• English
  • 14 يناير، 2025
  • 6:46 ص

“محطمة النظام” فيلم حزين جدًا، لكنه جميل بشكل استثنائي

“محطمة النظام” فيلم حزين جدًا، لكنه جميل بشكل استثنائي

30 July، 2022

جوليان ليبرت

ترجمة: الهنوف الدغيشم

حينما كانت “بيني” الطفلة ذات السنوات العشر صغيرة؛ ضُغطت الحفّاظات على وجهها حتى كادت تختنق، ومنذ ذلك الحين، لم تسمح لأي شخص أن يلمس وجهها، وإلا فسوف تصيبها نوبة غضب شديدة. إن غضبها لا يشبه غضب طفل لم يحصل على قطعة شوكولاتة يرغبها، بل هو غضبٌ يهدد حياة الأطفال الآخرين. ضربت رأس أخيها على حلبة التزلج الجليدية حتى نُقل إلى المستشفى، أخذت السكين وهدَّدت الآخرين، ركضت هاربة في الغابة وحدَها، خرَّبت وضربت، تريد تدمير كل شيء.

في الوقت ذاته، هي طفلة رقيقة وضحوك، بحاجة إلى الحب، وشغوفة بالمغامرة. عيناها تضيئان بالبراءة حينما تتلقى الهدايا، وتمتلئان بالحزن حينما لا تتمكن أمها من زيارتها في عيد ميلادها. لا تأتي الأم لزيارتها لأنها مرهقة بتحمل مسؤوليات طفلَين آخرَين، كما أنها تخاف أيضًا من مشاعرها المتذبذبة تجاه طفلتها. إن مؤسسات رعاية الأطفال لم تتمكن من رعاية “بيني” لأنهم بحاجة إلى حماية الأطفال الآخرين منها، إضافة إلى أن المقاعد نادرة. بعد نوبة فزع عنيفة انتهى بها الأمر أن تكون في المستشفى في غرفة فارغة وبجدار زجاجي. عيونها مرهقة من جرعات التخدير المهدئة، تبدو جدًا صغيرة للعلاج النفسي، ولكنها أيضًا صعبة جدًا لمواجهة العالم.

الفيلم الاستثنائي محطمة النظام

يمكن بسهولة أن تُطرح فكرة الفيلم في فيلم قصير بشكل تعليمي ووعظي، متبوعًا بلقاء حواري مع خبراء لمناقشة حلول عن المشاكل الاجتماعية والتعليمية في ألمانيا. هذه النوعية من البرامج الرائجة في ألمانيا، التي تُطرح من خلال فيلم تعليمي، مثل أثر إدمان الألعاب الإلكترونية، أو الإسلام المتطرف، أو الأمراض العقلية. ويبث في الساعة 8.15 مساء لمدة 90 دقيقة. عادة الحيز الذي يطرح أو يقال في مثل هذه النوعية من البرامج فيه مجال قليل من الأخطاء، ولكن أيضًا لا شيء صحيح تمامًا.

إن عرض المشاكل الاجتماعية من خلال فيلم يختلف عن عرضه من خلال برنامج حواري، ففي الأفلام لا تتهرب الشخصيات من عبء تمثيل المشكلة، في حين أنه في البرامج الحوارية يحاول أن يقترب المتحاورون من منطقة مشتركة عن طريق استخدام عبارات متقاربة.

تناقض ولمعان

لحسن الحظ أن الفيلم لم يتحول لفيلم وعظي، ويرجع ذلك إلى شجاعة المخرجة “نورا فنجشيدت” التي تركت الأسئلة من دون أجوبة أو حلول. فالتناقض واللمعان في الشخصية الرئيسية تم تمثيله بشكل مؤثّر من قِبل “هيلينا زينجل”، فشخصية “بيني” لم تُعرَض فقط كمصدر لمشكلة بلا حل، بل أيضًا كشخصية قد تثير الإعجاب. في النهاية، التناقضات المتحدة في شخصية هذه الطفلة هي مصدر للإبداع الفني. فهي الشخصية التي يمكن أن تحمل كل الأشياء الجيدة، ويمكن أن تكون في الوقت ذاته مدمرة أيضًا. فهل يمكن لشخص يُعرّض الآخرين للخطر، يسرق ويعاني ولا يأخذ باعتباره أي شيء أن يكون محبوبًا؟ إلى متى يستمر أحدهم في مساعدة شخص عنيف ويشكل عبئًا وخطيرًا؟ ماذا عن أولئك الناس الذين لا خلاص ولا حلول لهم؟ ولماذا الشخصيات اللامعة والمشعة ترفض الاستسلام للعالم؟ ولا يمكنها أن تنحني لأحد؟

لم يتحول الفيلم إلى وعظي، ويرجع ذلك إلى شجاعة المخرجة “نورا فنجشيدت” التي تركت الأسئلة من دون أجوبة أو حلول.

الفيلم لا يحكي قصة “بيني” فحسب، بل قصة بيئتها ومؤسسات رعاية الأطفال التي فشلت في احتوائها. بالقرب من نهاية الفيلم، هربت “بيني” من مرافقها المدرسي “ألبريشت شوتش”، الذي عدَّته صديقًا ووثقت به، لقد كان يناديها وهي تهرب، تتوقف ويتبادلان النظرات، لقد كان يمكنه إيقافها، ولكنه لم يفعل. هل لأنه لا يعرف لماذا تفعل به هكذا؟ أم لأنه يعرف أن محاولة مساعدتها أمر ميؤوس ولا جدوى منه؟

حيّز أكبر من الحرية

 منذ الستينات في ألمانيا وهناك دعوات تحررية من المدرسة التربوية الإصلاحية، وأن يكون في المدرسة حيز أكبر من الحرية. اليوم لم تعد المدرسة مكانًا للتربية، ولكن على الأطفال أن يتنافسوا منذ البداية ويتكيفوا. فأي انحراف عن السائد يعتبر مشبوهًا، فإذا كان الطفل في الروضة لا يستطيع أن يلوّن جيدًا، ويكون تلوينه أقرب للخربشة، فإن الروضة توصي والديه بأن يأخذ الطفل مواعيد لدى معالج وظيفي لتحسين مهاراته الحركية الدقيقة. كل انحراف عن السائد/ الطبيعي يُحوَّل إلى حالة مرضية، وفي الوقت ذاتِهِ؛ هناك نقص في الأجهزة والموارد البشرية القادرة على السيطرة على الحالات المرضية كما في الفيلم.

تُفسد “بيني” النظام، تكاد تتجمد من الموت، تحتاج إلى مساعدة، ولكنها المساعدة التي لا يستطيع أحد تقديمها لها. كما أن “بيني” تذكرنا بالإمكانات الفوضوية الكامنة داخل الإنسان، ولذلك لا يوجد شيء أكثر أهمية مثل مقدرة التعايش السلس بين البشر، طالما أن الناس يريدون أن يعيشوا كبشر وليس كروبوتات.

تفسد “بيني” النظام، تكاد تتجمد من الموت، تحتاج إلى مساعدة، ولكنها المساعدة التي لا يستطيع أحد تقديمها لها. تذكرنا “بيني” بالإمكانات الفوضوية الكامنة داخل الإنسان.

فيلم “محطمة النظام” فيلم حزين جدًا، ولكنه أيضًا جميل بشكل استثنائي عن طفلة تعرضت لصدمات في طفولتها. إن منبع جماله غير العادي أنه يقربنا من روح بطلة الفيلم وبيئتها، الفيلم ليس رومانسيًا، ولكنه أيضًا ينظر للطفلة بحبٍّ رغم كل شيء.

  • حصلت المخرجة نورا فنجشيدت على جائزة ألفريد بور عن هذا الفيلم لعام ٢٠١٩ في مهرجان برلين السنوي للأفلام العالمية.

المقال الأصلي.

فاصل اعلاني