• English
  • 19 مايو، 2024
  • 6:43 ص

احدث الاخبار

عبد الله آل عياف: شغف السينما الحقيقية وهوس التنظيم الهندسي

“أوبنهايمر” الفيلم الأكثر تنظيمًا وإبداعًا

كرستوفر نولان: صنعت “أوبنهايمر” لأنه قصة رائعة.. وفخور جدا بفيلم “أرق”

بداية النور هي بداية الظلام!

نولان في عيونهم

كريستوفر نولان … أفلام مثيرة لأزمنة مقبلة

بسام الذوادي: نعمل مع عدة جهات لتشكيل هيئة للسينما في البحرين

أحمد يعقوب: فيلم “عثمان” تتويج للمسيرة المنفردة لكل عضو في فريق العمل

أنا والسينما

أن تأتي متأخرًا سينمائيًّا

السينما السعودية الطليعية التي لم تسمع عنها

سيناريو فيلم ليت للبراق عينًا

عائشة الرفاعي: تأخرت 20 سنة… لكن عنادي وشغفي قلصا المسافة فحققت حلمي

أزمة قُرّاء أم أزمة نصوص

عبد الله الخميس: رأي شباب الاستراحة أهمُّ عندي من رأي لجنة التحكيم

علي الشافعي: منفتح على جديد التصوير السينمائي وكل تجربة لدي مصدر إلهام لما يليها

لم يعد النهر صغيرًا، لم تعد الكلمات صغيرة عن الاغتراب والعزلة والماضي في أفلام الأخوة سعيد

براء عالم: الطريق إلى العالمية لن يكون بإعادة إنتاج أفلام هوليود

أفنان باويان: هذه المهنة السينمائية يعمل بها ثلاثة محترفين فقط في السعودية

الأفلام السعودية الجديدة .. جمهور متعطش وحكايات تفتِّش عن الكوميديا والهوية

“الخلاط”: صناعة منتج جيد من حكايات غير متوقعة

الأفلام السعودية الجديدة .. جمهور متعطش وحكايات تفتِّش عن الكوميديا والهوية

الأفلام السعودية الجديدة ..  جمهور متعطش وحكايات تفتِّش عن الكوميديا والهوية

17 December، 2023

نـاهـد صـلاح

يتسلل صوت الكاتب الصحفي تركي السديري في الفيلم الوثائقي “ملك الصحافة”، قدم في عرض أوَّل ضمن مهرجان أفلام السعودية، وفاز بالنخلة الذهبية، وهو يتحدث بصوت فيه من الخبرة والنقد، شارحًا كيف أن الصحفي في كل مكان يركض وراء الجريدة، إلا في السعودية، الجريدة هي من تسعى وراء الصحفي.. فالفيلم الذي أخرجه حسن سعيد، وشارك في إنتاجه مع شقيقه علي سعيد، أراد منذ استهلاله تأكيد فكرة “الحاجة”، أو المراد أو المبتغى، أيًّا كان المسمى، فالمعنى واحد وهو الهدف الذي يصبو إليه الجميع، فالسعودية لديها الإمكانات، وترغب في عناصر للتنفيذ، كان هذا جزءًا من النهضة التي حققها الصحفي الاستثنائي تركي السديري، منذ تولى رئاسة تحرير جريدة الرياض، على مدار نحو نصف القرن، مسيرة حافلة رسخته ليكون فيها “ملك الصحافة”، حسبما أطلق عليه الملك عبد الله بن عبد العزيز، وخلالها استعان بالعديد من الأقلام العربية، بخلاف اهتمامه بالتطورات العالمية في الصحافة والإعلام، واستبصاره بالتجديد التكنولوجي الذي اعتمده في الصحافة الإليكترونية.

هذه العقلية الواعية والمنفتحة على الآخر، كانت كافية ليفكر الأخوان سعيد (حسن، علي) في تقديم فيلم عن صاحبها، وبذا يحمل الفيلم في طيَّاته أمل صُناعه وتفاؤلهم، ويصل بنا إلى قناعة، مفادها يتلخص في نقطيتين: أولها أن للسينما السعودية دورًا مطلوبًا، ومهمًّا لتسليط الضوء على نماذج ناضلت من أجل لحظة تنوير في أوقات صعبة ومعتمة، أما النقطة الثانية فتتعلق بظهور أسماء سينمائية شابة، منصرفة إلى حاجاتها في التعبير والتوثيق البصري، لقد خرج هذا الجيل إلى العمل في ظروف مواتية حاليًا، في ظل التحولات الفنية والثقافية الكبرى التي تشهدها السعودية، بما يسهم في بلورة المشروع السينمائي، ويساعد على تكوين ركيزة أساسية في الصناعة، وهؤلاء لم يأتوا من فراغ، وإنما هم أبناء محاولات سالفة، ولديهم مخيلة متنوعة، يتداخل فيها الذاتي والعام.

لعله من هذه النقطة يحقُّ لي أن أندهش وأتساءل: ما السر وراء هذا التجمع الجماهيري، المحتشد أمام صالة سينمائية لمُشاهدة فيلم لا يُعرض تجاريًّا؟ فيلم ضمن مسابقة مهرجان سينمائي، بل إنه وثائقي؛ فكيف تمكن “ملك الصحافة” من تغيير المزاج العربي المغرم بالأفلام الروائية؟ ينطبق السؤال على أفلام قصيرة مثل “ترياق”، و”شدة ممتدة”، وغيرهما، أو أفلام روائية طويلة فيها من الطابع والأسلوب السريالي الجانح إلى ما فوق الواقعية، كما في “أغنية الغراب”، أو “المكان المهجور”؟ وصولًا إلى فيلم طريف مثل “طريق الوادي”. المدهش أكثر أن هذا التكتل كان لمشاهدة فيلم “سطار”، وهو بالفعل معروض في الصالات التجارية، محققًا إيرادات مذهلة، وحضورًا مفاجئًا، يوازيه تقريبًا “الخلاط” في خطه الكوميدي الصريح.

أفلام منتمية إلى أساليب مختلفة في صناعة الصورة السينمائية، تفاوتت في طرحها الفني بين التجديد والجرأة والخيال المغامر، وبين الاحتذاء بتجارب أخرى، سواء في السينما المصرية أو العالمية، وجمهور متعطش للسينما في كل حالاتها، أو بالأحرى للخروج إلى الحياة المغايرة، حياة تتيحها الأفلام؛ كل الفيلم هو فرصة لهذا النور الذي يتسلل في عتمة الصالة، ويوقظ بشكل ما الإحساس بالاكتشاف، وربما الفضول لمعرفة الحياة أكثر، لعل هذا ما خطر في بالي بينما كنت أتابع الأفلام المشاركة بالدورة التاسعة لمهرجان أفلام السعودية، إذ جذبتني التفاصيل لأسئلة تتعلق بما يمكن أن تصنعه السينما من تغيير حقيقي، في اللحظة التي جاهدت فيها لأتحرر من فكرة النظر إلى النشاط السينمائي السعودي مؤخرًا، من زاوية ضيقة تختصر الموضوع برمته في المقارنة بين الحاضر والماضي، أو بين السينما السعودية التي لا تزال تتبلور وبين نظيراتها في العالم العربي، وخصوصًا مصر بكل سالفها وراهنها.

 المقارنة هنا ظالمة وغير مجدية، ولا هي مطلوبة من الأساس، كما أنها لا تعنيني بقدر ما أكترث أكثر لصناعة الفيلم وتقييمه الفني، وإن كان لا بدَّ من تقصّى المسار البطيء لنشوء صناعة بصرية في السعودية، والبحث عما يعتمل في قلب تلك المنطقة الجغرافية من هموم بصرية، فتجدر الإشارة إلى أن مخاض السينما السعودية لم يحدث بين يوم وليلة، إنما إثر نضال استمر سنوات طويلة، يرجعها الناقد عصام زكريا في كتابه “السينما السعودية.. قراءة نقدية تاريخية”، الصادر ضمن السلسلة المعرفية من مهرجان أفلام السعودية، إلى ثلاثينيات القرن الماضي؛ حيث وجدت السينما سواء كدور عرض أو إنتاج لبعض الأفلام، إلى أن صدرت قرارات منعها بعد 1979، ثم عاودت نشاطها مجددًا في العام 2018، حسبما ورد في الكتاب الذي يرصد هذا الدأب بالحقائق والأرقام.

إذا كان لا بد من تقصّى المسار البطيء لنشوء صناعة بصرية في السعودية، فتجدر الإشارة إلى أن بداياتها تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي.

ملك الصحافة والأخوان سعيد

فيلم قصة ملك الصحافة

معطيات كهذه قد تسهم في فهم علاقة المتفرج بالسينما السعودية، لا يمكن طرح أجوبة أكيدة من خلالها، لا سيما أن هناك من يعتبر السينما “واجهة اجتماعية”، وهناك في الوقت ذاته من يداوم على مشاهدة الأفلام كلها، وعلى مناقشتها وتحليلها، لكنها في كل الأحوال تكشف عن جهد السينمائيين، وتأثيره في إيجاد الشكل الثقافي والإبداعي والإنساني، كما تبرز أسماء ومحاولات وحالات جدية في تعاطيها مع الصورة البصرية، على الرغم من أن الوقت لا يزال باكرًا لرسم خطوط واضحة للتكهن بأية تطورات جديدة، يمكن القول إن هناك انطلاقة لحركة سينمائية تعتمد على الكاميرا، لتشكيل حالة وعي اجتماعي وجمالي في الفضاء الإنساني والفني.

الأخوان “حسن، علي سعيد”، يُعدَّان من هذه الأسماء التي يمكن الرهان عليها مستقبلًا، إنهما يواصلان مسارهما بأفلام لها طابع خاص، لا أحد يستطيع أن يطالبهما بمعجزة، لكنهما يدخلان المغامرة بمواظبة ونشاط معلن، فكما طالعنا مثلًا الحسُّ الفلسفي والنفسي في الفيلم القصير “رقم هاتف قديم”، الذي استلهم مخرجه علي سعيد عنوانه من أحد نصوص الشاعر العراقي مظفَّر النواب، نستبشر أملًا في “ترياق” إخراج حسن سعيد، الفائز بجائزة النخلة الذهبية لأفضل تصوير سينمائي، وجائزة النخلة الذهبية لأفضل فيلم قصير؛ لأنه فيلم إنساني لطيف يحتاج إلى مشاهدة هادئة، تعيننا على تلمُّس ما فيه من مسحة وجع ترسم ملامح وتفاصيل زمن يتلاشى تقريبًا، وإن كان في الندوة التي أعقبت عرضه في مهرجان أفلام السعودية، تم توصيفه كفيلم موسيقي، فهذه مبالغة من مدير الندوة لم ينكرها مخرج الفيلم، لأنه يصعب توصيف أي فيلم بـ “موسيقي”، لمجرد أن بطله يعزف العود ويغني، لكن تبقى الموسيقى في حدود قصته، عنصرًا رئيسًا من عناصر المقاومة للظلامية والرجعية في فيلم بطله الأبرز هو السيناريو، الحكاية التي تلتقط التفاوت بين مجتمع غليظ يناهض الموسيقى والفن والشعر، ومستقبل مرهف يتمثل في طفل مغرم بالموسيقى، إنه رمز لجيل جديد ينقذ الفن ويرعاه.

فيلم رقم هاتف قديم

بينما “ملك الصحافة” يفصح عنوانه- وهو جزء من بنائه العضوي والفكري- عن جديته وهويته كواحد من أفلام السيرة الذاتية، إذ يقدم رحلة تركي السديري منذ طفولته يتيمًا في قريته البسيطة، ثم عمله بالصحافة، وتدرجاته المهنية من صحفي إلى رئيس التحرير، وتحولات صحيفته “الرياض” من صحيفة عادية إلى واحدة من أهم الصحف العربية، بخلاف إلقاء الضوء على جوانب عدة تطال حياته الاجتماعية والثقافية، وكذلك تكشف عن خبايا مجتمعه وزمنه، ومع ذلك لا يعدُّ فيلمًا نخبويًّا يهم فئة معينة، بل تنويريًّا تم تقديمه بشكل شيق، بدا جاذبًا بدليل الجمهور الذي حرص على مشاهدته ضمن عروض المهرجان.

من الناحية الشكلية يبدو الفيلم واحدًا من الأفلام التسجيلية التقليدية، بمعنى أنه قائم على مجموعة من اللقاءات المستقرة في زوايا معينة، ما بين اليمين واليسار، أو تتوسط المشهد، تم تصويرها في جريدة الرياض، ومنزل ترك السديري، بظهور عدد من رفاقه وأصدقائه: عبد الرحمن الراشد، يوسف الكويليت، ممدوح المهيني، سعد الحميدين، هاني الغفيلي، إبراهيم القدير، إلى جانب ابنه مازن.. لكن هذا لم يفقد الفيلم حيويته الإبداعية في تقديم قراءاته الإنسانية التي توهجت بالمقاطع الأرشيفية، من لقاءات تلفزيونية قديمة ونادرة للسديري، مثل لقاء الملك سلمان بن عبد العزيز (كان حينها أميرًا لمنطقة الرياض)، بحيث تداخلت هذه اللقطلت مع لقاءات الابن والأصدقاء، فأبرزت الصورة المتكاملة للسديري مهنيًّا وإنسانيًّا، كما قدمته كأيقونة من أيقونات الحرية، ومعاركها في السعودية.

صحيح أن صناعة الفيلم الوثائقي تجاوزت السائد التقليدي، إلى مراتب مغايرة من الإبداع، منحت النص التوثيقي أبعادًا جمالية ودرامية مختلفة، وأن هناك أفلامًا قدمت نوعًا من التمازج الفني بين الوثائقي والروائي، لكن حسن سعيد في إنجازه لفيلمه بمواصفات النمط الكلاسيكي، لم يقدم فيلمًا باهتًا، ولم يقع في أسر الشكل القديم تمامًا، فقد استعان بمشاهد تمثيلية، أسهمت في تفعيل فكرة الفيلم، وتعميق رؤيته السردية والتحليلية، إذ سعى المخرج لتطوير أدوات التعبير الوثائقي، وفق خطته في طرح أسلوبه السينمائي، مشمولًا بطبيعة الشخصية التي يحكي عنها، والاستقصاء الصحفي المتوغل في موضوعها ببراعة، جزء منها يبتعد إلى حدٍّ ما عن قيود النص الكلاسيكي، ويحاول أن يبرز جماليات فنية وبصرية، وجزء آخر يلتزم بسيرة تروي لحظات أساسية في تاريخ السديري، موضوع الفيلم، كشخصية فاعلة ومؤثرة، من دون الانتقاص من حيوية حضورها بصريًّا على الشاشة.

يفصح عنوان فيلم “ملك الصحافة”، وهو جزء من بنائه العضوي والفكري، عن هويته كواحد من أفلام السيرة الذاتية.

رغم أن الفيلم الوثائقي تجاوز في صناعته الشكل التقليدي، فإن حسن سعيد في فيلمه لم يقع في أسر الشكل القديم تمامًا.

“أغنية الغراب” .. سريالية وجرأة

فيلم أغنية الغراب

إذا كان فيلم مثل “المكان المهجور” إخراج جيجي حزيمة، فاز بجائزة النخلة الذهبية لأفضل تصميم صوت، يقدم تنويعًا آخر لسينما قابلة للتغيير والتعبير الجريء عن امرأة، أدركت بعد محاولة انتحار فاشلة بأن غريزة الحياة أقوى لديها من ابتغاء الموت، فإن “أغنية الغراب” إخراج محمد السلمان، نال جائزتي النخلة الذهبية لأفضل تصوير سينمائي، وجائزة لجنة التحكيم، يعتبر نوعًا من سينما “طليعية”، بمعانيها المتنوعة في التجديد، وبما يدعو إلى ارتياح ما نحو هذا التجديد الذي تكرسه أسماء شابة مقبلة على العمل بحماسة ورغبة صادقة في العمل التأسيسي، بما يجعل الرهان على التطوير أمرًا ممكنًا.

تتضح ملامح سينما محمد السلمان الجمالية والدرامية والإنسانية في “أغنية الغراب”، أول أفلامه الروائية الطويلة، من خلال شكله الأقرب للسريالية، بما يطرح أسئلة عدة حول الجماليات البصرية والدرامية والسردية.

 حساسية الفيلم وخصوصيته تتسلل إلى المتفرج منذ اللقطة الأولى.. لقطة مكثفة في ثوانٍ قليلة، تُثير القلق مع هذا الأب الذي يحطِّم شرائط الكاسيت، ومع كل دقة أو “خبطة” تهتز جدران البيت، بينما الأم تقف عاجزة وحزينة، والابن محور الحكاية عاجز هو أيضًا، عجز يساوي الغليان الكبير بداخله، والذي لا يستطيع الإفصاح عنه، وحين يخرج من البيت تُمطر السماء أمخاخًا كثيرة، بما يعمِّق من حالة البطل التي نتعرف عليها تدريجيًّا، في نص نوعي بكل ما فيه من فانتازيا ومقاربات واشتغالات رمزية.

بين اللقطة الأولى والنهاية في “أغنية الغراب”، صنع المخرج فيلمًا مليئًا بأحاسيس وحالات، عكست وقائع وتفاصيل، وكذلك انكسار وخيبة وأمل.. أشياء عدة مطروحة تعبئ الذاكرة، يرويها الفيلم بحرفية فنية تعبر عن فوران في روح وجسد البطل، كما في روح وجسد جغرافيا بيئته، فالعلاقة الأساسية هنا هي علاقة البطل بذاته، علاقته المتنوعة بالآخر، علاقته بالحيوانات والطيور، بالغراب والحمامة، وكلها تحمل رموزًا وإشارات محفِّزة على الأسئلة، ومشيرة إلى أن هذه الأسئلة كامنة في رغبة محمد السلمان لسرد الحكاية بهذه الخصوصية، بما يحتمل قراءاتها من زوايا متعدِّدة في نصٍّ يثير الدهشة والتأمل.

السياق الدرامي مترع بهواجس غير مرتبطة فقط بـ “ناصر”، الشخصية الرئيسة في الفيلم الذي تم تصويره في مدينة الرياض، الذي يكتشف إصابته بورم في المخ، ويُفتن بشابة غامضة بمجرد لقائهما، ويحاول الوصول لقلبها عن طريق أغنية.. شاب عادي يمرُّ بتجربة تفوق تفكيره، يبدو ساذجًا في مجتمع قاسٍ: والده، صاحب الفندق، عامل الفندق، جماعات المثقفين التقليديين والحداثيين الذين قدمهم الفيلم بشكل هزلي، ضمن نسيج يجمع بين السخرية والسوداوية، إذن هذه الهواجس تمتد إلى الجميع بما فيهم العجوز الذي يقطن في الفندق، وهو الرمز الأبرز لكل هذا الهزل.

في هذا كلّه، يمتلك الفيلم لغة سينمائية حيوية تعبر عن المتاهة التي يعيش فيها البطل، وإن كان في حوار الفيلم بعض الهنات، لكن هذا لا يمنع أنه مشروع مهم لمخرجه ولسينما بلاده، يغوص في تحديات كثيرة، وتم إنجازه من وجهة نظري كمغامرة كبيرة لا تنتظر نجاحات شباك التذاكر، يتضح ذلك من موضوعه وأسلوبيته، واختيار الممثل الذي يقوم بالبطولة لأول مرة، وكلها مقومات لا تستهدف جمهور السينما التجارية، بقدر ما تتجه نحو تكريس تجربة فنية شديدة الخصوصية.

بين اللقطة الأولى والنهاية في “أغنية الغراب” صنع محمد السلمان عملًا مليئًا بأحاسيس وحالات تعبر عن الفوران في روح وجسد البطل.

طريق الوادي.. الطريق إلى الروح

فيلم طريق الوادي

ثمة ثلاثة ملامح رئيسة في فيلم “طريق الوادي” تأليف وﺇﺧﺮاﺝ خالد فهد، حصلت بطلته أسيل عمران على جائزة النخلة الذهبية عن أفضل ممثلة، أولًا أن العائلة، تشكل نواة درامية أساسية له، وتلتزم سردًا سينمائيًّا لأحوالها الداخلية والقرية الصغيرة التي تقطن فيها، بحيث تتحوّل التفاصيل إلى مرايا تعكس هواجس وانفعالات بلغة سينمائية متماسكة في تبيان مسارات أفرادها.. ثانيًا أنه واحد من أفلام الطفولة، أي التي نرى فيها البطل طفلًا نعيش معه دهشة استكشاف العالم ومعرفته، فما بالكم لو كانت الطفولة في حالتها القصوى، وأن الطفل “البطل” ذو حالة خاصة.. ثالثًا حضور الملمح الكوميدي الذي يغلف الأحداث بإطار يحيط صورة اجتماعية شديدة الخصوصية، حتى أن المتفرج قد يجد صعوبة في فصل المسحة الكوميدية الصرفة عن الانتقاد اللاذع والساخر، مما لا شك فيه سيجد لحظات كوميدية ممتعة، وسيجد أيضًا تلك المبطنة في طيات الكوميديا بواقع الحياة المضغوطة، كذلك تجاوز هذا الواقع بخيال أوسع، وبهذا، تتنوّع الصور لتجمع الملامح الثلاثة في خط درامي واحد.

وإذا كان “الجواب يبان من عنوانه”، كما يقول المثل الشعبي، فإن عنوان الفيلم (طريق الوادي) يُنبه إلى مضمون ينكشف، تدريجيًّا، أمام كاميرا تخوض رحلـة فـي الجغرافيـا والـذات والفضـاءات المفتوحـة، كاشفة لعادات بيئة وزمن، وتقاليد وطقوس وأهواء، ليس بغرض فضح ساذج أو مراوغ، بل ثمة رغبة للعثور على فهم أو بلوغ معرفة، ربما شيء يُعين على التصالح مع الذات؛ هذا لا يُعدُّ تفسيرًا مبالغًا فيه، أو نتيجة مرهفة تبرهن أن الحب قادر على الحماية من قسوة الحياة، إنما يمكن اعتباره وسيلة لتلمس طويته، والاطلاع على نوازعه، ومن هذا المنطلق قد ندرك أن طريق الوادي هو أيضًا طريق إلى الذات والروح، درب يفضي إلى تحرر، ولو قليلًا، من ثقل تساؤلات مضنية.

تحليل كهذا يمكننا من التعاطي مع “طريق الوادي” وتفاصيله الإنسانية، كنص سينمائي يحتاج قراءة مبسطة لموضوعات حساسة لا تخلو من عمق، فهنا ينتقل بنا خالد فهد، مؤلفًا ومخرجًا، إلى عالم إنساني مختلف، يبنيه بلغة سينمائية تعبر عن بيئة وأحوال معيشية، توازي موضوعًا نفسيًّا بكل تحولاته، لنتابع “علي” الطفل المتوحد الذي يزيد ارتباك العلاقة بينه وبين أبيه ومجتمعه، خصوصًا في ظلِّ غياب شقيقته عن البيت والقرية بسبب الدراسة، بينما تهوِّن عنزته “كيرا” عليه القسوة، إذ نسير معه في رحلة يتوه فيها “علي”، حين صحبه والده إلى الوادي صوب معالج شعبي.

التحديات لا تقابل علي وحده في توهانه، إنما واجهت أيضًا المخرج ورهانه على جمالية الصورة، بجانب المعالجة الدرامية، هذه الجمالية المشرعة على بيئة مبهرة، لكنها مصنوعة، فحسب البيانات الترويجية للفيلم أن القرية بُنيت بالكامل، يعني هناك كيان تم تأسيسه من أجل عمل درامي، بالتأكيد لم يكن أمرًا سهلًا، ولكنه مقصود في صناعة الصورة، فالفيلم بهذه الطريقة يبدو مرشدًا لجغرافيا جديدة لم تعتد عليها بعد العين المتابعة للسينما، أتيقن من ذلك بظهور هذا المرشد السياحي الذي يظهر في بداية الفيلم، مع الفارق في المعنى الدرامي بين الاثنين، ما أود أن أشير إليه أن القرية الصغيرة في الفيلم غير موجودة في الواقع، وموضوع الفيلم إذا اقتصرناه على حكاية ولد صغير، يعاني من التوحد واضطراب علاقته بأبيه أو مجتمعه عمومًا، لبدا الأمر عاديًّا يمكن حدوثه في أي مجتمع آخر، لكن خصوصية الجغرافيا السعودية: تضاريسَ وبشرًا، تمنح اختلافًا واضحًا يبرز العادات والتقاليد والمفاهيم السائدة.

تبدو قرية جبلية عادية غير مرتبطة بنسق زمني معين، ومع ذلك لم يقدمها الفيلم كـ “ديكور” جميل، دون الاشتباك مع الحدث الدرامي، ومن هذه النقطة انطلق خالد فهد في عمله الروائي الطويل الأول، ساعيًا في توليد الفعل الدرامي القادر على إثارة الدهشة، من خلال التمعن في سلوك الأشخاص وانفعالاتهم، وإن في بعض مناطق الفيلم نكاد نفقد متعة المشاهدة بسبب التطويل، بما أدى إلى بعض التململ كان يمكن الإفلات منه، لولا ما يمكن أن أسميه “الشراهة” في استخدام كل المادة المـُصورة، ما شكَّل نوعًا من الضياع اللحظي في تشعبات كثيرة لا داعي لها، إلا أن هذا لا يمنع براعة اللغة البصرية التي أضفت جمالًا إلى متن الحكاية.

كما أنه في اتجاه موازٍ، يظهر الجهد المبذول في اختيار العناصر الشبابية التي عملت في الفيلم: صوت، صورة، ديكور، مناظر طبيعية، موسيقى، و.. غيره، بخلاف التمثيل، سيما الممثل الناشئ “حمد فرحان” الذي جسَّد شخصية الصغير “علي”، ويبدو أنه تلقى تدريبًا كبيرًا ليظهر بهذه الصورة اللافتة.

ثمة ثلاثة ملامح رئيسة في “طريق الوادي” لخالد فهد، هي: العائلة والطفولة والكوميديا.

“سطار”.. الضحك بجرعات كبيرة

فيلم سطار

يحكى أن السينما السعودية بخير، وأن حركتها تصنع إنجازًا وعلامات واضحة، حتى أصبحت الأفلام تنهال كالمطر، وبين ما يحكى وما يعاش، وما أراه عن قرب، اختبار للتجربة التي تتشكل بطريقة مفاجئة ومثيرة للتأمل، فإذا كانت الأفلام التي شاهدناها في مهرجان أفلام السعودية على مدار دوراته التسع، بين طويلة وقصيرة، روائية ووثائقية وتحريك، أطلقت العشرات من أسماء سعودية جديدة وجريئة، تسعى في جدية لتكريس الصناعة دون تهيُّب، وإذا كان المهرجان نفسه وهو بوابة السينمائيين السعوديين الجدد، قبل أن تنبثق فكرة مهرجان البحر الأحمر كمهرجان دولي كبير، قد وفَّر أفلامًا تنوعت موضوعاتها ما بين العلاقات الاجتماعية، الخرافات والشعوذة، المجتمع المحافظ، حقوق المرأة، البحث عن الهوية، الاختلافات الفكرية، الإرهاب، الحرب، الحب، البيئة الطبيعية، الرياضة، صناعة الأفلام و.. غيرها، فإن هذا كله لا يتعارض مع الجزء الترفيهي في صناعة السينما، فمما لا شك فيه أنها صناعة تقوم على الفن والإبداع والتجارة، ومع التوسع في بناء دور العرض داخل المملكة في السنوات الأخيرة، وإقبال الجمهور على الأفلام التجارية، وخصوصًا الكوميدية، فمن الضروري الالتفات للنزعة الجماهيرية صوب الضحك.

“سطار” فيلم يضبط السينما على توقيت الكوميديا المصرية والأمريكية، والتماثل أصلًا بين الاثنتين كبير، بحيث يمكن القول بأن “سطار” هو مضمون مصري/هوليودي، في شكل سعودي، قدمه مخرج كويتي )عبد الله العراك، يعمل بين الكويت والسعودية، له عدد من المسلسلات الكوميدية(، وكتبه مؤلف مصري )أيمن وتار، يعمل في التمثيل والكتابة، من مؤلفاته: نادي الرجال السري، الكويسين، الأبلة طم طم، البعض لا يذهب إلى المأذون مرتين، فضل ونعمة…(، بمشاركة المؤلف والممثل السعودي إبراهيم الخير الله، الذي شارك هنا أيضًا في التمثيل، والفيلم الذي شارك في بطولته: إبراهيم الحجاج، عبد العزيز الشهري، شهد القفاري، وعُرض للمرة الأولى في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي عام 2022، قبل أن يعرض تجاريًّا في السعودية، محققًا أعلى الإيرادات عربيًّا والثالث عالميًّا بعد (Top Gun) و(Spider Man)، وكذلك عُرض في دول الخليج ولندن، وعلى هامش مهرجان الأفلام السعودية، يمتزج فيه الأكشن مع الكوميديا بدرجة تتوازى فيها مغازلة المزاج الجماهيري، فهو لا يتناول فقط خلال مائة دقيقة، قصة سعد الشغوف منذ طفولته برياضة المصارعة الحرة، ويلاحقه حلم احترافها، بينما هو يصارع الإحباط في حياته المهنية والاجتماعية، وكذلك التعثر في علاقته العاطفية مع خطيبته، إنما يستعرض أيضًا لونًا يخطو بالسينما السعودية لتكون داخل دائرة الصناعة، تتبارى وتتنافس، وإن كانت تتبع أثر الأفلام المصرية والهوليوودية كما أسلفت.

 لنتفق أولًا أن المـُشاهد يحبِّذ الكوميديا، والموضوعات البسيطة التي تضمن في النهاية الضحك بجرعات كبيرة، بصرف النظر عن أي سجال نقدي حول نوعية الكوميديا، وهل هي الساخرة، الزاخرة بالدعابة الذكية التي تعتمد على المواقف أكثر من الإيفيهات؟ هل تحمل غلظة ما كما في أفلام أمريكية عدة، أم “قفشات” ساذجة كما في بعض الأفلام المصرية؟.. فالنفوس متعطِّشة إلى متعة حقيقية تحفزها على الضحك، ينتهج “سطار” الكوميديا البسيطة، يتخللها أحيانًا هذه السخرية اللاذعة التي تتماس مع بُعد اجتماعي يثير الضحك، وعلى هذا الأساس فإن الشخصيات مرسومة بشكل هزلي، لكن ثمة مراعاة لصناعة الضحكة دون ابتذال أو غلاظة، أو مبالغة الممثل في حركاته، أو الاعتماد فقط على فكرة الممثل “الكاراكتر” البارع في الإضحاك، حسب لخبطة مظهره، إضافة إلى أن شخوص الفيلم لا يبدون غرباء عن الواقع السعودي، جزء من حياة متكاملة بثقافتها وناسها وضغوطها الاجتماعية والاقتصادية.

البطل هنا شاب ينتمي لهذا المجتمع، يعاني إخفاقاته الخاصة والعامة، ويسعى لتجاوزها، يعيش في جغرافيا سعودية تتضح معالمها في شكل البيوت والشارع والتفاعلات بين البشر: البطل ووالده وحماته ومديره وزملائه في العمل ثم خطيبته، هنا ملمح عاطفي مفعم بالتحدي، منسي ومهمل تقريبًا في الدراما السعودية، كأنه ما زال إبراز قصص الحب يحتاج دفعة جرأة أكبر، وهو هنا في الفيلم قدم هذه العلاقة بتلقائية من خلال المكالمات الهاتفية، والخروج للبحث عن منزل الزوجية، تفاعلات الحياة العادية، هذا غير المشتركات بين الحبيبين، مثل الشغف بالطعام، كل هذه أمور عمقت من ارتباط الفيلم بواقعه، على الرغم من أسلوبه الفني المصري/ الأمريكي، وهو أمر بدهي لسينما نشأت على نهجهما، وما زالت تتبلور ولم تشكل خصوصيتها بعد.

لعلنا نجد هذه الخصوصية في تفاصيل أخرى، مثل موسيقى وأغاني الفيلم التي أضفت الطابع المحلي للموضوع، وبما يتماشى مع الأسلوب الكوميدي والأكشن كذلك، وهو ما ظهر مثلًا في أغاني وتشجيع الجمهور أثناء مباريات المصارعة، والتي تم تصويرها بطريقة تبرزها كتنافسية حقيقية، وليس للتهكم عليها، وحتى ظهور بطل الفيلم الذي جسده الممثل إبراهيم الحجاج، بدا واضحًا من أدائه لحركات المصارعين، أنه بذل جهدًا كبيرًا في التدريب، وعلى أية حال فإن صناع الفيلم حسبما ظهر، قدموا موقفًا إنسانيًّا مغلفًا بكوميديا مزجوا فيها الضحك بالأكشن، وهو ما أسهم في نجاحه الجماهيري، وقد يثير ذلك شهية آخرين لإنتاج المزيد من الأفلام الكوميدية، وهنا يكون الترقب والانتظار للمقبل من الأعمال الكوميدية بأمل التجديد الإبداعي وضرورته.

يمكن القول إن مضمون فيلم “سطار” مصري هوليودي، في شكل سعودي، لمخرج كويتي، هو عبد الله العراك.

الخلاط.. الصورة والجوهر

خلال 118 دقيقة نشاهد كوميديا سعودية من نوع آخر في فيلم “الخلاط”، إخراج فهد العماري، تأليف محمد الجراوي، تمثيل: فهد البتيري، إبراهيم الحجاج، صهيب قدس، محمد الدوخي، زياد العمري، أول عمل سعودي تنتجه منصة نتفليكس، وكان في قائمة أكثر الأفلام متابعة، عُرض للمرة الأولى في الدورة الثانية من مهرجان البحر الأحمر السينمائي، كما أنه خرج من رحم “تلفاز 11” قناة على اليوتيوب، إحدى التجارب الشبابية الناجحة التي طرحت أعمالًا ساخرة، إسكتشات خفيفة خاضت في قضايا اجتماعية عدة بالنقد، فحققت حضورًا قويًّا في الساحة، وقاعدة جماهيرية عريضة، ما حفَّز للاتجاه نحو هذا اللون بحرفية تصنع نقلة نوعية.

الفيلم إذن مأخوذ عن سلسلة “خلاط” التي أنتجتها “تلفاز 11″، وقد انطلق من تيمة ترتكز على فكرة الخداع والمراوغة والاحتيال، وهي تيمة مثيرة للجمهور، بما تستدعي لديه من محفزات الفرجة والتماهي مع الشاشة، والانخراط مع شخوص أربع حكايات منفصلة، كل واحد فيهم يدخل مغامرة مخاتلة، وكاشفة في ذات الوقت لواقع ماكر بأشكال مختلفة، من سارقي إطارات سيارات يقتحمون حفل زفاف، لإنقاذ صديقهم وشريكهم في عملية السرقة، الطاهية في أحد المطاعم الفخمة التي تحتال لدعوة والديها، في محاولة من أجل الإصلاح بينهما، الشاب الذي يراوغ زوجة صديقه المتوفى، حتى لا تكتشف علاقة زوجها السرية، الرجل يقيم مع عائلته خلسة في غرفة واحدة بأحد الفنادق، ويتسلل وراء ابنه ليلًا إلى الملهى الليلي الملحق بالفندق.

الخداع والتمويه هما الرابط الأساسي بين جميع القصص، فهل نجح الفيلم في تحقيق هذه الوحدة؟.. أتصور أنه فعل بنسبة كبيرة، توزعت لتظهر حيل المجتمع في المداراة والمناورة، ذلك في قالب كوميدي، تهكُّمي، يؤدي إلى شكل من أشكال النكتة المعاصرة، والنكتة هنا سعودية صورة وجوهر، كما أن الفكرة سعودية والأبطال سعوديون، فإنه يتجلى الـ”إيفيه” السعودي من خلال التهكم والنقد لمجتمع في ظاهره هو محافظ، لكن في باطنه يخفي أشياء مريبة وغير أخلاقية، وهذا في رأيي تقدُّم ضروري للانتقال نحو نقطة أبعد مجتمعيًّا، وكذلك فنيًّا، خطوة تجاوز بها الفيلم متاريس الجمود القديمة، فمن خلال المواقف المتأزمة في الحكايات الأربع، والكاشفة للزيف الإنساني في واقع هش، نجد اتجاهًا لا ينتصر لهذا الزيف وأبطاله، إنما يفضحهم، ولا أبالغ لو قلت إن هذا النوع من المكاشفة، بل والتحريض على الانفتاح على مجتمع أكثر مثالية من ذلك، حتى لو في إطار كوميدي لطيف، وسينما خفيفة تستهدف جمهورًا كبيرًا يشغف بالكوميديا.

وإن اتفقنا أن الكوميديا في الفيلم قائمة على الموقف والمفارقة، جزء من المفهوم الأوسع للكوميديا السوداء، خصوصًا في الحكاية الثالثة، حيث تنبع الكوميديا من الموت، إنها مفارقة مؤلمة، ولكنها صادقة في سخريتها ومواجهتها، إضافة إلى وضوح تفاصيل الشخصيات، فبدت مرسومة بتأنٍّ، وعلى قدر كبير من التماسك، سواء في علاقتها بالآخرين أو بمجتمعها أو عمقها الذاتي، ومنها نفهم أزمة المجتمع الذي خرج منه وله هذا الفيلم الساخر، وإن تباين المستوى الفني من حكاية لأخرى، بشكل يبدو متأرجحًا أحيانًا ما بين صورة حيوية وإيقاع سريع، يختلف في الحكاية الثالثة مثلًا، إنما عمومًا جاء الفيلم كمحاولة مبذول فيها جهد كبير، ومن ناحية أخرى مناسبًا للمزاج الكوميدي الجماهيري.

يبقى أن كل فيلم هو اختبار جديد للسينما السعودية، في طور تشكيلها الحالي، ومحاولاتها لتكون أكثر حيوية فنيًّا وجماهيريًّا.

ينطلق فيلم “خلاط” عبر أربع حكايات منفصلة من فكرة الخداع والمرواغة والاحتيال، وهي تيمة مثيرة للجمهور.

فاصل اعلاني