• English
  • 14 يناير، 2025
  • 6:04 ص

أربعة أسئلة لخمسة مخرجين: ما الذي فعلَته بنا سينما بريسون؟

أربعة أسئلة لخمسة مخرجين: ما الذي فعلَته بنا سينما بريسون؟

13 June، 2023

إعداد: مايكل بروك

ترجمة: أمين صالح

تاريخ ولادة روبير بريسون كان موضع خلاف؛ إذ تشير بعض المصادر إلى أنه ولد في العام 1901، بينما ترى مصادر أخرى أنه مولود في العام 1907، ولم يحسم أحد هذا الأمر، توفى بريسون في 1999، في البداية، تدرّب ليكون رسامًا، ممارسة هذا الفن جعلته يعي الحاجة “لعدم خلق صور جميلة، بل خلق صور ضرورية”، (المفارقة في سينما بريسون، في ما يتعلق بهذا الشأن، أن أفلامه غالبًا ما تبدو جميلة جدًّا).

بانتقاله إلى السينما، قضى بريسون سنوات الثلاثينيات من القرن الماضي، وهو يبحث عن موضع قدم له، فيلمه الأول “شؤون عامة” Les Affaires Publiques (1934) كان من النوع الهزلي الصارخ، أو على حد وصفه: “هو يشبه أفلام بستر كيتون، لكن على نحو سيئ”، رغم أن النقاد لم يشعروا أنه سيئ، ووجدوه عملًا مسليًا، وفي هذه الفترة مارس كتابة السيناريو، وعمل كمساعد مخرج، في بداية الأربعينيات، قضى بريسون عامًا واحدًا في معسكر اعتقال نازي، وهي التجربة التي استثمرها في عدد من أفلامه التي تناولت جوانب من الاحتجاز والسجن، سواءً حرفيًّا أو نفسيًّا، وهذا ما يتضح في فيلمه “ملائكة الخطيئة” Les Anges du Peche (1943) الذي تدور أحداثه في دير مشيّد لتوفير الهداية والإرشاد الأخلاقي للنساء اللواتي أطلق سراحهنَّ من السجن منذ عهد قريب.

مشهد من فيلم سيدات بولونيا

بعد فيلمه “سيدات بولونيا” Les Dames du Bois de Boulogne (1945)، الذي كتب له السيناريو جان كوكتو، لكنه لم ينجح تجاريًّا، انتقل بريسون إلى مرحلة مختلفة قائمة على قناعة خاصة بأن السينما هي أقرب إلى الموسيقى والفن التشكيلي، وليس إلى المسرح والتصوير الفوتوغرافي، ومتجنبًا العمل مع كتّاب وممثلين محترفين، مفضِّلًا العمل مع “موديلات”- حسب تعبيره- يلقون حواراتهم في وتيرة واحدة، خصوصًا عندما تكون خارج الكادر أو الشاشة، (المفارقة هنا أن عددًا من الممثلات والممثلين الذين بدأوا مع بريسون كموديلات، قدّموا أداءات محركة للمشاعر، وأثبتوا وجودهم كممثلين محترفين في أفلام مخرجين آخرين)، بعدئذ حقّق روائعه الفنية: “يوميات قسيس ريفي” Diary of a Country Priest (1951) عن قسيس يعاني من أزمة مع إيمانه، ويعيش صراعًا رهيبًا مع شكوكه، “هروب رجل” A Man Escaped (1956) وهي قصة واقعية عن هروب شخص من سجن نازي، “النشال” Pickpocket (1959)  عن رجل يبحث عن الخلاص.

المسافة الزمنية بين فيلم وآخر تعبّر عن الثمن المحتوم، الذي يتعيّن على مبدع، هو من أكثر فناني السينما رفضًا للمساومات والتسويات، أن يدفعه لكي يحافظ على نقائه وحريته وصفاء رؤيته، عبر هذه الأفلام قدّم تأملات روحية عميقة، منذ الستينيات، استمرَّ بريسون في إنتاج أعماله العظيمة: محاكمة جان دارك Trial of Joan of Arc (1962) بالتازار Au hasard Balthazar (1966) موشيت Mouchette (1966) امرأة ناعمة Une Femme Douce (1969) أربع ليالٍ من حياة حالم Four Nights of a Dreamer (1971) لانسلوت حارس البحيرة Lancelot du Lac (1974) الشيطان، على الأرجح The Devil, Probably (1977) المال L’Argent (1983، آخر أفلامه).

مجلة Sight and Sound البريطانية، في عددها الصادر في نوفمبر 2007، طرحت أسئلة موحّدة عن سينما بريسون، على خمسة مخرجين، هم: أوليفييه أساياس، برونو دومون، بول شرادر، يوجين جرين، أكي كوريسماكي.

Les Dames du Bois de Boulogne

ما أهمية بريسون بالنسبة لك؟

أوليفييه أساياس:

لو لم أشاهد أفلام بريسون، لأصبحت شخصًا مختلفًا عما أكونه الآن، وهذا شيء يمكن أن يقوله قلة من المخرجين الفرنسيين، شاهدت أفلامه، للمرة الأولى، على شاشة التلفزيون، كنت مراهقًا آنذاك، وشعرت بأنها مختلفة جدًّا، ووراء نطاق أي شيء شاهدته في الأفلام، لقد تفاعلت معها على مستوى شعري عميق، إلى حدِّ أنها أضفت أهميةً وشأنًا على فكرة أنني في يومٍ ما سوف أحقّق أفلامًا بنفسي، من خلال بريسون اكتشفت كيف أن الأفلام قادرة على أن تمضي إلى حدٍّ أبعد مما وصلت إليه.

أفلام بريسون ليست مجرَّد تجارب روحية، إنها مادية جدًّا، موجزة جدًّا، إنها لا تتّسم بالبطء والرضا الذاتي كما يعتقد الكثيرون من الذين يسيئون فهم أعماله، ثمة فرادة في حدّة نظره، وفكرته الجسورة في الذهاب إلى مناطق لم تزرها السينما من قبل، أفلامه تمنحك الإحساس، خصوصًا عندما تكون مراهقًا، بأنك تستطيع أن تكرّس حياتك للفن.

أوليفييه أساس: لو لم أشاهد أفلام بريسون، لأصبحت شخصًا مختلفًا عما أنا عليه الآن، وهذا شيء لا يمكن أن يقوله إلا قلة من المخرجين الفرنسيين.

برونو دومون:

بريسون يجلب إلى السينما- بوصفها فنًا- صوتًا أصيلًا ودائمًا، وهذا شيء اختفى اليوم على نطاق واسع، إخراجه البارع، واستخدامه الفذ للميزانسين، يُظهر لنا إلى أي مدى نستطيع توظيف الوسط لرواية قصة صارمة ومحركة للمشاعر في آن، أفلامه سينمائية على نحو تام، وليس مجرد تجميع لصور إيضاحية من قطعة أدبية، ولقطاته مدهشة تمامًا، إنه يستخدم اللقطات القريبة بطريقة هي قوية جدًّا، وتقودنا، كمتفرجين، لنفكر مليًّا في ما نراه.

الشيء الآخر الذي يعجبني هو إدارته للممثلين: هذا العنصر في أفلامه يبدو محايدًا، أو خاليًا من التعبير، لكنه في الواقع يشتمل على قدر كبير من البراعة، الطريقة التي يعمل بها مع الممثلين، وسرد القصة من خلال عيون الممثلين، كل هذا منجز بواسطة عمليات قاسية، كثيرة المطالب، مستبدة والتي تفضي إلى درس في كيفية أن تكون دقيقًا، وكيف تخلق سينما بوسائل محدودة.

رغبتي الخاصة في تحقيق الأفلام جاءت من والت ديزني، لكن ما وجدته في بريسون هو شكل من السينما صارم ومتقشف وكئيب، والذي يجعلنا ننظر داخل ذواتنا، ونستنطق حيواتنا، إنه شكل ذو بعد فلسفي، والذي لم يعد حاضرًا في عموم السينما.

KK74HWGMYZEFFLXJEK7CDXRL6U

بول شرادر:

رؤيتي لبريسون هي نظرية جدًّا، لكنها أيضًا شخصية جدًّا، لقد شاهدت فيلمه “النشال” في 1969 حين كتبت مقالة نقدية عنه، الفيلم أسرني إلى حد أنني كتبت عنه لمدة أسبوعين على نحو متواصل، وما شاهدته، الذي هو وراء نطاق ما كتبت عنه، كان نموذجًا للفيلم الذي أرغب في تحقيقه.

جئتُ من خلفية دينية بدوافع لاعقلانية جدًّا، من معهد لاهوتي، وبعد ذلك انخرطتُ في الثورة المضادة في لوس أنجلوس، العام 1968، كنت أعتقد أن لا وجود لأرضية وسطى، وأن المكان الذي جئت منه، والمكان الذي وصلت إليه هما منفصلان على نحو نهائي، متعذّر تغييره، مع ذلك، حين شاهدت “النشال”، الذي كان جزءًا من السينما الفنية الأوروبية، لكنه أيضًا من العالم الذي جئت منه، أدركت أن هذين العالمين لم يكونا بعيدين جدًّا بعضهما عن بعض، رأيت تأملًا بشأن رجل وحجرته، بشأن العزلة والقيم الروحية، وأدركت أن ثمة موضعَ التقاء بين الماضي والحاضر، كذلك أدركت أن هناك ربما مكانًا لي في عملية صنع الأفلام، ظننت أنني سأكون ناقدًا، وأنني أنتمي إلى النقد، لم أكن أحسب أنني قادر على تحقيق فيلم عن رجل وحجرته.

بعد ثلاث سنوات، كتبت سيناريو “سائق التاكسي”، الذي احتوى على الكثير من الغضب، لم يكن عملًا تأمليًّا ولا خارقًا للطبيعة، بل ذلك الذي جاء من “النشال”، إذن، نتج من مشاهدتي لفيلم واحد لبريسون كتابًا ألّفته عن الأسلوب السامي في أفلام أوزو وبريسون ودريَر، إضافة إلى “سائق التاكسي”.

يوجين جرين:

بريسون هو أكثر المخرجين سبرًا- على نحو شامل- لطبيعة السينما، معيّنًا هوية ما هو خاص ومميّز للتعبير السينمائي وحده، وليس لأي شكل فني آخر، إنه المخرج الذي جعلني أفكر في ما يكونه الفيلم، عندما كنت في التاسعة عشرة من عمري وأنا أشاهد “يوميات قسيس ريفي”، في إحدى صالات نيويورك، وقتذاك لم أكن أعرف من هو بريسون، كان لدي تذكرة لمشاهدة ثلاثة أفلام، آخرها فيلم بريسون، الآن لا أتذكر شيئًا عن بقية الأفلام.

حين زرت فرنسا، شاهدت أفلام بريسون مرات عديدة، وبما أنني شرعتُ في تحقيق الأفلام بنفسي، فقد توفَّر لدي الوقت الكافي للتفكير بشأن ما أرغب في فعله، وبريسون لعب دورًا رئيسًا في حسم قراري بأن أصبح مخرجًا سينمائيًّا.

أكي كوريسماكي:

أنا معجب بإيقاعه الفذ في المونتاج، وبطريقته المميزة في ترك الصورة “خالية”، بين حين وآخر، قبل الانتقال إلى لقطة أخرى.

ما فيلمك المفضّل من بين أعمال بريسون؟

أوليفييه أساياس:

في كل مرحلة مختلفة من حياتي، كنت أميل إلى فيلم معيّن من أفلامه، وأفضّله على غيره، في البداية، شعرت بانجذاب وتأثر بفيلمين، هما: هروب رجل، والنشال، في فترة تالية انجذبت إلى “الشيطان، على الأرجح”، و”المال”.

عندما بلغت السابعة عشرة من عمري شاهدت “الشيطان، على الأرجح”، وكان البطل يقاربني في العمر، لم أستوعب وقتذاك ما يقوله الفيلم، بعد عشر سنوات اكتشفت أنني كنت الشخصية ذاتها، وأن عالمها هو عالمي ذاته.

برونو دومون:

“يوميات قسيس ريفي” هو الفيلم الذي يغمرني عند كل مشاهدة له، للفيلم مسحة روحية تحرّك مشاعري على نحو عميق جدًّا، إنه الفيلم الذي يفضي إلى السمو، هو كله مصنوع ببراعة ليأخذنا إلى اللقطة الختامية، التي هي رائعة واستثنائية تمامًا، تلك، بالنسبة لي، هي السينما: كيف تقودنا، لقطةً فلقطةً، إلى النتيجة النهائية، والتي هي قوية جدًّا.

بول شرادر:

أفلام بريسون المفضلة لدي هي تلك التي تتعلّق بالسجن: يوميات قسيس ريفي، النشال، هروب رجل. بعد ذلك يحرّك المجاز قليلًا فتحصل على “محاكمة جان دارك”، ثم يحرّكه إلى مسافة أبعد قليلًا فتحصل على “موشيت”، ثم ينقل المعاملة السيئة التي لقيها القسيس الريفي ليتلقَّاها الحمار في “بالتازار”، والجراءة في ذلك هي مذهلة تمامًا.

يوجين جرين:

أظن أن الفيلمين اللذين يحرّكان مشاعري اليوم هما بالتازار والشيطان على الأرجح (الذي أديت فيه دورًا صغيرًا ضمن المجاميع)، عندما شاهدته للمرّة الأولى رأيت أنه لا يُعبِّر حقًّا عما يعني أن تكون شابًا في ذلك الوقت، لكنني الآن أعتقد أنه استطاع أن يأسر ذلك الواقع على نحو تام.

أكي كوريسماكي:

بالتازار، دومًا سيكون الأمر محركًا للمشاعر ومبهجًا أكثر عندما تتبع حمارًا وليس إنسانًا.

هل استعرت شيئًا من سينما بريسون؟

أوليفييه أساياس:

حين كنت أحقّق أفلامي الأولى، كان بريسون عاملًا مؤثرًا، إذ كنت أقضي الكثير من الوقت وأنا أفكِّر في إعداد اللقطات، وكيفية توجيه الممثلين، الممثلون العاملون معي لم يكن أسلوبهم “بريسونيًّا”، لكنني في كتابتي لم ألجأ إلى الترف والمغالاة، كانت كتابة متقشفة، ولم تكن تسعى إلى إظهار عاطفة خارجية أو ظاهرية، بل العاطفة الباطنية التي تبرز من دون مبالغة.

بالنسبة لي، تأثير مخرج عظيم مثل بريسون يكمن في منحك الفكرة العامة التي تستطيع بها أن تحدِّد طريقك الخاص، والأمل في الذهاب إلى المدى الأبعد الذي هو مضى إليه، على أية حال، فكرة الاقتباس المباشر هي موضع ارتياب، في فيلمي الأول Desordre ثمة مشهد فيه نرى مراهقًا يسرق المال من دُرْج أبيه الطبيب، ولا أعرف إن كان ذلك اقتباسًا أو اقتباسًا لاشعوريًّا، لكن هناك لقطة مماثلة تمامًا في فيلم بريسون “المال”.

حتى أثناء تنفيذي لفيلمي الرابع Une nouvelle vie، وكان عليَّ أن اختار ممثلة لدور المراهقة، كنت أتساءل: أي ممثلة كان بريسون سيختار؟ وعندما حقّقت فيلمي التالي L’Eau froide، ثم شاهدتُ فيلم بريسون “موشيت” قلت “يا إلهي، لقد تأثرت بفيلم لم أكن قد شاهدته بعد”، ذلك يدلُّ على أهمية بريسون بالنسبة لي.

A1czLbpXdTL

برونو دومون:

أنا لا أنظر إلى بريسون، وأتأمل أفلامه، انطلاقًا مما أفعله في أفلامي، أنا أقترب أكثر من روسيلليني أو كوبريك أو بيرجمان، علمًا بأني أتقاسم مع بريسون الرغبة في القيم الروحية، أنت تجد هذا في الطريقة التي يصوّر بها بريسون فيلمه، في أوضاع وزوايا الكاميرا، والتي هي تتَّسم بالاحترام، وآمل أن يوجد هذا عندي أيضًا، غير أن طرائقنا مختلفة تمامًا، فأنا، على سبيل المثال، أفضّل التسجيل المباشر للصوت، الشيء الذي لم يفعله بريسون في أفلامه.

أنت لا تبدأ بمحاكاة شخص آخر، إنما- عوضًا عن ذلك- تبحث عن الروح التي تلهمك لإيجاد صوتك الخاص، لكلِّ شخص طريقته في التدرُّب والتعلّم، أنظر إلى فان غوخ، الذي بدأ بمحاكاة ميليه قبل أن يشكّل أسلوبه الخاص.

ولست أمزح حين أقول إنني أرغب في صنع أفلام رائجة جماهيريًّا، ولا رغبة لدي في الاختباء في الهوامش، أعتقد أن بإمكانك تحقيق أفلام ناجحة تجاريًّا وصارمة، والتي تتّسم بالسموّ والمكانة الرفيعة.

بول شرادر:

الجملة الأخيرة في فيلمي American Gigolo هي نفسها الجملة الختامية في فيلم “النشال”، وهناك مشهد في فيلمي “السائر” The Walker يماثل بصريًّا مشهدًا في “النشال” أيضًا، لكن في ما يتصل بأسلوب التمثيل، فقد كان بريسون ينفث هواءً نقيًّا جدًّا إلى حدِّ أن معظمنا قد يختنق فيه.

بول شردار: فيما يتصل بأسلوب التمثيل فقد كان بريسون ينفث هواءً نقيًّا جدًّا إلى حد أن معظمنا قد يختنق فيه.

يوجين جرين:

أسلوبيًّا، لم أستعر الكثير من سينما بريسون، إنما هي الفكرة العامة بأن جوهر السينما هو في جعل الروح تبدو ظاهرة من خلال استكشاف المادة، تلك هي صلتي القوية به: إنه المخرج الذي يعبّر عن أشياء روحية.

أكي كوريسماكي:

حاكيت أسلوبه جزئيًّا، وعلى نحو صريح، بطريقتي الصبيانية، في فيلمي “فتاة مصنع الكبريت” (1989).

أكي كوريسماكي: حاكيت أسلوبه جزئيًّا، وعلى نحو صريح، بطريقتي الصبيانية، في فيلمي “فتاة مصنع الكبريت”.

ما الذي تراه باعتباره تراثَ بريسون الحقيقي؟

أوليفييه أساياس:

بريسون مسّ شيئًا قريبًا جدًّا مما تكونه السينما الفرنسية، وتعريفه وتحديده لها، المخرج والكاتب ألان كافالييه قال ذات مرّة أن في السينما الفرنسية لديك أبًا وأمًّا: الأب هو بريسون، والأم رينوار.. حيث يمثّل بريسون صرامة القانون، ويمثّل رينوار الدفء والسخاء، بطريقة ما، أفضل ما في السينما الفرنسية لها، أو سوف تكون لها، علاقة ببريسون.

أعماله قريبة جدًّا من روح ما تكونه السينما، إلى حدِّ أنه في أي ثقافة سينمائية سوف يوجد أفراد يستجيبون إليه، مثل تاركوفسكي الذي يُعدُّ واحدًا من أعظم الفنانين في القرن العشرين، كلاهما من شعراء السينما العظام، كل فيلم لهما هو كامل ومثالي، ولم يقدِّما قط أي فيلم عادي أو متوسط الجودة، أفلامهما توجد خارج الزمن والمكان، وتشعر أن حياتهما كلها متوقِّفة على خلق تلك الأفلام.

برونو دومون:

النقاد يكافحون من أجل إيجاد تماثلات مع بريسون، في كل مرّة يظهر مخرج ويحقّق عملًا مشابهًا، على نحو غير واضح، لأعمال بريسون، لكن بريسون مهّد لنفسه طريقه الخاص، ومن الحماقة أن تتبع ببساطة خطواته، هو انفصل عن التقليد المسرحي في السينما ليبدع أفلامًا يوظف فيها الصوت على نحو رائع، في أفلام جاك تاتي تجد مثل هذا التوظيف، لكن في إطار كوميدي.

في ما يتعلق بتراث بريسون، موريس بيالا تأثر به كثيرًا، لكن في ما بعد اتّخذ له مسارًا خاصًّا، وبريسون نفسه تأثر في بداياته بكارل درير، في السينما، هناك كلّ متصل ومترابط، نحن جميعًا  جزء من القصة نفسها.

برونو دومون: النقاد يكافحون من أجل إيجاد تماثلات مع بريسون، لكن بريسون مهّد لنفسه طريقه الخاص، ومن الحماقة أن تتبع ببساطة خطواته.

بول شرادر:

حتى لو لم يتأثر المخرج ببريسون، فمن المهم له أن يحقّق فيلمه مستخدمًا بعضًا من جمالياته، واقع أنك تستطيع فعل ذلك، يتعارض مع ما يظنه الكثيرون منا بشأن معنى السينما، إذا كنت ترى أن السينما دينامية ومفعمة بالحركة، حيث الأكشن والتقمُّص العاطفي، فإن من الأشياء التي كان بريسون يتجنَّبها: الأكشن والتقمُّص العاطفي.

هو من أكثر الفنانين فرادة، بين الحين والآخر، مخرج ما يحاول أن يحقّق فيلمًا بريسونيًّا، يمكنك أن تقول أن بيلا تار، أو أنجيلوبولوس، أو سوكوروف، تحركوا في ذلك الاتجاه.. لكن أفلامهم كانت عن السكون والطمأنينة أكثر من أي شيء فعله بريسون، هو أشبه بضوء بعيد.. بعيد في نقطة نائية، من المثير معرفة أن الضوء لا يزال هناك، لكنك لن تصل إلى هناك أبدًا.

يوجين جرين:

أغلب المخرجين الجادين، في هذه الأيام، يكنُّون الكثير من الاحترام لبريسون، بخلاف ما كان عليه الحال عندما كان حيًّا، لقد اعتدت مشاهدة أفلامه في العروض الصباحية؛ لأن الجمهور قليل العدد، ولأن العروض المسائية يحضرها جمهور ضاج، لا يكفُّ عن السخرية والاستهزاء بحوارات الممثلين.

في يومنا، حالما يُعرض فيلم متقشف، وبسيط في عناصره الإنتاجية، حتى يوصف بأنه فيلم بريسوني، لكنني لا أعتقد أن الأمر كذلك، الأكثر أهمية هنا هو التراث الروحي.

مؤخرًا قال لي شخص أن بريسون هو مخرج قضايا المراهقين، وأنا لا أتفق مع هذا القول، بريسون كان يعبّر عن أشياء معيّنة، هي من طبيعة المراهقة؛ ولهذا فإن أغلب شخصياته تقريبًا هي من الشباب، مع ذلك، فإن بريسون يتلقى الإعجاب والتقدير من مختلف الأعمار.

أنا لا أقول إنه يتقدّم ويرتقي كمخرج، فيلمه الأخير “المال” هو أكثر أعماله المتّسمة باليأس، إنه واحد من المخرجين الذين في أعمالهم تستطيع أن تكتشف نموًّا معيّنًا، لكن ثمة أيضًا شيئًا جوهريًّا يبقى منذ فيلمه الأول وحتى الأخير.

يوجين جرين: أغلب المخرجين الجادين، في هذه الأيام، يكنُّون الكثير من الاحترام لبريسون، وذلك على نقيض ما كان عليه الحال عندما كان حيًّا.

أكي كوريسماكي:

لا رحمة للجنس البشري عندما لا يستحقُّ ذلك.. بمعنى آخر، لا شيء أبدًا.

فاصل اعلاني