وصف تكريمه في مهرجان أفلام السعودية بليلة عرس عبد المحسن النمر: حققت ما أقدر عليه.. ولست شغوفاً بالشهرة والنجومية
12 August، 2024
حوار: هيام بنوت
لا يعدُّ عبد المحسن النمر مجرد ممثل سعودي قدم العديد من الأعمال الفنية في التليفزيون والسينما والمسرح، لكنه شخصية ثقافية مؤثرة، أسهم في العديد من النقاشات حول تطوير الفن والدراما السعودية، ويُعتبر رمزًا للتمثيل الجاد والمتقن، ويحظى باحترام كبير بين أقرانه وجمهوره؛ لتفانيه في أدواره الجادة والمهمة، وقد أسهم في تطوير الدراما السعودية من خلال مشاركته في أعمال تناولت قضايا اجتماعية مؤثرة، مما ساعد على إحداث حوارات مجتمعية حول موضوعات هذه الأعمال، من بينها مسلسل “خيوط المعازيب” الذي حقق نجاحًا جماهيريًّا كبيرًا، ورأى فيه النقاد العمل الذي أسس لدراما قادرة على المنافسة عربيًا، وحصد فيلمه “هجان” عددًا من الجوائز المرموقة في العديد من المهرجانات العربية والدولية، من بينها جائزة أفضل ممثل عن دوره فيه، وقد لقي إشادة واسعة من قبل مختلف وسائل الإعلام، ووُصف بأنه من أفضل الأفلام العربية التي صدرت عام 2023، وذهب البعض إلى أنه أهم الإنجازات السينمائية السعودية في السنوات الأخيرة. وقد تم تكريمه مؤخرا من قبل مهرجان الأفلام السعودية، وعلى هامش هذا التكريم كان لـ”كراسات سينمائية” معه هذا الحوار.
خبرات مختلفة
لك باع طويل في الأعمال المشتركة، فهل أنت من محبيها؟
شاركت في الكثير من الأعمال المشتركة، سواء البدوية أو المعاصرة أو التاريخية، وهذه التجارب قريبة إلى قلبي؛ لأنها تضم خبرات مختلفة وناضجة، وفيها احتكاك جميل بين مختلف التجارب العربية.
شاركت في الكثير من الأعمال المشتركة، وهي قريبة إلى قلبي؛ لأنها تضم خبرات ناضجة، وفيها احتكاك بين مختلف التجارب العربية.
وماذا تقول عن عملك الجديد “خريف في القلب”؟
المسلسل معرب لمجموعة “أم بي سي” ومنصة “شاهد”. وهو عمل طويل، ومن التجارب الجديدة التي تنتجها المجموعة، والتي تستقطب بعض الأعمال العالمية، وتقوم بخلجنتها أو سعوَدَتها، وأتمنى أن تكون على قدر توقعاتنا. وهو مؤلف من 90 حلقة، ويحتاج إلى 8 أشهر للتصوير، حتى أنني اعتذرت بحزن عن الكثير من التجارب الأخرى، ومن بينها مشاريع سينمائية. لأنني أعطي كل تجربة وقتها جيدًا. والعمل الجديد يحتاج إلى تفرغ ذهني كامل، وتفرغ على مستوى الوقت. ولا شك أن الآتي أفضل.
من يخوضون تجربة الأعمال المعربة يفعلون ذلك من أجل المال والانتشار. فما دوافعك لخوض تجربة “خريف في القلب”؟
بالنسبة لمسألة الانتشار، فأنا حققت ما أقدر عليه وأشعر بالرضا. لست شغوفا بالشهرة والنجومية. أنا في المجال منذ 40 عامًا. تجاوزت مرحلة اللهاث وراء الشهرة. بالنسبة للمال أعتقد أن الفن الذي لا روادف له، والذي يكتفي صاحبه بالعمل في مجال السينما والمسرح دون خوض في تجارب الدعاية والإعلان، يكون حضوره متوازنًا على مواقع التواصل الاجتماعي. لكن ما يحققه ماديًّا من وراء الفن لا يحقِّق له الثراء. المال والشهرة ليسا هدفًا لي. فأنا أحمل مسؤولية مهمة وضخمة؛ وهي: كيف يمكن أن يراني الجيل القادم كأيقونة؟ وعند كل عمل جديد أشعر وكأنني أعمل لأول مرة. وأعيش حالة قلق وخوف، متسائلًا هل سأحقق هذا الأمر أم لا. وقد وافقت على هذا المسلسل لأنه دراما خفيفة حققت نجاحًا كبيرًا. وأحبها الناس بشغف حتى من خلال الأعمال التركية والأعمال المعربة. ويفترض بي كممثل أن أقدم كل الأطباق، ولكن برقي وبإتقان عال. وأعتقد أن هذا العمل مختلف وجديد بالنسبة لي كدراما طويلة، ولكني حريص على أن يكون بالمستوى المتوقع منه. وعلى مستوى السعودية سيكون أول عمل سعودي طويل يضمُّ عناصر فنية عالية على مستوى الإنتاج والتمثيل والحكاية. وهو ليس مجرد عمل للعرض، بقدر ما هو عمل يخلق قاعدة جماهيرية مختلفة.
لست شغوفًا بالنجومية، فأنا في المجال منذ 40 عامًا، وتجاوزت مرحلة اللهاث وراء الشهرة. لكنني أحمل على كتفي مسؤولية: كيف سيراني الجيل القادم كأيقونة؟
هل تحلم بأن تصبح أيقونة؟
هو ليس حلمًا بل نتيجة طبيعية للتجربة. تجربة الفنان يمكن أن تحوله إلى أيقونة أو ملهم، أو مثل أعلى لجيل كامل. لكنها تتحول إلى ورطة عندما يصل إليها؛ لأنها تمنعه من القبول بأي عمل كان. وهي ليست تشريفًا بقدر ما هي تكليف.
ما أكثر ما لفتك إلى مسلسل “خيوط المعازيب” الذي حقق نجاحًا كبيرًا وإشادة من النقاد والجمهور على حدٍّ سواء؟
فكرة العمل التي تنبع من النص هي أساس الجذب للمشروع. النص كتب بشكل ناضج جدًّا ومصداقية عالية على مستوى البيئة واللهجة والحكاية وتفاصيلها. كما أنه خضع للكثير من الورش التطويرية. ومن حسن الحظِّ أنني كنت جزءًا منها منذ بداية تأسيس الفكرة. كما أنه يتطرق إلى بيئة جديدة في المملكة العربية السعودية. وقليلة هي التجارب التي تطرَّقت إليها، ولكن ليس بهذا العمق. عدا عن أن الأحساء هي منطقتي ومدينتي ومسقط رأسي، وأدين لها بالكثير؛ لذلك كان انتمائي له من الأساس عاليًا جدًّا، فضلًا عن أنه تم تكريس إمكانيات عالية له من ميزانية وبنية تحتية. أي أن كل العناصر جذبتني له، أما سبب نجاحه فيعود إلى الصدق في تناول الموضوع؛ إذ إن هناك مصداقية في لهجة العمل وفي بيئته وفي الكاستينغ. وهو أخذ وقته خلال التحضير، والكل شارك فيه بانتماء عال. وهذا الأمر انعكس عليه وأوصله إلى الناس بشكل واسع.
بين التواجد في عمل مشترك والتواجد في عمل سعودي؛ هل تميل أكثر للمشاركة في عمل محلي؛ خصوصًا وأنك حريص على النهوض بالفن السعودي؟
المشاركة في أي عمل عربي نوع من التمثيل لبلدي ولذاتي، وهذا أمر مهم. كما أنه يشكل لي كفنان تراكمًا معرفيًا؛ لأن التجربة العربية تجمع طاقات قد تتجاوز المحلية التي أستفيد منها، وأكون أنا أيضًا مؤثرًا فيها. فضلًا عن أنها تسهم بتشكيل مخزون داخلي، أفرزه في محليتي عندما أتواجد في عمل داخل السعودية، ويشارك فيه فنانون شباب؛ لأنني أخدمهم بتجربتي. كل منا عندما يقصد مكانًا يجني بعض الثمار، ويقدمها لأبنائه. وهذا إحساس رائع جدًّا. وأي عمل أشارك فيه يضم ممثلين تجربتهم أقل من تجربتي؛ فإنهم يأخذون منها بشغف وحب. وهذه مسؤولية عظيمة، ودور مهم أؤديه في حياتي.
مجالات فنية متنوعة
تحرص على التنويع والجمع بين مختلف المجالات الفنية، فهل أنت متمسك بهذه الإستراتيجية؟
ما تمكنت من التمسك فيه طيلة السنوات الماضية، سوف أحرص عليه طيلة مشواري الفني. لي قراءتي الخاصة لكل تجربة، وأتحمل نتائجها، وقد أوفق أحيانًا، وأحيانًا بنسبة أقل، ولكنني حريص دائمًا على تقديم كل ما هو مختلف على مستوى الدور والتجربة. وأحيانًا لا تكون التجربة مختلفة، بل الدور الذي يحمل في طياته شيء من الاختلاف والتجديد. هذا حق مشروع لكل فنان، وربما أكون أكثر حرصًا من الآخرين. ولذلك يمكن أن أتوقف لفترات طويلة عن العمل؛ لأنني لا أجد من بين ما يعرض عليّ ما يمكن أن أقدمه للناس.
وأين تحقق نفسك أكثر، هل في السينما أم التلفزيون أم المسرح؟
التلفزيون هو منطقة عبور بالنسبة لي، والمسرح هو ارتكازي، ويعني لي الكثير؛ لأنه نقطة انطلاقي، والمكان الذي أعيد فيه تجديد أدواتي وتركيزي. أما السينما فهي شغفي الأكبر؛ كونها جرعة مركزة أكثر من المجالات الأخرى. ولأن منطقتنا الخليجية تفتقر إلى أرشيف سينمائي، وهي بالرغم من غناها بتراثها وجغرافيتها وحكاياتها، إلا أنها لم تستنفذ سينمائيًا، والعامل الأهم هو أن الأفلام وثيقة تبقى للأجيال المقبلة، أكثر من الفيديو والمسرح.
هل توافق على الرأي القائل بأن الممثل الذي لم يخض تجربة المسرح ليس فنانًا حقيقيًّا؟
ليس إلى هذا الحدِّ. فقط أعتبر أنه ينقصه الكثير، كالمتعة والتدريب وامتلاك الأدوات؛ لأن أدوات الممثل في المسرح هي إمكاناته وليس أي شيء آخر.
وماذا عن نظرتك للفن. إذ يبدو واضحًا أنك تحمل همَّ الارتقاء به وتطويره، خصوصًا عندما تتكلم عن السينما الخليجية؟
الفن هو شغف شخصي للتعبير عن الذات عبر الرسم أو الموسيقى أو الغناء أو التمثيل، ولغة بشرية يستخدمها الإنسان. وأنا أستخدمها لأنني أمتلك الشغف والحب والانتماء للفن. لكنني في نفس الوقت أتحمل مسؤولية كبيرة تجاه الجمهور، لأنه أوصلني إلى هذا الموقع المهم. ويفترض أن أقدم له ما يستحقه، وهذا أقل أنواع المسؤولية على كتف أي فنان ينتمي إلى المجال.
وهل السينما هي شغفك الأول؟
نعم. ولكن بقدر الشغف الكبير بها فإن البحث فيها صعب؛ لأن الخيارات قليلة. فالسينما مشروع دولة في السعودية. وهي في طور انطلاقتها الحقيقية. ومع أن كثيرين يعملون فيها، لكنني محمَّل بمسؤولية تجربتي السابقة في الفيديو، وتجاربي البسيطة في المسرح والسينما. وهذا الأمر يضعني عندما أكون في موقع مسؤولية الاختيار في منطقة ضيقة جدًّا، لذلك فإن عدد الأفلام التي قدمتها خلال مسيرتي لا يتعدى الستة أو السبعة أفلام. وقبلت في السنوات الأخيرة بتجربة واحدة، من بين مشاريع كثيرة عرضت عليّ، هي “هجان”. بسبب إحساسي بالخوف والقلق من تقديم عمل لا يتوازى مع تاريخي السابق، ولا مع تجربتي التلفزيونية والمسرحية.
وهل أعطتك تجاربك السينمائية المحدودة ما تريد منها؟
على الإطلاق؛ أنا ما زلت أبحث عن فيلم يرضيني أولًا، ويتوافق مع إحساسي بالمسؤولية.
وما الذي يرضيك؟
عمل يحمل هويتي كاملة ويرضي شغفي، الشغف موجود وأنا في حالة بحث، وأشعر بقلق كبير على مستوى السينما. وفي السنوات الأربع الأخيرة لم أقبل إلا بفيلم واحد من بين 15 مشروعًا.
خطوة نحو العالمية
وكيف تقيم التجارب السينمائية الست السابقة؟
هي تراكم، وعناصرها مختلفة تمامًا، أول تجربة كانت إماراتية بتقنية بوليوود الهندية، وفريق عمل هندي. وتم التصوير بكاميرا 35 ملم. ثم شاركت بتجربة خليجية مشتركة بفيلم سعودي مع عبد الله المحيسن. وتجربتي الأخيرة كانت محلية تمامًا، على مستوى النص والتمثيل والتنفيذ ومواقع التصوير والحكاية. وأنا أقول دائمًا إن الانطلاقة الحقيقية للسينما السعودية، سوف تتحقق من خلال المحلية، وحتى لو كنا نطمح لتقديم فيلم عالمي، فيجب أن ننطلق من هويتنا ومحليتنا.
هنا تتحدث عن فيلم “هجان”؟
نعم. وهو عُرض في مهرجانات عالمية، وفي مهرجان البحر الأحمر، وحصد الكثير من الجوائز على مستوى الإخراج والتصوير السينمائي والتمثيل. من بينها ثلاث جوائز في “مهرجان الخليج”، وجائزتان في “مهرجان سويسرا”، و”مهرجان هوليوود العربي”.
مشاركة هذا الفيلم في مهرجانات عالمية هل هو خطوة نحو العالمية؟
طبعا لأن الفيلم يحمل الهوية السعودية الكاملة ـ ويتناول منطقة خاصة جدًّا لها علاقة بسباقات الإبل التي تحصل في الجزيرة العربية، وهي منطقة مختلفة وجديدة لا يعرف تفاصيلها وبيئتها الكثير من السعوديين. كما أن لغته البصرية عالية جدًّا. وهو من إخراج المصري النمساوي أبو بكر شوقي ـ فأنا أعتقد أنه حقق المعادلة العالمية بشكل راقٍ جدًّا عبر حكاية وبيئة محليتين.
هل تتوقع أن يفتح لك هذا الفيلم أبواب هوليوود؟ أم تفضل أن تكون عالميًّا في بيئتك المحلية؟
مسؤوليتي كفنان عربي هي التعبير عن جغرافيتي وانتمائي أولًا. والوصول إلى العالمية يبدأ من هنا، لكن العالمية والظهور في فيلم في هوليوود أو بوليوود ليست هدفًا لي؛ لأن همي هو فيلم عربي سعودي يحقق مكانة عالمية. وهو أسمى عندي من المشاركة بشكل فردي في تجربة تحمل سمات عالمية.
مسؤوليتي كفنان عربي هي التعبير عن جغرافيتي وانتمائي. أما الظهور في فيلم لهوليوود أو بوليوود فليس هدفًا لي؛ لأن همي هو الفيلم العربي السعودي الذي يحقق مكانة عالمية.
وهل بدأ الممثل السعودي ينال حقه في ظل النهضة اللافتة التي تشهدها السينما السعودية؟
هي طفرة عالية جدًّا. وأنا أشعر بها بحكم انتمائي إلى المجال. نحن قدمنا منذ العام 2018 وحتى اليوم كمًّا هائلًا من الأفلام. وكنا سنحتاج إلى عشرات السنين لو فعلنا ذلك في الماضي. الكل يجتهد. وهناك أفلام تصور في العلا والرياض والمنطقة الشرقية. وشارك في مهرجان الأفلام السعودية ما يقارب الـ 300 فيلم ما بين قصير وروائي طويل ووثائقي. هناك اشتغال واشتعال منقطع النظير للحركة السينمائية في المملكة، ووصلنا من نقطة الصفر إلى مشاركة فيلم “نورا” في مهرجان” كان السينمائي”. هذا على مستوى المهنة، أما على المستوى الشخصي؛ فنحن نشاهد الفنانين على السجادة الحمراء في “مهرجان كان”، و”مهرجان البحر الأحمر” الذي يعتبر ظاهرة عظيمة تنتج عشرات الأفلام سنويًّا. كما أن هناك ورشًا فنية تضم طاقات وعناصر مهولة، وعددًا كبير من المواهب التي تعمل في السينما، بعدما كانت مشتتة، وتعمل بشكل ارتجالي. لكن الفكرة السينمائية في السعودية، بقيادة الدولة وبتوجه رسمي وحقيقي قامت بتبنيها وتنميتها وتطويرها، هي تجربة عظيمة في حالة مخاض. وسوف تنجز أشياء عظيمة خلال فترة قصيرة جدًّا.
أين تفوقت السينما السعودية على السينما العربية، وأين تفوقت السينما العربية عليها، خاصة أنها انطلقت بقوة، وحقَّقت نهضة كبيرة؟
هو ليس تفوقًا، بل نحن تعلمنا من التجارب العربية التي تحيط بنا في لبنان ومصر والجزائر وتونس؛ لأنها تسبقنا بخطوات كبيرة. واستفدنا من هذه التجارب، ومن العناصر التي تشارك فيها. والأفلام التي تصور حاليًا؛ فيها مشاركة تونسية ومغربية ولبنانية ومصرية لأشخاص يعملون خلف الكاميرا. وهذا الأمر يشكل دعمًا كبيرًا للتجربة السعودية. لكن الملفت في هذه التجربة أنها لم تبدأ من الألف باء، بل من حيث انتهى الآخرون. فنحن نضع نصب أعيننا التجارب الفرنسية والإيطالية والهوليوودية. وهذه الإستراتيجية عظيمة جدًّا. وحتى على مستوى التلفزيون فقد خضت في الفترة الأخيرة عدة تجارب في العلا وتبوك بكوادر عالمية خلف الكاميرا، وتعرفت على بعض المصطلحات والمفردات والأعراف البعيدة والمتقدمة في المهنة. وهي ليست مطبقة في الخليج؛ مع أن بعض الدول الخليجية كالكويت مثلًا تسبقنا بخطوات. وهذا الأمر لا بدَّ وأن ينعكس على التجربة بشكل واضح، والأيام سوف تثبت صحة وجهة نظري.
هل ترى أن الفن السعودي في سباق مع الزمن، ويحاول أن يثبت نفسه، ويقدم الأفضل كمًّا ونوعًا في كل المجالات خلال وقت قياسي جدًّا؟
كابن لهذه التجربة أقول إن رؤية 2030 وضعتنا كشعب سعودي منذ العام 2018 في سباق مع كل شيء. الزمن قصير، ونحن مطالبون في كل المجالات أن نختصر الوقت. ونحن محملون بتجارب ماثلة أمامنا، والكل اليوم في سباق وتحدٍّ. وفي مقدمتنا حامل الراية سمو ولي العهد الذي قال “إنني متوجه في 2030 إلى منطقة معينة في هذا المكان، ومن يرغب ركوب الموجة فليأتِ”. لذا؛ لا مجال للتخاذل. وكلنا في سباق مع الزمن والظروف. ويجب ألا ننسى أن في زمن الصحوة كان هناك الكثير من الأغلال والقيود، لكن في داخل كل منا الكثير من الشغف، وبمجرد أن فتحت الأبواب انطلق الجميع في ماراثون محموم جدًّا. والذي لا يملك الطاقة سقط منذ الخطوة الأولى. ومن يملكها فإنه مستمر، ولا بدَّ أن نصل خلال فترة زمنية قصيرة. وسوف نعيش هذا الوصول.
عدم رضا
ما الذي لم يعجبك في الأفلام التي عرضت عليك؟
عندما لا تكون الأرضية صلبة تغوص القدم في الوحل عند القيام بقفزات. بينما إذا كانت صلبة تكون القفزة بالمستوى الذي نتمناه. وهذه النظرية جعلتني أرى أن الأرض الصلبة في السينما السعودية هي الكلاسيكية، وربما أكون مخطئًا، لكني أعتبر أن الكلاسيكية ضرورية في الأفلام والمسرح. فلا يمكن أن أبدأ من المسرح التجريبي، ولا يوجد لدي مسرح الغرفة، أو المسرح الكلاسيكي الذي يعتمد على الخشبة والجمهور. وهذه النظرية جعلتني أكون حذرًا عند البحث عن فيلم للسينما السعودية يحمل سمات الكلاسيكية. ولم أجدها إلا في فيلم “هجان”، لأنه بسيط في طرحه، ويستمتع به المشاهد العادي وصاحب الفكر. لذلك اخترت البدء من القاعدة الكلاسيكية للسينما، وليس من الغموض والتغريب، وفي حال عرض عليّ لاحقًا فيلم مختلف فسوف أقبل به. لكنني سأكون على الأقل أسست قاعدة لنفسي من خلال فيلم كلاسيكي ممتع يشبه أفلام هوليوود، فيلم بسيط وسهل وبمفردات تجعل المشاهد يشعر بالمتعة.
أعتقد أن القاعدة الأهم الآن في السينما السعودية هي الكلاسيكية، فلا يمكن أن نبدأ من المسرح التجريبي، ولا يوجد لدينا مسرح الغرفة، أو المسرح الكلاسيكي.
وما سبب غياب صناع السينما عن هذه الناحية؟
هو التسابق الذي يضع البعض في إشكالية تحميل النفس وزر أن تكون في المقدمة. أما أنا فلا أسعى للمقدمة؛ بل للوصول. وهو أهم عندي من أن أكون متقدمًا في مرحلة ما ثم أسقط تعبًا. وهو ما يتحقق من خلال القواعد. فأن أصل متأخرًا خير لي من ألا أصل أبدًا، لأنني عندما أصل متأخرًا، وأنا بكل طاقتي، أفضل من الوصول والموت عند خط النهاية.
وهل تناقش صناع السينما بهذه الأفكار؟
طبعًا. ولكن لا يحق لي أن أفرغ كل آرائي وأفكاري، ولا أن أرغم الآخرين على الاقتناع بها. قد تكون وجهة نظري غير صحيحة؛ ولذلك أنا أطرحها بكل شفافية، ولا أطلب من الآخر الالتزام بها.
وقع خاص
ماذا يعني لك التكريم في مهرجان الأفلام السعودية، مقارنة بالتكريمات الكثيرة التي سبقته؟
هو يعني لي الكثير لعدة أسباب. فأنا كرمت في عدة دول عربية، وحصلت على العديد من الجوائز، وهذا يعني الكثير. ولكن تكريمي في بلدي وفي مسقط رأسي، تحديدًا في النسخة العاشرة من مهرجان السينما السعودية، فله وقع خاص ومميز في نفسي. لأنه من أعرق المهرجانات السينمائية في منطقة الخليج. كما أن له خصوصية كونه شعبيًّا وتلقائيًّا. وتم تكريمي فيه عن مجمل مسيرتي الفنية، خصوصًا هذه السنة. وليس عن تجربة واحدة. وقد تم تتويج حصاد مشواري الفني الطويل بهذا التكريم الذي أسعدني وجعلني أشعر بالفخر، وكان هذا التكريم بالنسبة لي بمثابة ليلة عرس.
كُرمت من قبل في عدة دول عربية، وحصلت على العديد من الجوائز، لكن تكريمي في بلدي ومسقط رأسي له وقع خاص ومميز في نفسي.
هل الفن أنصفك؟
الفن ليس مطالبًا بإنصافي. وما يشغلني هو: هل قدمت شيئًا أم لا؟ فالفن أكبر من أن أطلب منه الإنصاف، ومن يعطي يجب ألا ينتظر مقابلًا. وأنا لم أفكر يومًا بأن الفن أنصفني أم لا؟ لكن تكريمي على هذا المستوى في بلدي وفي هذا المهرجان، يشعرني بحالة جميلة من الإنصاف والرضا. وأنا لا أطلب أكثر من ذلك.