• English
  • 20 يناير، 2025
  • 5:08 ص

آندريه زفياغينتسف في فيلمه الجديد “لا حب” ….. فيلم روسي مصنوع للأوربيين

آندريه زفياغينتسف في فيلمه الجديد “لا حب” ….. فيلم روسي مصنوع للأوربيين

عبادة تقلا

4 December، 2023

عبادة تقلا

يعود المخرج الروسي آندريه زفياغينتسف (1964)، في فيلمه الجديد “لا حب” مخرجًا ومشاركًا في كتابة السيناريو، إلى الموضوع الذي جلب له شهرته وموقعه، ونقصد به قضايا الأسرة الروسية المعاصرة، ولعلَّ فيلمه المميز” العودة”، المنتج في عام 2003، كان الإشارة الأقوى إلى مخرج يمتلك حساسية خاصة نحو الموضوع الذي يطرحه، ودخولًا في عمق المسائل التي تؤرق المجتمع الروسي، بطريقة ذكية، وبعيدة عن المباشرة.

آندريه زفياغينتسف

تتلخَّص حكاية فيلمه الجديد “لا حب”، بالصراع بين زوجين، وجد كل منهما شريكًا آخر، يناسبه أكثر، ويمثّل له المعنى الحقيقي للحب الغائب عن حياته، وبالتالي لم يبق أمامهما لإغلاق ملف علاقتهما نهائيًّا سوى بيع شقتهما، وتقرير مصير ابنهما البالغ من العمر اثني عشر عامًا، بمحاولة كل منهما إبقاءه تحت رعاية الآخر، بحجة أن ذلك سيكون في مصلحة الطفل. خاصة أن الطفل لم يكن مرغوبًا فيه منذ بداية علاقتهما، وحمل الأم به هو ما قادهما إلى الزواج.

بين خلافاتهما ومشاحناتهما المستمرة، يختفي الصبي، وتبدأ رحلة بحث طويلة عنه، تقودها جمعية أهلية ومتطوعون؛ لأن الشرطة لا تملك الميزانية الكافية للقيام بذلك. يُعثَر على جثة الطفل بعد ذلك، وتُباع الشقة، ويواصل كل منهما حياته مع الشريك الجديد، ولكن بصمت ورتابة، لا يُشبهان الحب والانفعالات التي رأيناها في بداية الفيلم.

“العودة” كان الإشارة الأقوى إلى مخرج يمتلك حساسية خاصة نحو الموضوع الذي يطرحه بعيدًا عن المباشرة.

ما الذي أراد المخرج قوله؟

مخرج الفيلم و نجومه في مهرجان كان

يبدو هذا السؤال هو الأهم، برأينا، خاصة لمن شاهد فيلم “العودة”، ورأى حجم التنوع والغنى في قراءة الفيلم من قبل شرائح مختلفة من المشاهدين، وكيف نجح الفيلم في حمل مشاهديه إلى مناطق لم تخطر في بالهم، ودفعهم للتفكير بعمق في مقاصده ودلالاته. أما هنا، فيبدو كل شيء واضحًا، فمخرج الفيلم يريد أن يقول لنا إن المجتمع الروسي المعاصر، يفتقد إلى الحب، وإن الفساد ينخر في أجساد أجهزة كثيرة منه، وإن استمرار هذه الحال، سيفاقم المشكلات، ويزيد من بشاعة العلاقات الإنسانية التي نعيشها. طرحٌ نبيل بلا شك، ولكن السينما، بطبعها، تنفر من المباشرة، وتحب الأسئلة، والقراءات المختلفة، وهو الأمر الذي لم يستطع الفيلم توفيره.

إليوشا الصامت و الشاحب دائماً

يفترض أن الطفل “إليوشا” هو أحد أبطال الفيلم، ومحور القصة كلّها، ومع ذلك كتب صنّاع الفيلم على الأفيش: للمشاهدين فوق الثامنة عشرة، مما يعني أن إليوشا وصديقه الوحيد في الفيلم، وكلّ من يحب أن يراه على الشاشة، غير مسموح له بذلك، والسبب هو مشاهد الجنس التي أتحفنا بها المخرج، ليقول لنا إن كلًّا من طرفي هذه العلاقة، يعيش أقصى حالات المتعة مع شريكه الجديد، تمامًا كما في بداية كل علاقة، ولكن كلّ هذا سيخمد تدريجيًّا، ويسيطر الفتور على العلاقة؛ لأن ما ظنوه حبًّا، ليس في الحقيقة إلا وهمًا.

نحترم وجهة نظر المخرج، لكنها لا تقنعنا بضرورة تصوير مشاهد جنسية مباشرة وطويلة إلى هذه الدرجة، وحرمان الفيلم من أن يكون فيلمًا عائليًّا، اللهم إلا إذا كان المخرج قد فكر في الفرنسيين، وفي محبتهم لمشاهد كهذه في جميع أفلامهم تقريبًا، فبادلوه المحبة بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان كان. إحدى صديقاتي الروسيات العاملات في التلفزيون، والمهتمات بسينما رفياغينتسيف، قالت إن الفيلم مصنوع للأوروبيين، وليس للجمهور الروسي.

نحترم وجهة نظر المخرج لكنه لم يقنعنا بضرورة وجود المشاهد الجنسية الطويلة في عمله، مما حرمه من أن يكون فيلمًا عائليًّا.

نقاط مضيئة

تبدأ  أحداث الفيلم في الخريف، بكل ما يحمله هذا الفصل من قلق وانتقال وتبدلات، تمامًا كحياة أبطال الفيلم، وفي تناغم مع الألوان الرمادية التي سادت في شقة الزوجين المنفصلين. من أجمل ما قدمه الفيلم، لقطة الصبي وهو مختبئ وراء الباب، يستمع إلى نقاش والديه حول مصيره، وعندما تخرج الأم من الغرفة إلى الحمام، وتعود ثانية، تصطاد الكاميرا الصبيَّ بطريقة صادمة جدًّا، وهو غارق في بكائه.

أما عندما يريهما المفتش جثة طفل مشوَّه، ويقولان إنه ليس ابنهما، تقدم الأم ردة فعل تتصاعد في حدتها، حتى تقوم بضرب الأب الصامت، مؤكدة أن الجثة ليست لابنها، إلى أن تنهار بين يدي حبيبها المنتظر خارجًا، ويستند الأب إلى الجدار، ويبكي كطفل.

وفي مشهد آخر تتصل حبيبة الأب، الشابة الحامل في شهرها الأخير، بالأب وهي في محل ألبسة أطفال مع أمها، بينما الأب منشغل في البحث عن ابنه الضائع، لنكون أمام صورة مؤثرة لطفلين، أحدهما ضائع، والآخر لم يُولَد بعد، ولكن يبدو أن مصيرًا مشابهًا في انتظاره.

 وهو ما ذكرنا بالمرأة الحامل في بداية الفيلم، والتي حضرت مع زوجها لرؤية شقة الزوجين المعروضة للبيع، وتركت زوجها يتحدَّث في أمور البيت، مقتربةً من الشباك الموشَّى بحبَّات مطر خفيف، مطلقةً ضحكة أمل، دفعتنا للتفكير بمصير الطفل القادم للحياة، في شقة شهدت جدال أبوين للتخلُّص من مسؤولية ابنهما.

الأب

دون أن ننسى مشهد الأب، وهو يقف وسط الخراب، مذهولًا، يائسًا، بينما فريق البحث، يتابع عمله دون أن يجد شيئًا.

تخلل الفيلم بعض المشاهد المفرطة في طولها، مثل مشهد الأب مع زميله في العمل، ومشهد الزوجة مع حبيبها، وهو ما أشعرنا وكأن السينمائي الروسي، يعيش حالة حنين للمسرح الذي درسه ممثلًا، وعمل فيه، قبل خوض تجاربه السينمائية.

لم ينجح الفيلم في الحفاظ على إيقاعه، الذي أفلت في مرات كثيرة، لكنه نجح في تقديم صورة أنيقة ومونتاج سلس، (زفياغينتسف عمل مونتيرًا في إحدى فترات حياته). أما أكثر المستفيدين من الفيلم، فربما بطلته ماريانا سبيفاك، من مواليد (1985)، التي قدمت أداء متفاوتًا بين مشهد وآخر، لكن دور البطولة وبعض إشراقات الأداء، حملا لها شهرة لا يُستهان بها. بقي أن نقول إننا في فيلم “لا حب”، افتقدنا آندريه زفياغينتسف، الذي عرفناه في فيلم “العودة”، وجلّ ما نتمناه أن يعود إلينا سريعًا، وألا يكون من نوعية المخرجين الذين ينجحون في صناعة فيلم مميز جدًّا في بداياتهم، ثم يقتاتون بقية عمرهم على هذا النجاح.

جلّ ما نتمناه أن يعود إلينا زفياغينتسف سريعًا، وألا يكون ممن ينجحون في صناعة فيلم يقتاتون بقية أعمارهم على نجاحه.

فاصل اعلاني