السينما الإيرانية: محمد رسولوف يواجه سلطة بلاده سينمائيا
13 June، 2023
إعداد سعاد زريبي
شكَّلت السينما الإيرانية محور نقاش فني عالمي في المهرجانات الدولية. لعبت فيه المضامين الفنية دورًا بارزًا. وشكَّل البعد السياسي الذي أثارته هذه الأفلام في الساحة السينمائية العالمية حضوره القوي. بينما ظلت مشكلة الرقابة على المخرجين الإيرانيين من أبرز القضايا المطروحة في المهرجانات السينمائية العالمية. حيث يعاني المخرجون الإيرانيون ضربين من الضغوط. أوّلهما: ضغط عالمي. حيث إنهم مخرجون إيرانيون. أي أنهم رافد من روافد دولة يخلق اسمها قلقا في الأوساط السياسية. باعتبار ما تثيره صورتها اليوم في ظل ما يُعرف بالقرية الكونية. وثانيهما: هو الضغط الداخلي الناتج عن الرقابة السياسيّة والدينيّة على أعمالهم. حيث تعاني السينما الإيرانية من شيطنة تسيُّس كبرى. مما جعل حضورها ملفتًا لانتباه النقاد والصحافيين في الغرب. وقد عبر المخرج الإيراني عباس كياروستامي عن ذلك في أحد لقاءاته، موضحا أنه يجب على الصحافة العالمية أن تتجاوز إشكاليّة الرقابة على السينما الإيرانية، والتوظيف السياسي لها؛ من أجل فهم مضامينها الفلسفية والروحية العميقة. ويرى كياروستامي أن الضغط الداخلي ساهم في نشأة سينما “إيرانية” تنقل حقيقة الثقافة والمجتمع.
والعداوة بين السينما والسياسة في إيران تزداد سوءًا، في ظل اعتقالات المخرجين الأخيرة. والتي تزامنت مع الاحتجاجات الاجتماعية في نوع من تكميم العيون عن الواقع. ذلك الذي بدا فيه المواطن الإيراني اليوم غاضبًا من سياسات بلاده. وتعتبر السينما في إيران من أقرب الفنون إلى الشعب، حتى إنه يمكننا دراسة حقيقة التطوُّرات والتقلُّبات التي عاشها هذا البلد عبر قرن ونيف من السينما، فهي فنٌّ محايث للواقع الاجتماعي؛ الأمر الذي جعل العلاقة بين السياسة والسينما في حالة توتر دائم، على مدار قرن كامل، لتصل إلى ذروتها في السنوات الأخيرة. ولعل صورة المخرج محمد رسولوف وهو يتلقى جائزة الدبِّ الذهبي في مهرجان برلين، عن فيلمه المثير للجدل السياسيّ والدينيّ “لا وجود للشيطان”، من خلال شاشة هاتف ابنته، تُعدّ من أكثر الصور تعبيرًا عن مدى شدَّة الرقابة في الدولة الإسلامية الإيرانية، وعن القطيعة بين الفنان والسياسي. ويعتبر رسولوف اليوم المخرج الإيراني الأبرز من حيث مواقفه السياسية المناهضة للاستبداد والعسف.
يعاني المخرجون الإيرانيون في الخارج من كونهم من دولة يخلق اسمها قلقًا في الأوساط السياسية. وفي الداخل من شدة الرقابة المفروضة على أعمالهم.
ثلاثة أفلام
في السنوات الأخيرة لمع نجم محمد رسولوف، من خلال أفلامه الثائرة على النظام السياسي. وسنعرض هنا لثلاثة من أعماله السينمائية، تكشف عن حقيقة الواقع السياسي في إيران. وهي أفلام: “ظِلال بيضاء” 2009، “الرجل النزيه” 2017، وفيلمه الأخير “لا يوجد شر” 2020، وهو الفيلم الذي تمّ تصويره سرًّا ودون ترخيص. عبّر رسولوف في هذه الأفلام الثلاثة عن معارضته لسياسة بلاده. مصورًا في الفيلم الأول “ظِلال بيضاء”، عقوبة “الرؤية”. حيث مات الفنان الذي أراد أن يرسم البحر أحمر، بعدما غضب عليه الشيخ فأمر بتعذيبه كأمر استعجاليّ؛ لأن مرضه معدٍ وسيُعدي عيونًا أخرى. ثم اتخذا قرارًا بترحيله عن القرية هو وطفل تم رجمه بالحجارة؛ لأنه أيضًا “يرى” العروس التي ستزف إلى البحر. لقي بطلا رسولوف حتفهما من شدة التعذيب في مكان بعيد عن القرية. وماتا مثلما ماتت الطيور في الفيلم على الشاطئ؛ من فرط ملوحة المياه.
وفي فيلمه “الرجل النزيه” كشف رسولوف عن حقيقة النظام البيروقراطي، وحقيقة الفساد الذي حوّل الرجل النزيه إلى شخص مختلف. حيث يـتفسَّخ الإنسان عن ذاته، ويعاني شيزوفرنيا تمزقه بين مبادئه وواقعه. أما فيلمه الأكثر جدلًا “لا وجود للشرِّ”، فقد تناول عقوبة الإعدام، وقدم رسولوف من خلاله أربع قصص عن أربع شخصيات في وظائفهم متعلقة بإعدام أشخاص جرّمهم النظام. فالقصة الأولى جاءت عن رجل تعوّد تنفيذ عقوبة الإعدام يوميًّا، وبشكل سلسل، ومن ثم فإنه لا يعتبر ذلك أمرًا شنيعًا، حيث إنه أمر مرتبط بوظيفته كموظف حكوميّ. أما القصة الثانية فقد عرضت لهروب شخص من أداء عمله في إعدام بعض الأشخاص، متّهما القانون بالجور والظلم، وأنه خاطئ وغير عادل. موقنًا بأن الإنسان لا يجب أن يفقد ضميره في ظلِّ نظام قانوني جائر. ومن ثم فإنه يهرب من مهمته، ويذهب ليلتقي بحبيبته، ويغنيان معا أغنية “بيلا تشاو”.
أما القصة الثالثة فتدور عن رجل ترك تربية ابنته لرجل آخر أخبرها أنه والدها الحقيقي، وقد تخلى الرجل عن ابنته؛ لأنه عاش حياته فارًّا من النظام. لم يكن بإمكانه أن يقوم بواجب الأبوة نحوها، ولا بتوفير الأمان والرعاية اللازمتين لها. معتبرًا أن كل ما يحدث له هو صيد دجاج من قبل ثعلب ماكر. وقد صور رسولوف في نهاية هذا المقطع ثعلبًا متخفيًا وهو يترصَّد فريسته.
أمّا القصة الرابعة فتقدِّم نهاية قصة حب بين شابين. حدث ذلك حين علمت الفتاة أنّ حبيبها هو الذي نفذ حكم الإعدام على أحد أصدقائهم في القرية. ممّا أغرق الشاب في طوفان من الندم وتأنيب الضمير. ليؤكد رسولوف من خلال القصة أن حكم الإعدام قتل مشاعر الحب بين الشابين، كما فعل مع بقية الناس، فالعلاقة بين المواطنين أصبحت قائمة على التضاد بين أفراد تابعين للنظام وأفراد ظلمهم النظام. وهو ما يمثِّل إشكالية حقيقية داخل المجتمع.
لقد رأت السلطات الإيرانية في أفلام رسولوف تطاولًا على السلطة والضوابط الدينية. مما جعله في حرب دائمة مع السلطات الدينية والسياسية التي فرضت عليه الإقامة الجبرية. إذ صادرت جواز سفره سنة 2018 بعد عرضه فيلم “الرجل النزيه”. يؤكّد كياروستامي أنّ مشكلة الرقابة من أكثر المشكلات التي يتعرض لها المخرج الإيراني في المهرجانات الدولية. رغم أنّ الإبداع نابع من العقل الإنساني، وأنّ الانسان قادر على أن يصنع ثقوبًا في جدران زنزانته؛ كي يرى الضوء في العالم الخارجي، وهو الأمر الذي جعل الأفلام الإيرانية تمر عبر ثقوب ضيقة إلى العالم، لتسطع بضوئها في قاعات سينما المهرجانات العالمية.
لقي بطلا رسولوف حتفهما من شدة التعذيب في مكان بعيد عن القرية. وماتا مثلما ماتت الطيور على الشاطئ.
رأت السلطات الإيرانية في أفلام رسولوف تطاولًا على السلطة والضوابط الدينية. مما جعله في حرب دائمة مع السلطات الدينية والسياسية التي فرضت عليه الإقامة الجبرية