• English
  • 19 مايو، 2024
  • 8:00 ص

احدث الاخبار

عبد الله آل عياف: شغف السينما الحقيقية وهوس التنظيم الهندسي

“أوبنهايمر” الفيلم الأكثر تنظيمًا وإبداعًا

كرستوفر نولان: صنعت “أوبنهايمر” لأنه قصة رائعة.. وفخور جدا بفيلم “أرق”

بداية النور هي بداية الظلام!

نولان في عيونهم

كريستوفر نولان … أفلام مثيرة لأزمنة مقبلة

بسام الذوادي: نعمل مع عدة جهات لتشكيل هيئة للسينما في البحرين

أحمد يعقوب: فيلم “عثمان” تتويج للمسيرة المنفردة لكل عضو في فريق العمل

أنا والسينما

أن تأتي متأخرًا سينمائيًّا

السينما السعودية الطليعية التي لم تسمع عنها

سيناريو فيلم ليت للبراق عينًا

عائشة الرفاعي: تأخرت 20 سنة… لكن عنادي وشغفي قلصا المسافة فحققت حلمي

أزمة قُرّاء أم أزمة نصوص

عبد الله الخميس: رأي شباب الاستراحة أهمُّ عندي من رأي لجنة التحكيم

علي الشافعي: منفتح على جديد التصوير السينمائي وكل تجربة لدي مصدر إلهام لما يليها

لم يعد النهر صغيرًا، لم تعد الكلمات صغيرة عن الاغتراب والعزلة والماضي في أفلام الأخوة سعيد

براء عالم: الطريق إلى العالمية لن يكون بإعادة إنتاج أفلام هوليود

أفنان باويان: هذه المهنة السينمائية يعمل بها ثلاثة محترفين فقط في السعودية

الأفلام السعودية الجديدة .. جمهور متعطش وحكايات تفتِّش عن الكوميديا والهوية

“الخلاط”: صناعة منتج جيد من حكايات غير متوقعة

أحمد يعقوب: فيلم “عثمان” تتويج للمسيرة المنفردة لكل عضو في فريق العمل

أحمد يعقوب: فيلم “عثمان” تتويج للمسيرة المنفردة لكل عضو في فريق العمل

2 April، 2024

صادق الشعلان

يعتقد الفنان أحمد يعقوب، الذي لفت الأنظار في ما يقدمه من أعمال، أن ما ميز فيلم “عثمان”، الذي حصد أكثر من جائزة، هو المزيج الذي تكون منه العمل، معرفًا قصة الفيلم بأنها أبسط خطاب مفهوم؛ لأن السرديات الأقرب للمُشاهد هي التي تحفلُ بأشيائه المباشرة. ويقول يعقوب في حوار ل “كراسات سينمائية” إن معضلة الفنان تكمن في تردُّده حول جدوى أعماله، مشيرا إلى أن المهرجانات الدولية عزَّزت موقع المشروع السينمائي السعودي.

إلى نص الحوار

بدايةً، هل تتفق مع من يقول إن فيلم “عثمان” هو من قدمكم، كفريق عمل، أكثر من أي فيلم آخر؟ إذا كان ذلك صحيحًا، فما العوامل التي توافرت لفيلم “عثمان” أكثر من سواه؟

صورة حوار يعقوب 2

جاء فيلم عثمان تتويجًا للمسيرة المنفردة لكل عضو في فريق العمل، والشكل النهائي الذي خرج به هو مزيج من خبرات الفريق المتنوعة، وبالتالي فقد ساعدت تجربة عثمان في إبراز ذروة الاشتغال للجميع، ولكنه حتمًا لم يكن أول الأعمال الفنية لأحد أعضاء الفريق، وأظن المميز فيها كتجربة هو ذلك المزيج ذاته، الذي خدم العمل من كل صوب، كما ساعد وقت التحضير الكافي في إخراج أجمل ما لدى الفريق من مساهمات.

وقت التحضير الكافي لفيلم “عثمان”، ساعد على إخراج أجمل ما لدى فريق العمل من مساهمات

شخصية عثمان التي قمت بتجسيدها كانت شخصية ثرية، بأكثر من وجه وسلوك، لم تكن شخصية مسطَّحة، إنما معقدة نوعًا ما. حدّثنا عن كيف تلقيت الدور؟ وكيف اشتغلت على نفسك حتى استطعت استيعاب الشخصية من وجهة نظرك؟

بعد عرض الدور من المخرج خالد زيدان، أذكر أني وجدت فيه البوادر الكافية للتعلق به وأخذه على محمل الجد، فما كتبه عبد العزيز العيسى يتخطى المألوف في السينما المحلية؛ ثم عملت على تطوير الشخصية من جوانبها المختلفة، وقد ساهمت خلفيتي ككاتب في صناعة فضاء أرحب للشخصية، أشكر الكاتب والمخرج على استيعابهما لها داخل النسخ المطورة للنص، والتي استمر العمل عليها عدة أشهر.

الفيلم يعالج قضايا شريحة من الموظفين، يرصد تفاصيل حياتهم اليومية، كما يرصد تحولات سلوكهم، نتكلم هنا عن حارس الأمن، وبدرجة أقل المرأة التي يتضح لاحقًا أنها غير مقعدة. وهي قضايا قلما تحفل بها السينما في ظل لهاثها خلف القضايا الكبرى المصحوبة بالضجيج. ماذا تقول؟

صورة حوار يعقوب 4

أُعرِّف القصة على أنها: أبسط خطاب مفهوم؛ ولذلك يمكنني الجزم بأن السرديات الأقرب للمُشاهد هي التي تحفلُ بأشيائه المباشرة، المفهومة، والمألوفة، وتعالجها من زوايا جديدة، وهكذا جاء عثمان، محملًا بالاعتياد اليومي، وحقيقية البيئة، منتصرًا للذين يَعْبُرون كثيرًا، بينما تلتقيهم أبصارنا بشحٍّ، ومسلطًا ضوءه الشديد على لحظات التحول التي- قد لا ننتبه أنها تنشأ كثيرًا- في سياقاتهم.

نجح فيلم “عثمان” بصورة كبيرة، ولقي أصداء واسعة، ترى هل ستستطيع تخطيه بسهولة؟
تكمن معضلة الفنان في تردُّده تجاه جدوى أعماله، يخشى عليها من التلف، ويؤرقه ما إن كان يوجه خطابًا غير مفهوم، أو نماذج يصعب تلقيها، لكن الزخم الذي رافق عثمان طمأنني تجاه الجدوى داخل تجاربي الفنية التالية؛ فقدمتُ شخصيات متعددة بعد عثمان؛ منها شخصية الكابتن يوسف الثنيان في مسرحية الفيلسوف التي لاقت نجاحًا كبيرًا، عثمان ويوسف وعوضة من فيلم “عشرة واحد”، وشخصية صالح في فيلمي القادم، والشخصيات التي قدمتُها من بداياتي المسرحية كلها يصعب تخطيها، هي شخوص تستحوذ على جزء أثير مني، وبيننا روابط مشتركة، يمكن أن تنمو ولا يمكن أن تغيب.

تكمن معضلة الفنان في تردده تجاه جدوى أعماله، لكن الزخم الذي رافق فيلم “عثمان” طمأنني تجاه جدوى تجاربي الفنية.

فريق الفيلم تميَّز بطغيان الأعضاء من “جيزان”، طبعًا هذا ليس بغريب، فجيزان منطقة تحفل بالمواهب من كل صوب، لكننا نتحدث عن قلة موارد الدعم، انعدام بيئة داعمة لصناعة السينما؟

الحقيقة أن طاقم العمل شمل فنانين من الغربية والوسطى والشرقية، وقد شرفوا جميعًا مشروع الفيلم، وساهموا في تميزه، وبأدوارهم البناءة جاءت تجربة تصوير الفيلم في جيزان أكثر قدرة على تخطي الصعاب، إذ لا يمكن- حقًا- إغفال التباطؤ في الحركة السينمائية بجازان مقارنة بالمدن الرئيسية، لكن بمثل تجربة عثمان يمكن استنهاض المواهب، وتقديم نموذج حيّ لجدوى الاشتغال الفني الجاد، حتى في أصعب الظروف، وهي بالمناسبة ظروف شاملة لأكثر من منطقة في وطننا الكبير، وهذا طبيعي جدًّا، إذ يبقى الأهم دائمًا هو قدرة المهتمين والمواهب السينمائية حول المملكة على التعاون في مشاريع ناجحة، تقدم أصواتهم الفنية بشكل مُلفت، وترتقي بصناعة السينما في السعودية.

هاجس يتصاعد

متى نراك في فيلم طويل روائي طويل، وهل ستبقى مع المخرج والكاتب نفسهما؟

العمل مع العيسى وزيدان له نكهته الخاصة، وقربه الحميم من النفس، وحتمًا سنستمر ندعم بعضنا في الأعمال القادمة، منشغلين بصناعة اللحظة المناسبة التي نقدم فيها أفلامنا الطويلة الأولى، سواء مجتمعين أو منفردين، فلدى كل منا وعيه الكافي لخلق فيلمه الطويل منفردًا.

ما التحديات التي تواجهك شخصيًّا بعد هذه التجربة الناجحة؟

صورة حوار يعقوب 1

التحدي الأبرز هو الانضمام إلى الأعمال الفنية الجيدة؛ وهو هاجس يتصاعد في أوقات الوفرة، كهذا الوقت الذي نشهد فيه نموًّا متسارعًا في السينما السعودية.
تكثر المجازفات في الأسواق الناشئة، كما هي الحال مع السوق السينمائية، ومعها يتزايد عداد التجارب غير المحسوبة، حيث تأتي -غالبًا- بنية جيدة لمواكبة الحراك وتحقيق نصر فني ما، لكنها للأسف تزيد من حصة الأعمال العادية، وتبطئ القفزات إلى المستوى المأمول؛ ولذلك تشغلني كثيرًا مقاومة الحماس المفرط في المجال، ومحاولة التركيز على معاييري الفنية.
السينما جذابة بالكليّة، وبها الكثير من الزوايا اللامعة، والفلاشات، والضوء، والاهتمام؛ وتلك -عندي- شياطين ذات قُدرة، يمكنها جرف الفنان بعيدًا عن مناطقه؛ إذا لم يحسن التعامل معها.

السينما جذابة، وبها الكثير من الزوايا اللامعة التي يمكنها جرف الفنان بعيدًا عن مناطقه؛ إن لم يحسن التعامل معها.

أوردت في تعريف لك ميلك للشخصيات المعقدة والفريدة، فما الشخصية التي تتمنَّى تجسيدها وتمثيلها أيضًا؟

يتعلق المشاهدون بالشخصيات الأصدق، التي تهزِم حاجة الصورة للدهشة، وتعمق إبراز الإنسان بأطواره المختلفة من بين فتنة الألوان وأغراض الكاميرا، أنا ميال لأمثال الشخصيات في أدب العرب والعالم التي صدقنا أنها حية، ولم يمكننا بأي شكل من الأشكال أن نكفَّ عن التفكير بأنها موجودة بالفعل، كما ربطنا الكثير من الأماكن بها.
في مارس ٢٠٢١ قدمتُ مسرحية “كما نشاء” كأول إنتاجات المسرح الوطني السعودي، وهي تجربة لتوظيف شخصيات لشكسبير في نص مختلف تمامًا، كتبتُ النص، ولعبتُ دور الملك دنكن، فكانت تجربة تعرفت فيها على معيار آخر لقوة تكوين الشخصية، وهو أن تكون قادرة على التكيّف والنمو في أي قصة أخرى، لقد خلق شكسبير في خيالنا بشرًا، أكثر من كونه كتب شخصيات لمسرحياته!
أنا- في المجمل- متسامح مع حاجة الخيال في الفنون لأن يكون مُطلقًا، لا أُلزِم اختياراتي بتحديد صارم، ولكني أعبأ بكثيرٍ من الضوابط الأدبية في السرد، وأراعيها عند قراءة النصوص، ومتى ما شعَّ النور في شخصيةٍ ما، وبدا مزاجها الأدبي مضبوطًا، تتَّجه إلى غاية معلومة، وتُقدّم تباينًا مميزًا مع السائد والمطروق؛ يسهل عليَّ اتخاذ القرار.

صياغة معايير

هل يمكن تقسيم السينما، إلى فيلم روائي وفيلم تجاري، فيلم جاد وآخر سطحي، وكيف يمكن الجمع بين طرفي المعادلة، الجدية والتجارية في نفس الوقت؟

برأيي؛ الاستسهال في صياغة معايير ما يُفترض أن يكون “تجاريًّا” يعدُّ مشكلة، إذ أصبح المبتذل من الأعمال يُسارَع في تصنيفه بالـ “تجاري” تبريرًا لرداءته، والحقّ أن التسمية الفعلية للعمل “التجاري” يجب أن تنبع من جودته الكافية ليحقق إعجابًا كبيرًا لدى الجمهور، وبالتالي مبيعات ناجحة في السوق، وتجدر الإشارة إلى وجود تجارب محلية حققت هذه المعادلة بأسلوبها الخاص، مثل “شمس المعارف”، ” الهامور”، “سطار”، كما لا يمكن أن نتجاهل الإشارة إلى وجود أساليب أخرى يمكنها أن تحقق المعادلة بشكل أكثر نجاحًا، بينما لا تخدمها حالة الاستسهال في تسمية الرديء بالـ “تجاري”!، فأسوأ السيناريوهات قد تحدث عندما يتجه المنتجون جميعًا لهذا الرديء؛ ظنًّا منهم أن المال يكمن هناك، وهي الكذبة التي قد تتضخَّم حتى تصبح واقعًا مفروضًا، أتمنى ألا تنجرف له سوقنا السينمائية.

هناك انتقادات تطال مناقشة مشكلات اجتماعية بطريقة درامية ساخرة، الأمر الذي فُسر بعدم التعامل مع هذه المشكلات بجدية، ما رأيك؟

السخرية من الألم واحدة من الأغراض الأدبية الراسخة في التجربة العربية؛ ففي سخرية الحطيئة من نفسه قولُه:
أبت شفتاي اليوم إلا تكلُّمًا … بِقُبحٍ فلا أدري لمن أنا قائله
أرى ليَ وجهًا قبّح الله خلقَه … فقُبِّح من وجهٍ وقُبّح حامله!
فلم يكن عربيّ الجزيرة ذا اهتزاز في النفس يجعله يخبئ معاناته أو يتحايل عليها، وكذلك الحال مع امتداده؛ أيْ رجل السعودية الذي تدفعه رغبة التغيير الدائمة في تجاوز الألم إلى السخرية منه، إذا فهي ممارسة طبيعية -في نظري-، بل هي من الأجدى، والأصدق في انتمائها لسرديتنا منذ القِدم.

في رأيك، ألا تحتاج أفلام السير الشخصية الى أوقات طويلة من التحضير، وإلمام كافٍ من الممثل للشخصية المقصودة، لا سيَّما وأن هناك أفلام سِير شخصية أضرَّت بأصحابها بسبب الاستعجال في إنتاجها؟

قدمت تجربة “الفيلسوف” في نفس السياق، حيث شخصية الكابتن “يوسف الثنيان”، والتي استهلكت مني شهورًا للإعداد لها، والبحث في أبعادها، والتواصل الفعال مع الكابتن يوسف لمعرفة تفاصيل دقيقة يمكنني البناء عليها لتقديم الشخصية كما يجب، فحقيقة هي مهمة صعبة وحساسة، تتطلب إعدادًا جادًّا وصبرًا وفيرًا.

لا رواية واحدة

ماذا تقول حيال التحفُّظ على تمثيل شخصيات تاريخية عربية كانت أو غير عربية، أو تناول حدثًا تاريخيًّا بعدم المصداقية المطلقة للتاريخ؟

سيظل التاريخ المكتوب في صف المنتصرين؛ لأنه لا يمكن للإنسان أن يجزم برواية واحدة، حيث إن لديه الجرأة كي يختلف في نقله حتى عن الأزمنة المؤرشفة في شرائط الكاميرا، إننا نرى ما يحدث في مباريات كرة القدم -مثلًا-، تتم إعادة اللقطة الحساسة عشرات المرات، دون أن نتفق على تفسير واحد، أو نتأكد مما إن كانت الكرة تجاوزت خط مرمى ألمانيا الغربية عام ١٩٦٦، لذلك فالمسألة تعتمد على المعالجة بالمقام الأول، قيمة الفن في سلوكه عند معالجة الأحداث، واستخلاص الجماليات الفنية من الظروف والحالات المصاحبة لتلك الأحداث، أما النقل المعرض للتحفظ فهو منوط بالأعمال التسجيلية البحتة، ولا علاقة له بتجسيد الشخصيات، خصوصًا في الأعمال التي تنهزم بها الحالة التسجيلية، وتطغى الأغراض الفنية.

على مدار السنوات الماضية استضافت السعودية العديد من المهرجانات الفنية والسينمائية، كيف وجدت مردودها الإيجابي على صناع السينما في السعودي، وما السلبيات التي حملتها؟

صورة حوار يعقوب 9أقامت المهرجانات المحلية ملاذًا لرغبة السعوديين في رواية قصصهم، حيث المساحة المناسبة، والجمهور المترقب، وفي فضاء هذه المهرجانات تشكلت الكثير من المواهب، ووجدت الطريق إلى عين المشاهد المهمة، ولا جدال في أنها قفزت بالكمّ في الصناعة إلى أرقام غير متوقعة، إن هذه المهرجانات هي صورة الفتح العظيم في تاريخ الفنون السعودية، حيث تُفرز الحالة التي تعشَّقها الفنانون في أحلامهم، قبل أن تتحقق واقعًا.
وعلى صعيد آخر، فقد منحت المهرجانات الدولية الفرصة لصناع السينما بالتواصل مع كيانات وأفراد من حول العالم، وسمحت بتداول الخبرات، وتعزيز موقع المشروع السينمائي السعودي، تواجدتُ في النسخة الأخيرة من مهرجان “كان”، وشهدتُ امتلاء الجناح السعودي بالصناع العالميين، الجميع يعي ما يحدث في المملكة الآن، ولدى المهتمين شغف كبير باكتشاف حظوظ الآلة السينمائية السعودية. أما السلبيات فمن المبكر اكتشافها؛ إذ تبدو الأشياء السلبية -بالعادة- براقة في أول الأمر.

منحت المهرجانات الدولية الفرصة لصناع السينما بالتواصل مع كيانات وأفراد من مختلف دول العالم، وعزَّزت موقع المشروع السينمائي السعودي.

فاصل اعلاني