• English
  • 14 يناير، 2025
  • 6:54 ص

مدير التصوير البولندي سيلاومير إدزياك: صناعة الأفلام تشبه لعبة تنس الطاولة

مدير التصوير البولندي سيلاومير إدزياك: صناعة الأفلام تشبه لعبة تنس الطاولة

4 January، 2023

حاورته: يونكا تالو

ترجمة: مجدي عبد المجيد خاطر

ترك مدير التصوير البولندي سيلاومير إدزياك “Sławomir Idziak” علامة لا تُمحى في السينما الحديثة، من خلال عمله في أفلام المخرج البولندي كريستوف كيشلوفسكي “Krzysztof Kieślowski”، المشحونة بأجواء جماليّة وميتافيزيقيّة. بدأ التعاون بين الرجلين بـ”فيلم قصير عن القتل” (1988)، واستمر إلى “ثلاثة ألوان: أزرق” (1993)، فأثمر صورة سينمائيّة حِسّيّة فريدة في تعبيرها، تعكس تجارب الشخصيات الذّاتية.

المخرج البولندي كريستوف كيشلوفسكي

في “فيلم قصير عن القتل”؛ وهو لائحة اتهام مؤرقة لعقوبة الإعدام مُشبّعة بإحساس بالفناء الوشيك، يمزج “إدزياك” اللون والإضاءة بأسلوبهما الفريد مع حركة الكاميرا المحمولة القلقة، لتصوير تردّي شاب مُحبط إلى ارتكاب جريمة قتل في وارسو الشيوعيّة. وفي فيلم المخرج “كيشلوفسكي” الأول باللغة الفرنسيّة “الحياة المزدوجة لفيرونيكا” (1991)، نشهد تجريب “إدزياك” مع انعكاسات المرآة وحركات الكاميرا المدروسة، لنقل ثيمة القصّة الخاصّة بالعلاقة الميتافيزيقيّة بين امرأتين. في حين يُقدِّم “فيلم أزرق”؛ أول أجزاء ثُلاثيّة المُخرج البولندي “ثلاثة ألوان”، وهو مُراجعة حديثة لقيم الثورة الفرنسيّة، استجلاءً بوطيقيًّا حميمًا للحزن والحداد والانبعاث عبر استخدام رمزي للون الأزرق.

فيلم The Double Life of Véronique

عمل “سيلاومير إدزياك” مع المُخرج والمُنتج وكاتب السيناريو كريستوف زانوسي “Krzysztof Zanussi” في أربعة عشر فيلمًا، منها “العقد”، و”عام من الشّمس الهادئة”، ومع أندريه فايدا “Andrzej Wajda” في فيلم “المايسترو”، وغيرهما من المُخرجين البارزين، قبل أن ينتقل في نهاية التسعينيات إلى هوليوود، حيثُ كيّف حساسيته البصريّة ومهارته الفنيّة مع صناعة السينما الأميركيّة، فعمل مع “ريدلي سكوت”، و”جون سايلس”، و”جون دويجان”، وآخرين.  

وُلِد “إدزياك” في مدينة كاتوفيتسه ببولندا في يناير 1945، ويتجاوز رصيده أربعين فيلمًا، وحصد الكثير من الجوائز، ويُدرِّس حاليًا التصوير السينمائي في مدارس سينما ببرلين ولندن وكوبنهاجن، إلى جانب عمله في منصة سينمائية افتراضية احترافية على الإنترنت عنوانها “Film Spring Open”، وتوفِّر لمستخدمي الموقع فرصة لصناعة الأفلام عبر الإنترنت وتقديمها إلى مُتفرجين من شتّى بقاع العالم.

في هذه السطور، حوار مع مُدير التصوير البولندي ” سيلاومير إدزياك”، أجرته المُخرجة والنّاقدة السينمائيّة المُقيمة في باريس “يونكا تالو”، على هامش المهرجان الدّولي لفن التصوير السينمائي الّذي يُقام في مدينة بيدجوشتش في بولندا.    

مدير التصوير سيلاومير إدزياك  أعدتُ مُشاهدة “فيلم قصير عن القتل” (1988) مؤخّرًا، ولشدّ ما أدهشتني الطريقة شبه المأساويّة التي صوّرتَ بها مدينة وارسو. تُغرقنا على الفور اللقطات الافتتاحيّة لحيوانات نافقة؛ صراصير وجرذان وقط مشنوق، بالإضافة إلى الاستخدام المكثّف للمرشحات الخضراء، في “أرض الخوف”. هل تُطل هذه الجماليّة القاتمة، من أجواء غياب اليقين، وحالة اليأس، التي سيطرت على بولندا آنذاك؟    

لم تكن هذه بالطبع رؤية واقعيّة لمدينة وارسو؛ إذْ كان الفيلم يدور حول موضوع مُحدد هو عقوبة الموت باعتبارها أمرًا لا إنسانيًّا بالمرّة، والتعقيب بقوّة على مسألة قضائيّة عارضها ما يُعرف بالعالم المُتحضّر واعتبرها غير معقولة. عاشت بولندا خلف ستار حديدي، ولكم كان ذلك نمطًا مُختلفًا عن الواقع. وبطبيعة الحال لم يكن الواقع الذي عشناه يُشبه ما رأيتِه في الفيلم، على أنّنا كُنّا لا نزال في عُزلة شديدة. فعلى نحوٍ ما، كُنّا نعيش وراء نافذة زجاجيّة، نُراقب الواقع المزعوم لمن قضوا حياتهم في نظام وبيئة مُختلفتين كُليًّا.

وأظن أنّ قدرًا مُعينًا من المبالغة ضروري لتصوير ذلك؛ حيث إنّ تلك القِصّة هي تمثيل جرافيكي لشيء ليس له وجود. لذلك قررت استعمال لغة بصريّة شديدة القوّة تعكس الفكرة، لكنّها تبعث على السخرية قليلًا؛ لأنّ هذا الفيلم واحد من عشرة أفلام ضمن سلسلة الوصايا العشر “Dekalog”، لكنّه يظهر بصورة مُغايرة عن بقية السلسلة.

وأظنّ أنّه كان أمرًا محمودًا، حيثُ ساعد على دعم الأفلام الأخرى، فكيشلوفسكي لم يُصوِّر الأفلام بنفس الترتيب، بل بدأنا بالفيلم الخامس “فيلم قصير عن القتل”، الّذي أصبح جاهزًا للعرض في العام التالي بمهرجان “كان” السينمائي، حيثُ عُرضت النسخة المُمتدة، بخلاف بقية أفلام السلسلة. ومن ثمّ مثّلت دعوة الفيلم لمهرجان “كان” دعمًا قويًّا لبقية الأفلام.    

استعارة تبسيطيّة

تكلّمتَ عن رؤية الواقع من وراء نافذة. ويتبدّى أنكَ، باعتبارك مديرًا للتصوير، مهووس بالمؤثرات البصريّة، والسطوح العاكسة. بعض ما يتبادر إلى ذهني، الكرة الزجاجيّة في يد “فيرونيكا”، التي تعكس المناظر الطبيعيّة خارج القطار في فيلم “الحياة المزدوجة لفيرونيكا”، أو المشهد الحميمي في نهاية فيلم “ثلاثة ألوان: أزرق”، المُصوّر خلف حوض أسماك، ويُسلِّط الضوء على حسيّة “جولي” النّاضرة. هل تخيلتما، أنت و”كيشلوفسكي”، هذه النوعية من اللقطات، بوصفها تمثيلات لعوالم الشخصيات الدّاخليّة؟     

هذان مثالان مُختلفان. في ما يتعلّق بالانعكاسات في “الحياة المزدوجة لفيرونيكا”، فالأمر أبسط مما تقولين، فما أودّه هو أن أُطلق استعارة تبسيطيّة حول الوجود، داخل حكاية خُرافيّة، بمعنى أنّنا نتعامل مع شيء غير واقعي.   

رُبّما تكون كذلك استعارة عن التشظّي أو ازدواجيّة الهوية؟

تبدّت الانعكاسات طريقة طبيعيّة لتمثيل هذه الاستعارة، ولعبت الغريزة دورًا في ذلك. يتمتّع الفيلم إجمالًا بطابع مجازي، ويستهدف ربط المُتفرجين بطرائق تفكير الشخصيات، ويُسلِّط الضوء على الصِّلة الميتافيزيقيّة، التي تربط بين هاتين المرأتين، فما يُلمّ بحياة امرأة مُنهما يؤثِّر في حياة الأخرى، على نحوٍ ما. 

أمّا في ما يتعلّق بـ”فيلم أزرق”، فقد أعطاني “كيشلوفسكي” ثلاثة سيناريوهات قبل أن يبدأ العمل في سلسلة أفلام “ثلاثة ألوان”، وسألني أن أختار السيناريو الذي أودّ تصويره. وقد اخترتُ فيلم “أزرق” على نحو غريزي. وهناك سبب آخر، هو أنّ “أزرق” أول فيلم يُصوّر في الثلاثيّة، وكنتُ لا أزال أتذكّر حال “كيشلوفسكي” بعدما انتهى من تصوير “الوصايا العشر”، إذ التقيته حين كان على وشك الانتهاء من السلسلة، وكان بالغ الإنهاك. وكنتُ أخشى التعامل مع مُخرج مُستنزف، لذلك رفضت تصوير فيلم “أبيض” أو الفيلم الأخير “أحمر”.    

على أنني أدركت سريعًا أنّ الخطر كان مُختلفًا، وأنّنا كُنّا نتعامل في “أزرق” مع قصّة بالغة التشابه مع فيلم “الحياة المزدوجة لفيرونيكا”. وقد لعبت الموسيقى دورًا بارزًا في الفيلمين، فكنّا، أنا و”كيشلوفسكي”، نخشى استنساخ تجربتنا في “الحياة المزدوجة لفيرونيكا”. ومن ثمّ في “أزرق”، حاولنا باستماتة العثور على ما يُغاير تجربتنا في “فيرونيكا”.   

والحقيقة أنّ أسلوب الفيلم تبادر إلى ذهني بمحض صدفة؛ إذْ أتذكّر أنّه في بداية الفيلم عندما تزور الصحافيّة “جولييت بينوش” وتسألها عن زوجها، تنقضّ عليها الموسيقى ويندلع نور أزرق. هذا التأثير تحقق من دون تخطيط على الإطلاق، بمعنى أنّي كنتُ أعتزم عمل شيء لكن خطّتي فشلت، إذ كان الضوء غير كافٍ لتنفيذ التأثير المُناسب، فثبتّ النيجاتيف فوق اللوح، ووضعت المرشح الأزرق فوق الكاميرا، ثمّ فتحتُ شبّاك الكاميرا، وحدثت مُعجزة بحقّ. لكن المونتاج الأول للفيلم كان رديئًا للغاية.    

صورة ل مدير التصوير سيلاومير إدزياك

رديء من منظور بنيوي؟

كلا، بل هي مسألة نوع فنّي؛ إذْ كان السيناريو قد كُتب باعتباره دراما سيكولوجيّة، قِصّة بوليسيّة تقريبًا. وكانت الصحافية ثالث أهم شخصيّة، وظهرت ثلاث مرات أو أربع مرّات في السيناريو. أمّا الآن، فلم تظهر سوى مرّة واحدة في بداية الفيلم. أسقطها “كيشلوفسكي” كُليًّا. ومن ثمّ تحوّل السيناريو أثناء المونتاج النهائي من دراما سيكولوجيّة إلى فيلم أوبرالي تُحرِّكه الموسيقى بشكل ما. وأفلحت الفكرة، وكرر “كيشلوفسكي” هذه الفكرة مع الضوء الأزرق عِدّة مرّات. وهكذا في منتصف أحد المشاهد؛ على سبيل المثال، يستحيل المشهد إلى اللون الأسود، ثمّ تدخل الموسيقى ويتبعها ضوء أزرق.

وكانت هذه بداية فكرة قلبت كل شيء رأسًا على عقب. وأصبح الفيلم بغتة مُختلفًا تمامًا. كان “كيشلوفسكي” عبقريًّا في حقل المونتاج، ولم أقابل قطّ مُخرجًا بارعًا مثله في المونتاج. وقد اكتسب براعته تلك من الساعات الطويلة التي قضاها في تجميع الأفلام الوثائقيّة في الماضي، وكان المونتاج آنذاك يتطلّب جهدًا يدويًّا وبدنيًّا حقيقيًّا.  

الصناعة الهوليوودية

فيلم جاتاكا

يعوِّل عملك مع “كيشلوفسكي” على الاستكشاف البصري لعوالم البشر الداخليّة، في سينماتوغرافيا انطباعيّة جِدًّا وشديدة والحساسيّة والعاطفيّة. في هذا الصدد، من الممتع أن نُقارن تلك الأفلام بالأفلام التي صوّرتها في هوليوود. فعلى سبيل المثال في فيلم مثل “جاتاكا” (1997) تستبدل بلغة أفلام “كيشلوفسكي” البصرية المُعبّرة، جماليات مبتورة شبه باردة؛ فالكاميرا تقبع خارج الشخصيات من دون اقتحام عوالمها الداخليّة قطّ. تُرى كيف اجتزت هذا الانتقال الأسلوبي؟   

أولًا، كان هذا نوعًا مُختلفًا تمامًا من التعاون؛ فهو ينتمي لفئة أفلام شديدة النمطية. وأرى أنّه ليس فيلمًا عظيمًا. لا أعتقد أنّه رديء، لكن يفصله عن الإبداع بون شاسع. في بولندا، نتعاون بصورة وثيقة جِدًّا مع المُخرج، بدءًا من مرحلة السيناريو. وهذا التعاون يتجلّى بطبيعة الحال، ليس في السيناريو المُصوّر فقط، بل في خروج نسخة جديدة منه في أغلب الأحيان. لذلك من المستحيل تمامًا عمل شيء مُشابه في إطار نظام الاستديو.

لا تزال تربطني علاقة جيدة بـ”أندرو نيكول” مُخرج فيلم “جاتاكا”، وأظنّ أنّ الفيلم أفضل من المُفترض له. هذه هوليوود، حيثُ تُصنع الأفلام بشكل مُغاير عن بولندا. فلديك مديرو استديو، ومنتجون، وغيرهم، مِمّن يتحكمون في مراحل الإنتاج المُختلفة. وهذا ليس أمرًا محمودًا دائمًا، لا سيّما عندما يكون ما تعمله غير مألوف بعض الشيء.     

يتبدّى التصوير السينمائي في فيلم مثل: سقوط الصقر الأسود “Black Hawk Down” (2001) منصبًّا بالأساس على توليد لقطات من زوايا عديدة لأغراض التقطيع. تُرى، هل راودك إحساس وأنت تعمل بخمسة عشر كاميرا، وتُدير عددًا كبيرًا من مصوري السينما، أنّك ترى العالم من منظور آلهة، لا من منظور بشري؟

مرّة أخرى، هذا مثال مُختلف تمامًا. فمخرج الفيلم “ريدلي سكوت” هو مُخرج بصري، ويشتهر باقتراح صورة السيناريو “Storyboard” (*) الخاصّة بأفلامه. لذا فإنّ مهمتي تكون في الغالب استنتاج أين توضع كاميرات التصوير الأخرى. دائمًا ما أحصل على صورة سيناريو للكاميرا الأولى، وعليّ الالتزام بالمطلوب مِنّي. “ريدلي” أشبه بطفل، وهو يحبّ اللعب بدمى صناعة الأفلام. ثمّة ردّ مميز كان يُجيبني به عندما أطرح عليه أفكاري؛ رغم أنّه كان يشتريها أحيانًا، هو: “هذه فكرة رائعة. لكنّي أُفضِّل فكرتي”، ومن ثمّ فهذا أسلوب عمله.    

مهمّتي هي التأقلم. عليّ أن أفهم الشريك الذي أعمل معه؛ لأنّ صناعة الأفلام تُشبه لعبة تنس الطاولة، وعليّ أن ألعب بمقتضى ذلك. لهؤلاء الثلاثة: “كيشلوفسكي” و”أندرو نيكول” و”ريدلي سكوت” عوالم شديدة الاختلاف، ومن الصعب جِدًّا المُقارنة بينهم.

لـ “كيشلوفسكي” و”أندرو نيكول” و”ريدلي سكوت” عوالم شديدة الاختلاف، ومن الصعب جِدًّا المُقارنة بينهم.

هل حضرت عملية ما بعد إنتاج “سقوط الصقر الأسود”؟

كلا. فصناعة الأفلام في الوقت الحاضر مسألة مُعقّدة؛ لأنّ ما نفعله، نحنُ مديري التصوير، ليس إلا نصف المُنْتَج. أمّا النصف الثّاني، فيُنفّذ أثناء عملية ما بعد الإنتاج. ومن ثمّ فإبداع أفلامنا لا يُنسب إلينا، وما نراه في تلك الحالات هو تأليف جماعي، وهذا جانب سيئ في الأسلوب الذي تُدار به صناعة السينما حاليًا. أرجو أن تتبدّل الأمور. لا يزال التكنيك مُعقّدًا، لكنّي أظنّ أنّ الأدوات ستصبح أبسط قريبًا جِدًّا. الأمر أشبه بحلقة. إذا بدأنا بالفيلم الملوّن “Technicolor”، فنحنُ الآن عند نهاية الدورة الهائلة. ما أوسع الحرية التي باتت لدينا خلال السنوات الأخيرة؛ إذْ صار من اليسير أخيرًا تحقيق كل ما نُريده. على أنّنا أصبحنا اليوم تحت سيطرة المُتخصصين المشعوذين، إن جاز التعبير. بالنسبة لي، لم أعد أرغب في العمل مديرًا للتصوير. أُدرِّس وأبني أشياء. فمثلًا، بنيت حافلة سينمائيّة “Cine-bus”.

صناعة الأفلام في الوقت الحاضر مسألة مُعقّدة؛ لأنّ ما نفعله، نحنُ مديري التصوير، ليس إلا نصف المُنْتَج. أمّا النصف الثّاني، فيُنفّذ أثناء عملية ما بعد الإنتاج. ومن ثمّ فإبداع أفلامنا لا يُنسب إلينا، وما نراه في تلك الحالات هو تأليف جماعي، وهذا جانب سيئ.

أصبحنا اليوم تحت سيطرة المُتخصصين المشعوذين، إن جاز التعبير. بالنسبة لي، لم أعد أرغب في العمل مديرًا للتصوير. أُدرِّس وأبني أشياء.

وما هي الحافلة السينمائيّة؟

حافلة مزوّدة بخيمة وشاشة خضراء. حافلة مُجهزة بالكامل حيث يُمكنك السفر والتصوير.

وما السياق الذي طرأت لك فيه الفكرة؟

أعمل ورشة في مدينة كراكوف مرّة واحدة كل عام، حيثُ يأتي ثلاثمئة شخص. هي ورشة مجانيّة، نتكلّم فيها عن الواقع الافتراضي والتمثيل الدرامي ومستقبل صناعة السينما.  

الوسائط الجديدة

من فيلم معركة وارسو 1920

في العام 2010 صوّرت أول فيلم بولندي ثلاثي الأبعاد: “معركة وارسو 1920″، وهو ملحمة تُعيد رواية الحدث التاريخي المُشار إليه في العنوان. كيف ترى تجربتك في العمل بتلك التقنية الجديدة؟

المُستقبل بالنسبة لي عظيم الأهميّة، ويستهويني العمل في الوسائط الجديدة، على أنّي لا أخال أنّ إمكانات التصوير ثُلاثي الأبعاد قد جرت الاستفادة منها بصورة كاملة. اليوم مئات الأفلام تُصوّر بتقنية الأبعادة الثلاثيّة، لأنّ المُنتجين يريدون جني المزيد من الأرباح. لكن الأثر الجانبي بطريقة أو بأخرى هو أنّ المتفرجين غير مستعدين بعد لمشاهدة أفلام كثيرة ثُلاثية الأبعاد، وأفلام قليلة فقط أُنتجت بهذه التقنية بطريقة صحيحة. وسنظل قادرين على التعامل معها كما يجب، لو كان لدينا المزيد من المُخرجين مثل “تيم برتون”. لكن لسوء الحظّ لدينا مئات الأمثلة السيئة لأفلام ثلاثية الأبعاد. لذلك فإنّ هذه التقنية تتعرّض للقتل. على أنّها لن تزول حقًّا؛ لأنّها تُعاود الظهور في الواقع الافتراضي. فلا يُمكن تصوّر الواقع الافتراضي من دون الأبعاد الثلاثيّة، فهي أحد عناصره الجوهريّة.

أحبّ المهرجان الدّولي لفنّ التصوير السينمائي، على أنّي لا أرى طوابير المتفرجين المصطفين أمام دور السينما كما في مهرجان برلين. هذا نذير سوء. مهرجانات السينما الكُبرى مثل مهرجان كان لا تحتضر كليًّا، لكن المشهد كان مُغايرًا تمامًا منذُ عشرين عامًا. الآن الكثيرون يجتمعون عبر اليوتيوب على سبيل المثال. لو أنّ خمسين مليونًا من كل أرجاء العالم يُشاهدون فيديوهات يوتيوب عبر حواسيبهم، فتُرى أثمّة مستقبل للسينما؟ كم عدد من لا يزالون يرتادون السينما لمشاهدة الأفلام؟ لا تزال الأفلام الاستهلاكيّة تحظى بجماهيريّة طبعًا، لكننا نواجه احتضار صناعات السينما الوطنيّة، مثل البولنديّة والإسكندنافيّة. في دولة مثل فنلندا حتّى لو أرسلت الأمّة بكاملها إلى دار السينما، لن تستعيد ما أنفقته أبدًا.  

يستهويني العمل في الوسائط الجديدة، على أنّي لا أخال أنّ إمكانات التصوير ثُلاثي الأبعاد قد جرت الاستفادة منها بصورة كاملة.    

—————————————————

(*) صورة السيناريو “Storyboard/ Scénarimge”، شريط يضع صورة الفيلم قبل تصويره اعتمادًا على التقطيع التقني، يستعمله السينمائيون الذين يخافون الارتجال أو من أجل الأفلام ذات الموازنات الضخمة والتأثيرات الخاصّة لتفادي أخطاء التصوير. على أنّ سينما المؤلِّف “بريسون وكاسّافيتس ودوالون” قلّما تلجأ لذلك. “ماري – تيريز جورنو، معجم المصطلحات السينمائيّة، المُترجم”.

فاصل اعلاني