فاني وألكسندر: بيرغمان يخلق عالمًا فسيحًا وملحميًا
أمين صالح
12 August، 2024
أمين صالح
تذكر المصادر بأن لفيلم إنغمار بيرغمان “فاني وألكسندر” 1982 نسختين، إحداهما مدتها 188 دقيقة، وهو للعرض السينمائي، والنسخة الأخرى مدّتها 312 دقيقة، كما عرضت على شاشة التلفزيون السويدي. في النسخة الثانية نجد تناميًا موسّعًا للشخصيات وعلاقاتها، وأجواء محيطها الاجتماعي. كما أنها توفّر لبيرغمان الحرية، والمساحة الضرورية، للتعبير عن ثراء رؤيته وتعقيداتها.
عن هذا يقول بيرغمان: “بدأت كتابة سيناريو الفيلم في صيف 1979، واستغرق العمل ثلاث سنوات، لأنني كنت أعيد كتابة المشاهد باستمرار. إضافة إلى ارتباطاتي في المسرح. خلال تلك الفترة شعرت بأنه سيكون آخر أفلامي. السيناريو كان ضخمًا، والمنتجون شعروا بالقلق من طول الفيلم. قلت لهم، نعم هو طويل جدًّا، قد يستغرق عرض الفيلم خمس ساعات على الأقل، لكنني أفكر في إعداد العمل للعرض التلفزيوني، وآخر للعرض السينمائي بحيث يستغرق ساعتين و45 دقيقة. المنتجون لم يتحمسوا للعرض التلفزيوني، وأصروا ألا يتجاوز عرض الفيلم الساعتين و15 دقيقة. لقد صدمني هذا القرار بشدّة. حاولت أن أساوم، لكنهم أصروا على رأيهم، فغضبت وألغيت الاتفاق، ثم لجأت إلى جهة منتجة أخرى”.
في هذا الفيلم نجد ما هو شبيه بالحكاية الخرافية، أو الرواية الملحمية، ومن خلال ذلك نتعرَّف على الروابط الأسرية، بمختلف أشكالها وتشعباتها، وعلى الخلق الفني وغاياته، وعلى توكيد الإيمان، ثانيةً، بما هو سحري وغرائبي وما لا يمكن تفسيره. إضافة إلى سبر تشكيلة من الثيمات. كما يحتفي بالمسرح عمومًا، ومسرح الدمى خصوصًا.
العالم هنا مرئي من وجهة نظر طفل حرٍّ في مملكة الخيال والكوابيس والأحلام والرؤى، الطفل يمثّل بيرغمان في طفولته. في أفلام بيرغمان السابقة لم يلعب الأطفال دورًا رئيسًا أو مهمًّا. بينما هنا الأطفال في البؤرة.
عنوان الفيلم قد يبدو عاديًّا، بلا دلالة. لكن هذه العادية مضللة. بما أن العنوان يشير إلى اسميّ الطفلين، الشقيقين، فإنه يوحي بأن الفيلم سيكون من منظور الطفلين، من تجربتهما في هذه الحياة، وأن هذا سيكون مهيمنًا.
يقول بيرغمان: “هنا، أعدت بناء بضع لحظات من طفولتي، بالتفصيل، قبل ستين عامًا. كان شعورًا غريبًا”.
الفيلم محاولة من مخرج، متقدّم في السن، في أن يتبنّى ثانيةً طريقة النظر التي عرفها في طفولته، وأن يختلس النظر إلى عالم البالغين من خلال عينَي ذلك الطفل.
مع “فاني وألكسندر” يخلق بيرغمان عالمًا فسيحًا وملحميًّا، مشبّعًا بالسحر واللغز، وفيه يتعايش السحر والأشباح والحياة والموت جنبًا إلى جنب.
في حديث بيرغمان، في كتابه “The Magic Lantern”، عن الفيلم، يقول: “أمانةً، أنظر إلى الوراء، إلى سنواتي المبكرة بابتهاج وفضول. هناك تغذَّت مخيلتي وحواسي. لا يوجد فيما أتذكره شيء بليد أو فاتر أو باهت. في الواقع، الأيام والساعات ظلت تتفجر بالعجائب، بالمناظر غير المتوقعة، واللحظات السحرية. ما زلت قادرًا على التجوال عبر مواقع طفولتي الطبيعية، واختبر ثانيةً الأضواء، الروائح، الناس، الغرف، اللحظات، الإيماءات، النبرات، والأشياء. هذه الذكريات نادرًا ما تحمل أي معنى محدّد، لكنها أشبه بأفلام قصيرة أو طويلة بلا أي غاية، ومصوّرة عشوائيًّا.
امتياز الطفولة هو التحرك بلا إعاقة بين الرعب اللانهائي والبهجة المتفجرة. ليس ثمة تخوم في ما عدا المحظورات والقوانين، التي كانت مبهمة، أو على الأغلب لا يُسبر غورها.
كان من الصعب التمييز بين ما كان فنتازيًّا وما كان يُعتبر حقيقيًّا. لو بذلت جهدًا، لكنت قادرًا ربما على جعل الواقع يظل واقعيًّا. لكن، على سبيل المثال، كان هناك أشباح وأطياف. ما الذي كان عليّ فعله بهم؟ والقصص الزاخرة بالأعمال البطولية، هل كانت حقيقية؟”.
مع “فاني وألكسندر” يخلق بيرغمان عالمـًا فسيحًا وملحميًّا، مشبّعًا بالسحر واللغز، وفيه يتعايش السحر والأشباح والحياة والموت جنبًا إلى جنب.
قصة الفيلم وشخصياته
يفتتح بيرغمان فيلمه بسلسلة من الصور لأشياء مختلفة: تمثال، نافذة، شجرة.. ترافقها صوت تكات الساعة. إنها بمثابة مدخل أو باب ينفتح على عالم مختلف تمامًا.
الفيلم يأخذنا إلى العام 1907، إلى بلدة ريفية سويدية، أثناء الاحتفالات بعشية ميلاد المسيح. وتحديدًا إلى منزل العائلة الثرية، حيث نتعرَّف على العديد من الشخصيات المتباينة، وعلى رأس العائلة نجد الجدّة العجوز الأرملة، ممثلة المسرح السابقة. وهي أم لثلاثة أبناء بالغين: أوسكار، الممثل الذي يدير المسرح المحلي والمتزوج من الممثلة إميلي، وهما والدا فاني (8 سنوات) وألكسندر (10 سنوات). أوسكار، بعكس شقيقيه غوستاف وكارل، يعيش حياة عائلية مستقرة ومطمئنة. إنه يشعر بحبٍّ عميق تجاه عائلته ومهنته. وهو يبدو الأكثر قناعة واكتفاءً بما منحته له الحياة.
غوستاف، صاحب مطعم ثرثار، شهواني، ساخر، متزوج من ألما، ويغازل مربية الأطفال الشابة. لكنه طيب القلب، وكريم. زوجته متسامحة، وقادرة على احتمال نزواته.
الثالث كارل، أستاذ جامعي فاشل، محبَط، غارق في الديون؛ لذلك هو دائمًا غاضب، حزين، كاره لنفسه. يشعر بأنه واقع في فخ حياة زوجية خانقة؛ لذلك يسيء معاملة زوجته الألمانية التي لا تتقن اللغة السويدية. على الرغم من تهديداته المتواصلة لها بالانفصال، إلا أنهما يستمران في العيش معًا، وكل منهما يتقبّل نقاط ضعف الآخر.
وهناك ضيف العائلة، إيساك (إيرلاند جوزيفسون)، وهو تاجر ومُرابٍ، وكان في الماضي حبيب الجدّة.
جو من المحبة والحميمية يحيط بالمحتفلين، الذين يقضون أوقاتًا سعيدة ومرحة. الطفلان فاني وألكسندر (الحالم، المتأمل، الواثق من نفسه، والذي تحديقته موجهة نحو عالم منفصل عن عالم الحياة اليومية) يرصدان ما يدور في هذا المحيط العائلي. ورغم أن الطفلين هما في بؤرة الدراما أغلب الوقت، إلا أن الفيلم ليس مطروحًا من خلال وجهة نظرهما. لقد اتخذ بيرغمان قرارًا حكيمًا بتوسيع نطاق الفيلم، وعدم حصره في مساحة محدّدة.
جو المرح والسعادة يتبدّد، ويتحوّل إلى جوٍّ من الكآبة والقتامة، مع وفاة الأب أوسكار المفاجئ، حيث ينهار أثناء البروفات على مسرحية هاملت، مصابًا بسكتة دماغية، ليموت بعدها على فراشه، محاطًا بعائلته وأصدقائه.
في ما بعد، زوجته الأرملة تنجذب إلى الأسقف، الذي ما إن يتزوجها حتى يكشف عن طبيعته الصارمة، الاستبدادية، السادية، وتصبح الحياة معه ضربًا من العيش في الجحيم، في بيت هو أقرب إلى السجن. إن رجل الدين هنا لا يشرع في نشر كلام الله وهداية الناس، بل يشرع في تحطيم وقهر كل ما لا يستطيع فهمه وتفسيره، وبالتالي لا يستطيع التحكّم فيه والسيطرة عليه.
إن القصص العجيبة والخيالية التي يحبها ألكسندر، هي في نظر الأسقف أكاذيب مؤذية وخطيرة. وسرعان ما يدرك الطفل مدى قوة وتأثير كلماته على هذا الأسقف، ويجد الوسيلة للتغلب على خصمه (زوج أمه القس) وقهره، وذلك باستخدام قوة مخيلته. مخيلته تدعم انتصاره. وبالكلمات يبتكر حكايات تتضمَّن أشباح بنات الأسقف اللواتي فارقن الحياة، موحيًا بأن الأب مسؤول عن ذلك. إنه يروي لأخته والخادمة قصة عن الأشباح، تدور حول زوجة القس الأولى، والتي تتهم زوجها بقتلها وقتل أطفالهما. هذا يثير فزع الأسقف وقسوته في آن. إنه يواجه ألكسندر عن القصة، لكنه ينكر أنه رواها، ثم يقرُّ بذلك فيعاقبه القس بالجلد والحبس في موضع تحت سطح المنزل، قاصدًا تحطيم روحه وشخصيته.
ألكسندر، بمخيلته العجيبة واستحضاره المتواصل لوالده الميت، يتشبّث بذكريات أيامه السعيدة، ولا ينكر العالم العجيب الذي تقطنه الأشباح والشياطين، وتُجترح فيه المعجزات. إنه يسلّم نفسه إلى ما هو غريب وخفيّ وغامض. وهو يحتاج إلى التخيّل للهروب من الواقع. الطفل الذي يختبر الواقع على نحو مختلف عن البالغ، يبدو له هذا الواقع مروّعًا، كتومًا، ومخيفًا. وبعناد يرفض الخضوع لإرادة زوج أمه. المواجهة المحتومة والمتصاعدة بينهما هو نوع من التجاور الرمزي للدفء الإنساني والهوس الديني، الذي لا يجد إشباعه إلا في العقاب الجسدي والإذلال النفسي. هكذا يتعرّض ألكسندر للجلد والإذلال بقسوة.
لكن بيرغمان لا يُظهر الأسقف كممثّل للشر المطلق، إنما يكشف عن طبقات متعارضة في شخصيته. عندما يواجه ألكسندر ويحثّه على الاعتراف بالكذب، وقبول العقاب، فإنه يقول ذلك والألم الحقيقي يعتصره، وعيناه تدمعان. أفعاله شريرة حقًّا، لكنه يمارس الشر وهو مؤمن بصواب ما يفعل، وبأن ذلك ناشئ عن دوافع أخلاقية. يقول للطفل: “الحب الذي أشعره تجاهك، وتجاه أمك وأختك، ليس أعمى ولا قذارة فيه، إنما هو قوي وقاسٍ”. هو إذاً ليس شخصًا شريرًا، بل بالأحرى رجل معقّد لا يستطيع أن يرى الأشياء إلا من موقعه المتجذر على نحو راسخ.
الأم، الحبلى، تعلن عن تمردها بالهرب، في حين ينجح التاجر إيساك في تهريب الطفلين من بيت الأسقف، ويخبئهما في منزله، حيث يتعرّفان على أحد أقرباء التاجر، المؤمن بالقوى السحرية والظواهر الغيبية. ومع هذه الشخصية، ننتقل إلى أجواء سحرية غامضة.
نهاية الأسقف تأتي في مشهد مروّع، يصوّر حادثًا غريبًا، حيث تشتعل النار في عمة الأسقف، فتجري مذعورة صوب غرفة نوم الأسقف، لتغمره باللهب حتى يتفحّم.
رغم أن شخصية الصغير ألكسندر هادئة وسلبية، إلا أنه ينبثق من تجاربه، وقد أصبح شخصًا يتمتّع بالحكمة. لقد مرّ بتجارب صعبة وقاسية: موت الأب، استبدادية زوج الأم، خيانة الأم التي تجاهلت حاجات ولديها لتلبّي أهواءها.. بالنتيجة، يعود ألكسندر إلى عوالم المسرح والعائلة وهو يحمل موقفًا نقديًّا. إن هذه التجارب تغيّره، لكنها لا تحطمه.
نعود إلى بيت الجدّة، التي تمثّل مرحلةً أخرى من الوجود، تجربة الشيخوخة. في بيتها نشهد الخاتمة السعيدة: احتفال مزدوج بولادة الأم إميلي والخادمة معًا لطفليهما. الجدّة، التي تنوي العودة إلى المسرح، تقرأ ما كتبه سترندبرغ في “لعبة حلم”: “أي شيء يمكن أن يحدث، أي شيء ممكن ومحتمَل. الزمن والمكان لا يوجدان. على الأساس الرقيق للواقع، تنسج المخيّلة وتحوك أشكالًا جديدة”.
هذه الكلمات تصبح عقيدة جمالية، ليس فقط لهذا الفيلم، بل أيضًا لكلِّ أعمال بيرغمان السينمائية.
أبعاد فنية
حقّق بيرغمان هذا الفيلم وهو في ذروة قوته وقدراته الإبداعية. وفي هذا الفيلم أدخل بُعدًا جديدًا، ومنظورًا طازجا، وهو في كامل سيطرته على عناصره.
هنا يمزج انشغالاته المعهودة مع رؤية بهيجة لعالم غني تتداخل فيه الطفولة ومشكلات الكبار، عناصر السيرة الذاتية وأحداث متخيّلة، ويتابع شخصياته دون أن يعرّيها بقسوة كما كان يفعل في أفلامه السابقة. وهو يحافظ على ثيماته التي طرحها وعالجها طوال مسيرته الفنية الثرية، هذه الثيمات التي تعبّر عن قلقه وهواجسه ورغباته التي سكنته لسنوات.
هو فيلم يبتعد عن الروح التشاؤمية، ويقترب من الروح الإيجابية، حيث البهجة وانتصار الخير على الشر، انتصار النقاء على التلوّث، وانتصار المتعة واللذّة على التطهرية.
وهو يقوم على التباين، على ثنائية الضوء والظلام، المرأة والرجل، الروح والجسد، الحلم والواقع، السحر والمنطق، العقلاني واللاعقلاني، الفوضى والنظام، عالم الطفولة وعالم البلوغ، الذاتي والموضوعي، الواقعي والرمزي، وفي التحليل الأخير، الفيلم يعطي شكلًا للميول المتعارضة داخل الإنسان، والانقسام الدراماتيكي بين فردين، غالبًا ما نراهما في أفلام بيرغمان.
تقنيًا، تفوّقه وبراعته الفائقة نجدها في قدرته الفذّة في تركيب ما يشكّل لغته السينمائية الصقيلة من صوت وصورة وحوار. وهو يستغل مهارته الفنية في سبر القضايا الفلسفية التي تتصل بالكائن الإنساني، وفي الكشف عن تعقيدات الشخصية والعواطف.
ولكي يظهر واقع الطفولة على نحو مختلف عن واقع الكبار، فإن بيرغمان يلجأ إلى إضفاء أسلوبية معيّنة، وإضفاء لمسات من الغرابة على هذا الواقع، مع تقديم جوٍّ شبيه بالحلم. طوال الفيلم، الواقع يندمج في انسجام مع الخيال. قوة الفيلم تكمن في قدرته على الانتقال بيسر بين العالمين.
هنا أغلب الأحداث الخيالية، الغريبة، مصوّرة بطريقة “واقعية” مباشرة وبسيطة. كما نجد هنا كل ضروب التحولات والتطابقات عبر الزمان والمكان. الناس والأمكنة تلتقي وتندمج كما في الحلم، وفي الشكل المتغيّر. وهذا يتم تنفيذه بلا تعليق من الكاميرا، ولا إفراط في التعريض للضوء، أو استخدام انتقالات مستهلكة لإظهار الاختلاف بين الحلم والواقع. الأسلوب والمضمون يتمازجان ويصبحان شيئًا واحدًا.
هذا، بالطبع، أحد تيمات الفيلم: الأحلام، وما لا يمكن تفسيره أو تعليله، والسحري.. هو في وسط الواقع والحياة اليومية.
في هذا الفيلم نجد مظاهر من الواقعية السحرية. حضور الواقعية السحرية ضمن العمل الفني يوحي بأن خالق العمل مهتمٌّ بطبيعة الواقع، وكيفية تمثيله أو تصويره في العمل.
الواقعية السحرية نجدها في مشهد إنقاذ إيساك للطفلين من بيت القسيس، في موت القسيس وأخته حرقًا. في قراءة أفكار ألكسندر، عودة الأب. كما أن توظيفها في العمل الفني يسهِّل تعايش العوالم المحتمَلة، الفضاءات والنظم التي لولا ذلك ستكون متضاربة.
انقضاض الواقعية السحرية على البنى الأساسية للعقلانية والواقعية له تأثير أيديولوجي محتوم، النصوص الواقعية السحرية هي تدميرية. إنها تقاوم البنى الوجودية والسياسية والثقافية، وتتمثل في المشاهد أو الأحداث الهذيانية، الشخصيات الخيالية، الحوادث الخارقة.
الواقعية السحرية تقتضي من القارئ/ المتفرج أن يعلّق أو يعطّل مؤقتًا مفاهيم الزمن والمكان، لكن ينبغي فعل ذلك بطريقة معقولة أو مقبولة. عبر استخدام الواقعية السحرية، يسبر بيرغمان، وغالبًا ما ينتهك، تخوم الواقع. والمتفرج، في مشاهدته للفيلم، لا يشعر بمرور الوقت، إذ يظل مشدودًا إلى الشاشة، بفضل براعة بيرغمان في حبك مادته وسردها على نحو شيّق، وبفضل الأداء القوي، وتضافر العناصر الفنية لخلق عمل جميل وممتع ومحرّك.
حاز الفيلم على أوسكار أفضل فيلم أجنبي، إضافة إلى 3 جوائز أوسكار لـــ (أفضل تصوير، تصميم مناظر، وتصميم ملابس).
حقّق بيرغمان هذا الفيلم وهو في ذروة قوته وقدراته الإبداعية. وأدخل فيه بُعدًا جديدًا ومنظورًا طازجا، وهو في كامل سيطرته على عناصره.
هو فيلم يبتعد عن الروح التشاؤمية، ويقترب من الروح الإيجابية، حيث البهجة وانتصار الخير على الشر، انتصار النقاء على التلوّث، وانتصار المتعة واللذّة على التطهرية.
لا يشعر المتفرج بمرور الوقت، إذ يظل مشدودًا إلى الشاشة بفضل براعة بيرغمان في حبك مادته وسردها على نحو شيّق، وبفضل تضافر العناصر الفنية لخلق عمل جميل وممتع ومحرّك.
أقوال بيرغمان
في حديثه عن الفيلم، يقول إنغمار بيرغمان، وفقًا للمصادر التالية:
Continental Film Review, March 1981
Films and Filming, Feb. 1983
Film Comment, May- June 1983
* قد يبدو للبعض أن الفيلم عبارة عن سيرة ذاتية، تتحدث عن طفولتي، وأن الكسندر هو ذاتي الثانية. لكن هذا ليس صحيحًا تمامًا. إنها قصة، أو تأريخ، لعائلة تنتمي إلى الطبقة المتوسطة، وتعيش في بلدة سويدية في السنوات الأولى من القرن. الفيلم يصور حياة هذه العائلة خلال عام أو أكثر بقليل.
* إنه أشبه بنسيج هائل مليء بصور تتزاحم فيها الألوان والناس، المنازل والغابات، أماكن خفية من الكهوف والمغارات، أسرار ومناخات ليلية.
* أخشى أن الفيلم رومانتيكي إلى حدٍّ ما.. لكن من الممكن احتماله.
* هناك الكثير من التماثل بيني وبين الأسقف، أكثر من ألكسندر. الأسقف مسكون بشياطينه الخاصة.
* أعتقد أن فيلمي يتحدث عن الحياة والموت.
* أحب فكرة إعادة بناء مرحلة معينة من التاريخ. وأحب بشكل خاصٍّ تلك المرحلة التي تمتد من بداية القرن وحتى اندلاع الحرب العالمية الأولى. كانت مرحلة فاتنة جدًّا. لكنه أيضًا كان زمنًا صعبًا ورهيبًا، كان مليئًا بالفحش والخداع والقسوة. والسلام كان رداءً مليئًا بالثقوب. لكنها البداية.. بداية عصر جديد. وتلك المرحلة كانت أيضًا غنية جدًّا في المجال الفني: في المسرح والأدب والرسم. هذا شيء خارق. أحيانًا أسأل نفسي: هل ضغوطات المجتمع آنذاك كانت هائلة، ومضادة، إلى حد أن الفنانين لم يكن بإمكانهم التعبير عن ذواتهم إلا بشكل غير مباشر، وبأساليب غامضة؟ لا أعرف. أعرف أنها كانت مرحلة جميلة جدًّا.. أحببتها.
* الفيلم ليس عن طفولتي، إنما أجزاء من طفولتي تسكن بداخله.
* العمل في الفيلم كان ممتعًا للغاية، وجميلًا جدًّا. إنه تقريبًا من أفضل الفترات التي عملت خلالها، لكنه أيضًا كان صعبًا ومتعبًا، ففي فترة التصوير، التي استغرقت سبعة شهور، حدثت مشكلات عديدة، غير أننا استطعنا التغلب عليها.
* العمل مع الأطفال كان ممتعًا. شيء رائع أن تعمل مع الأطفال. هم لم يقرأوا السيناريو. فقط أخبرتهم أنه أشبه بحكاية خرافية. لقد كان محظورًا عليهم حفظ حواراتهم في بيوتهم، لهذا كان مساعدي يأخذهم كل صباح ويلقّنهم حواراتهم، وكانوا يتعلّمون بسرعة. الأطفال يتعلمون بسرعة فائقة. وكان عليّ أن أتعامل معهم بطريقة لم أجربها من قبل: ففي أثناء التصوير، وبينما الكاميرا تصور، كنت أتحدث معهم طوال الوقت، وأوجههم إلى طريقة الأداء والإلقاء التي أريدها. لقد كان العمل معهم ممتعًا. إنهم رائعون.
* أجرينا اختبارات لمئات من الأطفال، حتى عثرنا على بيرتل جوف (ألكسندر). هو نصف إسباني، والده إسباني. عمره 11 سنة. طويل، مخيف جدًا ومرح جدًا. يتعلم في معهد الموسيقى، ويعزف على عدة آلات، ويغني مثل ملاك.. لكنه لا يشبهني وأنا صغير. هو أكثر ذكاءً وإشراقًا. فتى نبيل. أنا كنت مجرد شخص عادي، جدير بالرثاء.
* بيرنيلا ألوين (فاني) وبيرتل جوف كانا يحبان العمل أمام الكاميرا. لم يمارسا التمثيل من قبل. في البداية كانا يتشاجران طوال الوقت إلى درجة أن الممرضة، التي عيّنت لرعايتهما، أصيبت بانهيار عصبي. لكنهما في الأستوديو كانا مهذبين ومنضبطين جدًّا.
* لم أستطع أن أفكر في عنوان آخر. اعتقد أن العنوان مرتبط بطبيعة الفيلم. نحن، جميع العاملين في الفيلم، أطفال. أطفال كبار ومسنُّون، أطفال أذكياء وقساة. لهذا السبب ربما لم أجد عنوانًا آخر.
* الفيلم هو خلاصة حياتي كصانع أفلام.
* العمل في هذا الفيلم كان مبهجًا جدًّا. لم أعتقد أنني سأختبر مثل هذا الشعور مرّة أخرى. كان العمل رائعًا إلى حد أنني قررت أن الوقت قد حان للتوقف عن صنع الأفلام.