الفناء الأمامي

(يخرج جاك عبر الفناء الأمامي، ويقف تحت شجرة البلوط. لقد أضاع ما كان عليه، لكنه وجد شيئًا جديدًا).

 

داخلي – غرفة المعيشة – بعد عدة أيام.

(ينضم جاك إلى والديه في غرفة المعيشة)

– الأب: تعال هنا. نريد التحدث معك. اجلس. (يجلس) لم ننهِ كلياتنا الجامعية، لا أنا ولا والدتك.. نريد أن تحصل على أفضل تعليم.. لذلك قررنا إرسالك إلى مدرسة..

(ينظر إلى أمه مُتهمًا. تُشيح بنظرها. لا ترغب بحدوث هذا. لكنها تجادلت وتشاجرت مع أبيه مطولًا، وقد تكون هذه الطريقة الوحيدة لحمايته)

– الأب (مواصلًا): سنظل نراك في الإجازات. لا تبعد تلك المدرسة إلا مائة ميل من هنا، وهي مدرسة جيدة، كما تعرف. لقد تحدثتُ مع الناس هناك وهم يعرفون أنك فتى طيب. ولكن إذا فعلنا هذا فلا بدَّ أن تبلي جيدًا. إخوتك..

(يثور جاك ويخرج من المنزل).

 

خارجي – الفناء والغابة

(تعتمل في صدره مشاعر عنيفة. لم تعد الأشجار والبيوت المألوفة تقدم أي عزاء الآن)

 

خارجي – منزل جديد قيد البناء

(RL يقود جاك إلى منزل جديد يقع في نهاية الحي. ينزلقون بين المسامير الملحومة ذات الرائحة الحريفة، ويتجولون في الغرف بحثًا عن البزاقات بجوار صناديق الكهرباء. ينظر إليه RL ويبتسم. يظهر روبرت. بعد دقيقة. يبدأ RL في البكاء)

– RL: لقد سرق بزاقاتي

(يعطيه جاك االبزاقات التي كانت لديه، ثم.).

 

خارجي – منزل روبرت

(يسير إلى منزل روبرت ويلكمه في أنفه فيسقط على الأرض. لاحقًا أمه تتحدث إليه على انفراد).

– الأم: أعتقد أن هذا أفضل. لقد كنت تواجه الكثير من المشاكل مع والدك، أعلم أنك تحبه، ومع زملائك في المدرسة. أعتقد أنا ووالدك أنها أفضل من المدرسة هنا. أعني أفضل بالنسبة إليك. لم نكن أبوين صالحين، وإلا فلم تكن لتقع تحت هذا التوتر الكبير. كان علينا أن نكون أفضل مثال لك.. سأفتقدك كثيرًا.

(يشعر بشكل غير أكيد أنها لا تريد هذا الانفصال لأنها تفعل شيئًا صعبًا جدًّا عليها، تنظر إليه. الطفل الذي تتوقع أن تواجه معه أكبر قسط من المشاكل. آن لها أخيرًا أن تودعه بين يدي العالم).

 

خارجي – مرآب – ظهيرة أحد الأيام

(يعود السيد أوبراين مبكرًا إلى بيته. لا يسأل عن الأولاد. ولا يحتاج إلى معرفة إن كان أحدهم تدرَّب على البيانو أو جزِّ العشب. لم تلتق عيونه بعيونهم. إنه منتصف يوم عادي من أيام الأسبوع. وكم يبدو غريبًا تواجده في المنزل).

– الأب: اخرجوا العبوا لبعض الوقت في الخارج.. أريد أن أتحدث إلى أمكم على انفراد

(يبدو أنه يترنح وأن دواخله ممزقة).

 

داخلي – غرفة المعيشة

(يجلس في زاوية ويحدق من النافذة. تبدو حياته له الآن مجرد حماقة. يبدو له العالم مُخادِعا. لكن ربما لا يزال لديه عائلته التي يعتبرها أمرًا بديهيًّا.

يسمع جاك صرخة مكتومة. يبدو للوهلة الأولى أنهما يتشاجران مرة أخرى. لكن هذا صوت جديد، غير مألوف، أنين. يقف جاك في الصالة ويسترق السمع).

-الأب (خارج الشاشة): إنهم يغلقون المصنع. إما أن أتوقف عن العمل بمفردي، أو أبقى في الشركة وأقبل أي وظيفة يقدمونها لي. يتوقعون مني أن أستجديهم.

– الأم (خارج الشاشة): أنا آسفة

– الأب (خارج الشاشة): يجب أن نفكر في الأولاد. لا تخبريهم بما حدث. لا أريدهم أن يشعروا بالقلق.

(متأثرة لرؤية ارتباكه وخوفه، تلمس خده مؤاسية. جاك يراقب من خلال شق في الباب. إحساس بالدهشة والاكتشاف يمسك بتلابيب السيد أوبراين فيجعله يرتجف).

– الأب (مواصلًا): لستُ الرجل الذي كنت أحسب أني هو. لقد أبعدتُ أبنائي عني. كنت أظن أني أجعل منهم أشداء لمواجهة العالم، وليمضوا قدما، للمضي أبعد. لقد عاملتهم بضغينة.

– الأم: لم تكن تعرف ماذا تفعل.

– الأب: بل كنت أعرف. كنت أعرف بينما أفعل ما أفعله. كانت ضغينة عقلانية. لقد كنت أظن أنه لا يمكنني أبدًا أن أؤذي من أحبه. عملتُ بجد. طوال أيام الأسبوع. تبرعتُ للكنيسة. لقد جعلتُ الآخرين يعتقدون أنني شخص لم أكنه حقيقة. وأنتِ، ماذا فعلت بك أيضًا، أنت التي أحببتني برغم كل ذلك، لقد ازدريتك.

– الأم: لا

– الأب: لقد خيروني: إما البطالة أو أي عمل. أين أخطأت؟ لكن قد تكون هذه فرصة جديدة ومثيرة لنا. أعني أنني لم أطرد حقًا، فقط أعادوا تعييني. لقد ذهبت إلى أبعد مما يمكنني الذهاب إليه هنا. ربما حان الوقت للتغيير.

(جاك يرى RL وقد وقف خلفه في الصالة).

– الأب (مواصلًا): كانت غلطتي. لقد آمنتُ بالشركة. ما كان يجب أن أفعله هو أن أقبض على زمام حياتي. أنا الآن في الحضيض. لكن الشيء الغريب هو أني أشعر بالحرية.. (يمسك يديها) شكرا لحبك لي.

 

زاوية جديدة

(جاك ينظر إلى أمه وأبيه وينتظر تفسيرًا. لم يسبق له أن رآه مهتزًا ومحتارًا).

– RL: ما هذا؟

– الأب: لقد فقدت عملي. يريدون نقلي. لا يفهمون أن الأعمال تتأرجح صعودًا وهبوطًا.. يعرف الجميع أن.. (قلب جاك ينفتح له) هل تفهم، لا! ستفهم لاحقًا.. سامحني. لقد تصرفت بشكل سيء. ولم أفقد بوصلتي فحسب، ولكن أيضًا القوة التي ينبغي أن أزودكم بها.. أنتم أطفالي. وبدلًا من ذلك جعلتكم تتخبطون في الظلام.. ولسوف يستغرقكم الأمر سنوات للخروج من دهاليز هذه الظلمة.. أردت ان أكون قويًا.. رجلًا يمكنكم أن تحبوه..

(ينظر إليهم. يشعر بمدى حاجته إليهم، أكثر من النجاح الذي كان يتوق إليه، ومن الثروة والمكانة الاجتماعية).

– الأب: هل يمكنكم أن تحبوني؟

– جاك (يومئ برأسه): أنا سيء مثلك (بعد وقفة) أنا أكثر شبهًا بك منها.

– الأب: لا لست كذلك. يمكنني أن أعوضكم. كل تلك السنوات الضائعة ستبدو وكأنها لم تكن.. (بعد وقفة) فقط اعملوا بجد. لا حاجة بكم لتكونوا أثرياء. لا يزال لدينا القدرة على النزال يا فتى، فنحن لم نمت بعد.. ولا حتى نصف أموات (حتى في لحظة كهذه لا يستطيع والده مقاومة الزخرفة المسرحية) بمكننا الآن أن نرسل واحدًا منكم فقط إلى المدرسة. يجب أن تتدبروا أمركم، كما فعل جدُّكم عندما جاء إلى هذا البلد.

– جاك: سأعمل بجد، أعدك. سأجعلك فخورًا. أرى ما تفعله. أنا فخور بك أبي

– الأب: لا تقل ذلك.. أنتم أيها الأولاد صنيعي في الحياة.. وبخلاف ذلك لم أفعل شيئًا. (بعد وقف) أنتم كل ما أملك.. وكل ما أتمنى أن أمتلكه.. (يضع يديه على رأس جاك) أبي باركه. هناك الكثير مما لا أستطيع فعله، ولم أفعله. أعطيك ابني! بارك فيه واحفظه. بارك جميع الأطفال. (إلى جاك) فلتعلم أنه بقدر ما أحبك، هناك من يحبك أكثر، شخص يحميك ويحرسك دائمًا..

– جاك: أريدك أنت (يرمي بنفسه بين ذراعي والده. ينتشر النور في روحه، الروح التي تحركت فوق الفوضى؛ النور الأول للخلق) سامحني.

– الأب: لا تقل ذلك.. كيف لي أن لا أسامح أحدًا؟

(يعانق والده بقوة. تعلم أن يحب وأن يكون محبوبًا، وبالغفران ينال المغفرة أيضًا. أعطاه الغفران مفتاح الواقع. يراه الآن: فالحب هو جواب الشر والأسى. سيحب كل ورقة وكل حجر، كل شعاع ضوء… هذا هو الطريق إلى المملكة المفقودة. هذا ما ستكون عليه الحياة: الاقتراب أكثر فأكثر من الأبدية)

 

داخلي – مع RL

(جاك يعطي شقيقه سكينه وبوصلته. جاك يبتسم)

 

خارجي – بيت أوبراين

(يمضي جاك إلى ظل شجرة البلوط في الفناء الأمامي. يرى بعيني روحه. حتى الحزن قد جلب له الخير… مشاهد تراها روحه. رافعة ولقطات من الجو، حقول، غابات، جبال شامخة: العالم وقد أُعيد إلى جماله الأصلي. برزت روحه من الطفولة. يحلق مثل إله.

كانت رحلته رحلة إلى النور، إلى الحب، من الضلال إلى الحقيقة، من الحزن إلى العزاء، ومن الموت إلى شواطئ الحياة الجديدة الأبدية… ليست الأبدية شيئًا وهو شيء آخر، ينبت منها كما تنبت الشجرة من الأرض).

 

خارجي – الفناء

بجد جاك نفسه وحيدًا مع أمه

– الأم: أحبك يا حبيبي، وأنا فخورة بك. ربما أخطأت بين وقت وآخر ولكن لا تلم نفسك. لا بدَّ من الخطأ لتنضج. (تحرق الدموع خديه. ربما يستحق فخرها به) نحن لا نزال عائلة واحدة. يمكن لمشاكلنا أن تقربنا من بعضنا البعض. في بعض الأحيان لا يمكننا أن نبقى حيث كنا. يجب أن نتحرك. أعرف أنك لا تريد أن نترك هذا المكان، ولكن هناك شيء جيد ينتظرك.

 

داخلي – بيت أوبراين – في وقت لاحق

(العائلة مجتمعة. العائلة معًا. هذا كافِ)

(السيدة ستيكلي تخرج من منزلها. هذه هي المرة الأولى التي يراها فيها جاك. إنها امرأة عجوز. تنظر إليه وتبتسم ولا تقول شيئًا)

 

خارجي – الباب الأمامي – جرس الباب

(يقرع جرس الباب. تجد السيدة أوبراين جارتها الأرملة، السيدة ماكيفر، على عتبة الباب).

– السيدة ماكيفر: سمعت أنكم قد تغادرون. أردت فقط أن أعيد الــ 50 دولارًا، نوع من عربون بداية طيبة.

– الأم: تعيديها لنا لماذا؟

– السيدة ماكيفر (مُحرجة): ظننت أنك تعرفين. حسنًا، آمل ألا أكون قد ارتكبت خطأ ما. عندما مات زوجي في الإعصار جاء زوجك وأعطانا 1000 دولار حتى نتمكن من الاستمرار في دفع أقساط المنزل. آمل أنك لست غاضبة؟

– الأم: أبدًا

(على العكس من ذلك، أعادت جارتها إحياء حب السيدة أوبراين لزوجها. لقد افترضت أن أسهمهم قد بيعت لسداد ديون مقامراته).

 

داخلي – بيت آل أوبراين – بعد شهر

(يحزمون أمتعتهم ويستعدون للمغادرة. جاك يسير عبر الغرف الفارغة. يبدو كما لو أنهم عاشوا هنا في وقت ما في الماضي البعيد، ينظر السيد أوبراين إلى زوجته بينما تودع الغاردينيا. تمرر يدها على الأوراق الشمعية اللامعة).

– الأب: لن تنمو في الشمال. (تهز رأسها، تقترب منه وتبتسم).دعونا لا نتشاجر أو نوجه الملامة لبعضنا البعض. هل يمكننا البدء من جديد؟ سأجعلكم سعداء.

 

خارجي – شجرة البلُّوط

(جاك يراقب RL بينما يقدم قربانًا عند قاعدة شجرة البلُّوط: بعض الصخور وأسماك المنوة الميتة وعملة معدنية وأوراق لعب).

 

خارجي – الجوار

(يلقي جاك نظرة أخيرة طويلة على منازل الجيران. لن يعيش هنا مرة أخرى. لقد انتهى هذا الجزء من حياته. ولكن الآن تعود الموسيقى التي سمعها ذات مرة في الغابة، ثم توقف عن سماعها.

عاد السيد أوبراين إلى طرقه القديمة، يعذبهم بالتوبيخ والأوامر التعسفية. هل نسي إلهامه العظيم؟ أعصاب جاك مشدودة، ويبدو أن التسامح يجب أن يكون عملًا مستمرًّا).

– الأب: التقطها من المقبض.

– جاك: حسنًا.

– الأب: سنغادر عند شروق الشمس.

 

خارجي – بيت أوبراين

(الصباح الباكر. كانوا قد ودَّعوا جيرانهم في الليلة السابقة وحملّوا سيارتهم الستيشن وتحركوا بالفعل، RL يؤدي رقصة المطر. ستيف في السيارة. البوابة التي تؤدي إلى الغابة مفتوحة،

جاك يقف إلى جانب RL، ويمسك يده، وينحني ويقبله.

زاوية لأعلى على الأم. موسيقى. صخب، ترى الأم هذا وتبتسم. تمسك جاك من يده، وينطلقان معًا. العالم أمامهما الآن من السيارة، كانوا قد تحركوا عندما ظهر كلبهم شيب. لقد نسوه تقريبًا. يهز ذيله وهو يقفز إلى السيارة، تتقهقر شوارع واكو خلفهم.

 

خارجي – الأوتوستراد – الحقول التي خددها الماء.

(يمضون قُدمًا. موسيقى، ينتشر قوس قزح فوق الأفق بينما يتجهون شرقًا، عابرين السهل البارد للعالم، يمرون بطاقم الطريق السريع: رجال يكدحون. تظهر الحضارة؛ أبنية عالية؛ أشغال عامة، جاك يحدق في الطريق أمامه؛ متفائل، مترقِب)

 

الجزء الثالث

خارجي – المدينة.

 جاك (بالغًا). المستقبل

(يستيقظ جاك، البالغ الآن، من أحلام اليقظة. عادت روحه إلى الحياة. يرى ترتيب الأشياء. وصحة المخطط الإبداعي. غرض أخلاقي يكمن وراء كل شيء، الآن، يتكشَّف المستقبل أمام عينيه، العالم في حالة من الخراب. البلية العظيمة.

مشاهد من الكونغو وبنغلاديش والعراق وتشاد. أطفال تقطعت بهم السبل بسبب الفيضانات؛ أعينهم الصامتة متسائلة. الآبار الجافة والمهجورة. أعمال الشغب والحرائق. الحزن والرهبة استحوذا على الأرض)

 

خارجي – الأرض الجديدة.

عائلة الإنسان

(تتحول الموسيقى إلى السُّلَّم الكبير، بينما يتحول سلم (دو) الصغير الذي يميز الجزء الخاص بالفوضى إلى (مِي) منخفض كبير عندما تبزغ، بعد الكارثة الأرض الجديدة للروح.

يُهزم الشر ويُسوى الخطأ. يضع الرجال أسلحتهم. تُكسر الأغلال. تُفتح المتاريس والأقفال. الأسود يعانق الأبيض، واليهودي يحتضن المسلم. يسترد الإنسان ميراثه الضائع. وتتآلف الروح مع الطبيعة.

نساء من غواتيمالا والهند وكينيا وغرينلاند: يبتسمن لأطفالهن. مشاهد السلام والتناغم: من دوردوني ومن بوتان وسويسرا، وغيرها من الأراضي السعيدة، حيث لا تزال الأرض يانعة.

نهاية الأرض (صورة ثلاثية الأبعاد)- سماء مظلمة. موسيقى.

أيام الأرض الأخيرة. لقد تركها الإنسان منذ وقت طويل ليلوذ بعوالم لا تزال مجهولة. اختفى الغلاف الجوي، البحار تغلي، الأرض تذوب. تتدفق الحمم البركانية أسفل التلال العارية.

 تضجُّ الأبواق بينما تتورم الشمس إلى الخارج، وتقذف آخر مخزونها من الطاقة إلى سديم الفضاء.

تنساب الأرض عبر غلاف من الغاز الأبيض المضيء في جولات لا نهاية لها.

الشمس المحتضرة (صورة ثلاثية الأبعاد). السديم الكوكبي. موسيقى لطيفة.

تتقوض الشمس المحتضرة إلى جزء صغير من حجمها السابق، ما هي إلا قزم أبيض الآن

كل قرابين الإنسان، عمله، معاناته وعبقريته لا أثر لها الآن. لا شيء يبدو أفضل أو أسوأ بالنسبة له، لا شيء تحسَّن أو انعدم. كان هنا ذات يوم وانجرف في اليوم التالي.

انخلعت الشمس عن محورها وانزلقت في الفضاء من دون اتجاه أو غاية، جمرة غير مميزة تتقد بضوء أزرق خافت ليست أكثر بريقًا من القمر المكتمل في أيامنا هذه.

وراءها تجرجر أشلاء الأرض خطاها مثل طفل ضائع.

عوالم جديدة. حياة مُتخيلة (صورة ثلاثية الأبعاد). باندروميدا.

عوالم جديدة تبرز من رماد العالم القديم. شموس جديدة وحولها كواكب جديدة. مجرات لا تُحصى ولا تُعد في كون بلا مركز أو محيط.

بينما يكبر الكون تتخذ الحياة أشكالًا جديدة.. تتطاول إلى تخوم الزمان والمكان.. تتحرر من أصفاد الجسد الفاني، وتحل نفسها في الأثيري واللامحدود.. في الروح والنور..

زمن الانحطاط (صورة ثلاثية الأبعاد). على بعد ألف تريليون عام من الآن. اندثار العوالم الأخيرة. فناء الكون نهاية الزمان.

في النهاية، تفنى هذه العوالم الجديدة مثل تلك التي سبقتها. جبالها تلتهب مثل القار. وشموسها تخمد مثل شموع في الريح. نجومها مبعثرة مثل القش. وسمواتها تُطوى مثل اللفائف.

يتسارع تمدد الكون. وتنحسر المجرات بعيدًا عن بعضها البعض. وتصبح جميعها غير مرئية خلا تلك الموجودة في مجموعتنا. وبالتدريج، مع استنفاذ الهيدروجين، يتوقف تشكل النجوم. ولا يتبقى سوى النجوم القزمة البنية والبيضاء، مع النجوم النيوترونية، والثقوب السوداء، وذرات بحجم درب التبانة، وغيرها من المخرجات الغريبة لهذه الحقبة. وبمرور السنوات تنجرف أبعد فأبعد عن بعضها البعض.

الليل يغرق في ليل أكثر دكنة. وبين الحين والآخر تنبثق دفقات من الضوء عندما ينفجر نجمان ليشكلا نجمًا جديدًا. وعندما لا يبقى شيء لالتهامه، تتبخر الثقوب السوداء نفسها

الكل يهلك، حتى الأرض نفسها. ينتهي الوقت ويعود كل شيء كما كان في البداية.

هل سيتوقف الخلق هنا؟ أليس للموت غاية عظيمة مثل الحياة؟

تصاحب الموسيقى الحماسية رحيل هذه المشاهد السماوية كما استقبلت وصولها في بداية قصتنا، عندما ولدت النجوم لأول مرة. نشيد الفرح.

وبرغم أن كل هذه الحيوات محكومة بالموت، يبقى شيء ما. وبالرغم من أن كوننا ليس أبديًا، يبقى ما هو أبدي.

الأكوان المتعددة (صورة ثلاثية الأبعاد). انفجارات كبيرة متعددة BIG BANGS). التوسع الثالث

من اكفهرار وحزن الليلة الماضية تنبثق أكوان جديدة، ينبثق أحدها من الآخر، نافورة من الضياء.

الخلق ولادة أبدية. بداية بلا نهاية. يحدث في كل لحظة من الزمان.

القوة نفسها التي تتولد في النجوم والسديم تتولد فينا بالمقدار ذاته، وجودنا معجزة تعادل خلق الكون، ومثل الكون، كل يوم قد خُلِّق مجددًا.

يتمدد الكون للمرة الثالثة. تُزبد الأكوان وترقص مثل فقاعات في وعاء ماء يغلي. معظمها لا حياة فيه، وإنما بحار مضطربة من النترونات والفوتونات والإلكترونات عاجزة عن الالتحام لتكوين أي شكل أعلى، ولكن ماذا يسعنا القول عن الأكوان الأخرى التي لا عدَّ لها ولا حصر.

لقد راجعنا الوقت كله فقد نتمكن من رؤية ما ليس له بداية ولا نهاية، ما لا ينمو ولا يضمحل.. تتجلى الأبدية في ظاهرة الزمن، فاعلة في التداعِ كما في الإنجاز..

جاك (30) يشعر بالضيق. الفجر.. أشعة الفجر الأولى تصل إلى مدينة الخراب).

 

خارجي – المدينة – تقاطع طرق – الفجر

(يجد جاك نفسه على طرف المدينة. قُدِّم له خيار: إما أن يعود إلى المتاهة التي تجول فيها طويلًا وإما أن يخرج إلى المجهول والجديد)..

 

خارجي – جدار – منحدر – باب

(يرى منحدرًا، وسُلَّمًا، وبوابة، وبابًا. يستجمع شجاعته ويمضي قُدمًا. الباب مفتوح جزئيًا. يقف على العتبة. لا نأمة تدل على الحياة إلا الريح. ماذا يوجد على الضفة الأخرى؟ هل يجرؤ أن يرى؟. خطوة واحدة ويمر).

 

خارجي – حقل وراء الجدار

موسيقى مشوقة

(يقف في حقل خلف الجدار، الذي يبدو أنه يقع خلفه بعيدًا. يسمع صوت الزيزان. الأرض جافة. يبحث عن الماء. فهو لن يجده هنا.

SLOT CANYON – وادي غولبن – SLICKROCK (يوتا) مع تدفق متباطئ للمياه والسحب.. يصعد

يمر عبر الوادي الضيق ل SLOT CANYON. قلبه ينبض بالخوف. يتسلق الصخرة

يرى ثعبانًا مرجانيًا على الأرض. تتشكل هذه الصور وغيرها من صور ماضيه تدريجيًا- مُتخذة هيئة إحساس لم يشعر به من قبل. وأخيرًا يبدأ في فهم معنى حياته ونمطها. يبدو كل شيء بمثابة دليل، أو وحي: البومة المحلقة فوق رأسه، والقمر الصاعد، وصوت الجيتار الخافت.

خارجي. نهر – بركة بين الكثبان المتحجرة – الفجر.

تيار يجري من خلال الصخرة. يقترب منه. طائر النمنمة يغرد. يركع بجانب الماء. يشرب منه. يغسل وجهه ورقبته.

لقد ارتحلنا صعودًا عبر نهر الزمن.. الصاعد من الطبيعة إلى الروح.

الفردوس ليس مكانًا هنا أو هناك. الروح فردوس، مُشرع أمامنا، هنا والآن. أبسط الأشياء تُظهِر ذلك. نعيش في الأبدية حتى الآن).

 

خارجي – حقل عباد شمس

عباد الشمس، تتجه برؤوسها نحو مصدرها: الشمس غير المرئية، التي تضيء العالم بأشعتها، وتضغط بشغف عبر الشقوق والصدوع دافعة الظلام أمامها).

 

خارجي – أرض الموتى.

 (سديم. الغسق. كهف/ بحر/ مدينة/ سبخات الملح في أوتا. بحيرة مونو. مراعٍ. بومارزو. الفجر

يصبغ الفجر السحب العالية، بينما تجد ريحًا منعشة طريقها إلى أرض الموت، في نهاية ذلك الطريق الذي لا عودة منه، حيث يجلس الناس في الظلام، حيث الغبار طعامهم.

ينقشع الضباب. يخترق الضوء نافذة عالية ليوقظ الموتى. النائمون يفتحون أعينهم وينظرون حولهم. فينهضون مبتهجين، شاعرين بالانتعاش كما كانوا في أيام شبابهم.

يجتمعون من أماكن مختلفة.. كل من عاش من قبل. يرتقون صوب الضوء عند فتحة الكهف. يخرجون من شوارع المدينة حيث مشوا للمرة الأخيرة.. خارج مقالع الحجر والمصانع المهجورة ومن أعماق البحر.

وجوههم مطلية بالرماد. وكل منهم يرتدي الزي الذي يدل على شخصيته أو مهنته عندما كان على قيد الحياة: فستان حفلة، أو ثوب كاهن، أو زيًّا عسكريًّا، أو ببساطة أفضل ما لديه يوم الأحد. أحدهم يسحب سلسلة، والآخر يدفع كرة كبيرة. وتدريجيًا، كما لو كانوا في ختام حفلة تنكرية، يضعون هذه الإكسسوارات التنكرية جانبًا.

يقفون إلى جوار بركة لغسل وجوههم. تبدو ملامحهم أكثر وضوحًا.

يتجولون حول سبخة ملح. في البداية تكون الأرض جافة ومتشققة. وبعد ذلك، يكتشفون الماء تحت أقدامهم. أمامهم جبل مكلل بالسحب الممطرة. الأعشاب الغضة تنبث عبر الأرض المتحجرة).

 

خارجي – الكثبان الرملية.

 اجتماع الشمل والولادة الجديدة

(رجال ونساء يتعانقون عند الفجر، ويجتمعون أخيرًا. الزوج والزوجة، الأم والطفل، يتبادلون التحية بفرح ورهبة. يخبرون بعضهم بعضًا بفارغ الصبر بكل ما حدث. عصور مرت كالحلم مذ آخر مرة رأوا فيها بعضهم البعض. هنا لا يوجد قبل أو بعد).

 

خارجي – شاطئ الأبدية.

موسيقى فرح بلا حدود

(يهبطون إلى الشاطئ. مأخوذين بالبريق المتزايد في الشرق، يتحدثون مع بعضهم همسا، الشاطئ يعج بالناس الآن. يضرب الماء أقدامهم. تتناهى ذروة الأمواج عند الرمال الرطبة. يجد آل ستون ابنهم والسيدة ماكيفر زوجها. يرى جاك شخصيات أخرى من ماضيه: السيد ريس، o.c، جدته وعمه، بيتي وروث، كايلر وآخرين: السجين، الرجل الأعرج، مارشا وروبرت. وكأنهم يجتمعون في جوقة واحدة عظيمة.

هذي نهاية رحلة الحياة. تتعالى الموسيقى: الكل جاء من الحب وإلى الحب ينبغي للكل أن يعود. عبر جاك عتبة الموت، وتجاوز المكان والزمان، إلى حياة أعظم تنطوي على الموت)

 

أخوه

(يسمع من بعيد ذاك الصوت العذب، الصوت الذي يثق فيه بأعظم ما تكون الثقة).

– جاك: أخي (بينما يقترب RL يسارع جاك بمد يده. نراه من الخلف فقط). لقد وجدتك.

 (يحضنان بعضهما. لا انفصال هنا في الأبدية. تتلاشى جدران العالم.لم يعد يمكن لهذه الجدران أن تحتجزهم. إنهم يعرفون بعضهم في الأبدية التي لا نهاية لها).

 

الأم والأب

(إذ يلتفت، يرى جاك والده، الأب وجاك ينظران بعين الرضا. يقود RL نحوهم

– الأم: هل هذا أنت؟ (RL يبكي) أنت؟

(تعانق ابنها الضائع. تلمس يديه ووجهه بنشوة. معجزة. بهجة لا يُعبر عنها).

– الأب: ولدي.

(يتقدم والده منه بأذرع مفتوحة. يوحد الحب ما فرقه الموت والمعاناة. يلتفت إلى زوجته. تداعب شعر طفلها. تنظر إلى الغرباء الذين يقفون في الجوار، كما لو أنها تريد أن تتأكد من أنها لا تحلم. تنظر إلى جاك وتومئ برأسها. حزنها التأم وانتهت شكوكها).

– جاك: كينونتك لا يمكن أن تموت.

(لقد أصبح العادي والسهل مدخلًا إلى اللانهائي. إنه يحيا فيما لا يولد ولا يزول.

يمسك يدي أمه، تتوقف الموسيقى. يعرف الحب لا مظاهره. العالم نفسه تحول إلى موسيقى

الأبدية.

الفجر يقترب.

نتجاوز الموت. نصل إلى الأبدية، الحقيقية، إلى ذلك الذي لا يزهر ولا يذبل، الذي لا يكون ولا يزول، ذلك الذي يمكننا أن نعيش فيه إلى الأبد. لقد كان كل شيء حتى الآن مجرد صورة لكل ما نعتقد أنه ثابت ودائم. المكان، الزمان، ما هو سريع التلاشي، ليست إلا صور فقط، الغائي والثابت هو في مكان آخر.. حياة الحياة.

الأبدية.. ذاك الحلم بالنقاء والنور اللانهائي، كيف لنا أن نمثلها؟ سُلَّم يؤدي إلى شجرة؟ شرر ينبعث من النيران؟ جسر؟ قبلة؟ جزيرة نائية؟

ربما يمكن لصورة بمفردها أن تخدمنا في هذا السياق أكثر من مزيج منها. الخليقة جميعها تتَّخذ شكل شجرة. أصغر ورقة تتصل بأعمق جذر، وكل الأجزاء تتغذى من النسغ، تتنفس الهواء وضوء الشمس نفسهما، راسمة الحياة نفسها في الأعلى عبر ظلمات الأرض في الأسفل.

صور بسيطة مُلتقطة بكاميرا ذات ثقب. وبعد الحركات العصبية للزمن، نرى أن الزمن صورة متحركة.

ولدٌ، لأذنه شكل الصدفة، ولخصلة الشعر في مقدم رأسه شكل المجرة. زهرة لوتس، ساقها بارزة من الماء وأوراقها طافية مُنبتة عن كل شيء. شجرة سيكويا. وردة تتفتح. الحياة تبز ذاتها.

بابور يقترب من نهاية القنال. يقترب ضوء النهار وسرعان ما سيبزغ. لم يعد اليوم مجرد آلية عمياء، لقد أصبح (تلاشي سريع وقطع سريع) نهرًا، يحيا، يتدفق.. المياه الصافية لنهر الحياة تهبط من قمة جبل.

مر الشتاء. الغابات العارية من الأوراق التي تجول فيها بطلنا خضراء وباردة ومفعمة بأصوات الطيور.

 أنت يا من يميز الحقيقي عن الزائف. أنت الذي يؤوب إليك كل شيء ومنك يبرز كل شيء، أنت الذي تنطوي على بداية الأشياء ونهايتها. غايتها ومعناها).

 

خارجي – الشاطئ

(بينما يراقب جاك، تمد والدته ذراعيها نحو أطفالها، وقد استعادوا الإيمان والسعادة، وتصالحوا مع الحياة.

الآن يرى انها كانت دليله الغامض، حارسة قلبه ومصدر كينونته الأخلاقية. إنها أم الخليقة، كل شيء يتدفق منها.. إنها البوابة.. الباب.. تبتسم من وراء كل شيء.

من خلالها بحث الأبدي عنه، ومن فمها تكلم، ومن خلال حياتها وأفعالها قربتهم منه)..

– الأم (خارج الشاشة): لا مزيد من الخوف. ستجدونني.

(ترتفع الكاميرا مع نشيد الموسيقى – فوق الأشجار، فوق التلال والسهول. الآن هناك راحة. وينتشر حوله السلام الأبدي، ويعود كل شيء كما كان في البداية).

 

خارجي – المدينة

(مطر. أعشاب في شقوق الرصيف. أطفال يلعبون. عدنا مع جاك إلى المدينة. حتى في هذه الشوارع، يشرق الأبدي. هذا هو عالم الله، وليس سهلًا لانهائيًّا من الحزن والفوضى بعد كل شيء.

على الرغم من أنه يجب أن يبقى هنا لفترة من الوقت، إلا أنه لن ييأس. حياة جديدة تومض أمامه. الإيمان الذي يُرى من خلال الموت).

– الأم (خارج الشاشة): أعرف أنني…

 

خارجي – بيت أوبراين

(نعود إلى الحاضر. إلى الفوضى والارتباك اليوميين. إلى المكان الذي انطلقنا منه. نراه الآن كما لو أننا نراه للمرة الأولى. ما بدا عاديًا ومألوفًا يتوهج الآن بإشعاع لم يظهر من قبل. لقد وجدنا اللانهائي في اليومي والمألوف.

جاك ينظر حوله. هل سيُنسى هذا الوحي؟ هل سيبدو الأمر نزوة عابرة، حلمًا؟

في المنزل يعزف أبوه على البيانو. أمه في الفناء. جرس يقرع.

تبدو شجرة البلوط العظيمة كينونة حساسة، مفكرة وخيّرة.. تنظر إليه.

يضع أذنه على الجذع، ويستمع لتلك الكلمات التي، كما تنبأ، ستدمر الشر في قلوب الناس وتجلب لهم الخير

ترتقي الكاميرا خلال الأغصان.. ترتفع أعلى فأعلى إلى أن تتحرر من مظلة الأوراق صوب السماء..

السلام هو المآل.. كما تنتهي الموسيقى. يذوب الوتر الأخير في صوت الإنتاج العادي. عاد الزمن إلى الظهور.. واستأنف تأثيره، وعلى الرغم من ذلك ليست الرؤية هي الرحلة.. فالرحلة الحقيقية لم تبدأ بعد، هل سيهب نفسه لهذه الحياة الجديدة؟ هل يجرؤ؟

غريبٌ يبتسم.

عتبة.

نجم.

النهاية

فاصل اعلاني