• English
  • 19 مايو، 2024
  • 6:43 ص

احدث الاخبار

عبد الله آل عياف: شغف السينما الحقيقية وهوس التنظيم الهندسي

“أوبنهايمر” الفيلم الأكثر تنظيمًا وإبداعًا

كرستوفر نولان: صنعت “أوبنهايمر” لأنه قصة رائعة.. وفخور جدا بفيلم “أرق”

بداية النور هي بداية الظلام!

نولان في عيونهم

كريستوفر نولان … أفلام مثيرة لأزمنة مقبلة

بسام الذوادي: نعمل مع عدة جهات لتشكيل هيئة للسينما في البحرين

أحمد يعقوب: فيلم “عثمان” تتويج للمسيرة المنفردة لكل عضو في فريق العمل

أنا والسينما

أن تأتي متأخرًا سينمائيًّا

السينما السعودية الطليعية التي لم تسمع عنها

سيناريو فيلم ليت للبراق عينًا

عائشة الرفاعي: تأخرت 20 سنة… لكن عنادي وشغفي قلصا المسافة فحققت حلمي

أزمة قُرّاء أم أزمة نصوص

عبد الله الخميس: رأي شباب الاستراحة أهمُّ عندي من رأي لجنة التحكيم

علي الشافعي: منفتح على جديد التصوير السينمائي وكل تجربة لدي مصدر إلهام لما يليها

لم يعد النهر صغيرًا، لم تعد الكلمات صغيرة عن الاغتراب والعزلة والماضي في أفلام الأخوة سعيد

براء عالم: الطريق إلى العالمية لن يكون بإعادة إنتاج أفلام هوليود

أفنان باويان: هذه المهنة السينمائية يعمل بها ثلاثة محترفين فقط في السعودية

الأفلام السعودية الجديدة .. جمهور متعطش وحكايات تفتِّش عن الكوميديا والهوية

“الخلاط”: صناعة منتج جيد من حكايات غير متوقعة

أزمة قُرّاء أم أزمة نصوص

أزمة قُرّاء أم أزمة نصوص

2 April، 2024

علي حمدون

أثناء قراءتي حوارًا مع المخرج السويدي روي أندرسون، حيث كان يتذمَّر من قلة الدعم المالي والحبسة الإبداعية، لفتت انتباهي جملته: “لا تصنعوا بأموال الدولة أفلامًا سيئة”، والتي كانت هي أيضًا عنوان الحوار. فعلى الرغم من إشادة المحاور بالدعم الأوروبي للفنون، وغيرته كأمريكي من تفوقهم الفني والنخبوي. إلا أن روي لم يكن راضيًا حيال الأموال المهدرة على الأفلام والمسلسلات ذات الجودة المتدنية. بالطبع هناك ضروب من التباين حيال هذا الشأن، ولكن يحصل هذا التشرذم دائمًا، كانقسام الإيرانيين المتلمظين للسينما حيال فيلم “أخوان ليلى”، على الرغم من انبهارنا والإشادة العالمية التي لم ولن تتوقف عن مغاضنته. ما يجعلنا نتساءل، كيف ستكون ردة فعل هذه الشريحة -السويدية أو الإيرانية- المتذوقة للسينما تجاه عمل حصل على الإجماع السلبي كفيلم مخيب للآمال، وفوق ذلك ممول من قبل قطاع الأفلام بمبلغ وقدره، على اعتبار السينما خطة لرافد اقتصاديًّا لدى الدول المتطلعة لتنوع مصادر الدخل، كالخليج مثلًا. بل لنقل ما هي ردة فعل الجمهور حيال من يعتنق الإبداع الخزعبلي، وهو يزاحم على فرصة المبدع الحقيقي؟

أزمة نصوص

لا توجد إجابة موحدة لهذه التساؤلات التذمرية الافتراضية المعتلجة الأنفس تجاه المبدعين والأفلام التي خلقت لتزجية الوقت، لا لتأمل الحياة، كتعاقب موسمي كلما انقضى، شارك السينمائي زميله التساؤل العتيق: هل هناك أزمة نصوص محلية؟!

بالطبع لا، بل هناك معضلة تفاوت قدرات القرَّاء، فالنص يحتاج إلى قارئ وحاكم جيد يتسم بالخيال الاستحضاري، والتعاطف الاحتوائي والذهن الاستقصائي المدرك للرمزيات وما بين الأسطر. وقد يحتمل الأمر أن يكون الكاتب سيئًا أو مقبولًا، ولكن على القارئ المسؤول عن تقييم النص أن يكون جيدًا، ولا مجال له لأن يكون أدنى من ذلك. فإن اعتقدنا بكمال النص المقدس حين يعتمد على تلقي الإنسان الناقص- المتخلف عن السقف التأملي والروحي- سندرك بأن النص يتجاوز هنا الفهم الاستيعابي؛ بسبب الرجعية التي يتَّسم بها القارئ، وهذه الفجوة الإدراكية كفيلة لأن تخلق صعوبة في التمييز، كإدراك الدرجة الواحدة الفاصلة بين الماء والجليد.

النص يحتاج إلى قارئ وحكم جيِّد يتسم بالخيال الاستحضاري، والذهن الاستقصائي المدرك للرمزيات وما بين السطور.

زبرجد

لقطة من فيلم زبرجد

ما يجعلني أستحضر فيلم “زبرجد” الفائز بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان أفلام السعودية بدورته التاسعة- المهرجان الذي تطور تطورًا داروينيًّا في رؤيويته-  فقد استغربت من حديث كاتبته القاصة الأديبة “هيفاء محمد”، حين صرحت لي بأنها كانت قاب قوسين أو أدنى من أن تفقد أملها بالنص، حيث أخبرها أحد المخرجين الذين استشارتهم فيه، عن مدى فظاعة السيناريو، وسبب عدم ترشحه كنص غير منفَّذ، في أكثر من مشاركة في مهرجاناتٍ سابقة. ما جعلها تؤمن بأن طموحها أكبر من إمكاناتها التي كانت وليدة أحاسيس غسقية. حتى تغيّر مجرى نمو شعر نضج المتلقي، عندما وجدت المخرج المناسب لغموض نَّصَّها. فليس أي مخرج باستطاعته تجسيد الرسائل الملغزة. كالمخرج الذي سأله المقدم بعد انتهاء العرض عن رمزية “الوردة الحمراء” في فيلمه القصير، ليجيبه بكل بساطة: “لا أعلم”. ولسان حالي كمتفرج يقول: في عالم صناعة السينما لا يفتي من قال لا أعلم، فالمخرج معني بمَنْطقة ما لا يُمنْطَق

ما يبرر برأيي التوافق في الصور الثنائية الناجحة في السعودية، والتي تخطت بقعتها الجغرافية بإبداعها، كثنائية المخرج “عبد العزيز الشلاحي”، والكاتب “مفرج المجفل”، في أفلامهما الطويلة، وثنائية المخرج “خالد زيدان”، والكاتب القاص “عبد العزيز العيسى” في أفلامهما القصيرة. ففي الاطلاع على تجاربهما نجد أن نجاحاتهما اعتمدت على قدرة التلقي. والإيمان المشترك، وعدم محاولة إضفاء بصمة شمولية على الفيلم، كأن يكون المخرج هو المؤلف والكاتب والمحرر والملون، وأحيانًا الممثل، وما إلى ذلك. بل استفادوا استفادة قصوى من خبرات شركائهم، خصوصًا ممن صقلوا مخيلتهم، وكانت لهم بصمة في عالم الأدب، كالقُصَّاص بالأمثلة أعلاه.

في عالم صناعة السينما المخرج معني بمَنْطقة مالا يُمنْطَق!

لجان المهرجانات

بالطبع لجان المهرجانات تتفاوت قدراتها في السباق الملحوظ في المنطقة لدعم الصناعة السينمائية المحلية والعالمية، كمؤسسة قطر للأفلام، ومهرجان “صنع بشغف” في البحرين ومهرجان مسقط السينمائي، وجمعية فنون الشارقة، ومهرجان البحر الأحمر، وأفلام السعودية، ومسابقة ضوء. حيث إن المبادرات الثلاث الأخيرة تشرف عليها هيئة الأفلام في السعودية، والتي شهدنا على تطورها الملحوظ في السنوات الأخيرة، بعد أن تولى رئاستها المهندس عبد الله العياف. فالمملكة هي الأكثر جرأة وإيمانًا في دعم المواهب والصناعة المحلية، ورفع مكتبة الإنتاج السينمائي، وقد نلحظ فارق الجودة- بالنسبة لمحيطها الخليجي- فهي تخطو بإتقان نحو عالم الصناعة السينمائية الجادة.

ولعلَّ الوقت والنضج الجماهيري كفيل بفلترة وإقصاء العناصر المتواضعة، ليدفعها نحو طرد ذباب الفكرة الإيهامية التي أوهمتها بأزيزها أنها مميزة. لا سيما بعد تفوقها -السعودية- في دعم عدة أفلام شبه عالمية، وهذا التفوق يرفع من سقف المتطلبات، ويُصَعّب على المسؤولين عملية الاسترضاء الجماهيري، بعد أن تخففت من عملية التزاحم والتكدس المرعب، على مهنة الإخراج التي تقدَّم لها الكثير من مصوري الإعلانات التجارية، والكتابة السينمائية، التي كان تفشي هواتها خليجيًّا أشبه بشيوع أشجار الكونوكاربس على الأرصفة، حيث إنها تحوّلت إلى حلم لمن لا حلم له، لا سيما لكل مَن التحق إلى ورش الكتابة الإبداعية. والتي بالحقيقة سذاجتي واستخفافي بها لا يقل عن استخفاف الكاتب أحمد خالد توفيق حيالها، حين قال: “الأمر أشبه بالسؤال عن كيفية صنع الزهرة أو خلق الماء أو الندى”. فالأمر بالنسبة له -كما وضح- مزيج سيميائي لا يتعلق برفاهية واختيار،  بقدر الحصيلة التي يقرؤها الفرد، والعقد النفسية والرغبات المحبطة والضغوط المتلاحقة التي تخلق من الكتابة علاجًا ومخرجًا. فهي هبة لا بدَّ من أن تصقل للأبد، وأن تصبح بسببها تلميذًا متجددًا.

الكتابة

فالكتابة سواءً كانت أدبية أم سينمائية، نضج مقترن بالتجارب الظرفية أو “العمرية”. فعلى سبيل المثال، لا يمكن الإلمام بعمق تجربة أزمة منتصف العمر، أو إدراك معضلة العنين، أو اكتئاب ما بعد الولادة، وإن كانت كمعضلات قد قتلت ذكرًا. فلذلك يتحتم على القارئ أن يكون متسقًا بالعمر مع الكاتب، فحتى التجربة بالسن المبكرة تتَّضح مكتسباتها وخسائرها بعد سنوات، قد تتفاوت في قصرها وبعدها في تلقين المرء عملية نضجه.

ولعل حديثي المتأرجح ما بين مدح وقدح حيال بعض المشاركات المتواضعة، بدون أن يتم تحديدها؛ لإيماني التام بِأن السعودية ستتقدم الدول العربية في الإبداع السينمائي بفضل دعمها الجاد، وبفضل توظيف الرموز المثقفة التي ستمهد الفرص الحقيقية لمن يسهم بالارتقاء بهذا الفنِّ.

لدي إيمان تام بِأن السعودية ستتقدم الدول العربية في الإبداع السينمائي، بفضل دعمها الجاد لمن يُسهم بالارتقاء بهذا الفنِّ.

فاصل اعلاني