• English
  • 20 يناير، 2025
  • 6:12 ص

العبور الثقافي: في المعالجات السينمائية لـ ماكبث شكسبير

العبور الثقافي: في المعالجات السينمائية لـ ماكبث شكسبير

محمد عبد الرحيم

12 August، 2024

محمد عبد الرحيم

تعتبر أعمال وليم شكسبير (1564 ــ 1616) من النصوص الكلاسيكية التي اختبرها الزمن، فأصبحت صالحة للعرض في أزمنة وأماكن مختلفة، بل وثقافات مختلفة تمام الاختلاف عن شكسبير وعصره. كذلك لم تقتصر هذه المعالجات المتواترة لنصوص شكسبير على المسرح، بل امتدت إلى وسيط آخر يختلف في تقنياته وأساليبه الفنية والجمالية، وهو الوسيط السينمائي (الفيلم).

توجد في بعض الأعمال الأدبية ــ بغضِّ النظر عن ظروف وسياقات كتابتها ــ أفكار وخصال وحالات إنسانية لا تقتصر على زمان ومكان، كالحب والطمع والظلم والسعي إلى تحقيق العدالة، هذه الأفكار والحالات تمتلك صلاحية إنتاجها، أو إعادة إنتاجها في سياق ثقافي مختلف، بمعنى قدرتها على تجاوز البيئة التي أُنتج فيها العمل الذي تم اقتباسه، وصار أساسًا أو مصدرًا للعمل الجديد.

من ناحية أخرى هناك بعض القضايا التي تتشابه أو ترتبط بمجتمع معين، يجد صانع الفيلم أن مناقشتها تستوجب الاستناد إلى مصدر أساسي أو عدة مصادر، قد يمتد الاقتباس من عدة أعمال، أو أن العمل الأصلي مجازًا هو الأنسب لتناول هذه القضية أو تلك. كبعض قضايا التنوير كما حدث في السينما المصرية على سبيل المثال، حرية المرأة وما شابه، وكذا الموضوعات المتعلقة بالسلطة وموبقاتها. وبالتالي تحدث عملية (العبور الثقافي)، بمعنى انتقال موضوعات وشخصيات تمثل حالات وأفكارًا نشأت في ثقافة معينة، ويتم نقلها والتعبير من خلالها عن موضوعات وقضايا تنشغل بها ثقافة أخرى. وهو ما سيحاول المقال توضيحه من خلال مسرحية “ماكبث” والأفلام التي تناولتها، والتي تنتمي إلى ثقافات مختلفة (اليابان، أستراليا، الولايات المتحدة)، بغضِّ النظر عن العصر الذي أُنتجت خلاله.

في بعض الأعمال الأدبية أفكار وخصال وحالات إنسانية لا تقتصر على زمان ومكان، مما يجعلها تمتلك صلاحية إعادة إنتاجها في سياق ثقافي مختلف.

ماكبث شكسبير

في المقدمة المختصرة لترجمة مسرحية ماكبث يستعرض حسين أحمد أمين ظروف كتابة المسرحية، وشخصية ماكبث الأصلية وكيفية معالجة شكسبير لها كي تتوافق مع السياقين السياسي والفني، بمعنى المناخ الثقافي العام وقت كتابتها، والذي يمكن ذكره في اختصار شديد؛ لما له من أهمية في توضيح أسباب اقتباسها، وإعادة معالجتها في الأفلام المختارة.

وحسب أمين؛ فالمسرحية تلمّح إلى ما يُعرف بمؤامرة البارود التي دبّرها بعض الكاثوليك لنسف البرلمان وقت اجتماعه بحضور الملك جيمس الأول، لرفضه إعطاءهم المزيد من الحرية في ممارسة عقيدتهم، وكان الهدف من محاولة التفجير هذه الاستيلاء على السلطة بعد الفوضى التي كانت ستحدث جرّاء التفجير، وربما التخلص من جيمس الأول وبرلمانه، وهو ما لم يحدث بالطبع، فقد ضُبط المتآمرون وتم إعدامهم. فكتب شكسبير المسرحية التي تتعرَّض إلى موضوع التآمر على قتل الملك الشرعي واغتصاب السلطة، ومصير التمرد والخيانة. (بتصرُّف. أمين 6). إضافة إلى المعالجة التي أجراها شكسبير على الشخصية الرئيسة “ماكبث” ومخالفته للحقائق التاريخية. أي أنه بدوره اقتبس العمل من واقعة تاريخية ذكرها المؤرخ الإنحليزي “رفائيل هولنشيد” في القسم الخاصِّ بأسكتلندا، وأعد معالجة مختلفة تمامًا للأحداث الحقيقية، (فاستيلاء ماكبث على السلطة كان ردَّ فعل على مخالفة “دانكان” للتقاليد، وتوصيته لابنه بالعرش الذي كان من حقِّ ماكبث، إضافة إلى أن سنوات حكم ماكبث كانت سنوات رخاء كما ذكرت كتب التاريخ). (أمين 7).

والخلاصة أن هناك اضطرابات سياسية وتناحرات ومحاولة للاستيلاء على السلطة الشرعية، ومصيرًا مأسويًّا في النهاية.

من خلال الأفلام الثلاثة المختارة، والمتباينة زمنيًا وثقافيًا يمكن رصد أسباب فكرة اقتباس مسرحية “ماكبث”، والمناخ الثقافي العام الذي أُنتجت من خلاله هذه الأفلام، وكذلك مدى اختلاف المعالجات لنصِّ شكسبير. وفي الأخير توضيح بعض جماليات الوسيط الجديد/ السينما، وتوظيفها وفق رؤية صُناع الأفلام المختلفة.

تُلمِّح مسرحية ماكبث إلى ما يُعرف بمؤامرة البارود التي دبَّرها بعض الكاثوليك لنسف البرلمان وقت اجتماعه بحضور الملك جيمس الأول.

أزمنة مضطربة

في فيلم كوروساوا “عرش الدم أو قلعة شِباك العنكبوت”، يتخيّل كوروساوا العصور الوسطى في اليابان، من خلال مجموعة من محاربي الساموراي المخلصين للحاكم الإقطاعي. زمن التناحر هذا بين الإقطاعيات يردُّنا إلى زمن إنتاج الفيلم عام 1957، ونستشهد بعبارات من كتاب “اليابان رؤية جديدة” لباتريك سميث، فيقول إنه (بعد انتهاء الحرب قامت الولايات المتحدة بعملية تطهير واسعة في مجال العسكريين، حيث تم التخلص من معظم القوميين المتعصبين الذين خاضت أمريكا الحرب لهزيمتهم، أما في المجالات الأخرى كالسياسة والاقتصاد فكان التطهير شكليًّا، بل إنهم هم الذين تم استخدامهم في تنفيذ برنامج التطهير … وبعد ما يزيد قليلًا على عشر سنوات بعد الحرب، تولى رئاسة الوزارة في اليابان أحد الذين اتُّهموا بارتكاب جرائم حرب.) (سميث 24)، فالصراع وقت كوروساوا تحوَّل من صراع الساموراي إلى صراع حزبي ترأسه قتلة، في ظل دولة مستقلة شكليًّا، لكنها لم تزل مُحتلة بالأساس من عدوٍّ أجنبي يريد صياغتها على شاكلته.

أما فيلم “ماكبث” الأسترالي- من إخراج جيفري رايت 2006- فإنه يُعالج النص من خلال العالم السفلي ــ عالم الجريمة ــ لمدينة ملبورن، ثاني أكبر المدن الأسترالية بعد سيدني، ويجعل من ماكبث رجل عصابات يسعى للسلطة من خلال القضاء على رجل العصابة الأكبر، وقد أصبح لا يكتفي بتمثيل دور التابع. ورغم التناقض الظاهر لهذه المدينة السياحية والهادئة، إلا أن الفيلم في ذلك الوقت يجسِّد موبقاتها كمدينة كبيرة للمال والأعمال والجريمة، على غرار نيويورك في أمريكا.

وبينما يعود كوروساوا إلى القرون الوسطى، وجيفري رايت للعصر الحالي، يجرِّد جويل كوين زمن فيلمه “مأساة ماكبث” 2021 من تحديد الفترة الزمنية، رغم الالتزام بملابس وديكورات تعود إلى عصور قديمة. ولكنه يجسِّد حالة طاغية جديد استمالته السلطة، ولم يستطع التنازل عنها. وقد جاءت العديد من الكتابات لتعقد مقارنة بين وقت إنتاج الفيلم، والمناخ السياسي في الولايات المتحدة، فكان “دونالد ترامب” هو (ماكبث الأمريكي)، وقد يكون الفيلم كما في مقال بعنوان “ماكبث كوين أسرار أمريكية” لجمال الجمل (على سبيل الخوف والتحذير من حرب أهلية تطلُّ برأسها من خلال مظاهر الانقسام الذي يُهدِّد تجانس المجتمع الأمريكي، ووصل في ولاية ترامب إلى السلطة المركزية نفسها، في مشهد اقتحام الكونجرس، وسلوك الرئيس الذي لا يرغب في التنازل سلميًّا عن السلطة، موحيًا باستخدام العنف ومتعمدًا هزَّ الثقة في شرعية أسس الحكم الديموقراطي، وتلويحه باستخدام القوة بديلًا للانتخابات للبقاء في السلطة، أو على العرش”. (الجمل موقع عربي 21)

في فيلم كوروساوا “عرش الدم” تظهر العصور الوسطى في اليابان من خلال مجموعة محاربي الساموراي المخلصين للحاكم الإقطاعي.

شخصية ماكبث

لا تبدو شخصية ماكبث عند كوروساوا كما في نص شكسبير؛ فـماكبث كوروساوا يبدو مترددًا وأقل دموية، ولكنه بمجرد تورطه في عملية القتل الأولى، لم يستطع بعد ذلك التوقف، فالرجل هنا طموح وجبان إلى حدٍّ كبير، وكان لا بدَّ من وجود أكبر لدور زوجته، التي أصبحت تضخم الفكرة التي كانت كالوحي من قبل (اللقاء بروح الشيطان في الغابة)، والتي جسّدتها أمام عينيه في العديد من المخاوف. ماكبث هنا كان يرتضي بسلطته التي أعطاها له السيد الحاكم، ولكن الزوجة أشعلت الخوف والقلق. وحتى تقضي على تردده أخبرته بأنها حامل في وريث لعرش لا بدَّ وأن يكون. ويؤكد ذلك جو الضيعة التي أصبح حاكمها، قبل قتل الحاكم واغتصاب السلطة، حيث الهدوء وبعض الفلاحين وما شابه من الأجواء المستقرة، بخلاف انتقاله لقلعة الحاكم، حيث يحيطه العسكر في كل مكان، والكثير من الظلام والأجواء المتوترة، بخلاف مناظر النهار الريفية، والإضاءة المنتشرة أغلب الوقت.

أما ماكبث الأسترالي، فهو رجل عصابات جريء ومتهور ويحلم بالسلطة، وإقصاء الرجل الأول، فهم كلهم ليسوا نبلاء ولا أرستقراط، كلهم مجموعة من القتلة وتجار المخدرات. دور زوجته هنا رغم حلمها أيضًا بالسلطة ليس كدور الزوجة في فيلم كوروساوا، ببساطة زوجة رجل عصابات، لم تزل تريد التمتع بمباهج الحياة، وتحلم بأن تكون (سيدة العصابة الأولى).

وعلى خلاف ذلك، يأتي فيلم “مأساة ماكبث”، فماكبث وزوجته تخطيًا سن الشباب، فلا أمل في الإنجاب، وكأن الحياة تكاد تنتهي، فكان التطلع إلى السلطة، أو بمعنى أدق الفرصة الأخيرة لتتويج رحلة شجاعة رجل عسكري لم يجن شيئًا فعليًّا حتى الآن، هكذا يعتقد وهكذا يقين زوجته.

أما ماكبث الأسترالي، فهو رجل عصابات جريء ومتهور ويحلم بالسلطة وإقصاء الرجل الأول، فهم كلهم ليسوا نبلاء ولا أرستقراط، ولكن قتلة وتجَّار مخدرات.

في فيلم “مأساة ماكبث”، يعد التطلع إلى السلطة هو الفرصة الأخيرة لتتويج شجاعة رجل عسكري لم يجنِ شيئًا.

الساحرات

اختلفت جميع المعالجات السينمائية السابقة من حيث شخصية (ساحرات الغابة). ففي قلعة العنكبوت، تبدو الروح الشريرة في شكل كائن مُسن، مُحاط بسياج وهمي، يُغلفه الضباب. وقد تم اختصار الساحرات الثلاثة في هذه الشخصية، التي تمتلك قدرات خارقة في حرية الظهور والاختفاء. روح الغابة هذا الذي يمتلك روح الشيطان، ويقضي على المسافرين في النهاية. فهي من البداية نبوءة شؤم، لم يلتفت إليها ماكبث، الذي لم يكن قد استفاق بعد من نشوة انتصاره.

بينما ساحرات ماكبث الأسترالي ــ الأكثر جرأة وحداثة ــ فهنَّ فتيات مراهقات، يرتدين الزي المدرسي، وكأنهنَّ في نزهة أو فرار من مواعيد الدرس المفروض، هؤلاء، وبعد قتله للرجل الكبير (بما أننا في جو العصابات)، يقمن له احتفالًا ماجنًا، ويمارسن الجنس وسط صخب الأصوات والأغنيات والموسيقى، وكذلك صخب لوني من خلال الإضاءة، وكأنه في إحدى علب الليل ــ الأماكن والأجواء التي يعرفها ــ وقد استتبت له السلطة أخيرًا. الأمر أشبه بحفل تتويج مَلكي يليق به.

أما ساحرات ماكبث الأمريكي فتم التعبير عنهنَّ من خلال شخصية واحدة، قد تبدو مفردة، أو مُعبّرة عن الساحرات الثلاثة، ولكن من خلال بعض الحركات الجسدية التي توحي بأنها تمتلك قدرات خارقة، وأنها ليست من البشر.

والساحرات في النهاية- حسب كتاب (شكسبير: إبتكار الشخصية الإنسانية) لهارولد بلوم- (يشتركن مع ليدي ماكبث في إقناع ماكبث بالتخلي عن نفسه، أو هنَّ بالأحرى يقمن بإعداد ماكبث لتلقي الإغراء الأكبر من امرأته على ارتكاب عنف مُحرّم”. (بلوم 208)

تم التعبير عن ساحرات ماكبث الأمريكي من خلال شخصية واحدة، وبعض الحركات الجسدية التي توحي بأنها تمتلك قدرات خارقة.

المكان

اعتمد كوروساوا على الطبيعة، وجعلها مُشاركة في الأحداث، كالغابات والضباب وصوت الغربان والأمطار. كذلك الإيحاء الدائم بالتجريد للمكان في الداخل، كالمساحات الوسعة، والطرقات، والحجرات التي تكاد تخلو من الزخرفة. مع اختلاف الإضاءة من السطوع والانتشار في البيت الريفي، عندما كان حاكمًا للإقطاعية، بخلاف الإضاءة الخافتة داخل قصر الملك، وكأنه في حالة خوف ووحدة دائمة.

أما الغابة فتأتي من خلال الأشجار والأجواء الضبابية، وكأنها تعكس روحه وما تصبو إليه، وكأنه في حلم بالسلطة بعد لقاء الروح الشريرة، وهناك اختلاف تامٌّ في الإضاءة قبل وصوله هو وصديقه إلى الغابة، فبمجرد الدخول إليها، والسير بين الأشجار المتشابكة يبدو وكأنه بالفعل وقع في شَرك لن يستطيع الفكاك منه.

أما مكبث الأسترالي، فالأماكن تبدو ضيقة، ولا توجد مساحات واسعة، كما أن أغلب الأحداث تتم في الليل، وهو ما يقترب أكثر من أجواء أفلام الجريمة، حيث التباين اللوني الحادُّ وانتشار الظلال.

بينما يعتمد ماكبث الأمريكي على التجريد التام للمكان؛ تأكيدًا للتجريد الزمني بالأساس، وقد اعتمد المخرج الأبيض والأسود، وهو ما يُذكِّر بأسلوب التعبيرية الألمانية، فالفيلم أيضًا لا يستطيع إلا أن يصبح فيلم مؤامرة وجريمة، ليقترب بدوره من الفيلم “نوار”. وهناك تأثر واضح بفيلم “أورسون ويلز” ماكبث 1948، الذي اعتمد التعبيرية الألمانية من حيث الإضاءة وزوايا التصوير. مع ملاحظة أن ويلز أخرج فيلمه في الوقت الذي بدأ فيه الصراع على السلطة في العالم بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وكان هناك خوف من نشوب حرب أخرى.

لكن المخرج هنا اعتمد أسلوبًا مسرحيًّا أكثر منه سينمائيًّا، حيث اللقطات الطويلة زمنيًّا، وإلقاء حوارات شكسبير، وكأن الممثل يخاطب الجمهور، وهو أمر يتفق تمامًا مع شخصية مأساتها نفسية بالأساس، بعد التورط ــ ولو بإرادتها ــ في أفعال القتل المتواترة. فهناك مساحة شاسعة من الأضواء والظلال تقع في مبانٍ ضخمة، تتيح بسهولة سماع أدق الأصوات، وكأنها تمثل حالة العزلة التي يعيشها ماكبث.

الأسلوب والتقنية

حشد كوروساوا العديد من الفنون التراثية اليابانية، بما أنه اختار القرن الخامس عشر في اليابان، فهناك مسرح “النو”، حيث الأقنعة وحركات الممثلين، والأكثر ملاحظة هنا هو وجه “آساجي” الزوجة (ليدي ماكبث اليابانية)، حيث تتشابه تحوُّلاتها مع أقنعة هذا المسرح العتيق.

كذلك استعان كوروساوا بمشهد تمثيلي داخل الفيلم أشبه بالمشهد التمثيلي في هاملت، حيث يصوّر أحد الممثلين في المأدبة التي أقامها ماكبث اليابان بتأدية مشهد قتل أحد الحكام، مما جعله يثور في النهاية. وهنا يختلف التوقع، فهاملت كان يريد من المشهد إثارة العمِّ القاتل والمغتصِب، ولكن هنا يتوحَّد ماكبث مع عمِّ هاملت في الجريمة، والوقوع تحت تأثير إعادتها أمامه، ولو من خلال ممثل عجوز.

وفي النهاية لا يتم قتل الطاغية من جيش خارجي، ولكنه يقُتل بيد جنوده، كما فعل هو في السابق. ليصبح التساؤل هنا، ومن خلال المناخ السياسي والاجتماعي الذي أنتج الفيلم عبره؛ هل كان كوروساوا يأمل أن تتم حركة التطهير من الداخل، وهل كان يسخر من الأحداث الكاريكاتورية التي حدثت، وهل كانت الأحزاب اليابانية، التي تمثَّلت وقتها صراط الديمقراطية الأمريكية، وماضي رجالها المخزي، تستحقُّ من مؤيديها هذه النهاية؟ ربما.

وبينما يختلف فيلم كوروساوا تمامًا عن ماكبث شكسبير، ويُعدُّ من أفضل المعالجات للنصِّ الشكسبيري، يأتي الفيلم الأسترالي من خلال أسلوب بصري جديد ومعاصر، بداية من البيئة التي تحركت خلالها الشخصيات والأحداث، مع الحفاظ التام على الحوار الشكسبيري للنص، هذه المفارقة ما بين الشكل السردي وأسلوب الإخراج، خلقت حالة من التواصل أكثر في عملية التلقي. مع التذكير بأن هذا الشكل مع بعض الاختلافات، جاء في فيلم سابق، يختص بشكسبير أيضًا، وهو فيلم Romeo + Juliet إخراج باز لورمان 1996.

وباعتماد جويل كوين أسلوب التعبيرية الألمانية، نجده من البداية يمهِّد إلى عزلة البطل، ويُجسِّد أكثر صراعه النفسي وما يدور في عقله الباطن. مفسِّرًا فكرة الساحرة أو الساحرات، وكأنها الجزء الشرير في الإنسان؛ لذلك نراه مستسلمًا إلى حدٍّ كبير إلى مصيره، كأخطاء البطل التراجيدي القديم. فجزء باقٍ من الضمير جعل أوديب يفقأ عينيه، بينما يبدو بعض من ندم هنا ما جعل ماكبث الأمريكي يستسلم، ولو بشكل أو بآخر، إلى نهايته المحتومة، والمُقدرة سلفًا.

كاتب مصري

فاصل اعلاني