ألكسندر دفجنكو وماضي الصراع الروسي ــ الأوكراني
ليث عبد الأمير
4 December، 2023
ليث عبد الأمير
في الوقت الذي يتصاعد فيه دخان حرائق الحرب الروسية ـــ الأوكرانية، وتملأ سماء أوروبا بسحبها الثقيلة؛ يظهر اسم المخرج العالمي ألكسندر بيتروفيش دفجنكو (1864ـــ1956) كشاهد قادم من عصر آخر، ليقول- بلغة السينما- حقائق منسية بحق هذا الصراع ومسبباته التاريخية والثقافية. فالسينما في تسجيلها لنبض الحياة تستلهم مواضيعها من الواقع، وهي الآلة التي تكشف لنا الوجه المعتم والخفي للعالم.
مقدمة تاريخية
اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطاباته ذات النزعة “التاريخية”، أن أوكرانيا ليست إلا “روسيا الصغرى”، والدولة الأوكرانية نجمت عن خطأ تاريخي تتحمله الثورة البلشفية، والنظام السياسي الذي نشأ عنها، وهو الاتحاد السوفيتي. وهو بهذا الموقف يقف إلى أقصى اليمين من السياسة اللينينية، بل ومن الستالينية أيضًا. رسّخ لينين- ومن بعده القادة السوفييت- الثقافة الروسية على حساب الثقافات الأخرى لدول الاتحاد السوفييتي الخمس عشرة، وترسخت اللغة الروسية كلغة رسمية ولغة للتداول والثقافة.
ستشكّل سياسة فرض اللغة الروسية «Russification» منطقة صراع خفيٍّ، وحملات قمع، وإعدامات طالت جميع مواطني البلد (الذي شكّل سُدس الكرة الأرضية)، من ذوي التوجهات القومية وخاصة بعض المفكرين والفنانين القوميين الأوكرانيين، والذين تجرؤوا على انتقاد النظام، بل ورفع عدد منهم السلاح مطالبين بانفصال أوكرانيا عن الاتحاد السوفيتي. لكنهم هُزموا نهائيًّا عام 1922، وانضمت أوكرانيا إلى منظومة دول الاتحاد السوفييتي. بعد استقلال أوكرانيا العام 1991، حصلت صحوة قومية، لم تكن تخلو من التطرُّف القومي ضدَّ اللغة الروسية، تفرَّدت بها المناطق الغربية ذات الغالبية الكاثوليكية، وجرت مراجعة نقدية حقيقية للتاريخ السوفييتي، على يد نخب من القوميين الأوكرانيين. وتبعها اهتمام متصاعد بتطوير اللغة الأوكرانية، وتشذيبها من الكثير من الكلمات والمفردات الروسية.
هذه ملامسة سياسية للأحداث، يمكن متابعة تفاصيلها عبر الصحافة ومنّصات الإعلام بمختلف أشكالها. ولكن ماذا بشأن السينما؟ فهي الرحم الحاضن للأحداث، وخزينها الذي لا ينضب، وهي تعود بنا اليوم لتقول بأنها حاضرة دائمًا، ولتبعث فينا من جديد ذلك الماضي الموجع. وهي أخيرًا “مكان حفظ الذاكرة” بحسب غودار.
في بيوغرافيا وأفلام المخرج السوفيتي الجنسية والأوكراني الأصل ألكسندر بيتروفيش دفجنكو، مشاهد حبلى بأحداث الماضي غير البعيد. فدفجنكو أكثر المخرجين السوفييت ولعًا بالسياسة. وتشكِّل قصة حياته دراما صراع مثقف (قومي) ضدَّ سلطة شمولية مُستبِدَّة. كما إنه صوَّر أفلامًا بروح أوكرانية، كفيلم “زفينيغورا” عام 1928، واعتبره النقاد بداية السينما الأوكرانية، رغم أنه ليس الفيلم الأوكراني الأول.
النزعة الانفصالية لدفجنكو
ارتبط اسم دفجنكو بأهم إنجازات السينما السوفيتية، إلى جانب أيزنشتاين وبودوفكين. وفي فيلمه “تاريخ السينما” (1988) ذكر غودار بأن الحديث عن الروس في أيامنا هذه لن يكون بالكاد أمرًا مألوفًا، فماذا يمكن القول عن دفجنكو؟ ودفجنكو شخصية إشكالية إلى أقصى درجة. تشرح أفلامه حقيقة الرجل، وتفصح مواقفه السياسية حقيقة أفلامه. وهي أفلام تجمع بين ثنائية السياسة والفن، بين الأخلاق (باعتبار السينما درسًا أخلاقيًّا) والجمال كالتزام سياسي. اعتبر فيلمه “الأرض” واحدًا من أفضل أثني عشر فيلمًا على مدى التاريخ. واحتفى به الغرب، واهتمَّ بأفلامه بدرجة لا تقلُّ عن مواطنه المخرج السوفييتي الأكثر شهرة سيرغي أيزنشتاين. لكن لم تمنع سمعته باعتباره واحدًا من أشهر مخرجي الفترة السوفيتية، لعنة النظام السوفيتي عنه في فترة حكم الزعيم جوزيف ستالين (1924ــ1953).
تقول بيوغرافيا المخرج إنّه ترك قريته الصغير في ريف أوكرانيا الساحر سوسنتسا في سنٍّ مبكرة، إلًا إنه بقي متمسكًا بجذوره الريفية وحياة الريف البسيطة والأغاني الأوكرانية التقليدية في كل روائعه السينمائية. وهي التي جلبت له اللعنة بسبب مضامينها القومية، وأصبح مطاردًا ومشكوكًا بصدق انتمائه لوطنه الكبير الاتحاد السوفييتي.
ذكرَ الناقد الأوكراني والخبير بأفلام دفجنكو بوغدان نبيسوا، بأن دفجنكو خدم كجندي في الجيش الجمهوري الأوكراني UNR الذي حارب الروس، وأسره البلاشفة (باعتباره عضوًا في الحركة القومية الأوكرانية). وهو لم ينضم قط إلى الحزب البلشفي، وكان من الأكرانيين الناشطين في الدفاع عن استقلال أوكرانيا من النظام السوفييتي، وعضوًا في الحركة الفنية Valpite. التي كان برنامجها خلق ثقافة أوكرانية حديثة ضمن تقاليد أوروبية من دون موسكو.
صدرَ مؤخرًا، في العام 2019 كتاب باللغة الأوكرانية عنوانه “أ. دوجنكو: وثائق شعبة العمليات الخاصة”. والكتاب يحتوي على وثائق سرية غاية في الأهمية، تعود لجهاز المخابرات السوفياتية الـ NKVD (سمي فيما بعد بجهاز الكي جي بي). ومؤلف الكتاب مواطن سوفيتي من جذور أوكرانية، هو فيجوسلاف بوبيك، العميل السابق في جهاز الشرطة السرية NKVD.
احتفظ بوبيك في شقته بتلك الوثائق فترة طويلة، ولكنه أفشى سرها بعد استقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفييتي عام 1991. لم تكن الوثائق سوى تقارير باللغتين الأوكرانية والروسية، كتبها مجموعة من المخبرين الذين راقبوا التحركات والمكالمات الهاتفية لدفجنكو، المعروف لدى المخابرات باسم الزباروجي.
في تقرير للمخبر نقرأ: “دفجنكو أحد النشطاء الفاعلين في الحركة القومية الأوكرانية، بما يسمى “النهضة الأوكرانية”، المعادية للاتحاد السوفياتي، وأني أملك معلومات وأدلة تثبت مواقفه ضد الدولة، فلقد ظهر أنه يقود بشكل لا شكَّ فيه سياسة قومية انفصالية. ويستند هذا المخبر إلى عدَّة تقارير لمخبرين آخرين، وأهمها ما كتبه مخبر آخر يقول فيه بأنه: “شاهد دفجنكو أثناء صعوده قطار المسافرين في محطة سوسنتسا، وكان يحمل معه قنابل يدوية”. وقد تعرَّف هذا المخبر على هوية دفجنكو لأنه من نفس قريته سوسنتسا، ويعرفه شخصيًّا.
اعتقل دفجنكو في عام 1919 وأثناء التحقيق معه في مكتب للـــ كي جي بي K. G. B.، قال للمحققين: “إن كنت وحدك فأنت أوكراني، وإن التقى اثنان فالأمر مشكوك فيه، أمّا إن اجتمع ثلاثة أوكرانيين، فهم سيصنعون ثورة”.
ليس في هذا القول أية غرابة لو تحدث بهذا الكلام اليوم رجل أوكراني. لكن هذا الرأي قيل قبل أكثر من مائة سنة. ويشير هذا التقرير إلى حقيقة أن المخرج كان يشعر بالتمييز القومي إزاء الأوكرانيين، وهو ليس الوحيد من المثقفين الأوكرانيين الذين تجرؤوا- في زمن ستالين- على رفع صوتهم ضدَّ سيادة الثقافة الروسية على ثقافات باقي شعوب الاتحاد السوفييتي.
لم يفهم الكثير من المواطنين السوفييت مخاطر هذه السياسة (الأممية)، وتقبَّل البعض منهم من المتحمسين الثوريين الهوية الجديدة التي استحدثتها ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى. على الرغم من أنها فُرضت بالحديد والنار، على يد جوزيف ستالين. ولكنها لم تكن سوى فكرة جهنمية خارقة (أي إكستريم)، أوجب تحقُّقها سيلان دماء غزيرة، وحروبًا دامت لسنين طويلة.
والإكستريم أو الحالة القصوى يعني التطرف والإفراط والمغلاة والمبالغة، ورفض الحلول الوسطية، والخروج عن المألوف، وتجاوزات الحد السائد. وهي ظاهرة اجتماعية وسياسية وثقافية تنشط في زمن التحولات الكبرى، كالحروب والثورات والصراعات الطائفية والعرقية. والإكستريم مصطلح لم يكن شائعًا في ذلك الزمن من بدايات القرن العشرين، ولكنه صبغ ثورة أكتوبر البلشفية بألوانه الفاقعة. فاندفع الناس في فورة هيجان؛ دفاعًا عن مجتمع جديد مبني على العدالة، وحق الفرد في العيش الكريم، وتمجيد الدولة والسلطة المطلقة.
ودفجنكو واحد منهم. دافع عن ثورة أكتوبر بحرارة، وأفلامه تشهد على ذلك (مثل فيلم Arsenal”أرسونال” 1929 وفيلم “شورس” Chtchorsــ 1939). ولكنه دافعَ في نفس الوقت عن أوكرانيته. بمعنى أنه أراد لوطنه الأم أوكرانيا أن يحتفظ بخصوصيته ولغته وثقافته. ولكن يبدو أن هذا لم يكن سوى حلم صعب المنال، في زمن ثوري لا مكان فيه للقوميات والدين والأوطان الصغيرة.
سؤال الهوية في أفلام دفجنكو، ربما هو من المواضيع الأكثر إشكالية. وكان هذا الرجل ذو الجذور الفلاحية سريع الهيجان، وغالبًا ما يعلو صوته في جلسات السُّكْر مع الأصدقاء الذين لم يكن البعض منهم صافي النوايا. فجاء في أحد التقارير أن دفجنكو اشتكى (في إحدى تلك الجلسات) من أنّ الأوكرانيين فقدوا هُويتهم لصالح روسيا. وقال: لماذا يحتفظ البولونيون بلغتهم وهويتهم، والألمان كذلك، في حين فقدنا نحن الأوكرانيين هويتنا؟ ولقد “اختار الشباب الأوكراني الثقافة الروسية؛ لأنه الخيار المناسب وغير الخطر. فهُمْ (هؤلاء الشباب) قد شبعوا من سماع كيف زُجَّ بآبائهم في السجون دفاعًا عن أوكرانيا”.
يوضِّح هذا الكلام كيف أن “شمولية” هذا النظام (السوفيتي) لم تلق استحسانًا عند البعض، وخاصة من بعض الفئات المتعلمة والأنتليجنسيا؛ لأن فيها تعدٍّ على باقي الهويات والقوميات العرقية التي أريد لها الانصهار لصالح هوية مُستحدثة وشاملة.
يعد دفجنكو شخصية إشكالية إلى أقصى درجة، وأفلامه تشرح حقيقته، فهي أعمال تجمع بين ثنائية السياسة والفن.
حين اعتقل ألكسندر دفجنكو عام قال لمحققي ال كيه جي بي “إن كنت وحدك فأنت أوكراني، وإن التقى اثنان فالأمر مشكوك فيه، أمّا إن اجتمع ثلاثة أوكرانيين فإنهم يصنعون ثورة”.
دفجنكو.. ستالين.. والسينما
ربطت دفجنكو علاقة غريبة- لكن مصيرية- بستالين. فغالبًا ما كان يخرج الاثنان في جولات ليلية في شوارع موسكو يتحدثان عن السينما. وتزودنا يوميات دفجنكو بصورة واضحة عن طبيعة تلك العلاقة، وما كان يدور بينهما من أحاديث. لكن هنالك سرًّا أخفته وراءها تلك الليالي المغطاة بثلوج موسكو، العاصمة المحببة للدكتاتور؛ فستالين كان على علم بالتقارير غير المريحة التي كانت تصله باستمرار عن دفجنكو. لكنه حماه ودعاه إلى موسكو قائلًا له: “ستعيش وتعمل هنا في موسكو بدلًا عن كلِّ الأوكرانيين”. وفي عام 1939، كتب المخرج: “أنا مقتنع بشدة أن الرفيق ستالين أنقذ حياتي. فلو لم أتواصل معه في الوقت المناسب، لكنت سأموت بالتأكيد كفنان ومواطن. وإنني لن أكون موجودًا بعد الآن.”
يجدر هنا القول إن الذي حارب دفجنكو، ووضع حياته تحت الخطر، هم رفاقه الأوكرانيون. ودافع عنه ستالين رغم كل ما عُرف عن المخرج من مواقف انفصالية. وعن هذا الأمر كتب دفجنكو في مذكراته مخاطبا ستالين: (بصفتي ابنًا للشعب الأوكراني، فأنا أحبُّ شعبي، لكنني فخور داخليًّا بقربي وحبي للشعب الروسي، وجميع شعوب وطننا الاشتراكي. عملت منذ ربع قرن وحتى الآن على تمجيد الناس الذين أرسلهم لي القدر عن طريق الفنِّ، باعتباره الهدف الوحيد في حياتي. وبغضِّ النظر عن مدى إصرار الرفاق الأوكرانيين على وضعي في صفوف معسكر القوميين، فأنا سأرفض ذلك حتى آخر يوم في حياتي، وفي عملي أينما عشت… أنت أشفقت عليَّ كفنان. وأنا أشكرك على موقفك بلا حدود، وتقبل عملي بشكل إيجابي. وأرجو ألا تحكم عليّ مسبقًا، وأعطني فقط إشارة لو كان طلبي في غير محله، أو في وقته غير المناسب).
لكن لماذا دافع الدكتاتور عن المخرج وحماه، وهو الرجل الذي عُرف بشدّة بطشه وعدم تسامحه؟ ومن جانب آخر هل كان دفجنكو فعلًا مفتونًا بستالين، أم إنه الخوف من المصير التراجيدي، الذي وقع فيه أغلب زملائه العاملين في حقل السينما، على يد الرجل المتعطش للدماء في سنوات “التطهير العظيم”، وهي سلسلة من حملات القمع السياسي دبرها ستالين، وراح ضحيتها الملايين من المواطنين السوفييت؟
يقول الناقد الأوكراني تريمباج: “إن تلك اللقاءات كانت أشبه بـ “جلسات” تحضير الأرواح الشريرة التي يتحدث عنها الكاتب الساخر ميخائيل بولجاكوف. والتي كان يصفها الطاغية بالصدمة والرعب. فستالين يشبه في “فنِّ” دوفجنكو شخصية أسطورية يونانية قديمة. الإله الأعلى! عبادة الماء والأرض والشمس، وكل شيء آخر. إنها صور المخرج الفنية. يبدو أن دفجنكو لا يرى في ستالين راعيًا فقط، بل هو حاميه من كل الأشرار. حتى في الخلافات الصامتة بينهما، فإن ترنيمة الفتى المذعور الذي عوقب بشكل غير عادل من قبل الآلهة الكبار، بعد أن أخذوا لعبته المفضلة لفترة من الوقت: وضعه في زاوية، ممنوع من صنع الأفلام”.
لكن العلاقة بين الرجلين تدهورت بعد غزو ألمانيا النازية للاتحاد السوفييتي. وكان نصيب أوكرانيا من الدمار الذي جلبه الاحتلال النازي كبيرًا؛ بسبب أن أوكرانيا هي البلد الوحيد (إضافة إلى بيلاروسيا) التي احتلت أراضيهما بالكامل. فكتب دفجنكو من على جبهات القتال نصًّا لسيناريو عنوانه “أوكرانيا تحترق”. وهو خطاب أدبي جريء، ينتقد فيه شخص ستالين؛ بسبب عدم استعداده للحرب في بداية الغزو الألماني لبلاده.
غضبَ ستالين من المخرج، وأنَّبه في خطاب له بمؤتمر للحزب الشيوعي في 12 نوفمبر 1944. إن هذا المؤتمر وخطاب ستالين الناري، يشيران إلى الأهمية التي أولاها الدكتاتور للمخرج. وتعليقًا على موقف ستالين كتب دفجنكو في مذكراته: “… لم يعجب ستالين سيناريو” أوكرانيا تحترق”؛ ولهذا السبب حظر نشر السيناريو في الصحافة، ومنعني من إخراجه”. لقد كان دفجنكو يائسًا وخائفًا على حياته. أمّا ستالين فقد شعر بالإهانة. وربما استفزَّ ستالين عنوان السيناريو “أوكرانيا تحترق”، وهو لم يكن يرى في أوكرانيا سوى “حديقة خلفية” للوطن الأكبر.
هكذا أسدل الستار نهائيًّا على هذه العلاقة الغريبة بين الرجلين، وضاع دفجنكو بين عبادة الدولة وتمجيدها، فيلم “شورس” وعبادة القومية والتعصُّب لها، فيلم “زفينيغورا” 1928. لكن الدولة الشمولية لن تسمح بمثل هذا التذبذب، فوضعت سكينها على رقبة المخرج، وكادت تقضي عليه. رحل الدكتاتور جوزيف ستالين في الخامس من مارس 1953، وبعده مات شاعر السينما والقومي “الانفصالي” أ. دفجنكو في 25 نوفمبر من عام 1956. تاركَين لنا إرثًا لعلاقة غريبة ما زالت لغزًا رغم تقادم السنين.
لا شكّ أنّ جذور الحرب المأساوية بين الروس والأوكرانيين، تغور عميقًا في التاريخ، ولكنها ليست وليدة نزعة بوتينية أو عقلية أوتوقراطية. كما أنها ليست غطرسة قومية أوكرانية متطرفة، أو صعودًا “للنازيين الجدد” في أوكرانيا كما يتصورها بوتين. بل هي أخطاء الماضي، وتعقُّد إشكاليات التاريخ والانتماء التي تدفع الشعوب أثمانها باهظة. هكذا امّحت من التاريخ تلك المشاهد التي كانت تصور الأوكرانيين وهم يحاربون إلى جانب الروس لطرد الغزاة الألمان من أرض أوكرانيا. في حين تحوّلوا اليوم إلى أعداء يحاربون (أخوتهم) الروس على أرضهم. وهكذا تحول الجنود الروس إلى غزاة، والأوكرانيون إلى أعداء.
تغور جذور الحرب المأساوية بين روسيا وأوكرانيا عميقًا في التاريخ، وهي ليست وليدة نزعة بوتينية أو عقلية أوتوقراطية.
كانت العلاقة بين دفجنكو وستالين غريبة، فالأول كانت ميوله انفصالية، والثاني هو الذي حماه من الموت كمواطن وفنان.
حين تعرضت أوكرانيا للدمار الذي جلبه لها الاحتلال النازي؛ كتب دفجنكو سيناريو “أوكرانيا تحترق”. فغضبَ ستالين وأنَّبه في خطابه بمؤتمر الحزب الشيوعي عام 1944.