• English
  • 19 مايو، 2024
  • 10:27 ص

احدث الاخبار

عبد الله آل عياف: شغف السينما الحقيقية وهوس التنظيم الهندسي

“أوبنهايمر” الفيلم الأكثر تنظيمًا وإبداعًا

كرستوفر نولان: صنعت “أوبنهايمر” لأنه قصة رائعة.. وفخور جدا بفيلم “أرق”

بداية النور هي بداية الظلام!

نولان في عيونهم

كريستوفر نولان … أفلام مثيرة لأزمنة مقبلة

بسام الذوادي: نعمل مع عدة جهات لتشكيل هيئة للسينما في البحرين

أحمد يعقوب: فيلم “عثمان” تتويج للمسيرة المنفردة لكل عضو في فريق العمل

أنا والسينما

أن تأتي متأخرًا سينمائيًّا

السينما السعودية الطليعية التي لم تسمع عنها

سيناريو فيلم ليت للبراق عينًا

عائشة الرفاعي: تأخرت 20 سنة… لكن عنادي وشغفي قلصا المسافة فحققت حلمي

أزمة قُرّاء أم أزمة نصوص

عبد الله الخميس: رأي شباب الاستراحة أهمُّ عندي من رأي لجنة التحكيم

علي الشافعي: منفتح على جديد التصوير السينمائي وكل تجربة لدي مصدر إلهام لما يليها

لم يعد النهر صغيرًا، لم تعد الكلمات صغيرة عن الاغتراب والعزلة والماضي في أفلام الأخوة سعيد

براء عالم: الطريق إلى العالمية لن يكون بإعادة إنتاج أفلام هوليود

أفنان باويان: هذه المهنة السينمائية يعمل بها ثلاثة محترفين فقط في السعودية

الأفلام السعودية الجديدة .. جمهور متعطش وحكايات تفتِّش عن الكوميديا والهوية

“الخلاط”: صناعة منتج جيد من حكايات غير متوقعة

سيناريو فيلم ليت للبراق عينًا

سيناريو فيلم ليت للبراق عينًا

2 April، 2024

سيناريو محمد ملص

الصيغة المكتوب بها هذا السيناريو نتمي لما يعرف بــ “سينما المؤلف”، حيث يتمكن القارئ أن يرى فيلمًا، والأحداث فيه تروي حكاية روائية سورية على عتبة الكهولة؛ كانت قد وقعت خلال دراستها الجامعية في حب زميلها فؤاد؛ وتزوجا. وأنجبت منه وحيدها نوار. أما فؤاد الذي كان يدرس الطبَّ؛ فهو شخصية حيوية فعالة؛ ونتيجة لأفكاره فإنه يسجن مرات متعددة قبل العام الألفين، وبعده. ومن ثم لا يبقى للكاتبة إلا الانصراف لوحيدها ثم الكتابة والانتظار

المشهد الأول

في لحظة تائهة بين الخيال والمنام؛ تسقط الكاتبة في نهر بردى الذي يجري وسط دمشق دون أن نعرف كيف؟ فتجد نفسها وسط مياهه المغطاة تبحث عن منفذ.

في نفق النهر يتبيَّن لنا امرأة على عتبات الكهولة؛ وجهها يشير لبـقايا مـا كانته من جمال؛ وترتدي بأناقة لباسًا ما كانت ترتديه في النوم. تصارع الماء وتحاول أن تعرف كيف لها أن تخرج. تعوم ونتـبـعها وهي تتعرج كلما انعطف النفق أو ضاق. فتلتقط أنفاسًا لاهثة وتصرخ مستغيثة بابنها:

_ نوار! يا نوار!. إبنيًّ! 

حين ترى ضوءًا في البعيد تستجمع قواها وتتجه نحوه؛ وهي تعارك الماء والطحالب، كي تصل إلى الضوء المنبعث من منفذ ضيق يفتح على المدينة. فتتقدم نحوه؛ تفاجأ بكثافة أوراق مطبوعة متناثرة على سطح الماء.

تجمع الأوراق فتكتشف أنها واحدة من رواياتها. تتكئ على طرف النفق، وهي في حالة من الإعياء والاستغراب. تطل برأسها من المنفذ لترى أين هي؟ فتدهش بشدة حين ترى أنها في ساحة الشهداء؛ كما كانت في بداية القرن. وترى المشنقة التي نصبها جمال باشا للشخصيات الوطنية في السادس من أيار. وترى من مكانها الشخصيات تتدلى على حبال المشنقة. تهتز لما تراه من تيه وغرابة. ثم تنتفض وتهم لتخرج من فوهة النفق والأوراق المبللة والملوثة بالطحالب إلى صدرها. تتداعى قليلًا، وتهدأ على طرف المنفذ. ثم تقفز وتخرج من النفق؛ وتجد أنه صباح باكر في ساحة الشهداء كما هي اليوم.

تجلس على عشب الحديقة المحيطة. وتتصفَّح الأوراق، وتكتشف أنها الرواية التي كتبتها عن الأحوال بعد الوحدة بين سوريا ومصر. تمسح الطحالب عن صفحة من الصفحات وتقرأ:

_ “وروى لي فؤاد حكاية صديقه سليمان؛ الذي قتل أباه في قصف الفرنسيين للبرلمان؛ الذي كان كلما ذهب إلى الجامعة ؛ أوعاد منها، ينادي أبناء الحي حيث يعيش مغرِّدًا للوحدة بين سوريا ومصر:

_ لقد بعث صلاح الدين!

تصمت الكاتبة وتفكر، تستعيد بذاكرتها فؤاد وهو يحكي لها.

يتناهى إليها صوت فؤاد وهو يقول:

_ نسيت يا أمل؟! نسيت سليمان بعد الانفصال بين سوريا ومصر؛ كيف صمت. ثم أخذ ينتـفخ بصمته؛ وسنة بعد الأخرى. طق ومات.

 تستجمع أمل ذاكرتها من جديد؛ فتستلقي على العشب وتترامى الأوراق من حولها لتتطاير. وتهمس مع نفسها لفؤاد:

_ لا أنس أبد المرة الأولى التي رأيتك بها؛ وأنت على أكتاف سليمان؛ ترفع الصحيفة التي صدرت من الرقابة بيضاء إلا من اسمها؛ وانت تهتف “حرية” وتخرجون من أسوار الجامعة تحت الثلج.

تنهض وهي تهمس مع نفسها:

_ من يومها وأنا أسألك؛ عن هذا الشيء الدافئ الذي يلامس قلبي، وأنت تنظر إليَّ وتضحك.

تلتفت إلى الكاميرا وتقول لها وهي تسير على العشب:

_ من يومها غدوت أنا الصوت وأنت الصورة في كل رواية كتبتها.

تتأمل انعكاس صورتها في نهر بردى وتقول:

_ خلال غيابك في السجون الطويلة أخذ يتزعزع يقيني بما يُحكى ويُروى عما ناضله أجدادنا وأباؤنا؛ وقضوا من أجله. 

المشهد الثاني

  في بيت الكاتبة فجرًا

نرى كـفَّ الكاتبة والخطوط العديدة والمتداخلة. وهي مستلقية في سريرها؛ تسند ظهرها إلى وسادتها الأنيقة وتنظر إلى صفحة كفها.

تدير رأسها وتنظر إلى باب البيت؛ وتبدو كما لو أنها تنتظر أن يُفتح! لكن اللحظات تمرُّ ولا أحد يدق الباب أو يفتحه. ولا شيء يغير هذه السكينة. تتساءل مع نفسها:

– ما لذي أيقظني فجأة؟! المنام؟!

لا أتذكر كيف هويت في بردى الذي عشقته طوال الأيام التي عشتها!.

 تتمتم:

 _ غفوت بالأمس وكان همِّي أن أستطيع إنهاء روايتي؛ التي أحس أني معلقة على حبل مشنقتها.

ثم تقول وكأنها تحكي مع ابنها:

_ لا أخفيك يا نوار! أن هذا ليس تكاسلًا! بل لأني أشعر بـاللاجدوى!

تتحرك الكاميرا نحو الطاولة المجاورة؛ وتستعرض ما عليها؛ وهي تتابع قولها:

– ما تفكر به يا بنيَّ؛ يدفعني أحيانًا لتأمل ما كتبته؛ وقضيت عمري من أجله

 نرى على الطاولة فنجـان قهـوة مقلوبًا على طرف صحنه. كأسَ ماء صغيرًا وورق الليمون؛ ثم صورة بإطـار صغيـر لابنها نوار في حـوالي الثالثة والعشرين من العمر.

تستعرض الكاميرا المكتبة المجاورة وعلى أحد رفوفها إطار لصورة زوجها فؤاد بالأبيض والأسود؛ يلفُّ وشاحًا كحليًّا حول رقبته. ويشبه الشاب.

تمضي الكاميرا فنرى فونوغرافًا قديمًا. وعلى الجدار لوحات لفنانين سوريين.

تعود الكاميرا إلى الكاتبة وهي تنظر إلى صورة الرجل ذي الوشاح الكحلي وعينـاها مثقلتان بالدموع.

تميل قليلًا على جانبها؛ كأنها تريد الهروب من اللحظة؛ تـضيء نورًا صغيرًا يجاورها، وترتفـع في فراشها لتجلس على طرف السرير، ونحسُّ تنفسها على فقرات ظهرها. نرى على الطاولة المجاورة كومبيوتر تبث شاشته صورًا متبدلة لنوار ولفؤاد. تهمس:

_ هل ينهض الإنسان يومًا؛ ويسمع أحدًا يقول له: انتهى العمر!. فيتأمل حياته قبل أن يقول وداعًا؟ ،وأنت يا نوار..  لعلك لا تعرف الشعور الغريب بالحسرة والندم.

 ثم وكأنها تسأل نفسها:

_ ندم على شو؟   على الكتابة؟!  على الحب؟!

لقد عشت مع فؤاد جنون الحب! ولم أفقد حضوره لدي لحظة!

يلمع البرق؛ ثم يهطل المطر بغزارة. تأخذ الكاتبة نفسًا عميقًا وتنهض، تتأمل المطر على دمشق من وراء النافذة. تلتفت نحو الكاميرا وهي تمضي إلى طاولتها قائلة لها:

– ذكرني المطر بفيلم “الندم” الذي شاهدته مع فؤاد في روما قبل ثلاثين عامًا. ثلاثون عاما؟!  في لحظات كثيرة، يصير صوتي حبريًّا في رواياتي.

يا فؤاد! أناشدك أن تبقى طريًّا كمطر نيسان؛ لتعود لنا ببهجة سطوعك!

تتساءل:

_ ترى بأي شهر نحن اليوم؟

تردد بما يشبه الهمس:

_ تراوح الأيام والسنوات في مكانها في داخلي؛ فتتكرر الأرقام أمام عيني بغرابة.

تصرخ بالشاشة:

 – نوار!  يا نوار أحاول يا ابني أن أعرف بأي شهر نحن؟

ما بدي أسأل “غوغل”!

من الصبح عم بحكي معك لحالي مثل المجنونة.

يظهر على الشاشة ابنها نوار وهو يضحك ومن خلفه بوستر فيلم “ماما روما” لبازوليني. 

بوستر فيلم ماما روما

يقول لها:

– صباح الخير! شو يلي صحاك عم تعيطي؟

ترد وهي تضحك بسعادة واضحة:

– لك صباح النور!

– طمِّنيني عنك؟

– بخير؛ بس اليوم فقت بكير شايفه منام!

– شايفه أبي!

– أبوك بشوفه بالصحو وبالمنام!  جاي على بالي أخلص روايتي هذه قبل…

 – قبل شو 

– اسمع هلا! بعدين

تنقر الكيبورد ويظهر على شاشة الكمبيوتر الكلمات القليلة مما قد بدأت بكتابته.

تقرأ من على الشاشة:

_ “أسير في شوارع دمشق التي نزح إليها الملايين من المحافظات الأخرى؛ وأسجل كل ما أسمعه وكل ما يتناهى من الكلام بين العابرين الذين يملأون الشوارع وما يقولونه في اتصالاتهم الهاتفية؛ فلم يعد خيالي الروائي يثيرني أو يوقظ خيالي من سُباته!”

فجأة تنقطع الكهرباء. ويختفي كل شيء من حولها؛ ولا يبقى أمامنا إلا هي. نراها في مكانها؛ تبدو وكأنها في زمن آخر. تشعـر أن جسدها تـنبعـث منه سخونة حارقة. تتحسَّس صدرها؛ تحس أن رداء النوم الذي ترتديه قد أخذ يتحـول تدريجيًّا إلى رماد؛ وبدأ الرماد يهرهر بين يديها.

تنـظر إلى نفسها على شاشة الكمبيوتر وقد تحولت إلى مرآة. ترتعد من صورتها. تنفض هباب الرماد عن جسدها، وتقترب من المرآة؛ تـرى بهلع أن ثديـيها أخذا يتحولان إلى كتـلتين نافرتين من الخشب. تتمتم بسخرية بها شيء من المرارة:

_ لماذا لم أكتب عن نفسي مرة؟! هل كنت أريد أن أهرب منها؟!

تنهض وهي ترتعش، وتتجـه بـ عريها المتخشب نحو النافـذة وتنـظر إلى السماء، ترى النجوم في مكانها! تمشي مبتعدة عن النافذة، كأنها تتـأكـد من أنها ما تزال على قيد الحياة. تلتفـت نحونا بمودة وتخبرنا:

_ لا أريد أن أظهر ضعفي أمامكم؛ فـمن يصنع سجنـه بنفسه، لا يحقُّ له أن يقـول آه.   تعود الكهرباء.

تنبعث من جديد على شاشة الكمبيوتر الصورة ذاتها لنوار. ترتبك أمام انبعاثه أمامها، وتتوه بين الفرح والشعور بالحيــاء من عُريها. فتخشى أن يرى عريها. تتـناول من على الطاولة أوراق مخطـوط الرواية؛ وتغطي بها صدرها.  تقول بلهفة وهي تبتسم فرحًا: 

– شو سهران لهلأ؟

– عم انتظرك!

– شو عرفك بدي أحكي معك

– قلبي حاسسني!

يضحك.

– تعالي يا أمي زوريني! لك هي مصر أم السينما؟ ! جاي على بالي شوفك معي هون! ما بيكفيني أن أبي لا أراه!

يشير لها بأصابعه بدلع وجاذبية أن تعالي!

– آه! لشو بدك ياني أرجع وأتذكر مصر؟

– تعالي مشان تدعميني في العرض يوم 17 يونيو!

المشهد الثالث

البيت الذي يسكنه نوار في القاهرة.

(في مساء اليوم الذي وصلت به إليه في القاهرة، وفي جو من الحب واللهفة بعد سنتين من التباعد؛ يحاول نوار إحاطتها بالحب والراحة والفرح لما أتت به من هدايا ومأكولات، وبالاستجابة للهفتها لتحكي له عن الرواية التي تكتبها، ويحاول أن يحكي لها عن الفيلم الذي صوره في دمشق قبل سنتين. ويدور في داخلها لهفة عارمة لتستعيد لحظات من أيام العسل التي قضتها مع فؤاد وزيارة الأماكن التي كانت يومها… هذا المشهد هو اللقاء الحميمي، تتخلله الهدايا والحديث عن الرواية التي تقرأ للحظات منها وهمًا يتناولان الأطعمة والفواكه… وثمة إطلالة من النوافذ على المساء وليل هذه المدينة المفعمة بالحياة).

 في جلسة حميمية وهما يشربان الشاي والنعناع، وبإلحاح منه تقرأ الكاتبة مقطعًا صغيرًا من روايتها الجديدة “ألف يوم ويوم”.

المشهد الرابع

في الصباح يفتح نوار الباب للمغادرة

يلتفت إلى أمه في الداخل قائلًا:

– مام استعجلي شوي بدنا نلحق قبل ما تبدأ العجقة!

يتناهى إلينا صوتها على عجل، ثم تظهر وهي تسرح شعرها؛ وتهرع إليه، تتأمله وهي على عتبة الباب قائلة:

_ شو هيك رايح على المعهد؟ فوت إلبس منيح! ما حلو تروح على المعهد هيك!

– هيك بروح يوميا، إشبيك؟

– ما بيصير هيك، عيب لك أم!

يضحك ويقول:

– هيك نحن!

– والله كنا نحن نحترم الجامعة والمعاهد ونروح كل يوم بأحسن ما عندنا.

تتقدَّم نحوه وهو يقف على عتبة السلم وتضبط له تسريحة شعره. يلتفت إليها قائلًا:

– خربطت لي تسريحة شعري!

تتجمد مكانها مستغربة؛ ويعيد ترتيب شعره؛ ويعانقها ويهبطان.

يستدرك ويقول لها وهما يهبطان السلم:

– مام بعد ما تشوفي الفيلم في المعهد أنا عندي دروس؛ بتروحي وين؟ ما بدك ومنلتقي في مقهى في ساحة التحرير مقابل محطة المترو؟ ما بتذكر اسم المقهى! لكن على واجهة المقهى بوستر فيلم “المصير”.

في مدخل العمارة التي يسكنها يسحب نوار دراجته الهوائية؛ ويركبها ويقول لأمه

 _ طلعي وراي بعجلة! راح طق لأريك الفيلم.

الكاتبة محرجة ومترددة تقترب منه وتوشوه

_ خجلانة والله.

يضحك ويرد

_ طلعي لا تخافي ولا تخجلي نص مصر على البسكليتات!

– اسمع! اسبقني وأنا بجي علي المعهد بالتاكسي! وتدفع به في الطريق أمامها!

يقول نوار للكاميرا بوثائقية وهو على دراجته في شوارع مختلفة:

_ “في زيارتها لي هذه المرة؛ بدا أن خوفًا عميقًا يتلبسها؛ وكأن رقيبًا ما يترصدها. لقد فقدت الكثيرمن عفويتها التي أتذكرها…”.

ثم يضحك بسخرية ويتابع كلامه:

_ “لم يعد لديها حديث إلا خوفها مما يحدث في سوريا، وخوفها أن تموت ولا ترى أبي خارج السجن.”

المشهد الخامس

في صالة صغيرة من صالات معهد السينما في القاهرة نشاهد مع الكاتبة الفيلم القصير الذي صوره نوار قبل سنتين في دمشق

 ( 5 دقائق تؤخذ من نهايات الفيلم الذي أخرجته 2014 بعنوان “سلم إلى دمشق”. هذه الدقائق تحكي عن شخصيات شاب وشابات تسكن في غرف مختلفة في بيت من البيوت القديمة السائدة في الأحياء الكلاسيكية للمدينة تأتلف فيما بينها، وتصعد إلى السطح حيث يصعد أحدهم، وفي أعلى السلم يصرخون حرية.

فيلم سلم الي دمشق

بعد نهابة الفيلم نرى الكاتبة تعانق ابنها وتقبله والدموع في عينيها قائلة له:

_ ذكرتني بفؤاد وبيقولو”من خلَّف ما مات”.

المشهد السادس

القاهرة اليوم

 تقف الكاتبة (بعمرها اليوم) في شرفة غرفة فندق قديم يطل على ساحة التحرير. تتأمل الساحة المقابلة للشرفة؛ ويتناهى إليها صوت أسمهان تغني:

_“ليت للبراق عينًا”.

 بعد أن تستمع قليلًا تلتفت إلى الغرفة وراءها مبتسمة وسعيدة.

المشهد السابع (فلاش باك)

 القاهرة بالأبيض والأسود. الكاتبة بالألوان

غرفة الفندق كما كانت في السبعينيات وكذلك الكاتبة وزوجها فؤاد في تلك السنوات، وهي مستلقية على بلاط الغرفة تتابع فؤاد وهو يتَّجه إلى الشرفة؛ يحمل غرامافون عتيق تدور على صفحته أسطوانة أغنية أسمهان “ليـت للبراق عينًا”؛ وسعيدًا في صباح العسل هذا يخرج إلى الشرفة، ويقف حيث كانت واقفة.

إنها تستلقي سعيدة في هذا الضوء الصباحي، تبدو وكأنها على سطح من الماء؛ تترنم الأغنية، وتغني معها أحيانًا وهي تنظر لقؤاد الذي يضع الغرامافون على جدار الشرفة موجهًا بوقه إلى الساحة. فتقول له:

– ذكرتني بغرفتنا المعلقة في أعالي قاسيون؛ وصراخنا يتصادى سياسة وفنًّا!

تاركا الغرامافون يصدح يعود فؤاد من الشرفة، ويستلقي بجوارها قائلًا:

– ذكرتيني يا أمل بالكاتب الأردني تيسير سبول يلي كتبت عنه في رواياتك الأولى وقت دقّ على شباك غرفتنا بعد هزيمة حزيران 67 ورمى لنا روايته “أنت منذ اليوم”، وصعد إلى قمة قاسيون ورمي نفسه.

المشهد الثامن

 القاهرة بالأبيض والأسود. والكاتبة بالألوان

تخرج الكاتبة بعمرها الحالي من مبنى الأوتيل القديم. وتبدو كمن هو ذاهب إلى موعد حميمي. ترتدي ما يشير إلى الذوق الذي كان سائدا. شعرها ملفوف بموديل آنذاك أيضًا. تضع على عينيها النظارات، تمامًا كما كانت في زيارتها مع فؤاد. تنخرط بين المارة دون تأفـف؛ تتأمل المحلات والمارة كما هم اليوم؛ تبدو وكأنها تتخيَّل أنها برفقة فؤاد.

تتجوَّل في شوارع صغيرة، إلى أن تعثر على شارع شامبليون حيث زارا يوسف شاهين في مكتبه. وصالة السينما التي كانت قد شاهدت فيها مع فؤاد فيلم “الندم”. تتوقَّف قليلًا، تتأمل بوسترات الأفلام التي تملأ الواجهات الزجاجية.

المشهد التاسع

 القاهرة بالألوان

في التاكسي في لحظة اختناق مروري، نلاحظ الكاتبة اليوم. والمطر يهطل بغـزارة. وبعد الخروج من الازدحام يتوقف السائق ويشير لساحة التحرير والمقهى الذي تقصده.

تهبط من التاكسي وقد حلَّ المساء. وتعبر الشارع تحت المطر. متَّجهة نحو المقهى المقابل. تخترق جدار النايلو؛ وتجلس إلى طاولة على الرصيف، ومن خلفها بوستر الفيلم المحبب لنوار.

 تطلب القهوة وتدخن ثم تخرج مفكرتها وتكتب:

_ “الأحداث التي شكَّلت وعينا، والشخصيات التي زرعت قيمها وتجاربها في داخلنا ماتت أو سقطت في عنكبوت الممالأة أو الخرف. أحس أن رائحة تلك الأيام تائهة؛ وصوتها يتباعد؛ وصورها أشبه بالرسوم المتحركة.

خلال الكتابة يقف نوار قبالتها وراء الغطاء البلاستيكي يحمل مظلته، يلتقط لها صورة مع بوستر فيلم “أجنحة الرغبة” من خلفها. ثم يتسلل خفية ويقف وراءها وهي تكتب، وهو يقرأ بصوته ما تكتبه.

بوستر فيلم اجنحة الرغبة

تتوقَّف عن الكتابة وتطبق مفكرتها، وترفع رأسها نحوه وتقبِّله ويقبِّلها معلقًا:

– إذن ألف يوم ويوم؟

_ وين كنت سايحة على حلِّ شعرك يا حلوة؟

– كنت عم بستعيد شبابي

– حلوين المصريين! (يغمز بعينه)

_ المصريات قصدك! يلآ دبر حالك لنشوف!

 يوشوشها:

– ما في أحلى منك! قبل ما نروح عالسينما عازمك على العشاء!

تنهض وتلمم حاجياتها؛ ويضع نوار على الطاولة ثمن القهوة ويخرجان.

المشهد العاشر

يسير الاثنان ويمسك نوار بيدها ويحميها بمظلته من المطر، وحين يجد نفسه أمام “ماكدونالد” يدفع بها إلى الداخل قائلًا:

– تعالي لتتذوقي طعم العصر!

المشهد الحادي عشر

 صالة الطعام ما كدونالد

يقود نوار أمه إلى طاولة تطل على المطعم كله. ويقول لها:

– تأملي العصر أيتها الكاتبة! ريثما أحضر الوجبات!

تتأمل الكاتبة المكان والشخصيات المتحركة بعجلة بين الزبائن والعاملين والعاملات من مختلف الألوان البشرية. يعود نوار حاملا طبقًا كبيرًا؛ ويقول وهو يرصف العلب الكرتونية العديدة على الطاولة:

– ماكدونالد اختراع يسود العالم اليوم، ويقدم لك طعامًا ليس لـه أي علاقة بالجوع أو الشبع.

يجلس أمامها ويقول تفضلي لأن المكان ليس للكتابة؛ فتبدأ بتفحص العلب العديدة وتتذوق بعضها بينما ينغمس نوار في الطعام معلقًا بسخرية واضحة:

– طعام من الوهم! هذا طعام لـ “البليزير”.

تعلق قائلة:

– منذ انهار جدار برلين صار الماكدونالد هو البليزير.

– تخيلي من يختار للعمل لديه؟

ينظران نظرة بانورامية للعاملين الذين في حركة دائمة دون أي توقُّف عن العمل، ويتناهى صوته إليها قائلًا:

– شباب وشابات في أوائل العمر؛ ويتقصد أن يكونوا بيض وسود وصفر…

تعلق قائلة:

– والزبائن أيضًا بيض وسود وصفر! فهذه ظاهرة! مثل نانسي عجرم! هي أيضًا للبليزير.

يعلق قائلًا:

– ذكرتيني! مرة كنت عم بقرأ بشي كتاب؛ من الكتب يلي أخذتهم من مكتبتك عن الشخصيات السياسية في ذاك العصر… والذين حين تحقـق الاستقلال أخذوا يحاولون بناء دولة سوريا. أنا عم بقرأ ضحك من أعماقي. فشكري القوتلي رئيس الجمهورية حين يكون لديه رئيس جمهورية لبلد ما ضيفًا؛ كان يطل على زوجته في المطبخ، وهي تطبخ ويسلم عليها ويدعو لها بالعافية؛ ثم يعود لضيوفه ليتابع محادثاته معهم. وحين تدعوهم زوجته للغداء؛ ويتحلق الرئيس الضيف والوفد حول الطاولة، كان شكري بيك قبل الجلوس للطاولة يتقدم ويقبل يدها أمام الجميع.

وخالد العظم وزير الخارجية بنظاراته العتيقة والتي لو كان حيًّا، لاشترى مثلها من البسطات الكثيرة – كان حين يكون على سفر؛ يطلب من زوجته أن تعدَّ حقيبة سفره، ويذكرها أن لا تنسى أن تعدَّ له قطرميزين صغار؛ لـفطوره “مكدوس” ولعشائه “لبنة”.

المشهد الثاني عشر

 القاهرة. البيت الذي يسكنه نوار

تستلقي الكاتبة على السرير على وشك أن تغفو؛ ونوار يجلس إلى الطاولة غارقًا في العمل على الكمبيوتر…يسألها عن بعد دون أن يلتفت نحوها:

– بتعرفي المويزك أوبرجين؟

تظن أنه لا يعرف معنى كلمة “أوبرجين”، فتجيب مصحِّحة:

– لك ابني أوبرجين معناها باذنجان!

يلتفت نوار نحوها بحب، ويبتسم بسخرية ثم ينفجر بالضحك وينهض حاملًا “اللابتوب” ويتجه نحوها، ويجلس على طرف السرير بجوارها:

– راح سمَّعك!

إذا كان الأوبرجين باذنجان ياريت جبتي لي معك مكدوس!

فهذه الموسيقى للفيلم الذي أريد أن أحققه عنك

ثم يهبط إلى الأرض قبالتها، ويضع مرفقه على طرف السرير، ويطوي كفه كقبضة، ثم يقول:

_ لنتكاسر!

فتقول وهي تطوي قبضة كفها أمام قبضته في حال من التحدِّي والمزاح:

– فمن يغلب الرواية أم السينما!

– يلا!

تبدأ المكاسرة بينهما وهي تروي وتقاومه قائلة:

– لما طلع أبوك أول مرة من السجن؛ سألته كيف كان يقضًي وقته؟ قال لي بدك تكتبي؟ تعالي معي لإريك وأخذني إلى صحراء الملح يلي وراء السجن.

المشهد الثالث عشر

(فلاش باك) أبيض وأسود

صحراء من الملح

الكاتبة وفؤاد بالعمر الذي ظهرا به من قبل، وبألبسة عملية ويومية في صحراء من الملح ويتناهي إلينا صوت الكاتبة وهي تقول:

– يومها ارتمى ورماني على الملح كنت صبية وحلوة يوميتها.

يرتمي فؤاد ويرمي بها قائلًا:

– راح أرجيك حبك شو عمل فيي…

الاثنان في خلاء مقـفر وكثبان من الرمال البيضاء. وهي ترش وجهها بحبات الرمل الأبيض، وتترامى على صفحته وتدور ملتفة عليه وداخله كمن يريد أن يلتف به؛ وفؤاد بجوارها يعانقها ويلتف بها كمن يريد أن يتحول إلى ملح ويذوب، كل ما هو عليه من أفكار ومشاعر ويأس. فتحيلهم الشمس بياضًا في بياض. وفؤاد يصرخ:

– آه كم أحبك يا أمل!

المشهد الرابع عشر

دمشق/ بيت الكاتبة في دمشق

تجلس الكاتبة إلى طاولتها وتحكي مع نوار وهي سعيدة بالحوار؛ ويتناهى لنا ما يقوله نوار على الشاشة أمامها:

– ما عم أتذكر!

فتقول:

– المهم مين غلب أنا ولا أنت؟

– السينما طبعًا!.

– تذكر مشان السينما تبعك أني قلت لك لا يغيب حفيف ملابسه وهو يخطو من حولي؛ حتى وهو في سجنه من جديد، ويتأمل الصحراء الملحية في وحدته.

يتناهى لنا كأن أحدًا يقرع جرس الباب الخارجي.

 – سامع؟!

 – شو؟

– الباب عم يندق؟ بركي أبوك! خليك معي لشوف

تنهض بلهفة وعلى عجل إلى الباب وهي تشعر بالتوجس. تلمس الباب بتردد. يتناهى لنا دقات قلبها! تستند بكفيها على الباب، وتتحرك شفتاها دون صوت:

– فؤاد؟

تحبس تنفسها، وتطل بهدوء وتنظر في العين على الباب. يبدو لها شيء ما! تفتح الباب فتجد نفسها أمام فتاة في نحو السابعة من عمرها تحمل وعائين للماء، وفي عينيها دموع؛ تنظر بين لحظة وأخرى خلفها بخوف؛ كأن أحدًا قد يتبعها! ثم تقول:

– ممكن عبي من عندك مي؟!

– ما عندكم مي؟!

– مقطوعة.

– هلأ بعبيلك

تنظر إليها بتمعُّن وتسألها:

– من وين انتوا؟

– نازحين؟

تنتبه الكاتبة إلى ملامحها فتقترب منها أكثر، ويظهر على وجهها شيء من المودة. تخرج إليها وتمسح على شعرها؛ وتتأمل وجهها من جديد، فتبدو لها تشبه صورتها في صغرها، تقول لها:

– تعالي معي شوي

تسحبها من يدها وتوقفها أمام شاشة الكومبيتروتقول لابنها:

_ شوف هالممثلة الصغيرة لأفلامك!

 تقف وراء الفتاة وتضمها إليها وتمسد شعرها وتقول له

– شوف أديش بتشبهني لما كنت صغيرة!

هي لقيت لك ممثلة جيب الكاميرا وتعال صور. رايحة عبي لها مي؛ مقطوعة المي عند النازحين! باي يا روحي!

تطبق اللابتوب وتأخذها من يدها، وتملأ لها وعائي الماء. وتقول لها:

– كل ما احتجتم لشيء تعالي لعندي.

تخرج الفتاة وتطبق الكاتبة الباب من خلفها وتسند رأسها إلى الباب.

تلتفت إلينا فتبدو غارقة في التفكير ثم تنفث زفيرًا عميقا وتقول وهي تسخر من نفسها:

– يـــه ! نسيت اسألها وين مقيمين!؟

المشهد الخامس عشر

  بيت الكاتبة

تتَّجه الكاتبة وتمضي بهمَّة إلى المطبخ، تتناول وعاء القهوة وتملؤه بالماء؛ وتضعه على الغاز؛ وتوقد النار؛ وهي تترنم كلمات أغنية “ليت للبراق عينًا”. ثم تضع البن في وعاء القهوة وتحركه، فيلفت نظرها صوت الملعقة تدور في الوعاء. تصغي للصوت قليلًا؛ ثم تتـنهَّد بعمق، وترفع رأسها عاليًا وتقول:

_ الله يرحم ترابك يا أمي!

تلتـفت نحونا وتمزج بين غنائها وكلامها وهي تبتسم وتقول:

– كان آخر ما قالته لي “فؤاد قد ما طول سجنه احميه فهو رجل شهم!

تطف القهوة وتنسكب فوق النار. وتعبق رائحة القهوة؛ فتـشم الرائحه وتقول لنفسها وهي تغمض عينيها:

– آه ! شو كنت تحبي ريحة القهوة وأديش كنت تحبي تشربيها معه! وكل ما طلع من السجن كان أول شيء يجي لعندك ويشربها معك.

تسكب لنفسها فنجانًا، وتشعل سيجارة وتدخن. ثم تحمل الفنجان وتتجه إلى النافذة وتطل على الشارع.

من وجهة نظرها؛ نرى المدينة بإضاءات خاصة؛ لا علاقة لها بالزمن الواقعي حيث هي الآن. فالجسر المتحلق حول دمشق يتلامع بخصوصية تشبه السكاكين. السيارات التي تعبر عليه تبدو لها أشبه بالدمى الملونة.

تعود عن النافذة، وتنظر إلى الأشكال التي رسمتها رواسب القهوة؛ على جدران الفنجان بين يديها. فتـرى ونرى نحن ما تراه؛ وهو يدور بين يديها ببطء؛ رسمًا يشبه حصانًا ينظر إليها ويضحك!

المشهد السادس عشر

بيت الكاتبة

هذا المشهد يتطلب تصويرًا أولا ثم تمازجًا سينمائيًّا خاصًّا.

تخرج الكاتبة من المطبخ فترى جدران الصالون مرايا تنعكس داخلها صورة لها؛ تتقدم نحوها وتقف أمامها. ونرى الصورة في المرآة وهي تحتقن بالدموع، والدمع يسيل ويخترق المرآة، ويقطر على صفحتها،

تتلمس الكاتبة الدموع في المرآة؛ فتخذ عروق المرآة أصابعها وتختلط على المرآة الدموع بالدم. تدير ظهرها للمرآة فتفاجأ قبالتها بصورة أبيض وأسود لفؤاد على مرآة الجدار المقابل. عاري البدن؛ يقف ويرتجف بردًا. ثم تدخل يـد ضخمة وقوية؛ وتسفح الماء بمقصٍّ كبير وتقص له شعره الطويل، وتكسوه. ثم تطبع قدميه؛ وبصمات أصابع يديه.

على المرآة تظهر صورة فؤاد بألوان ووضوح كأنها مصورة اليوم.

تفاجأ الكاتبة حين ترى في المرآة بابًا حديديًّا كبيرًا يفتح ويخرج فؤاد منه في البعيد، ويتناهى صوت الباب يفُتح ويغلق من خلفه.

المشهد السابع عشر

في مكان خارجي نرى في البعيد تلة بعيدة يتصدرها الباب الحديدي الذي رأيناه في المرآة. وطريق ترابي طويل

نرى فؤاد في البعيد يتجه نحونا بما رأيناه من لباس؛ ويحمل كيسًا قماشيًّا أبيضَ؛ ويسير على طريق ترابي؛ ويقترب بالتدريج.

(في اقترابه منا؛ نلاحظ أن ثمة شيئًا ما يتغير في مظاهر عمره وملامحه. وحين يصل الى القرب منا يبدو لنا بهيئته الحالية التي سيظهر بها هذه الأيام).

في القريب منا ينظر للكاميرا وكأنه يرى أمل زوجته تنظر إليه بفرح؛ ومن ورائها المرآة. يهز رأسه مبتسمًا؛ ويرفع يده محييًا، ويقول:

– اشتقت لك يا آمل.

 نرى أمل في وقفتها ذاتها بحجم قريب جدًّا ببسمة لم يسبق أن رأيناها في وجهها.    يتقدم فؤاد من الكاميرا، ويلمس العدسة بحنان ثم يقبلها ويشمها. ثم يطبُّ برأسه على صفحتها.

المشهد الثامن عشر

 صالون بيت الكاتبة ذاته

في غروب النهار ذاته تتحرَّك الكاتبة بحيرة وكأنها لا تعرف ماذا تفعل؛ تدور في المكان وتردد:

– والله ما عم بعرف يلي عم شوفه منام! ولا حقيقة؟ ولا رواية عم بكتبها أو كتبتها.

في حيرتها تنقر بشيء من الميكانيكية؛ على الكيبورد وتدعو نوار! لكن نوار خارج التغطية. فتبعث برسالة صوتية تقول وهي ترتعد:

– لك يا نوار يا روحي طلع أبوك!

ثم تهرع إلى الباب الخارجي وتفتح مصراعية. ثم تجلس. ثم تطل على السلالم وتجلس تنتظره. ثم تنخطف إلى الحمام وتتأمل نفسها وتصلح شيئًا من وجهها، ثم تجلس في مكان في الصالون وتنتظر. تنير الأضواء. تشغل التلفزيون. تهرع إلى الحمام، وتبدأ بالكحل على أطراف عينيها. وتنتبه حين يقطع التلفزيون برامجه؛ ويبث نشرة جوية عاجلة تقول:

_ ” تتعرض منطقتنا الآن إلى أحوال مناخية طارئة؛ وتسيطر على المنطقة؛ عاصفة صحراوية عنيفة آتية من الربع الخالي. وتغطي منطقتنا والساحل الشرقي للبحر المتوسط تؤدي إلى اقتلاع الأشجار والأشرطة الكهربائية وإلى حرائق محتملة”.

تخرج من الحمام وتجلس منتظرة. ثم تتقدم أكثر من الباب الخارجي. تتناهى أصوات الرياح وتشتد تدريجيًّا وتقوى محملة بالغبار الصحراوي؛ وتبدأ بالتسرب للبيت، وينتشر في فضاء الصالون وهي لا تعطي بالًا أو اهتمامًا. مع غياب الشمس وبدء العتمة بالتسلل تدريجيًّا. تتناهى خطوات فؤاد على السلالم؛ فتهب الكاتبة إليه، ويتراميان في عناق حميمي، وكل منهما يشد الآخر دون أن ينفكا عن بعضهما.

ما يزيد من عناقهما وقبلاتهما انقطاع الكهرباء؛ وغوصهما في العتمة. وتبادل الوشوشات.

المشهد التاسع عشر

حين تعود الكهرباء تجد الكاتبة نفسها وحيدة في البيت، تتحرك دون أن تثبت في مكانها؛ تتأمل وتلحق به وكأن البيت لا يتسع له؛ ولا يكفيه مما اعتاده في زنزانة ضيقة؛ وكأن كل شيء متاح ليعبره. وكلما أحست أنه يتحرك خطوة ليلم شمله في البيت يتناهى لها أنه ينادي لها.

_ أمل.

 وينادي ابنه نوار حتى وهو على بعد نأمة صغيرة عنه. دون أن يحس بالعواصف وهي تعصف بقوة؛ ولا بأصوات القذائف المنبعثة بقوة، ولا بتكسُّر زجاج الجدار الخارجي، أو الغبار الصحراوي وهو يسود أجواء البيت كلها. يدوي صوت انفجار قوي؛ يهز كل شيء من حولها بقوة؛ وتـترامى اللوحات المعلقة على الجدران، ويتكسر زجاجها؛ وتتلوح المصابيح؛ ويهتز حوض الأسماك وتتفكك جدرانه الزجاجية وتتكسر، وتتـناثر الأسماك الصغيرة بين أرجلها وشظايا الزجاج.

وكمن فقد نفسه تأخذ بجمع الأسماك وهي تبلعط في أكفهما. تسأله والسمكة بين يديها كأنه أمام عينيها فعلًا:

– عم تضحك ولا عم تبكي؟

بين تناثر اللوحات والإطارات والأسماك الصغيرة؛ تتراجع الكاميرا وتلتف، لنرى المدينة وراء الغبار تغلفها طبقة من الغبار الأصفر. وعلى أسطح البنايات المجاورة أسراب من الغربان التائهة.

المشهد العشرون

في الطريق من مطار دمشق

في التاكسي المتجهة إلى دمشق؛ يجلس نوار في المقعد الخلفي؛ يلتقط الصور للأماكن والوجوه التي يصادفها؛ ويستمع لكلام أمه على الهاتف:

– نوار! الحمد لله على سلامتك! بس لأنه باقي لي في الرواية الفصل الأخير؛ نسيت أخبرك أن أبوك نصحني روح لبيت أمي بحمص؛ ونوار يجي لعندك.

– هلا وينو أبي؟

– سافر على مصر. وهو قال لي: ويصور فيلمه معك بحمص! بس دير بالك، لا تشغل باله هلأ! بالتواصل بينك وبينه!. خليه يرتاح شوي. وينك لا تشغله بشي!

يتوقف نوار عن التصوير، ويجد نفسه حائرًا في ما عليه أن يفعله الآن. يسأل السائق:

– بتقدر توصلني لحمص؟

– لحمص؟!

يهز نوار رأسه مؤكدًا، يضحك السائق ويقول:

– بيسرني!

ينظر إلى نوار في المرآة قائلًا:

– ما أنا من حمص!

– بتعرف حمص منيح؟

– بعرفها شقفة شقفة!

– ليش عم تشتغل هون؟

– نازح!

– شد لحمص قبل ما تعتم العين!

خلال الطريق يخرج نوار الكاميرا من حقيبته، ويضبط موقعها أمامه ويلتقط أنفاسه، ويقول للكاميرا:

_ “حين بعثت بي أمي إلى روما؛ لأدرس السينما، أخذ شعوري تجاهها يتحول تدريجيًّا من ذات تحتلني؛ إلى قضية تشغلني! كأم وعاشقة وكاتبة… ما ساعدني كثيرًا في دراستي والتقاط ما أريد التعبير عنه. ثم أخذت تتطور في داخلي الصدمة العميقة التي عاشتها أمي، بين ما كانت تحكيه عن الماضي وما حدث لأبي ولسوريا. وهو ما أريد أن أكرسه في السينما التي أحقِّقها”.

يوقف التسجيل ويتأمل الطريق حوله.

المشهد الحادي والعشرون

 حمص. ساحة الساعة

يتوقف التاكسي، ويخرج نوار من السيارة وهو يتكلم مع أمه؛ ويعطي السائق الموبايل فتصف له كيف الوصول إلى البيت. بينما يتأمل نوار الساحة ويلتقط الصور. يعود السائق ونوار للسيارة ويمضيان، بينما يتناهى إلينا صوت الكاتبة تصف للسائق الطريق. (وصف الكاتبة كما كانت الأمكنة عليه؛ ونرى صورة الأمكنة اليوم حيث بيت الجدة).

المشهد الثاني والعشرون

بيت الجدة

عصر ذاك اليوم كانت الكاتبة تقف وراء باب التوتيائي؛ مع هاتفها الجوال تتابع عبر ثقوب التوتياء السائق يشير لنوار إلى الباب. تستدير وتستند بظهرها للباب وتتمتم مع نفسها:

– في تلك اللحظة غدت قدماي وكرًا للنمل.

ثم تهمس مع نفسها وخيوط العرق تتفصد منها وترتسم على صفحة التوتياء.

– لن أتركه يغيب عن عيني بعد اليوم!   

المشهد الثالث والعشرون

 يمضي التاكسي ويبتعد. بينما يقف نوار يتأمل الباب التوتيائي بغرابة. ثم يبدأ التصوير ويتقدم بهدوء وصمت. وفي قربه من الباب؛ تـحاول الكاميرا البحث عن أمه بين الثقوب الصغيرة للتوتياء، ويلتقط شيئًا من عينيها ويديها أو قدميها. يدق الباب:

– يتناهى من وراء الباب صوت جدته يسأل:

– مين؟

يضحك وقد أدرك أن أمه مقلدة أمها؛ فيلاعبها بلهجة حازمة مقلدًا جده:

– لك حياة! افتحي الباب!

– لحظة لحط شيء على راسي ابن عمي!

تشق الباب التوتيائي قليلًا؛ فنرى القليل من وجهها خافضة بصرها! وتقول:

– تفضل ابن عمي الحمد الله على سلامتك!

يدفع الباب بقدمه وهو يصور؛ ويتأمل فسحة الدار ليرى إلى أي من الغرف قد هربت أمه.

يتناهى إلينا صوتها مقلدة أمها من الغرفة المقابلة تقول:

– يا ريت وصلت بالسلامه امبارح؛ كنت شفت أمل بنتك! كانت هي وجوزها فؤاد وابنها عنا هون، ومشتاقين لك كثير!

يتقدم نوار بالكاميرا من نافذة الغرفة؛ ويرى طرفًا من جدته وراء الستارة من خلال مرآة الخزانة. تفتح باب الغرفة فتظهر أمامه كأنها أمها وقد ارتدت فستانًا من عصر آخر؛ وتلف رأسها بغطاء يخبئ شعرها. وتتحرك بلهفة وعلى عجلة من أمرها من مكان إلى الآخر (كأنها تهرب من أمامه) وهي تقول:

– يا آهلا وسهلا! ايه الحمد لله على سلامتك؛ والله ما كنت عرفانه لحضر حالي واحتفـل برجعتك بالسلامة.

تفتح صنبور “البركة”، ثم تضيء الأضواء؛ تهرع إلى المطبخ؛ والكاميرا تطاردها. لكنها تغلق باب المطبخ في وجهه وهي تقول:

– يه! من غير شر! ما أحلاك فايت على المطبخ!

تتابعها الكاميرا من النافذة

– أعمـلك قهوة؟ ولا جوعان؟ طبخت لك شاكرية؟

تبدأ تحرك طنجرة اللبن على النار، يتأملها فتبدو كأن زمنًا طويلًا قد مضى؛ منذ أن رآها آخر مرة. على الرغم من اختبائها في ثوب أمها، فإن جسدها قد نـحل كثيرًا، ووجهها شاحب،  تقول وهي منهمكة مع استواء الطعام في الطنجرة:

– شو شاكريه راح تأكل أصابيعك وراها!

المشهد الرابع والعشرون

يبعد نوار الكاميرا عن عينيه؛ ويقول لأمه الواقفة في المطبخ:

– تعالي نشرب القهوة هلأ!

– وانا جاي على بالي اشرب القهوة معك.

تبعد الطنجرة عن النار؛ وتقول وهي تحمل “البابو” وتمده للكاميرا:

– ولاد الكلب سرقوا كل شيء في البيت؛ وتركوا لنا البابور؛ مشان برجوعنا لورا؛ ونعيش بهديك الأيام.

ترمي بالبابور خلفها بنزق.

– اسبقني واقعد لاحقتك بالقهوة.

يتحرك نوار نحو البحرة، ويجلس وصوت أمه تترنم أغنيتها “ليت للبراق عينًا”.

تخرج إليه حاملة القهوة؛ وتقول:

– وحياة عيونك هي قهوة تازة جبتها اليوم وهي عم تتحمَّص.

ثم مستدركة وهي تضحك بعمق:

– حضَّرت كل شيء نحتاجه بها الكام يوم الباقية…

تضحك وتسأله:

– عم تشم ريحة النظافة؟

تمسك طرفًا من الروب الذي ترتديه وتشمه وتقول:

– عم بتذكر ريحة أمِّي. ما لقيت شي من ملابس أبي؛ لإلبسك ياها وقت نمثل! سرقوهم ولاد الحرام!

تجلس قبالته إلى جوار البركة وهي تقول:

– شو وين شردت يا أمي؟!

– عم فكر

– لسه عم تدخن؟

– اخلعي لي هالغطا عن رأسك!

تقول:

– ارمي لي سيجارة!

يرمي في حضنها علبة السجائر وعينيها لا تفارق النظر إليه. تتناول علبة السجائر وتتساءل:

– شوهاد فرنساوي؟

تستل سيجارة وتقطع الفلتر وهي تقول:

– ما قدرت اشرب القهوة معك بدون سيجارة.

ينهض نوار فتقول بخوف:

– لوين؟

– شعلك!

– بشعل لحالي!

– علمونا الرجل عيب ما يشعل السيجارة للمرأة.

– أنا يلي بيعرف شو علمونا وشو ساوا فينا!

يتقدَّم نحوها وقد وضعت السيجارة بين شفتيها وهي تنظر إليه، يقف قبالتها تمامًا، يتأملها وبيده القداحة عاجزًا أن يقدح لها؛ فيضع يده على ظهرها ويشدها إليه ويسند رأسها على صدره؛ ويغمض عينيه ويشمها مرة ومرات ثم يقبل رأسها. ثم يشعل سيجارتها؛ ويعود ليجلس في مكانه.

تمج سحبة طويلة من السيجارة؛ ثم تنفخها وتلتمع دموعها بين سحب الدخان.

– بتعرف؟! لما شفته حامل الكيس الأبيض وجاي على بيته! ما عاد عرفت إذا كنت عم بعيش رواية ولا حقيقه؟.ولما شفته كيف عم يتحرك بالبيت من قرنة للتانية؛ وكل خطوة يصرخ يا أمل لك وينك؟ ايمتى جاي نوار؟ وكل ما قله أنا معك يا فؤاد. والدنيا عواصف وبرد؛ وقذائف والبيت كله عم يهتز؛ ولما عانقني حسيت حالي بين ايدين أمي وأبي!   

يلا قوم أنت أكيد تعبان وجوعان، أنا عازمتك على العاصي لنتعشى!

– وين الشاكرية؟

– شو صدقت ! ما كنا عم نمثل !

تنهض وتتجه على عجل إلى غرفتها وتغلق الباب خلفها.

المشهد الخامس والعشرون

 شوارع إلى العاصي

تجلس الكاتبة في التاكسي وتحكي لابنها:

_ بصراحة يانوار لما جيت لهون؛ كنت حابة أن أريك قديش المدينة يلي بتولد فيها؛ بتضل ساكنة جواتك. وبدي خليك تشم ريحتها على الحيطان وعلى وراق الشجر على ضفاف العاصي. حمص لك ابني مثل الأم يلي بتلم سوريا على بعضها!

المشهد السادس والعشرون

في مقهى مكشوف مطل على نهر العاصي ليلًا

تجلس الكاتبة وابنها إلى طاولة بجوار النهر. ويقف النادل ليفتح زجاجة النبيذ؛ بعد أن كان قد افترش على الطاولة صحونًا مختلفة من الطعام. يقتلع السدادة ويتساءل من سيتذوق فتشير له إلى ابنها؛ فيصب له قليلًا. يتذوق نوار ويهز رأسه إيجابًا، ويصب النادل ويرفع نوار النخب قائلًا:

– بصحتك!

فتقول:

_ شغّل هالكاميرا يا أمي لأحكي لك شو صار فينا اليوم، ولوين وصلنا…

يستجيب نوار ويوجه الكاميرا نحوها ويصور ما تقوله للكاميرا بوثائقية:

_ لازم تعرف أن الشخصيات التي كتبت عنها في رواياتي؛ لأني أشتهي أن أكون مثلها.. فقد كانت أكثر حرية… اليوم كلما اندفعت للكتابة؛ أشعر كأني ألملم ما تبعثره الرياح. فالصراع ليس خارجنا فقط؛ بل فينا نحن.

المشهد السابع والعشرون

بيت الجدة

يفتح نوار عينيه من نومه قي غرفته على صوت أمه تناديه مستنجدة:

_ يا نوار تعال يا أمي فيقني! تعال يا بنيً طالعني من ها الكابوس!  عم تسمعني يا نوار.

ينهض نوار بقلق، ويهرع إلى أمه. لكنه ما أن يفتح باب غرفته؛ يجد أمه تفتح باب غرفتها بهلع، وتستنجد تارة بالسماء وتارة به !. فيفاجئه أن وجهها وملابسها قد ارتشت بالبيض. فهي تصرخ نايمة والتلفزيون شغال

_ ولا فؤاد ما له محبوس بين الناس، عم يطلع فيهم وهم واقفين بوجهه يسدون على الطريق في وجهه؛ وعم يطلع يمين وشمال وانا عم بصرخ أنا هون يا فؤد ! وهو يصرخ أنا عم بصرخ سوريا ! وما شوف إلا وهنه عم يضربوا البيض عليه؛ وها البيض يطلع من التلفزيون ويرشني !      

فتحت عيوني وما صدقت حالي وين أنا؟ لقيت هالبيض على روبي وعلى وجهي!

خلال ما ترويه عن منامها وهي مكللة بالبيض، تقول وتصرخ وتتحرك في مكانها، وتدور وتحكي مع شجرة الليمون ومع الحيطان والباب والشبابيك؛ ويحاول نوار عبثًا تهدئتها والتخفيف عنها، تارة يضمها أو يدخلها إلى غرفتها؛ لكنها كأنها فقدت السيطرة على نفسها؛ وتحاول أن تفلت من يديه وهي تردد:

– ما عاد جاي على بالي أسكت!

خلص! ما بدي اسكت!

والله الموت أحسن!

اتركني يا بنيً!

ما بقى بدي عيش!

خلال هذا الكلام تفلت من بين يدي نوار؛ وتصرخ في أرجاء البيت، وتصعد وتدور في أرجاء الطابق العلوي؛ بينما يركض نوار وراءها من مكان إلى آخر، وهو يرتعش رعبًا وقلقًا.

المشهد الثامن والعشرون

بيت الجدة ـ غرفة الكاتبة

الكاتبة مستلقية على الكنبة الطويلة، بجوار النافذة المطلة على فسحة الدار؛ حيث شجرة الليمون. مغمضة العينـيـن. يجلس نوار قبالتها، ويمسك بيديها بين يديه. ويحس البرودة الممتدة في أرجائها. يترامى بين يديها ويقبلهما ويشمهما ويمرغ رأسه بهما. ثم تشهق وتغص الأحرف؛ وتحاول أن ترمم الكلمات فتتعثر الأحرف، يرتمي نوار عليها باكيًا؛ ويعانقها ويضمها.

المشهد التاسع والعشرون

  بيت الجدة

يتناثر في البيت النساء والرجال، ممن يعملون في مكتب دفن الموتي. وتتناهى أصوات مواقد النار من المطبخ، وينبعث بخار الماء المغلي. تظهر من باب المطبخ امرأة تلتف بالملابس السوداء؛ وتغطي رأسها بمنديل أسود. تقول لنوار الواقف بحزن إلى جوار باب غرفة الأم:

– جيبها!

يدخل نوار إلى الغرفة؛ ثم يخرج وهو يحملها، وقد بدت كتلة متراخية وثقيلة وباردة؛ ويرتمي رأسها إلى كتفه ويلتصق بعنقه. يتأمل وجهها الشاحب، ويحاول أن يردد لها شيئًا من الكلمات الأخيرة لروايتها التي لم تكتمل. وفي طريقه إلى المغتسل الأخير؛ يسعى بكل ما لديه من حب أن يمنحها شيئًا من الدفء؛ بضم وجهه لوجهها؛ وينفض بعضًا من نثرات الثلج التي كان قد غمر جسدها به؛ بين ليل أول أمس ونهار اليوم.

في المطبخ الذي يعج بالنساء الملتفات والمغطيات بالسواد؛ وبين سحب البخار، يدخل بها في البخار، ويمددها على المنصة الخشبية العتيقة. ثم يستأذن النساء لحظة ليحضر شيئًا؛ ويخرج على عجل، ويحضر من غرفتها زجاجة العطر الخاصة؛ ويعود إليها، ويضعه على طرف المغتسل الخشبي، ويطلب منهم سكبها كلها عليها في النهاية.

يبتعد.

يتناهى له من مكبر صوت سيارة الجنازة؛ تراتيل مقاطع من رباعيات الخيَّام. يتجه نحو الصوت؛ ويخرج من البيت ويقف مستندًا إلى الباب التنكي. يتأمل السيارة التي ستحملها إلى قبرها.

بعد لحظات يخرجون بها، ويضعونها في السيارة. تتحرك السيارة باتجاه المقبرة.

يمشي نوار وراء السيارة وحيدًا؛ مع التراتيل المنبعثة من مكبر الصوت التي تردد رباعيات الخيام، وتبتعد.

النهاية

فاصل اعلاني