“التسجيلات المجهولة”: وثائقي عن رحيل مارلين مونرو مبكرًا زواجها بميللر أصابها بالاكتئاب.. وعلاقتها بكِندي أودت بها إلى الانتحار
13 June، 2023
عبد الكريم قادري
على الرغم من مرور 60 سنة على وفاة الممثلة الأيقونة مارلين مونرو (1926-1962)، غير أن اسمها لا يزال حاضرًا بقوة، ويبرز أكثر عندما يتم طرح أي عمل جديد حول مسارها ومسيرتها، رغم أنها أبكرت الرحيل (عاشت 36 سنة)، وقد تنوَّعت تلك الأعمال المطروحة التي يصعُب عدُّها وحصرها في جنس فني أو أدبي معين؛ لكثرتها وتنوعها واختلافها وتباعدها الزمني، إذ توزَّعت بين الكتب والمسرح والدراما، والسينما بشقيها الروائي والوثائقي، وقد انعكست هذا التنوع في طريقة التناول، وفي الزاوية التي عولج منها، فمنها من تطرق لمسيرتها كممثلة، أو حياة الطفولة الصعبة التي عاشتها، أو في علاقاتها الغرامية المتنوعة، أو في موتها الغامض، وهناك من جمع كل تلك العناصر دفعة واحدة في عمل فني أو أدبي واحد؛ انطلاقًا من الأسئلة الأكثر شيوعًا حول فرضيات لا تزال مطروحة بقوة حول موتها، فمنهم من قال بأنها انتحرت بأن تناولت جرعات مفرطة من الحبوب المنوِّمة، ومنهم من رأى بأنها اغتيلت على يد وكالة الاستخبارات المركزية، وهناك من ذهب صوب القاتل المأجور الذي وضع حدا لحياتها ليداري أسرارا ما، ومن بين كل هذه الفرضيات وأخرى، لا تزال هناك العديد من التكهُّنات حول طريقة موتها إلى اليوم، لتبقى نظريات المؤامرة الجنونية هي التي تغذي هذا الملف، وتدفع به لنقاش بدأ يوم الرابع من أغسطس/آب عام 1962، وتجدد أكثر خلال هذه الأيام بعد أن عرضت منصة “نتفليكس” فيلمًا استقصائيًّا تحت عنوان: “لغز مارلين مونرو .. التسجيلات المجهولة” (101 دقيقة، 2022)، للمخرجة الأسترالية إيما كوبر.
تنعكس أهمية هذا الفيلم من خلال اعتماد الفريق المعد له على الوثائق والحقائق المثبتة، وابتعدوا عن الإثارة المتصنَّعة الجوفاء، التي تغذي فرضيات غير منطقية، لزيادة حجم مبيعات الجرائد والكتب، أو تنشيط شبّاك التذاكر، وجمهور التلفزيون والمنصات، وتأتي هذه الأهمية انطلاقا من اعتماده بشكل رئيس على الأرشيف السمعي الذي يحتفظ به الصحفي الايرلندي الاستقصائي أنتوني سمرز (79 سنة)، و الذي لم يسبق لأي شخص من الجمهور العادي أن اطلع عليه.
البداية
وقد بدأت الحكاية مع هذا الصحفي سنة 1982، عندما قام المدَّعي العام الأمريكي بإعادة فتح قضية موت مارلين مونرو من جديد،؛ لهذا تم استدعاؤه من قِبل صحيفة بريطانية، وتكليفه بالسفر وتغطية هذه القصة، وحسب الشهادة التي قدَّمها في فيلم “لغز مارلين مونرو .. التسجيلات المجهولة” الذي اعتمد عليه كضيف أساسي، وعلى ما يملكه من أرشيف صوتي قوي ومنوَّع حول هذه القضية، يقول بأن نيته في بادئ الأمر عندما تم تكليفه بهذه المهمَّة، بأن يبقى أسبوعين أو ثلاثة في الولايات المتحدة الأمريكية، لكنه مكث فيها ثلاث سنوات، تعمَّق في هذه القضية، وذهب الى أماكن لم يذهب لها غيره، لتكون النتيجة بأنه سجّل 650 مقابلة حول القضية، ليصدر أنتوني سمرز بعد ثلاث سنوات من فتح القضية من قبل المدعي العام كتابًا تحت عنوان “Goddess: The Secret Lives of Marilyn Monroe”، وهذا سنة 1985، ليكون ذلك الكتاب من أهمِّ المراجع التي يُعتمد عليها في قضية مارلين مونرو، خاصة وأن مادته الأساسية انطلقت من تلك الأشرطة الصوتية التي جمعها، وقد اعتمد الفيلم عليها وعلى جامعها، ولتقوية سبل التلقي، وقد ذكر في مفتتحه ما يلي: “كل التسجيلات الصوتية هي أصوات أصدقاء وزملاء مارلين مونرو، تم تمثيلها من قبل ممثلين”، وقد قامت المخرجة إيما كوبر بهذه الخطوة من خلال إعادة تمثيل الشخصيات؛ لتقوية المشاهد البصرية، وخلق جسور تواصل مع الجمهور.
بحثًا عن فضيحة
شكَّلت الأسماء المهمة والقريبة من مارلين مونرو، التي سجّل معها الصحفي الاستقصائي أنتوني سمرز، منعرجًا حاسمًا في عملية البحث عن الحقيقة وتثبيتها، خاصةً وأن كل فرد منهم عرفها من زاوية معينة، من بينهم صاحب مطعم في هوليود تعودت مارلين الذهاب له، ومصفِّفة شعرها جلوديا وايتين، وصديقتها الممثلة بيغي فلوري، ومصنِّع ملابسها هنري رزنفيلد، وصديقها مطوِّر العقارات آرثر جيمس، والمصوِّر وشريكها في دار الإنتاج التي أسَّستها ميلتون غرين، والمصفِّف سيدني جيلاروف، كما أجرى مقابلة مهمة ومحورية مع المحقِّق الشهير فريد أوتاش الذي ركَّب أجهزة تنصُّت في بيتها بطلب من جيمي هوفا رئيس نقابة العمال، واتحاد سائقي الشاحنات القريب من المافيا، وهذا من خلال بحثه عن فضيحة أو أدلة يمكن أن يواجه بها الأخوين كيندي، خاصة وأن جون كندي واجهه الكثير من المرات في قضايا فساد عندما كان سيناتورا، وسأله عن الأموال غير المشروعة التي جمعها، من هنا أصبح خصمًا ظاهرًا له؛ لهذا بدأ يبحث له عن أي قضية ليواجهه بها ليكف عنه.
ولقد جعلت المخرجة من قضية موت مارلين مونرو سببًا رئيسًا لانطلاق الأحداث، لكنها بحثت في التفاصيل الصغيرة التي شكّلت جمالية الفيلم، وحافظت على تماسكه، من بينها العودة إلى ماضي هذه الأيقونة، وهي المرحلة المهمة التي كوَّنت شخصيتها، ونظرتها إلى هذا العالم وإلى الأشياء التي تحيط به، خاصة وأنها عاشت طفولة قاسية، انطلاقًا من اليتم والتشرُّد الذي عاشته، حيث توزَّعت حياتها على أكثر من عشر دور رعاية وأيتام، وتسوق مارلين في هذا الخصوص تعبيرًا قويًّا تبرز من خلاله صورة من الصور السوداء المحاطة بالدموع واليأس، عند ذكرها لقصة ذهابها لإحدى دور الأيتام، حيث قالت: “عندما أخذوني إلى دار الأيام ظللتُ أصرخ وأبكي وأصيح: “لستُ يتيمة”، ناديت على كل امرأة رأيتها قائلة: “ها هي أمي”، وإذا رأيت رجلًا كنت أقول:” ها هو أبي”.
شكّلت الأسماء القريبة من مارلين مونرو التي سجّل معها الصحفي الاستقصائي أنتوني سمرز منعرجًا حاسمًا في البحث عن الحقيقة، خاصة أن كلَّ فرد منهم عرفها من زاوية معينة.
جنون عظمة
إضافة إلى عيشها كلَّ أصناف التحرُّش الجنسي؛ لأنها لم تكن تعرف ما هو التحرش، إذ ليس هناك عائلة تشرح لها هذا الأمر، وقد لازمها هذا طوال حياتها القصيرة، لم تستطع أن تخرج منه، وفي هذا السياق يذكر طبيبها النفسي الدكتور رالف غرينسون، الذي كان قريبًا منها، وهذا من خلال ما تركه في أرشيفه الشخصي الذي استطاع أن يصل إليه الصحفي سمرز، بعد أن مكّنته أفراد عائلته منه، حين ذكر من خلال وصف حالة مارلين بأنها كانت تعاني من ردود فعل ماسوشية شبيهة بجنون العظمة، لكنها لا تعاني من الانفصام، وهذا نتيجة اليتم والتشرُّد الذي عاشته، حين مرَّت على أكثر من عشر دور رعاية للأيتام، كما رأى غرينسون بأنها امرأة حرمت من الطفولة، وكانت بحاجة ماسة إلى عائلة، وبسبب هويتها لم يستطع الدكتور إدخالها المستشفى؛ لهذا أدمجها مع عائلته، في محاولة منه لعلاجها؛ لهذا اندمجت مع ابنته التي أخبرتها بأنها دخلت في علاقة جديدة مع شخص تدعوه بالجنيرال، وهي الصفة التي يُطلقها بعض موظفي وزارة العدل على المدَّعي العام “روبرت كيندي”، وهي العلاقة التي عقَّدت حياتها وقلبتها رأسًا على عقب.
طاقة لا تنضب
المآسي التي عاشتها مارلين جعلتها غير قادرة على الشعور بالسعادة، وتذوق طعم النجاح الذي حققته في ظرف وجيز، كانت تقول دائمًا “لم أعتد على الشعور بالسعادة”؛ لهذا أصبحت حياتها فوضى كبيرة، انطلقت من محور أساسي، بغضِّ النظر عن الماضي الذي عاشته، وهو علاقتها مع الرجال، كانت البداية مع وكيل المواهب والرجل الثري جوني هايد الذي كان يدللها بشكل رهيب، وهو من قدَّمها لعالم هوليود وصنَّاع السينما المهمِّين، من خلال السهرات الكثيرة التي كان يحضرها معها، خاصة أنه ترك زوجته من أجلها، وأراد أن يعيش معها ما تبقَّى له من حياة، بعد أن ألمَّ به المرض الذي أمهله 18 شهرًا ليعيشها، لتنطلق بعدها في عالم السينما الذي أحبَّته، أين أخذت دورات تمثيلية لتحقيقه، ومع انطلاقها حققت نجاحات غير مسبوقة، أين ركَّزت عليها الصحافة بشكل رهيب، بعد حصولها على العديد من جوائز في السنة التي انطلقت فيها، كما تصدرت أغلفة المجلات والجرائد، وأصبحت مادة دسمة للأخبار، لسحرها وجمالها وطريقة تمثيلها وتعاملها مع الناس، كانت تحتوي على طاقة رهيبة، سواءً من خلال أدوارها السينمائية، أو فقراتها الاستعراضية، أو تعاملها ولطفها؛ لهذا كانوا يعتبرونها طاقة لا تنضب، ودائمًا ضمن المقابلات الصوتية التي يملكها أنتوني سمرز، فتقدم صديقتها الممثلة “جين راسل” التي شهدت أولى محطاتها شهادة في حقِّها، حيث قالت بأنها كانت مقرَّبة منها في مواقع التصوير وفي حياتها، لكن مارلين كانت كل مرة تكتسب صداقات ومجموعات جديدة، وتمضي قدمًا ولا تلتف إلى الوراء، أي تتخلى عن الصدقات في سبيل التجديد دائمًا.
ميللر وجو ديماجيو
النجاح الذي حققته في مهنتها لم ينعكس في زيجاتها الثلاث التي عقدتها، فقد كان أولها مع جيمس دوغيرتي (من 18 يونيو 1942 حتى 13 سبتمبر 1946)، وبعدها تزوجت بلاعب كرة القاعة الشهير جو ديماجيو، الذي رأت فيه بأنه صادق، لكنه يحب التملك، لم يحب صورتها المثيرة في الإعلام، خاصة عندما تم تصوير فيلم “حكَّة السنة السابعة”، أين قدَّمت الفيلم للصحافة على رصيف الشارع، حيث تلاعبت الرياح بتنورتها من خلال هواء القطار الأرضي؛ لهذا ضربها زوجها وترك فيها كدمات في جناح الفندق الذي كانا يقيمان فيه، وقد استمرَّ الزواج لشهور فقط (من 14 يناير 1954 حتى 27 أكتوبر 1954)، لكن أطول الزيجات وآخرها كان مع الكاتب المسرحي الشهير آرثر ميللر، حيث استمر لسنوات (من 29 يونيو 1956 حتى 24 يناير 1961)، وقد أسهم هذا الزواج في كآبتها وحزنها، من خلال ملاحظات ميللر القاسية، حيث وصفها بالعاهرة، إضافة إلى أنها أجهضت، وهو الأمر الذي جعلها تقبل على الأدوية والفيتامينات التي وصفها لها الأطباء، وهي أدوية خطيرة جدًّا، والمسؤولية يتحملها ميللر الذي جعلها تعتقد بأنها زوجة غير صالحة، وأنها فاشلة ولم تسعده، وهكذا تحولت في نظره مثل زوجته السابقة التي تركها، حسب ما قاله مقربون منها.
شِبَاك كيندي
تقول الممثلة جين مارتن زوجة دين مارتن، في الشريط الصوتي المسجل بأن لجون وجاك كيندي علاقات سوداء وغير سوية بالنساء، كما كانا متحرشين يحبان ملامسة النساء والتحرُّش بهنَّ، مثل أبيهما الذي أوصاهما بضرورة الاستمتاع بالمرأة، وتضيف جين التي كانت شاهدة على السهرات التي كانا يحضرانها بقولها إنهما كانا يمارسان العلاقات أمام أي شخص، حيث تكون زوجتيهما في غرفة وهما في غرفة ثانية يمارسان العلاقات، ولقد وقعت مارلين في شباكهما، وقد وقع الاثنان في حبها، ودخلا معها في علاقة، لكن بعد أن أصبح جون كيندي رئيسًا للبلاد وضع حدًّا لهذه العلاقة، انطلاقًا من النصائح الأمنية التي وُجهت له، حيث ذكرت التقارير الأمنية التي اطلع عليها الصحفي سيمرز بأنها كانت يسارية، ويمكن أن تخرج أسرار الدولة خلال ثرثراتها الكثيرة، خاصة وأن الحرب الباردة كانت في أوجها؛ لهذا أحست مارلين بأن جون كندي جرح مشاعرها بعد أن قال لها إنه لا يمكن لها التواصل بعد اليوم مع الأخوين كندي، وهذا قبل شهر واحد من وفاتها، للحفاظ على أسرار الدولة.
أنباء عن الوفاة
قالت مدبرة منزلها السيدة يونيس موراي بأنها عثرت عليها ميتة على سريرها، وفي يدها سماعة الهاتف، وهذا يوم 5 أغسطس سنة 1962، وبجانب سريرها زجاجة الحبوب المنوِّمة، وتضيف السيدة بأنه قبل وفاتها بيوم دخلت غرفتها بشكل عادي، ولكنها عندما استيقظت على الساعة الثالثة صباحًا وجدت باب غرفتها مضاء؛ لهذا اتصلت بالطبيب النفسي غرينسون الذي قاد سيارته لـ2.5 كلم، وقد اطلع عليها من نافذة الغرفة، وحين وجدها مستلقية كسر النافذة ودخل، ثم فتح الباب للسيدة موراي قائلًا لقد فقدناها، واتصل بالشرطة.
لكن الصحفي نقل رواية أخرى من ناتالي جاكبسون زوجة آرثر جاكبسون، والتي قالت إن زوجها ذهب إلى مارلين على العاشرة والنصف، “بعد أن غادرنا إحدى الحفلات، وهذا حين سمعنا بموتها”، وأضافت: “وزوجي هو من لفَّق كل شيء لأسباب لا أستطيع قولها، فعل هذا لإبقاء الصحافة بعيدة”، وذهب أنتوني سمرز أبعد من ذلك، حين أكد الأمر من خلال موظَّف الإسعاف الذي ذهب في تلك الليلة إلى بيت مونرو ورأى جثة مونرو، وقد تم تأكيد خبر نقل مونرو من البيت إلى المستشفى في تلك الليلة، حيث توفيت في سيارة الإسعاف التي أعادتها للبيت، كما نقل مصدر من الأف بي أي عن وجود روبرت كيندي تلك الليلة في المدينة، وقد تم تأكيد هذا الأمر من خلال سجل الطائرة المروحية التي نقلته، وقد ذهب إلى بيت الشاطئ الذي تعوَّد الذهاب إليه، واتصل بمارلين حسب ما قاله فريد لوتاش الذي زرع أجهزة التنصُّت في بيتها، لكنها اتصلت بمكتب الرئيس واشتكت من أخيه الذي لا يريد أن يتركها، وقالت له ابتعدا عن حياتي؛ لأنني اشعر بأنني كقطعة لحم، وتم استغلالي من طرفكما، وقد دخلت تلك الليلة في نوبة حزن وكآبة، وتناولت الحبوب المنومة بشكل مفرط، وهو السبب الرئيس لموتها، لكن الأخوين كيندي أرادا تنظيف البيت من أي شيء يظهر ارتباطهما بها؛ لهذا تمَّت مصادرة كل شيء، خاصة أجهزة التنصت التي عثروا عليها، بعدها أعلنوا أن وفاتها تمَّت على الثالثة صباحًا يوم 5 أغسطس؛ وهذا تجنبًا لما يمكن أن تثيره الصحافة، وهذا بعيدًا عن أي خبر يفيد بقتلها بشكل متعمد.
قال فريد لوتاش الذي زرع أجهزة التنصت في بيتها، أنها اتصلت بمكتب الرئيس، وقالت له ابتعدا عن حياتي، لأنني أشعر بأنني قطعة لحم تم استغلالها من طرفكما، ثم تناولت الحبوب المنومة
الأخوان كيندي أرادا تنظيف البيت من أي شيء يظهر ارتباطهما بها؛ لذا تمت مصادرة كلِّ شيء، خاصة أجهزة التنصت، وبعدها أعلنوا وفاتها في صباح الخامس من أغسطس.
بناء سردي
تنعكس جمالية فيلم “لغز مارلين مونرو .. التسجيلات المجهولة” بشكل أساسي، في قوة التيمة التي تم تناولها، خاصة بعد بث نقاط لم يسبق وأن تم طرحها في السينما سابقًا، وقد غطّى هذا المـُعطى المهم على باقي العناصر الأخرى، وكان بوسع المخرجة إيما كوبر ألَّا تهتم بالتفاصيل الأخرى، في ظل توفر هذه الخاصية، لكنها ذهبت أبعد من هذا، وصنعت جماليات أخرى؛ انطلاقًا من طريقة البناء السردي، حيث تعتمد على خاصية الفلاش باك؛ لزرع الإثارة والتشويق لدى الجمهور، مثلًا عندما تصوغ نمطًا سرديًّا معينًا يغطِّي فترة زمنية في حياة مارلين، وعندما تصل لمفصل مهمٍّ تتركه وتذهب لفترة زمنية أخرى، فمثلًا عندما تم ذكر العلاقة بين مارلين وكيندي، تم توقيف هذا الزمن، وذهبت لفترة أخرى، وهذا بطريقة فنية؛ لهذا جعلت المتلقي يتشوَّق لباقي الفيلم، وكذلك فعلت مع باقي الفصول، كما اشتغلت على التفاصيل الصغيرة، وهي تحويل المكالمات المصورة إلى مشاهد درامية، تعكس أصحاب تلك الشخصيات وهم يتواصلون عن طريق الهاتف مع الصحفي أنتوني سمرز، وقد راعت المخرجة ديكور ولباس تلك الفترة وتفاصيلها، وأكثر من هذا أعطتها مسحة ضبابية حتى تظهر؛ لأنها صور من الأرشيف، وهذا ما يوسِّع من دائرة التقبل، من هنا يظهر حرص إيما كوبر على أن يخرج فيلمها الوثائقي الاستقصائي في صورة محترمة، محافظًا فيها على موضوعية العمل وجماليته.