إم كون تيك.. صانع الموجة الجديدة في كوريا
13 June، 2023
الأب الروحي للسينما الكورية الجديدة، ذلك ما أصبح يطلق على المخرج الكبير إم كون تيك (1934). وهذا ما يعتقده عدد كبير من المهتمين بالسينما الكورية الجنوبية، التي أخذت في السنوات الأخيرة تلفت الأنظار في العالم كله، بما أصبحت تقدمه من سرديات سينمائية فريدة، تعالج مواضيع من زوايا جمالية، أضافت الكثير إلى هذا الفن المبهر. إم كون تيك يعد اليوم أحد أشهر المخرجين السينمائيين الكوريين، فازت أفلامه بعدد من الجوائز المحلية والدولية، من بينها جائزة الدب الذهبي الفخرية في مهرجان برلين السينمائي الدولي (2005)، وجائزة أفضل مخرج في مهرجان كان السينمائي(2002).
أخرج كون تيك وأنتج أكثر من 100 فيلم منذ عام 1962، وأسهم في انتشار السينما الكورية في أنحاء العالم، كما تداخل صعود أفلامه، نقديا وتجاريا، مع حركة ما يسمى “الموجة الكورية الجديدة”، التي حازت تقديرا عالميا، ويعد إم أحد صنّاعها.
يثابر هذا المخرج بشغف في التقاط حياة وفن الكوريين ونقله إلى السينما. أفلامه أنيقة كالبانسوري، نوع كوري من رواية القصص الموسيقية، من ناحية، ولها خشونة وبساطة الخزف، من ناحية أخرى. إنه يخوض رحلة تغيير من خلال التجارب والتحديات التي لا نهاية لها، خلال حياة مديدة، شهدت الاحتلال الاستعماري الياباني، ثم صراع الفصائل الكورية فالحرب الكورية ثم عقودا من الديكتاتورية، إلى فجر الديموقراطية.
من أفلامه: ما وراء السنين (2007)، حياة منخفضة (2004)، سقوط (1997)، المهرجان (1996)، جبال (1994)، نجل الجنرال (1990)، تذكرة (1986). يقول كون تيك إنه كان عليه أن يصنع نسخا رخيصة من أفلام هوليود، بأسلوب لم يكن خاصته. ويروي كيف أنه كان يشاهد بعد ظهر أحد الأيام فيلمًا متواضعًا على شاشة التلفزيون، فتساءل عمن سيكون مخرج هذا الفيلم الرديء، ليكتشف في خاتمة الفيلم أنه المخرج نفسه، إذن، لقد صنع الكثير من الأفلام، حتى إنه لم يعد يستطيع تذكرها.
لقد صنعتُ العديد من الأفلام ولكني لم أكن راضيًا عن النتيجة النهائية. هناك دائمًا أشياء يمكن للمرء أن يفعلها بشكل أفضل… أشعر أنني سأصنع العديد من الأفلام في المستقبل، لكنني أعلم أنني لن أكون راضيًا عنها أبدًا.
ولم يتمكن من صنع أفلامه الخاصة سوى في التسعينيات، مع التغييرات السياسية والاجتماعية. أفلامه تعكس التغييرات في حياة الكوريين، كما حطمت أرقاما قياسية في شباك التذاكر مرات عديدة، بما فيها أفلامه الحائزة على جوائز.
طالما فكر وهو ما يزال في بدايات مشروعه السينمائي، في أنه إذا لم يتمكن من حب الناس الذين عاشوا في تلك الأرض الفقيرة والمؤسفة، التي كانت عليها كوريا آنذاك “فلن أتمكن من حب أي شخص آخر. يجب أن أحب وأصبح جزءًا من هذه الأرض، لذلك انعكست أفكاري ببطء في الأفلام التي قمت بصنعها لاحقًا”. يقول أيضا في سياق آخر: “أعتقد أن المجتمع يجب أن يضع احترام الإنسان كأولوية بدلًا من طلب التضحية البشرية، وقد عبرتُ عن هذه الأفكار في أفلامي”.
في المراحل المبكرة، كانت خطوط القصة في أفلامه مبنية على قصص مخترعة أو مُصممة لأغراض تجارية، كما يذكر في أحد الحوارات معه، ثم أخذ يفكر في مدى زوال تلك الأفلام، وكيف كان لها تأثير سلبي على الناس. وفي وقت لاحق، عندما تغيرت ميوله في صناعة الأفلام، راح يضع الحقيقة كأولوية، “لقد كنت أروي القصص الشخصية التي مررت بها”.
نادرا ما يشاهد إم كون تيك الأفلام، خصوصا أفلامه الخاصة؛ إذ قد ينزعج حين يلاحظ مناطق يمكن تحسينها أو تغييرها. وعن الجوائز التي حصدها، يقول: “إذا فكرت في الجوائز حتى لو بشكل خفيف، لا أعتقد أنني سأكون حيث أنا اليوم. أعتقد دائمًا أنني يجب أن أعمل بجد لأستحق هذه الجوائز. سوف تجعلني جائزة SGIFF الفخرية أنظر للخلف وأفكر في ما إذا كنت قد قدمت بالفعل مثل هذه المساهمة الكبيرة”.
أشعر أنني سأصنع العديد من الأفلام في المستقبل، لكنني أعلم أنني لن أكون راضيًا عنها أبدًا.
يجب أن أُحِبَّ وأصبح جزءًا من هذه الأرض، ولذلك انعكست أفكاري ببطء في الأفلام التي قمت بصنعها لاحقًا.
رهبان وأشخاص لا يستطيعون إخبار الآخرين أفكارهم الخفية
في فيلم “ماندالا” قدم قصة الرهبان البوذيين في كوريا الذين يطمحون إلى الخلاص، وهو ذروة التأمل في البوذية. يعتقد كون تيك أن جهد هؤلاء الرهبان وعملهم الشاق كان مثيرًا للإعجاب. فيلم Revivre يتناول قصة أشخاص يعيشون في المجتمع الحديث. تموت الزوجة بسبب ورم في المخ، ويقع الزوج في حب موظفة شابة في شركته. يدور هذا الفيلم حول أولئك الذين لا يستطيعون إخبار الآخرين عن حياتهم وأفكارهم الخفية. كما يذكر في فيلم Village in the Mistأحداث حكاية تدور في قرية جبلية معزولة قبل التحديث، حكاية مظلمة حول نقص الخصوصية.
إذا جاء فيلمك الأول فاشلا، فهو جنازتك
ينصح إم كون تيك الجيل الجديد من السينمائيين، فيقول: “إذا جاء فيلمك الأول فاشلا، فهو جنازتك. لذا من المهم التأكد من نجاح الفيلم الأول تجاريًا، إذ سيسهم ذلك في حياتك المهنية الطويلة. ولكن من المهم أيضًا الموازنة بين ذلك وصناعة الأفلام التي تريد صنعها. سيتم تقديم أفلام غير مناسبة لك وستميل إلى صنعها، لكن فقط اصنع أفلامًا تحتوي على قصص تثير شغفك، لأن هذا سيعطيك الطاقة لتصبح مخرجًا سينمائيًا مدى الحياة”. ويمضي قائلا: “يجب أن تكون حريصًا على عدم الإفراط في التحليل أو التفكير في ما إذا كان الفيلم سيصبح ناجحًا، أو سيحصل على أي جوائز. هذه الأفكار الضحلة ستكون ضارة. ما أنصح به هو تجنب امتلاك مثل هذه الأفكار والإغراءات، وصنع الأفلام فقط عندما تشعر بأن لديك إيمانًا بالقصة.
اصنع أفلامًا تحتوي على قصص تثير شغفك، لأن هذا سيعطيك الطاقة لتصبح مخرجًا سينمائيًا مدى الحياة.